كيف تربين طفلا عطوفا في عالم يحرّم عليه البكاء؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
نعرف جميعا معلومة بدت حقيقية، تفيد بأن الإناث يبكين أكثر من الذكور، مع أن لا فرق بين معدل بكاء الجنسين في مرحلتي الرضاعة والطفولة المبكرة.
أرجعت تفسيرات علمية ذلك إلى طبيعة المرأة العاطفية، والتغيرات الهرمونية المصاحبة لسن البلوغ، لكن هل يعني عدم بكاء ابنكِ الذكر علامة على رجولته حقا؟ أم أن العلم غيّر رأيه بشأن ذلك؟
افترضت عالمة النفس كارين فراي، من جامعة واشنطن، في الثمانينيات أن الفجوة بين الذكور والإناث في عدد مرات البكاء تبدأ مع بلوغ الإناث الحيض.
اختار الباحثون 500 ذكر وأنثى، تراوحت أعمارهم بين 11 و16 سنة، لملء استبيانات البحث. واكتشف الباحثون أن الفرق في معدل البكاء بين الجنسين يتطور قبل عمر 11 سنة، ولم يظهر فرق بين عدد مرات بكاء الفتيات البالغات وغير البالغات، ولم يتغير عدد مرات بكاء الفتيات بعد بلوغهن، لكن تراجع عدد مرات بكاء الذكر بوتيرة سريعة قبل سن 11 سنة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا لا ينبغي منع طفلك من البكاء؟list 2 of 2طفلك كثير البكاء وصعب الإرضاء.. إليك نصائح سحرية لمساعدته على النومend of listوفسرت ليز إليوت، أستاذ علم الأعصاب في مدرسة شيكاغو للطب، في مقالة بمجلة "ساينتيفك أميركان" بأن الذكور لا يختلفون عن الإناث كثيرا في بداية حياتهم، وإن كان هناك اختلاف واضح، فمن الملاحظ كثرة بكاء وصراخ الذكور في طفولتهم، حتى يكبر الفتى، ويتعلم إخفاء خوفه وحزنه وعطفه، إلى أن يترك ذلك التحول أثره على دماغه، ويقل نشاط اللوزة الدماغية المسؤولة عن التعاطف، ما يجعله أقل تعبيرا عن عواطفه، وأقل تفهما لمشاعر الآخرين.
تتفاجأ بعض الأمهات بأطفالهن يعضون شفاههم لكتم صرخة ألم نفسي أو جسدي حرجا، لكن تتعلم الإناث في مرحلة الطفولة أن لا عيب في بكائهن، بينما يلقى الذكور تشجيع المحيطين على كتم دموعهم، وقد يتعرضون للتنمر إذا ذرفوا دمعة.
ونشر موقع جامعة "إكزتر" البريطانية، في أبريل/نيسان الماضي، نتائج دراسة عن أثر النوع الاجتماعي على البكاء بين طلاب المدارس. وقابل الباحثون طلابا في مدرستين ثانويتين مختلطتين، واحدة في منطقة ريفية والأخرى في مدينة، واستطلعوا آراء 34 طالبا بين إناث وذكور تراوحت أعمارهم بين 12 و17 عاما، كما أجروا مقابلات مع مدرسين ومديري المدرستين.
توصل الباحثون إلى أن الصور النمطية للجنسين أثرت على كل من الفتيات والفتية، فالفتيات أكثر انفتاحا على التعبير عن مشاعرهن، وأقل خجلا من البكاء أمام زملائهن، في حين يخفي الفتية مشاعرهم ولا يتحدثون عن أزماتهم النفسية، أو يلجؤون لسلوكيات تخريبية وعنف وإدمان، بالتالي يتعرضون للإهمال لسوء سلوكهم، وفق تقرير نشره موقع "ساينس ديلي".
عبّر الطلاب والمعلمون عن خشيتهم من صعوبة حصول الذكور على دعم نفسي، نتيجة لوم المحيطين إذا بكوا أو حزنوا لأن "الرجال لا يبكون"، ما قد يجعلهم مجموعة معرضة لخطر الكبت واللجوء للعنف. وعلى الجانب الآخر حذر الباحثون من النظر إلى الفتيات باعتبارهن عاطفيات، كي لا يتم التعامل مع اضطرابات الإناث النفسية بطريقة أقل جدية.
وتعرّف جمعية علم النفس الأميركية نهج الذكور في كتم المشاعر والبكاء بـ"التكيف القمعي"، فيتخلى الإنسان عن فوائد البكاء الصحية للقلب وتسكين الألم وتهدئة الحزن، في مقابل إظهار صورة إيجابية وهمية لإنسان لا يقلق، بحسب موقع "ديكشينري".
