البلاد (واشنطن)

مع اقتراب موعد انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في مدينة لاهاي، تجد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نفسها أمام لحظة حاسمة، تستدعي طرح رؤية شاملة للسلام في أوكرانيا، تتجاوز الطروحات التقليدية الرامية فقط إلى وقف إطلاق النار، نحو خطة أكثر طموحاً تتضمن معالجة شاملة لجذور الصراع، وتوازن دقيق بين الأمن الإقليمي والمصالح الإستراتيجية لجميع الأطراف.

فعلى الرغم من التعقيدات الجيوسياسية المحيطة بالملف الأوكراني، التي تتضمن تشدد موسكو، وتزايد الانشغالات الغربية في ظل التصعيد المتسارع في الشرق الأوسط، إلا أن غياب مبادرة دبلوماسية أمريكية واضحة يفتح الباب أمام تفاقم الأوضاع، ويعرض واشنطن لمخاطر انزلاق تدريجي نحو أزمات مفتوحة لا تملك السيطرة عليها بالكامل. فمواصلة الدعم العسكري غير المرتبط بخطة سياسية متكاملة؛ قد تتحول إلى عبء استراتيجي طويل الأمد، في حين أن أي انسحاب مفاجئ من هذا الدعم؛ قد يفضي إلى انهيار الدفاعات الأوكرانية، ومن ثم إضعاف مصداقية الغرب في وجه خصومه.
من هذا المنطلق، تبدو الحاجة ملحّة إلى تقديم خارطة طريق للسلام تتضمن سبعة عشر بندًا تشكل حجر الأساس لأي تسوية محتملة. تبدأ الخطة بوقف إطلاق نار دائم على خطوط التماس الحالية مع إمكانية محدودة لتبادل الأراضي بشكل متفق عليه، تليه ضمانات متبادلة بعدم تغيير الحدود بالقوة أو اللجوء إلى التخريب. وتشير الخطة إلى أهمية رعاية الأمم المتحدة لمفاوضات مستقبلية تهدف إلى تحديد الوضع النهائي للمناطق المتنازع عليها مثل دونباس وشبه جزيرة القرم، مع احترام إرادة السكان المحليين عبر آليات ديمقراطية. كذلك تشدد الخطة على ضرورة منع جميع أشكال العمليات التخريبية عبر الحدود، بما يعزز الثقة ويحد من احتمالات التصعيد المتجدد.
أما في ما يتعلق بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، فتقترح الخطة رفعًا تدريجيًا مشروطًا، مع الاحتفاظ بآلية تضمن إعادة فرضها تلقائيًا في حال حدوث أي خرق من الجانب الروسي. وتدعو إلى تحويل الأصول الروسية المجمدة إلى صندوق إعمار أوكراني تديره الأمم المتحدة، ويوزع عائداته بشكل متوازن على المناطق الخاضعة لكييف وتلك الواقعة تحت السيطرة الروسية، بهدف تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة. كما تتضمن الخطة بنودًا خاصة بضمان الحقوق الثقافية واللغوية للأقليات في البلدين، على أن تُكفل دستوريًا، بما يحد من خطاب الكراهية ويعزز الانسجام الاجتماعي.
ومن النقاط الجوهرية في هذا المقترح دعوة أوكرانيا إلى تبني حياد دائم في دستورها، والتخلي عن مساعي الانضمام إلى الناتو، مقابل تجميد توسع الحلف في مناطق جديدة، بما في ذلك استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد أي طلبات عضوية إضافية. في المقابل، تنص الخطة على اعتراف روسي واضح بحق أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى ضرورة احترام سيادتها في بناء قدراتها الدفاعية دون قيود تعسفية. ومع ذلك، تضع الولايات المتحدة قيودًا على نوعية المساعدات العسكرية التي تقدمها لكييف، بحيث لا تشمل صواريخ بعيدة المدى أو دبابات ثقيلة أو طائرات مقاتلة، تجنبًا لاستفزاز موسكو.
كذلك، تدعو الخطة إلى نشر قوات حفظ سلام محايدة تحت إشراف الأمم المتحدة، ومنع تواجد أي قوات تابعة للناتو داخل الأراضي الأوكرانية. وتتضمن ضمانات أمنية روسية في مقابل التزام أمريكي بعدم نشر قوات عسكرية في الدول المتاخمة لروسيا، مع احتفاظ واشنطن بحق التراجع عن هذا التعهد إذا أقدمت موسكو على أي هجوم جديد ضد أوكرانيا. وعلى صعيد التسلح، تقترح الخطة اتفاقية جديدة بشأن الصواريخ المتوسطة المدى، تُلزم روسيا بسحب منظوماتها من بيلاروسيا وكالينينغراد، مقابل التزام أمريكي بعدم نشر صواريخ مماثلة في ألمانيا. كما تعيد الخطة فتح باب التفاوض حول الحد من الأسلحة النووية عبر استئناف المحادثات انطلاقًا من معاهدة “ستارت”، في إطار رؤية أوسع للحد من مخاطر التسلح النووي في أوروبا.
وتتوج هذه الخطة بطرح فكرة إنشاء مجلس أمن أوروبي دائم ضمن هيكلية الأمم المتحدة، يضم الدول النووية الخمس، مع إمكانية انضمام دول أخرى مؤثرة مثل الهند والبرازيل وألمانيا، على أن يتولى هذا المجلس متابعة الأزمات الأوروبية ووضع آليات دائمة للردع والحوار.
أما على صعيد آليات التنفيذ، فتؤكد الخطة أن انطلاق مفاوضات السلام مرهون بقبول أوكرانيا وحلفائها في الناتو لهذه الشروط. فإذا وافقوا عليها، يتم طرحها على الجانب الروسي، وفي حال رفضها الكرملين، يتعين على الولايات المتحدة الاستمرار في دعم كييف عسكريًا دون تغيير. أما إذا رفض الأوكرانيون والأوروبيون هذه الخطة، فيجب على واشنطن أن تعلن صراحة أن هذا الرفض سيترتب عليه وقف الدعم العسكري الأمريكي، مع تحميلهم مسؤولية ما قد يترتب على استمرار الحرب وتصاعدها.
ويشكّل التوقيت عاملًا حاسمًا في هذا السياق، إذ يعاني القادة الأوكرانيون من ضغوط داخلية هائلة، ويحتاجون إلى غطاء سياسي خارجي – وخاصة من الولايات المتحدة – يمنحهم هامش مناورة لتقديم تنازلات قد تبدو غير شعبية على المستوى الداخلي، على غرار ما حدث تاريخيًا في تجارب مشابهة مثل خروج فرنسا من الجزائر أو انسحاب أمريكا من فيتنام. وتعدّ مواكبة واشنطن للموقف الأوكراني في هذه المرحلة الحساسة أمرًا ضروريًا ليس فقط لتحقيق السلام، وإنما للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة القيادية في النظام العالمي.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمم المتحدة

