نشطاء التواصل الاجتماعي بين مطرقة النقد وسندان المسؤولية الاجتماعية
تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT
ناصر بن سلطان العموري
انتشر، مؤخرا، تريند عبر منصة إكس بعنوان "مشاهير البرجر"، وحقيقة يختلف الكثيرون حول مدى الفائدة والأثر الذي يقدمه نشطاء السوشيال ميديا، بل ويجمع الأغلب كذلك على أنَّ القلة القليلة منهم هم من تقدم الإضافة؛ سواء في الطرح أو في خدمة المسؤولية المجتمعية، وتحوز إعجاب المتابعين نظير المحتوى الرصين والهادف الذي يُقدِّمونه عبر رسائل إعلامية غاية في الرقي.
بل إنَّ منهم من وجه أصابع الاتهام لنشطاء السوشيال ميديا حينما بات البعض منهم يهدف لرفع قيمتهم السوقية على حساب متابعيه؛ فتجد أن تغطيتهم لا تشمل الأماكن المتواضعة والخيرية، وإنما تشمل الأماكن التي لهم فيها مصالح شخصية تخدمهم، وتزيد من متابعيهم؛ حيث تكون الأضواء فيها مُسلطة عليهم.
بل إنَّ منهم من يقدم إعلانات تمس جوانب مهمة من حياة الإنسان ومنها بطبيعة الحال الصحة من خلال الترويح لمراكز طبية خاصة خارج البلاد على أنها متخصصة في علاج عدة أمراض، ويشيد بالمركز الطبي المتخصص في مجاله على أنه الأول من نوعه من أجل ماذا؟!!!! حفنة من المال؟!!! ويجد المتلقي الواقع مختلفًا تمام الاختلاف عما ذُكِر في الإعلان الترويجي، ولكن بعد ماذا؟ بعد أن تجشم عناء السفر للخارج، وأنفق ما أنفق من أموال من أجل البحث عن علاج؟!
ناهيك عن الإعلانات الترويجية للسلع والخدمات بأنواعها؛ فمن الملاحظ أن بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يقومون بالإعلان والترويج لسلع وخدمات وتخفيضات بوصف مبالغ فيه بعيد كل البعد عن الحقيقة.
ولي تجربة شخصية منذ عدة سنوات مضت عندما دخلت في نقاش عبر منصة "إكس" حاليًا عندما كان يطلق عليها "تويتر" مع أحد النشطاء وكان في بداياته آنذاك ومن الذين يطلقون عليهم المشاهير حاليا، ويتجاوز متابعيه مئات الآلاف حول إعلان عرضه عن محل للأحذية في محافظة مسقط وكان الإعلان بالطبع مليئًا بالعبارات الرنانة للمحل وما يحتويه من منتجات متعددة ومتنوعة وبأسعار تنافسية والغريبة أنِّي بعدما زرت المحل لم أجد ما وصفه صحيحا ودقيقا كما جاء في المقطع، وعندما ناقشته حول ذلك أجاب وبكل برود: إنني لست مسؤولًا عمَّا يحدث بعد تقديمي للإعلان.. طيب والمصداقية والأمانة في الطرح أين هي؟! أم أن المادة حجبت ضوء الحقيقة؟
نحن هنا بطبيعة الحال لا نُعمِّم الوضع على جميع نشطاء السوشيال ميديا؛ فمنهم من يقدم المحتوى الرصين من خلال ما يعرضه وبأسلوب هادف وطرح عميق، متضامنا مع المواقف المجتمعية الداخلية والخارجية، وبرأي حيادي لا تحيز لتوجه معين.
وفى الفترة الأخيرة، وضعت وزارة الإعلام مجال نشطاء التواصل الاجتماعي في إطار تنظيمي فيما يتعلق بإصدار التراخيص المهنية لكل من يرغب بممارسة هذا النشاط، وهذا قرار تشكر عليه، ولكن السؤال هنا: ما أثر المتابعة من قبل الجهات الحكومية الرقابية بكافة تخصصاتها لكل ما ينشر ويبث من قبل نشطاء التواصل الاجتماعي للإعلانات التجارية؟
الرقابة مطلوبة على ما يطرح من قبل نشطاء التواصل الاجتماعي وذلك للحفاظ على مصداقية هذا القطاع المتنامي، وعدم ترك الحبل على الغارب من جانب العديد من النشطاء، ممن يدخلون هذا المجال حبًّا في الظهور والشهرة، وما يصاحب ذلك من إغراءات مادية مغرية يسيل لها اللعاب، ويتناسون الهدف الأسمى وهو خدمة المجتمع باختلاف مكوناته.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إسرائيل انتصرت.. ولكن على شرعيتها!
لوقت مضى كنا عربا ومسلمين نسخر من مقولة "طهارة سلاح جيش الدفاع" وأنه "الأكثر نظافة ومهنية، في العالم"، بل لم نكن نعترف أن هذا الجيش للدفاع بل كنا نقول دائما إنه للعدوان والقتل وارتكاب المذابح، كما سخرنا من فرية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" كونها محاطة ببحر من "الأعداء العرب" الذين حاولوا "رميها في البحر"، فضلا عن مقولة أنها "واحة الديمقراطية" أو "فيلّا وسط غابة شرق عربي بدوي متوحش". والحقيقة أن كل هذه المصطلحات كانت عماد الرواية والدعاية الإسرائيلية التي صرفت عليها مليارات الدولارات على مدار عقود، وباعتها بسلاسة للرأي العام الغربي، حتى اكتسبت "شرعية وجود" غير قابلة للتساؤل أو التشكيك، وركب قادة ونخب الغرب هذه الأكاذيب التي باتت مسلّمات بين شعوبهم، فوفّروا للكيان أحزمة أمان دولية سياسية واقتصادية وعسكرية غير قابلة للاختراق، وأقنعوا شعوبهم بأن موقفهم "الأخلاقي" يقتضي مد يد المساعدة لليهود المساكين المحاطين بالوحوش العرب المتهيئين لأكلهم.
وكان هذا جسرا عبرت عليه أرتال من العون العسكري والاقتصادي واستثمارات وشراكات علمية، و"وحدة حال" بين مؤسسات الكيان ومؤسسات الغرب على اتساع أنواعها وتخصصاتها. وبالمجمل بنى الكيان بسبب كل هذا اقتصادا مفرط القوة، وصناعات عسكرية وتقنية متقدمة جدا، بل غدا مستأثرا بميزة غير موجودة في أي بلد في المنطقة، وهي حيازته للتكنولوجيا النووية التي مكنته من صناعة القنبلة الذرية بمعونة مباشرة من فرنسا، التي ويا لسخرية الكذب تهدد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم بعد أن ابتلع الكيان جل أو كل الأرض الفلسطينية!!
لا تقوم الدول بدون شرعية دولية، ولا يمكن لأي كيان أن يصبح عضوا في المجتمع الدولي دون أن تتوفر له هذا الشرعية، وليس مهما هنا أن تكون هذه الشرعية مبنية على الأكاذيب أو ارتكاب الجرائم، المهم أن تجد من "يحملها" على محمل الجد، ويسوّقها للدخول إلى المؤسسات الدولية كهيئة الأمم والمؤسسات والاتفاقات المنبثقة عنها. وهكذا وبناء على كل ما تقدم أصبح كيان العدوان والاغتصاب الذي قام على جسد الشعب الفلسطيني كيانا "محترما!" له وزنه في الساحة الدولية، وله مكانة مرموقة في سوق الإنجازات العلمية والصناعية و"الهاي تك" على نحو الخصوص، ما مكنه من تصدير منتجاته في هذا المجال إلى أكثر دول العالم تقدما، ناهيك عن دول العالم الثالث التي زُرعت بخبراء الكيان ومرتزقته من تجار الموت والحروب، بل "تطلع" كثير من أنظمة العرب للاقتداء(!) بما حققه هذا الكيان من تقدم علمي، وسوّقوا هذه الفرية على شعوبهم لتبرير ما سمي "التطبيع" مع الكيان، وهو في الحقيقة تتبيع له ودخول في مجاله الحيوي لخدمته.
الحدث الكبير المزلزل الذي وقع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 فجّر هذه الفقاعة، فالجيش الأكثر أخلاقية في العالم خلع هذا القناع وارتدى ملابس القراصنة ورجال عصابات القتل والإجرام، وأشعل حربا مجنونة وعدوانا غير مسبوق على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وإن استأثرت غزة بالجزء الأكثر دموية ودمارا وتوحشا، وبدد الكيان في حربه المنطلقة من أي عقال أخلاقي أو قيمي أو حضاري أو حتى إنساني، كل ما جمعه من "شرعيات" خلال سني عمره التي سبقت معركة طوفان الأقصى، وأطلق النار بشكل مباشر على كل المبررات "الأخلاقية" التي اتكأ عليها لتبرير اغتصاب فلسطين ومحاولة محو آثار الشعب الفلسطيني، إذ خرج هذا الشعب من رماد سبع وسبعين سنة، هي عمر جريمة اغتصاب أرضه، كقوة عملاقة ذات يد طولى وقادرة على ضرب العصب الحي في "كبرياء" الكيان الذي قدم نفسه للعالم نموذجا للدولة العبقرية الناجحة وحتى الأكثر "أخلاقية!" وقوة في وسط عربي همجي دكتاتوري.
باختصار انتصرت "إسرائيل" على نفسها، وقتلت شرعيتها بنفسها، وبدت على حقيقتها: مشروعا استعماريا ومجتمعا مسموما قاتلا يجوع الأطفال ويقتل النساء ويبيد الحياة بكل مظاهرها بدون رحمة، وداس بقدمين ملطختين بالدماء على كل القيم التي تعارف عليها المجتمع البشري منذ بدء الخليقة وحتى الآن، ولم يعد يشتري روايته السابقة عن مظلوميته وأخلاقيته وتقدمه وديمقراطيته حتى طفل صغير في الغرب، هذا الغرب الذي احتضنه وقوّاه ووفّر له كل ما مكّنه من بناء "إمبراطورية" صغيرة في فلسطين، امتدت تأثيراتها إلى معظم دول العالم..
"إسرائيل" التي "انتصرت" على غزة بتدميرها وتفكيك مجتمعها بشكل كامل وهمجي ومتوحش، مدفوعة بشهية انتقام مجنون مهووس، كانت في الحقيقة وهي ترتكب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية وجرائم تطهير عرقي وتجويع وتعطيش وتشريد لشعب مدني؛ تنتصر على نفسها وتدمر كل ما اكتسبته من "شرعية وجود" لعقود خلت، "إسرائيل" انتصرت في كل معاركها ضد الشعب الفلسطيني لكنها خسرت الحرب!
كيان العدو في فلسطين كان مجرد كذبة، أو فقاعة، صدقها العالم، ثم جاء هذا الكيان لينهيها بنفسه، ويظهر على حقيقته التي تبرّأ منها غالبية يهود العالم من غير الصهاينة، وهذا أعظم إنجاز في التاريخ الفلسطيني والعربي حققه طوفان الأقصى، رغم الثمن الكارثي الذي دفعه الشعب الفلسطيني ولم يزل يدفعه حتى الآن!
أما الكذبة الأكثر إيلاما في المشهد، فتلك المتعلقة بالمقولة العربية الرسمية "فلسطين قضية العرب الأولى!"، حيث اكتشفت الشعوب ولو متأخرة، أن "إسرائيل هي قضية العرب الرسميين الأولى". نقول هذا ونحن نشعر بغصة خانقة، حيث صرفت شعوب هذه المنطقة قرنا من عمرها وهي تنام وتصحو على أكاذيب، منتظرة الفرج من نفس المصدر الذي صنع الكارثة ومدها بأسباب القوة والمنعة، وهذا هو المنجز الكبير الثاني لطوفان الأقصى، الذي لم يكن ليتحقق لولا هذا الخذلان العربي الرسمي الفاضح والمعلن بكل قاحة من لدن البعض لغزة ومأساتها الكبرى!
إسرائيل كمشروع استعماري انتهت وماتت في بلادنا، وبقيت إجراءات "الدفن" وهي عملية قد تستغرق وقتا يعلم الله متى يطول، لكنه يعتمد في الدرجة الأولى على بقاء روح المقاومة متوهجة كالجمر ليس في أنفاق غزة فقط، بل في "أنفاق" العقل الجمعي العربي والإسلامي أيضا!