ويرتبط اتباع الإنسان أسلوب التكيف القمعي في مواجهة مشاعره بخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، وفق دراسة لباحث علم النفس، جامعة فريدريش شيلر جينا الألمانية، كما ذكر موقع "بابميد".
كذلك قد تنخفض وظائف الجهاز المناعي لدى الشخص، وتظهر عليه أعراض جسدية للتوتر، مثل: تشنج العضلات، ومشكلات الجهاز الهضمي، والإرهاق، واضطرابات النوم، بحسب موقع "هيلث لاين".
يختلف تعامل الآباء والأمهات مع مشاعر أطفالهم، فقد تسمع الأم طفلها، في حين ينهره الأب إذا بكى، لكن لا يعني ذلك تضرر نفسية الطفل تضررا حتميا، بل قد يفيده الجمع بين وجهتي النظر، طالما هناك فرصة لدعمه نفسيا من أحد الوالدين، وتاليا بعض النصائح المفيدة التي يقدمها موقع "سيكولوجي توداي":
إذا وصل ابنكِ سن المراهقة، وقمع مشاعره، أو كنتِ تخشين نظرة المحيطين لطفلكِ عند بكائه فيمكنك طرح بدائل، فلا تتهميه بالضعف إذا بكى، ولا تنكري فائدة بكائه، ولا ترهبيه بنظرات الآخرين، بل ساعديه على تحديد سبب بكائه، وحل المشكلة التي يواجهها. زودي طفلكِ بمفردات لوصف مشاعره، مثل: سعيد، حزين، خائف، وحيد، ولا تخجلي من وصف مشاعركِ أمامه، وقراءة قصص عن كل شعور، وسؤاله عن شعور البطل في موقف ما، وعلّميه أفضل سبل للتعبير عن مشاعره في ذلك الموقف، لتنمية شعور التعاطف لديه. يحتاج ابنكِ المراهق بناء مرونة عاطفية في مواقف عدة بقدر حاجته إلى البكاء، فتغلب على المراهق مشاعر الإحباط، والغضب، والارتباك، والغيرة، ويخجل من وصفها، لذا لا تسأليه عن شعوره، بل كوني محلا لثقته إذا أراد الحديث، ولا تتسرعي في تقديم نصائح، واستمعي جيدا، قبل سؤاله عما ينوي فعله، ثم تبادلا الآراء حول قراره. قد يبكي الذكور سرا، لكن لا يمنعكِ ذلك من جعل العناق، والتربيت، واللمسات الحنونة عادة مع أبنائكِ، كما يقترح موقع "بيرنتس".المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
تظل التعبيرية في الأدب على اختلاف المكان والزمان تشكل نزعة شمولية صارخة تطمح إلى الكشف بطريقة درامية ومؤثرة عن معاناة الإنسان المعاصر، وتنعكس آثارها على النتاج الأدبي بشتى أنواعه، وتمتد لتشمل الفنون الأخرى كالرقص والرسم والموسيقى.
والتعبيرية بمعناها اللغوي تعني تصوير ما يعتمل في النفس الإنسانية من مشاعر محيطة، وإحساسات مقهورة واعية وغير واعية، يتضح من خلالها جوهر الإنسان وحقيقة ذاته الحية بأنماطها الغريزية والخلقية، ولا يعني ميلنا إلى التفسير اللغوي المبسط للتعبيرية أنها نزعة انطوائية مرتدة إلى الداخل، وإنما هي من أرحب الحركات الفنية استيعاباً لأعباء الأنا الجماعية، واستقطاباً لما يحيط بها من إرهاصات وتحديات يجتمع على تجسيد انعكاساتها أكثر من كاتب وفنان.
ولتوضيح هذه الظاهرة المرحلية الغامضة في الأدب العالمي، لا نجد أنسب من هذه الفقرة التي يسوقها الدكتور عبد الغفار مكاوي على لسان الناقد "هرمان بار" الذي كان من أبرز المعاصرين للحركة التعبيرية ومن أكثر الداعين لها حماساً، بقول بار "الإنسان في هذه الفترة يصرخ بحثاً عن نفسه، والعصر كله أصبح صرخة واحدة تنطق بالمحنة، والفن كذلك يصرخ معه ويطلق صيحته في أعماق الظلام، يستغيث يستنجد بالروح" وهذه هي التعبيرية.
لقد اختلف النقاد ومؤرخو الأدب في تحديد مكان نشأة التعبيرية وزمانها كحركة فنية قائمة بذاتها، إلا أن معظمهم يقر بأن ألمانيا هي المنبع الأول لهذا النهج الفكري الوجداني الصارخ، والذي يرفض جميع المعالجات السطحية لخلفية القضايا الإنسانية ومكوناتها الداخلية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2التشادي روزي جدي: الروایة العربية طریقة للاحتجاج ضد استعمار أفريقياlist 2 of 2“أسرار خزنة” ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجياend of listفبعد أن ظهرت نظريات فرويد ونضجت تجاربه في ميدان التحليل النفسي، أخذ نفر من الكتاب الساخطين يلتقطون باهتمام لاهف هذه الاستكشافات الباطنية ليوظفوها في كتاباتهم، كما أخذوا يغوصون في أعماق النفس البشرية، ويحيلون انطباعاتهم المضطربة والمتوترة إلى صرخات واحتجاجات معبرة تتصدى بعنف لانجراف الحضارة التكنولوجية المادية، هذه الحضارة التي أحالت القيم والمثل الأخلاقية إلى أرقام ومعادلات مدرجة في جداول الربح والخسارة من وجهة نظر الأفكار النفعية.
إعلانوبهذا فقد ظهرت التعبيرية أواخر القرن الـ19 دعوة إلى الاهتمام باختزانات النفس الاجتماعية والسياسية، ثم تحددت هذه الحركة بشكل أقوى وأعم في الربع الأول من القرن العشرين، حيث اندفع المزيد من الشباب الألمان ما بين 1915 و1925 ليرفعوا أصواتهم عالياً، وليحشدوا صيحاتهم التعبيرية في جو دخاني فاسد زاخر بالصراعات القومية الطاحنة، والتيارات المادية الضاغطة، والويلات الناجمة عن الحرب العالمية الأولى.
ففي مجال الشعر ظهرت في ألمانيا 3 أصوات شابة جعلت من القصيدة لوحة صارخة الألوان، متسمة بالإيحاء، مليئة بالاحتجاج على زخمة الواقع، غنية بالشوق إلى عالم يوتوبي جديد يتسم بالمثالية والنقاء المنشود.
وتتمثل هذه الأصوات البارزة في أشعار كل من "جورج هايم" و"جورج تراكل" و"جو تغريدبن" ونكتفي في هذه العجالة أن نورد مقطعاً من قصيدة "هايم" قام بترجمتها ملكاوي في كتابه "التعبيرية" وذلك للتدليل على طبيعة الشعر التعبيري في مقطع يصف فيه الشاعر آلهة الحرب في الطغيان والجبروت، فيقول:
"نهض من رقاده
من طال نومه
نهض من الأقباء المنخفضة العميقة
يقف في الشفق ضخماً ومجهولاً
يسحق القمر في اليد السوداء"
أما في مجال الرواية والقصة القصيرة، فمع أن الإبداع التعبيري كان أقل أثراً من غيره وأبطأ نظراً لما تحتاجه طبيعة العمل القصصي من أناة وتدبر، ومع ذلك فقد برز في هذا الميدان عدد لا بأس به من كتاب القصة بتقدمهم كل من "ألفريد دوبلين" و"كاريل آينشتاين" و"فرانز كافكا" الذي كان على اتصال وثيق بالروائيين التعبيريين، بالإضافة إلى "روبروت موزيل" و"توماس مان".
المسرح التعبيريأما على صعيد المسرح، فقد كانت الحركة التعبيرية أكثر بروزاً وتبلوراً، حيث أعلن رواد المسرح التعبيري ثورتهم على الدراما الكلاسيكية المقتدية بكل من "ليسنج" و"غوته" و"شيلر" كما رفضوا المذهب الطبيعي المتمثل في المنهج الواقعي عند "إبسن".
وإن كان للتعبيريين دور ظاهر في حقل الشعر والقصة، فإن دورهم على خشبة المسرح كان أعظم أثراً في بث روح الحيوية والإثارة في طبيعة الأداء المسرحي الذي طالما سيطرت عليه الرتابة المملة، والقيود التقليدية المتحكمة في التأليف والإخراج، فجاء حصاد الكتاب التعبيريين في حقل الدراما فائضاً بكل دفعات الاحتجاج المنتصرة لإرادة النفس الإنسانية، ولمعاناته العاطفية والذهنية.
ولم يبدأ هؤلاء المسرحيون المجددون من الفراغ، فقد وجدوا في أعمال الكاتب المسرحي "جورج بوشنر" ما يغذي طموحهم كما وجدوا في إنتاج "سترند برغ" و"فرانك ديكند" الكثير من الصراعات الداخلية والاتجاهات التحليلية الزاخرة بالرموز التعبيرية والمونولجات المتعددة الطويلة.
وقد جاءت المسرحية التعبيرية مستمدة من دوي الحرب وصخب التقدم التكنولوجي وحمى التعصبات القومية المتصاعدة، ومن الطبيعي أن يتميز هذا اللون من المسرحيات بالرفض الصارخ والتمرد على الواقع المعاش، والحنين الجارف إلى عالم هادئ جديد يستعيد فيه الإنسان جوهره المفقود.
إن قراءة أولية لبعض المسرحيات التعبيرية تجعلنا نتوصل إلى أن المسرحية التعبيرية قد تشكلت على خشبة المسرح بسمات فنية جديدة تقوم على التجريب، وبوسعنا أن نلمس هذا التجديد والتجريب في بعض المسرحيات التي تركها "بروتولد برخت" لعشاق المسرح التعبيري رغم انشغاله بالشعر الملحمي والمسرح الذهني، وهي "طبول الليل" و"أحراش المدن" و"القروش الثلاثة".
إعلانكما يشير الدكتور مكاوي -في دراسته للمسرح التعبيري في ألمانيا- إلى أن المسرحية الثلاثية "غاز" للكاتب "جورج كايزر" تعتبر نموذجاً فريداً للمسرحية التعبيرية الغنية بالمواقف المتصارعة والإيحاءات العميقة الموحية.
وفي كتابه "أشهر المذاهب المسرحية" يتعرض الناقد دريني خشبة لأبرز السمات الفنية التي تمتاز بها المسرحية التعبيرية عن غيرها، ويهمنا أن نزاوج بهذا الصدد بين ما أورده خشبة وبين ما تكوَّن لدينا من انطباعات واستنتاجات قرائية لنماذج من المسرح التعبيري على صعيد العمل الدرامي الذي أصبح في مقدمة الفنون الأدبية.
تدور أحداث المسرحية التعبيرية عادة حول شخصية محورية تحمل في ذاتها مشكلة تنعكس آثارها السيكولوجية على حركات البطل ومنطوقاته. أما بقية الشخصيات فهي بعيدة عن الضوء متحركة في الظل، وإذا ظهرت فهي تظهر ظهوراً جانبياً، يأتي مساعداً لدور الشخصية المحورية وخادماً للفكرة العامة.
وفي المسرحية التعبيرية يستريح البطل لالتقاط الأنفاس، ومن ثم يواصل الحركة في الطريق المرسومة والمؤدية إلى الخلاص من الأزمة الحادة والتي يكون البطل المحوري قد طرح أبعادها على الجمهور منذ البداية، وبشكل عاطفي مثير يهدف إلى إيجاد الاندماج بين المسرح والجمهور.
ولا يعني هذا أن المسرحية التعبيرية -لدى محاولاتها لامتلاك وجدان الجمهور- تعتمد على بهرجة شكلية أو تصنُّع ميلو درامي في الأداء، وإنما تأتي بطبيعتها مشحونة بالصرخات العميقة المتزنة والإيماءات الصادقة المصحوبة بإيقاع معبر إلى جانب الحيل المسرحية والأقنعة والتحولات الضوئية من جانب إلى آخر، حيث يشكل عنصر الإضاءة ركيزة أساسية في إخراج المسرحية التعبيرية، فيتعاون كل من المؤلف والمخرج ومهندس الإضاءة على تسليط الأضواء على البطل المحوري، وذلك بما يتناسب مع الحالة النفسية التي يمر بها، فنرى المشاهد حافلة بالإنارة والتعتيم، ورسم الخيالات والظلال والأشباح، حيث يساعد ذلك كله في الإيحاء بأسرار النفس وخلجاتها المكبوتة.
وفي معرض التمرد الحر على الكلاسيكية الرتيبة، ونتيجة للاحتجاج الشامل على المدرستين الطبيعية والرمزية الغامضة، لم يكن كتاب المسرح التعبيري في حاجة إلى شخصيات فردية خاصة وتقديمها بأسمائها المحددة وبصورتها الطبيعية، ولذلك نراهم قد مالوا إلى رسم الصورة النموذج للشخصية، واكتفوا بإسداء الألقاب عليها كالأب والابن والرجل والشبح والرئيس وهكذا.