إقرأ أيضاً:

الرئيس الشرع يلتقي وكيل الأمين العام لإدارة عمليات السلام في الأمم المتحدة

دمشق-سانا

التقى رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع في دمشق وكيل الأمين العام لإدارة عمليات السلام في الأمم المتحدة ، السيد جان بيير لاكروا والوفد المرافق له.

الرئيس الشرع جان بيير لاكروا 2025-06-21malekسابق انطلاق دورة ترفيع لمدربي اللياقة البدنية في سورياالتالي الزراعة السورية تصدر إرشادات لطلبة الشهادات الثانوية المهنية انظر ايضاً الرئيس الشرع يستعرض مع رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين أعمال الهيئة وخططها

دمشق-سانا اجتمع رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع مع رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين الدكتور محمد رضا …

آخر الأخبار 2025-06-21الرئيس الشرع يلتقي وكيل الأمين العام لإدارة عمليات السلام في الأمم المتحدة 2025-06-21مراسل سانا: اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي فعاليات اجتماعية واقتصادية ودينية وأكاديمية تمثل محافظة دمشق، وذلك في دار الأوبرا، لمناقشة الرؤية الأولية للنظام الانتخابي المؤقت، والاستماع لآراء وملاحظات واقتراحات المواطنين. 2025-06-21وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يلتقي نظيره العراقي السيد فؤاد حسين، وذلك على هامش أعمال الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة في إسطنبول. 2025-06-21الطيران المدني السوري: مطار القامشلي مغلق حالياً وقرار تشغيله يصدر عنّا 2025-06-21وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يلتقي وزير الخارجية الماليزي السيد محمد حسن، على هامش أعمال الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة في إسطنبول. 2025-06-21وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يلتقي وزير الخارجية في إمارة أفغانستان الإسلامية السيد أمير خان متقي على هامش أعمال الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة في إسطنبول. 2025-06-21وزارتا الإعلام والخارجية السوريتان تبحثان تفعيل آليات التعاون الدولي بقطاع الإعلام 2025-06-21اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي فعاليات محافظة القنيطرة 2025-06-21وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يلتقي نظيره الأذربيجاني السيد جيحون بيراموف على هامش أعمال الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في إسطنبول 2025-06-21لجنة الامتحانات بوزارة الأوقاف تتفقد سير الامتحانات بدمشق

صور من سورية منوعات دراسة: الأطعمة الحارة تسهم في تقليل الشهية 2025-06-19 النساء العاملات ليلاً أكثر عرضة للإصابة بالربو 2025-06-19فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • وسائل إعلام أمريكية: الولايات المتحدة استخدمت 30 صاروخ “توماهوك” في ضرباتها على نطنز وأصفهان
  • الشرع يلتقي وكيل أمين عام الأمم المتحدة لإدارة عمليات السلام
  • ترامب: الولايات المتحدة قد تستهدف مواقع إضافية في إيران.. ويدعو لحل دبلوماسي
  • مسؤول روسي: الولايات المتحدة دخلت مرحلة حرب أهلية
  • الرئيس الشرع يلتقي وكيل الأمين العام لإدارة عمليات السلام في الأمم المتحدة
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة يلتقي وكيل الأمين العام لإدارة عمليات السلام في الأمم المتحدة
  • تحسبا لرد إيراني.. الولايات المتحدة تعيد تمركز طائراتها بالشرق الأوسط
  • غوتيريش يعيّن الأردنية رنا طه منسقة أممية في تونس
  • بعثة الأمم المتحدة تدعم جهود التهدئة وبناء السلام في طرابلس