هذا العنوان هو إجابة عن سؤال متداول بيننا وهو: لماذا تتقدم الدول حولنا؟ مما لا شك فيه أن الشعوب تتقدم بفضل العلم، والإنسان لا يرتقى إلا بالثقافة والأفراد لا يصعدون إلا بالمعرفة، فالعلم إبداع والجهل فوضى، العلم كالهواء والغذاء يُنمى العقل والجسد، والجهل يترهل ويتضاءل من الفكر، خاصة فى عصر الانفجار المعرفى للمعلومات التى تتدفق ويستفيد منها صاحب العلم ويقطف ثمارها، أما الجاهل فيزداد جهلاً ويبتعد عن النور ويعيش على بُعد مسافات ضوئية بينه وبين التقدم.
لم نقصد أحدًا!
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
متى تخشى على إيمانك؟
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
كان الكثير من البشر الأوائل يؤمنون بأن قوى غيبية هي السبب المباشر وراء الظواهر الطبيعية التي يشاهدونها بأعينهم، فبعض الشعوب البدائية عندما كانت تسأل عن سبب حدوث الرعد مثلا يقولون إن السبب من ورائه هو إله الرعد زيوس، وعندما تسأل بعض المسيحيين الأوائل السؤال نفسه فسيقولون إنه المسيح، بينما لو سألت بعض أسلافنا المُسلمين لقالوا لك إنِّه الله جلت قدرته.
إن أحد وجوه الاستدلال على وجود الله عند بعض الناس كان قائمًا على عدم قدرتنا على تقديم تفسير للظواهر الطبيعية، ولذا فإن العلّة المباشرة لتلك الظواهر الطبيعية كان مردّها إلى علّة غيبية والمتمثلة عند المسلم، بالله جلَّ جلاله.
لقد كان هذا الاستدلال منغرسًا وربما بقوة في نفوس بعض البشر لدرجة أن بعض علماء الطبيعة الكبار كان إيمانهم قائماً على هذا النوع من الاستدلال؛ حيث إن نيوتن مثلًا كان يعتقد أن الله يتدخل وبصورة مباشرة في موازنة النظام الشمسي ولولا تدخله المباشر لأدى ذلك لاضطراب الحركة المنتظمة للكواكب، فوفقًا لقوانين نيوتن فإن الكواكب ستتجه نحو الشمس وتصطدم بها، لكننا اليوم ندرك أن ذلك غير صحيح بسبب النظرية النسبية لآينشتاين، ولم يكتف نيوتن بذلك؛ بل أرجع وحدة الشمس؛ كونها مصدرًا للحرارة والضوء لله تعالى وبصورة مباشرة ودون وسائط مادية.
إنًّ هذا النوع من الآلهة هو ما يعبر عنه اليوم بـ"إله الثغرات"، ويقصد به أن هذا الصنف من المؤمنين يبحثون في زوايا هذا الكون عن الظواهر التي عجز العلم عن تفسيرها فينسبونها إلى الله، وهذا النوع من الاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى يدخل في صراع مباشر مع البحث العلمي ومع علوم الطبيعة؛ لأن علوم الطبيعة تقوم بتقديم تفسير علمي قائم على علل مادية توضح سبب حدوث الظاهرة الطبيعية، فيحل التفسير العلمي محل التفسير الغيبي، ولذا فان العلم هنا يشكل حالة قلق عند هؤلاء، فإذا استطاع العلم تفسير الظواهر الطبيعية من خلال علل مادية هي السبب المباشر لتلك الظاهرة الطبيعية، فان العلم ومع مرور الزمن ربما يصل إلى مرحلة من التطور لا يبقي ظاهرة طبيعية في داخل هذا الكون إلّا وأوجد لها تفسيرًا طبيعيًا، فما هو دور الله اذن؟! وكيف نثبت وجوده؟!
إنَّ الله- عز وجل- عند هؤلاء أقرب ما يكون إلى كونه نظرية علمية فهو تفسير وسبب مباشر لبعض جوانب عالم المادة، مثل حركة الكواكب والمجرات والرياح والأعاصير والرعد والبرق والامراض العقلية، واذا كان الله تفسيرًا وسببًا مباشرًا لتلك الظواهر؛ فهذا يعني بأنه يمكن التحقق من صحة هذا التفسير عبر علوم الطبيعة، ومع التطور العلمي فإن العلم أثبت خطأً هذا التفسير للكثير من الظواهر؛ إذ إن قدرة الله ليست السبب المباشرة لتكوُّن الشمس مثلًا؛ فالشمس تكوَّنت نتيجة لقوى الجاذبية وهكذا القمر والأرض، ووجود الكواكب في مواقعها الحالية إنما هو بسبب الجاذبية أيضا، وسبب حدوث البرق والرعد انما هو بسبب تلاقي الشحنات الموجبة بالسالبة، والأمراض العقلية كمرض الصرع انما هو بسبب عضوي تم التعرف عليه وله علاقة بالإشارات الكهروكيميائية للدماغ، ومع مرور الوقت سيضيق الخناق على كل من يؤمن بأن الله هو التفسير العلمي المباشر لبعض الظواهر الطبيعية.
وهذا ما يُصرِّح به بعض المُلحِدِين عندما يتحدثون عن الله؛ فيدَّعون أنهم بحثوا عن الله في مختبراتهم وفي مراصدهم العلمية، بحثًا دقيقًا ولكنهم لم يجدوه، وهم على حق بذلك لأنهم يبحثون عن الله كنظرية علمية تقوم بتفسير حدث طبيعي معين، وهناك من يصرح بأن القوانين العلمية التي تم الكشف عنها هي الإله الذي يسيّر هذا الكون.
ولذا إذا كان إيمانك قائم على هذا النوع من الأدلة، وتعتقد بأن الله هو أقرب ما يكون إلى نظرية علمية للظواهر الطبيعية التي لم يتوصل العلم لتفسير لها بعد؛ فعليك أن تخشى من العلم حقًا؛ فالعِلم في مسيرته وفي قادم الوقت سيكشف الكثير من أسرار الكون وخباياه وعن الأسباب المادية المباشرة لتلك الظواهر العلمية؛ بل وربما سيكشف الكثير من أسرار الحياة والوعي والإدراك، وسيضيق الخناق على إيمانك أيما ضيق!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر