هل تلبس علماء ودعاة بالإرجاف في مواقفهم من الحرب على غزة؟
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
كان لافتا في الأشهر الأخيرة مهاجمة علماء ودعاة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بضراوة، ونعتها أحد أولئك المشايخ بأنها "شر" وأعلن آخر براءته منها لأنها صنيعة (الرافضة) وأقسم أنها لن تنتصر، وفي الأسابيع الأخيرة هاجم دعاة آخرون قادة المقاومة بشراسة وحملوهم مسؤولية ما حدث ويحدث لغزة لسوء تقديرهم لعواقب ومآلات عملية طوفان الأقصى حسب قولهم.
تلك الحملة الشعواء على المقاومة وقيادتها في غزة وخارجها أثارت سخطا عارما وواسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد عدَّ كثيرون منهم التهجم على المقاومة، ومهاجمة قادتها العسكريين وتحميلهم مسؤولية ما يحدث مظهرا من مظاهر “الإرجاف" الذي ورد ذمه في القرآن الكريم في سورة الأحزاب ذما شديدا.
https://youtube.com/shorts/mTpjRCXQajs?si=63NMM7x-eV4T8DZ5
وفي غمرة ذلك الجدل يحضر بقوة سؤال الدوافع، فما الذي يدفع علماء ودعاة إلى مهاجمة المقاومة والتشنيع على قيادتها في غزة؟ وهل ما يقومون به يعد ضربا من ضروب الإرجاف بالفعل؟ وما هي الأفعال والمواقف التي دفعت مخالفوهم لإنزال وصف الإرجاف الذي ورد ذمه في القرآن الكريم عليهم؟
في هذا الإطار عرَّف الباحث في العلوم الشرعية، الدكتور نضال ثلجي الإرجاف بأنه "مصطلح ذكره الله تعالى في كتابه في سورة الأحزاب {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا*مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 60- 61] عن قوم كانوا يشيعون وقت الجهاد أن عدد المسلمين وعتادهم قليل".
وأضاف في منشور على الفيسبوك، اطلعت "عربي21" عليه "فقد كانوا قريبا من السبعمائة، وأنهم سيهزمون أمام جموع كفار قريش وغطفان واليهود ممن تحزبوا وتجمعوا على قتاله عليه الصلاة والسلام فوصل عددهم نحو العشرة آلاف أحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، فجاؤوهم من فوقهم ومن أسفل منهم كما وصفهم الله تعالى".
وفي منشور آخر ذكر ثلجي أنه تأمل "أبرز شبه علماء الإرجاف اليوم، ممن يطعن في جهاد المجاهدين" فوجد أن أكثر أقوالهم قد قالها رؤوس المرجفين في المدينة من قبل، فقد قالوا: لو لم يقع قتال ما مات هذا العدد الكبير وما قتلوا، { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا}.
وتابع "وقالوا: لا تكافؤ في القوى {إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم}، وإذا استمرت الحرب ستكون الهزيمة وسيباد أهل غزة والمجاهدون جميعا {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلىٰ أهليهم أبدا وزين ذٰلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا}، وأنهم يتعاملون مع الروافض وثبت عن بعض قادتهم أنهم يثنون عليهم.. وقد ناقش تلك الشبهات وأجاب عنها.
من جهته قال الأكاديمي المغربي، المتخصص في الفقه وأصوله، الدكتور محمد رفيع "تتوالى الأحداث في هذه الأيام من أيام طوفان الأقصى المبارك لتؤكد القاعدة الثابتة، وهي أن القضية الفلسطينية باتت قضية فاضحة للمرجفين فينا، وكاشفة للخائنين والمتصهينين بيننا في مختلف المجالات".
وأضاف: "ولعل آخر صنف طاله الفضح والكشف (مؤسسة العلماء) الذين اندفع عدد منهم على نحو ساذج للتشكيك في المقاومة الفلسطينية المقاومة، وتخذيل الفلسطينيين في هذه اللحظة الحساسة الاستراتيجية من لحظات الأمة، بدعوى أن العدو الصهيوني أقوى عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا ودعما غربيا، وأن المقاومة رمت نفسها وأهلها للتهلكة حين تحرشت بالعدو الشرس وهاجمته، وتسببت فيما جرى ويجري في غزة من صنوف التقتيل والتدمير".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "فلو كان القوم قالوا ما قالوا اجتهادا وصدقا، لكنا أبصرناهم بموقع مقاومة العدوان على الديار بين نصوص الشريعة وأصولها من جهة، وبحقيقة حجم المؤامرة المركبة على فلسطين وأهلها من جهة ثانية، لكنهم رضوا لأنفسهم أن يكونوا لعبة في يد السلطة الاستبدادية المطبعة المتمالئة مع العدو سرا وعلانية". ".
د. محمد رفيع أكاديمي مغربي متخصص في الفقه وأصوله
وأردف "فانطلقوا يتممون مسلسل الإرجاف الذي ابتدأ سياسيا وإعلاميا وتعزز أكاديميا، ليكتمل بالفتاوى والآراء "الشرعية" بتحريف الكلم عن مواضعه، ولي الألسنة بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، وذلك بحثا عن السند (الشرعي) لصنيع الحكام المطبعين، وتزيين أهوائهم..".
وعن مظاهر الإرجاف الذي يشيعه هؤلاء العلماء في الناس هذه الأيام ذكر رفيع "التأويل المغالط لقضايا شرعية ظاهرها حق، والقصد منها وسياق إيرادها فاسد، كدعوى أولوية السلم في المجتمعات المسلمة، والسلم العالمي، والأخوة الإنسانية، علاقة السلم والتعايش مع اليهود، كما يحرصون بمناسبة وبدون مناسبة على تمجيد الحكام ووصفهم بالرشد والعبقرية والحكمة، وتحريض الناس على الطاعة العمياء للحكام وتجريم كل من خالف سياستهم، مع السكوت الأخرس عن فظائع الحكام وجرائمهم في حق شعوبهم وحق الأمة..".
وفي ذات السياق أكدَّ الدكتور أسامة أبو بكر، عضو رابطة علماء الأردن، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه "لا يجوز لمسلم عامي، فضلا عن طالب علم أو منتسب للعلم أن ينتقد المجاهدين بالهجوم على الصهاينة، فمن فعل ذلك فقد أساء لأهل الجهاد، وتعدى على حقهم في دفع الكفار وسعيهم لحماية الأقصى، وهو بذلك يتكلم بلسان المنافقين والمرجفين الذين كانوا يقولون بأن بيوتهم عورة، وأنه لا طاقة لهم بالكفار".
وتابع: "ولو تذرع أولئك بأن دماء المسلمين أريقت، وأن الحفاظ على أرواح المسلمين مقدم على استنقاذ الأسرى وحماية المقدسات، فإنهم بهذا يعطلون الجهاد بالكلية، فمتى كان المسلمون يوازون أعداءهم في العدد والعدة؟ ومتى قاتل النبي عليه الصلاة والسلام وهو ضامن للظفر على الأعداء ومتيقن من عدم إصابة المسلمين وتقتيلهم"؟
د. أسامة أبو بكر داعية وعضو رابطة علماء الأردن
وردا على سؤال "عربي21" بشأن ما يثيره مهاجمو المقاومة من أنها لم تعد الإعداد الكافي لمواجهة الصهاينة، لفت أبو بكر إلى أن "المجاهدين لو تركوا القتال حتى يكافئوا اليهود الصهاينة أو يقاربوهم في العدد والعدة، لما قاتلوا أبد الدهر" متسائلا "إذ متى سيصلون لعشر معشار قدراتهم في الطائرات الحديثة، وفي الاستخبارات، والدبابات والمدافع والمدرعات والتجهيز والتدريب؟ لكن الله تعالى قال ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
وأردف: "فمن حمل المجاهدين مسؤولية الدماء والقتل، فهو إما جاهل بمنهجية الإسلام والقرآن والسنة، وإما خبيث يسعى لإجهاض عمل المقاومة ومدافعة العدو، كما أن المعركة ما زالت قائمة، ومن قلة المروءة توجيه النقد لمن يقاتل في سبيل الله، ويقدم روحه وماله وأهله فداء للإسلام ومقدساته، ويذكرنا هذا بما قاله المنافقون في معركة الأحزاب التي أراد بها جموع الكفار بمختلف أصنافهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله".
واستدل أبو بكر على ذلك بقوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَٰلَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا}، بل الملاحظ أن المنافقين تكلموا بعد انتهاء الخوف، بينما هؤلاء يتكلمون الآن أثناء المعركة والقتل والإبادة الجماعية للناس، فأي انحدار بلغوه؟!
وخلص في ختام حديثه إلى التأكيد أنه "يجب على المؤمن حماية دينه وشعائر دينه ومقدساته، وواجب عليه كذلك رفض الذل والاحتلال وتطاول الكفار على بلاده وأهله، ويجب على كل مسلم موحد أن ينصر من يقوم بذلك، ومن تأخر عن النصرة فهو آثم مرتكب للكبيرة، وإذا ظاهر الكفار فهو كافر مرتد والعياذ بالله".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير المقاومة غزة الفلسطينية احتلال فلسطين مقاومة غزة مواقف تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أبو بکر
إقرأ أيضاً:
فتاوى وأحكام| حكم الصلاة بسرعة للرد على التليفون.. حكم قول رزق الهبل على المجانين
فتاوى وأحكامحكم الصلاة بسرعة للرد على التليفون.. القطع في حالة واحدة
حكم قول رزق الهبل على المجانين
احذر من عمل يقع فيه البعض عواقبه وخيمة
كيف تعوض ما فاتك من الحسنات؟
مدى صحة مقولة اللي يحبه ربه يحبب فيه خلقه
فى البداية، ورد سؤال مضمونة:" حكم الصلاة بسرعة للرد على التليفون؟ لا يجوز للمسلم أن يسرع في صلاته إسراعا يخل بأركان الصلاة من طمأنينة واعتدال، سواء كان ذلك لأجل إدراك مكالمة الهاتف أم لا، أما إذا أسرع إسراعا لا يخل بأركان الصلاة فإن ذلك جائز، ولا سيما إذا كان لحاجة.
وأجاب الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو هيئة كبار العلماء، قائلاً إنه يجوز في الضرورة القصوى التي لا تحتمل الانتظار للانتهاء من الصلاة، ويترتب عليها ضرر جسيم لا يمكن تداركه فيما بعد.
وشدد على أنه لا يجوز قطع الصلاة للرد على الهاتف، أو قطعها للرد على الزوجة أو الصديق، مظنةً أن يكون هناك أمر ما، أما إذا تيقن أن الأمر مهم وربما فيه دفع الأذى عن البعض قطع الصلاة ويعيدها بعد الرد على الهاتف مرة أخرى.
وشدد على أن المصلي واقف بين يدي الله، فلا ينصرف منها إلا لدفع الأذى عن نفسه أو غيره، مطالبًا المسلمين بالحفاظ على الصلوات وأن يتقوا الله تعالى.
وهناك كثير من الأمثال الشعبية التى اشتهرت فى المجتمع المصرى، وتوارثت من جيل إلى جيل تتردد على الألسنة دون فهم معناها الحقيقى، مثل “رزق الهبل على المجانين” التي يرددها الكثير، وهذا لتعلقهم الشديد بلطف الله تعالى وكرمه بهم.
فعوام المصريين عندما يرددون هذه الجملة هم يؤكدون للناس مدى ثقتهم فى خالقهم الذى يرزقهم حتى وإن كان الشخص ليس لديه عقل ليكسب قوت يومه فإن جميع الحسابات تسقط أمام حكمة الله تعالى وسعة خزائنة، هكذا قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية، مستشهدا بقوله تعالى: « إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ».
وأضاف «الوردانى»، أنه ليس معنى «رزق الهبل على المجانين» أن الإنسان هو الذى يرزق غيره وإنما جعله الله تعالى سببا ليكون رزقا للآخرين.
فمفاتيح الرزق كلها بيد الله سبحانه وتعالى يضع الأرزاق ويصرفها حيث يشاء وسبحانه من يسير السحب فتظلل مكانا لكنها لم يؤذون لها من الله حتى تمطر فى هذا المكان فيرسلها إلى مكان آخر لتمطر كل ذلك عن حكمة وإحاطة لا حد لها.
وعلينا أن نعلم أن مسألة الرزق لا تختزل فى المال فقط وإنما الصحة رزق والولد رزق والعلم رزق وأمور كثيرة يتكامل بها البشر فيها دليل واضح على عدل المولى سبحانه وتعالى.
وبين أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية، أن المصريين عندما يقولون جملة «يا مستعجل عطلك الله» لم يقصدوا بها إنساب الضر إلى الله تعالى أو الإساءة إليه سبحانه بل يقصدون منها أن على الإنسان ألا يتسرع فى أمور حياته، لأن كل شىء مكتوب وقته عند الله والاستعجال لن يغير ما كتبه تعالى على الإنسان.
وأشار إلى أن المصريين بهذه المقولة يعيشون بسنة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- وذلك عندما قال فى الحديث الشريف: «التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ»، منوهاً أن الناس أرادوا أن يلفتوا انتباه من حولهم بأنه إذا أخرك الله عن فعل شىء فإنه يفعل ذلك لينجيك من الشر والسوء عملاً بقوله تعالى: «وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا».
وأكد أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية، أن المصريين عندما يقولون الجملة السابقة فهم يغرسون بها داخل نفوس الناس معنى: «أنه لا يكون فى كونه تعالى إلا ما أراد».
حذرت دار الإفتاء المصرية، من فعل يقوم به البعض، ربما بقصد أو دون قصد، ولكن عواقبه وخيمة.
وقالت دار الإفتاء، فى منشور لها عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إن إقدام بعض الأفراد على اقتحام الحياة الخاصة للغير دون علمهم، وكشف الستر بتتبع العورات عنهم بطرق مختلفة؛ مثل: تصويرهم بأدوات التقنية الحديثة، أو التلصص البصري، أو استراق السمع، أو غير ذلك من الطرق، ونشرها على منصات الإعلام الرقمي، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو غير ذلك؛ يعدُّ تتبعًا للعورات الواجب سترها، وانتهاكًا للحُرُمات الواجب صونها، وفضحًا للمستورات الواجب حفظها، وكلها أفعالٌ مستقبحةٌ لدى العقلاء عُرفًا، ومحرمةٌ شرعًا، ومحظورةٌ قانونًا، وموجِبةٌ للإثم والعقوبة الرادعة؛ وعلى الإنسان أن ينأى بنفسه عن الوقوع في هذه المهلكات؛ أمانًا لنفسه، وصونًا لمجتمعه ووطنه.
وقال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن تتبع عورات الآخرين من الأخلاق السيئة والأمور المحرمة التي تزرع الأحقاد في النفوس وتُشيع الفساد في المجتمع.
وأضاف “الورداني” أنه بدلا “من أن تكشف سرك؛ تكلم وتحاور مع أهل بيتك، أو هناك حل آخر، وهو عندما تشعر أنك تريد أن تحكي أسرارك؛ دونها في مذكرة، حاول أن تكون صاحب حكمة، وكن حريصا على ألا يطَّلع أحد على هذا الكلام الذي دونته”.
وتابع: "من كان حريصا على أن يسمع ويتتبع عورات الآخرين تحدث له ثلاث مصائب، وهي:
الأولى: بدلا من أن يغير من نفسه للأفضل تأتي نفسه الأمارة بالسوء وتجعله يتتبع أسرار الآخرين حتى تهون عليه بلوته، ولكن ستزيد عليه نكبته وسيكون كسولا أن يغير من نفسه شيئا.
الثانية: أكثر أمر يمحق البركة فى الحياة؛ هو تتبع عورات الآخرين لأنه يشعر أن المجتمع ملوث مثله.
أما المصيبة الثالثة: أنه يهون عليه سره فيقول “ما كل الناس بتحكي أسرارها”، فهو بذلك يكشف ستر الله عليه".
والدليل على ذلك حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته».
أجاب الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، عن سؤال يرد إليه كثيرًا مضمونة: “ كيف تعوض ما فاتك من حسنات؟”.
ورد مرزوق، موضحًا: أن أعظم ما يعوض به المسلم ما فاته من الحسنات أن يكثر من ذكر الله عز وجل ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقال العلامة ابن القيم عن ذلك الموضوع المهم ﺃﻥ ﺇﺩاﻣﺘﻪ - أي إدامة ذكر الله عز وجل - ﺗﻨﻮﺏ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﻮﻋﺎﺕ ﻭﺗﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ سواء كانت ﺑﺪﻧﻴﺔ، ﺃﻭ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻛﺤﺞ اﻟﺘﻄﻮﻉ.
ﻭﻗﺪ ﺟﺎء ﺫﻟﻚ ﺻﺮﻳﺤﺎ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ: «إﻥ ﻓﻘﺮاء المهاجرين ﺃﺗﻮا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺫﻫﺐ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﺛﻮﺭ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺎﺕ اﻟﻌﻠﻰ ﻭاﻟﻨﻌﻴﻢ ﻭاﻟﻤﻘﻴﻢ، ﻳﺼﻠﻮﻥ ﻛﻤﺎ ﻧﺼﻠﻲ، ﻭﻳﺼﻮﻣﻮﻥ ﻛﻤﺎ ﻧﺼﻮﻡ، ﻭﻟﻬﻢ ﻓﻀﻞ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻳﺤﺠﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﻌﺘﻤﺮﻭﻥ ﻭﻳﺠﺎﻫﺪﻭﻥ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻻ ﺃﻋﻠﻤﻜﻢ ﺷﻴﺌﺎ ﺗﺪﺭﻛﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺳﺒﻘﻜﻢ، ﻭﺗﺴﺒﻘﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻛﻢ، ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺘﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮا: ﺑﻠﻰ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺗﺴﺒﺤﻮﻥ ﻭﺗﺤﻤﺪﻭﻥ ﻭﺗﻜﺒﺮﻭﻥ ﺧﻠﻒ ﻛﻞ ﺻﻼﺓ ..اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ.
ﻓﺠﻌﻞ اﻟﺬﻛﺮ ﻋﻮﺿﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﻤﺎ ﻓﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ ﻭاﻟﻌﻤﺮﺓ ﻭاﻟﺠﻬﺎﺩ، ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺴﺒﻘﻮﻧﻬﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﺬﻛﺮ، ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﺛﻮﺭ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻤﻠﻮا ﺑﻪ، ﻓﺎﺯﺩاﺩﻭا ــ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﻗﺎﺗﻬﻢ ﻭﻋﺒﺎﺩﺗﻬﻢ ﺑﻤﺎﻟﻬﻢ ــ اﻟﺘﻌﺒﺪ ﺑﻬﺬا اﻟﺬﻛﺮ، ﻓﺤﺎﺯﻭا اﻟﻔﻀﻴﻠﺘﻴﻦ، ﻓﻨﻔﺴﻬﻢ اﻟﻔﻘﺮاء، ﻭﺃﺧﺒﺮﻭا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺷﺎﺭﻛﻮﻫﻢ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻭاﻧﻔﺮﺩﻭا ﻟﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻗﺪﺭﺓ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺫﻟﻚ ﻓﻀﻞ اﻟﻠﻪ ﻳﺆﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء» .
ﻭﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺴﺮ ﻗﺎﻝ: «ﺟﺎء ﺃﻋﺮاﺑﻲ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻛﺜﺮﺕ ﻋﻠﻲ ﺧﻼﻝ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﺷﺮاﺋﻌﻪ، ﻓﺄﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﺄﻣﺮ ﺟﺎﻣﻊ ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ. ﻗﺎﻝ: ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺬﻛﺮ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺎﻝ: ﻭﻳﻜﻔﻴﻨﻲ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻭﻳﻔﻀﻞ ﻋﻨﻚ» ﻓﺪﻟﻪ اﻟﻨﺎﺻﺢ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻳﺒﻌﺜﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﺮاﺋﻊ اﻹﺳﻼﻡ ﻭاﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭاﻻﺳﺘﻜﺜﺎﺭ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫا اﺗﺨﺬ ﺫﻛﺮ اﻟﻠﻪ ﺷﻌﺎﺭﻩ ﺃﺣﺒﻪ ﻭﺃﺣﺐ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ، ﻓﻼ ﺷﻲء ﺃﺣﺐ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺮﺏ ﺑﺸﺮاﺋﻊ اﻹﺳﻼﻡ، ﻓﺪﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺷﺮاﺋﻊ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﺗﺴﻬﻞ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﺫﻛﺮ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ .
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة: "انتشر بين الناس مقولة شهيرة، وهي: "اللي يحبه ربه يحبب فيه خلقه"؛ فهل لهذه المقولة أصلٌ في الشرع الشريف؟".
لترد دار الإفتاء موضحة، أنَّه من علامات القبول التي وعد الله تعالى بها أولياءَه وأهلَ رضاه أن يجعل محبتهم في قلوب الناس؛ كما قال الله جل في علاه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96].
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: "يُحبُّهم ويحببهم" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، وهناد في "الزهد"، وابن أبي الدنيا في "الأولياء"، وقال مجاهد: "يُحبُّهم ويُحبِّبُهم إلى المؤمنين" أخرجه ابن أبي حاتم والطبري في "التفسير"، وفي لفظ للطبري: "يُحبُّهم ويُحبِّبُهم إلى خلقه".
وقال الأعمش: "المحبة في الدنيا" أخرجه الحافظ يحيى بن معين في "الجزء الثاني من فوائده".
وأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «إِذَا أحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ عليه السلام: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبَّهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
تفسير قوله تعالى ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير
قال الإمام ابن هُبَيْرة في "الإفصاح عن معاني الصِّحَاح" (7/ 261-262، ط. دار الوطن): [في هذا الحديث مِن الفقه: أن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدًا أعلم كلَّ مَرْضِيٍّ عنه عنده سبحانه بحبه إياه؛ لئلا يتعرض واحدٌ منهم ببغض مَن يحبه الله، فيبدأ جل جلاله بإعلام جبريل ليكون جبريل موافقًا فيه محبةَ الله عز وجل، ولِيُعْلِمَ أهلَ السماء؛ ليكونوا عابدين لله بمحبة ذلك الإنسان متقربين إليه بحبه.
وقولُه: «ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ» يعني: أنه يقبله أهل الحق الذين يقبلون أمر الله سبحانه، وإنما يحب أولياءَ الله مَن يحبُّ اللهَ، فأما من يبغض الحق من أهل الأرض ويشنأ الإسلام والدين؛ فإنه يريد لكلِّ وليٍّ لله محبوبٍ عند الله مقتًا وبغضًا] اهـ.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمِقَةُ مِنَ اللهِ، وَالصِّيتُ فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَوَاتِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَتَنْزِلُ لَهُ الْمِقَةُ فِي الْأَرْضِ» أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى والروياني في "مسانيدهم"، والفسوي في "مشيخته"، والطبراني في معجمَيه: "الكبير" و"الأوسط".والمِقَةُ: المحبة، ويَمِقُ: يحب.
وقال هَرِمُ بنُ حَيّان رضي الله عنه: "ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه؛ حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم"، قال قتادة: "أي والله؛ ودًّا في قلوب أهل الإيمان" أخرجهما الإمام البيهقي في "الزهد الكبير".