كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إنَّ مصر كانت ولا زالت قائدة رائدة على مرِّ العصور، خاصة في عصر الرئيس عبد الفتاح السِّيسي، الذي بذل -ولا زال- يبذل كلَّ الجهود لدعم المؤسسات الدينية، وفي مقدِّمتها دار الإفتاء المصرية.

وأضاف خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية بالمؤتمر العالمي التاسع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية بعنوان "الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع"، إننا أمام أزمات تعصف بمحيطنا الإقليمي والدولي، ولا يخفى أنَّ اجتماعنا هنا في مصر العزيزة الغالية لمناقشة تلك التّحدّيات التي تواجهنا يؤكّد أنَّ مِصْرَ دائمًا في قلب الحدث رائدة ومبادرة، مشيرًا إلى أننا اليوم نعيش جميعًا في عالم أصبحت السرعة مَعْلَمًا وسمة من سماته الرئيسية، وصارت الأزمات التي تلاحق الجنس البشريَّ تضعنا في موضع المسؤولية للحفاظ على المجتمع الإنسانيّ من التدهور والدخول في منحدر أخلاقيّ يفقد به الإنسان قيمته الوجودية في هذه الحياة.

وقال المفتي، إن ما نراه واضحًا جليًّا في تلك المحاولات العديدة لتفكيك البناء الأخلاقي المستقرِّ الذي يستند إلى الأديان وإلى حفظ مقاصد الاجتماع البشريّ؛ كان دافعًا لعقد هذا المؤتمر تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع» بغرض البحث والتّواصل بين دور الإفتاء ومؤسّسات الفتوى حول الدَّور الفعَّال الذي يمكن أن تقوم به في دعم المنظومة الأخلاقية، وما يمكن أن تساهم به الفتوى في ترسيخ المبادئ والقيم الإنسانيّة المشتركة، ودورها في مواجهة التّحديات الأخلاقية التي بات التعامل معها ضرورة إنسانية، في ظلّ الصراعات والأزمات التي يعيشها العالم، وفي ظلّ ذلك السّعي الحثيث لتحييد العنصر القيميّ والأخلاقي في خضمّ ذلك التّطوّر المتسارع والمتلاحق.

وأكد المفتي:"ننطلق في هذا المؤتمر من رؤية حضارية تستند إلى مبادئ دينيّة قويمة، ومعالم وقيم إنسانية مشتركة، تمنح الوازع الأخلاقي الأولويّة الكبرى في بناء الإنسان والتّفاعل مع عناصر الكون التي سخّرها الله لخدمة البشرية، وهذه الرؤية الحضارية يعزّزها تاريخ قديم قدم الوجود الإنساني على هذه الأرض، حيث سعى الإنسان منذ وجوده في هذه الدّنيا إلى تحصيل الكمال، ونشأت الأفكار والفلسفات من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى وهو تكميل النّفس البشرية بالقيم والفضائل، وجعلها أساسًا للعمران؛ وصولًا إلى تحصيل السعادة في الدّارين".

وأشار المفتي إلى أن الأديان السماوية التي بعث بها الأنبياء ما زالت تحثُّ البشرية على سلوك ذلك السبيل القويم، وتبيّن لهم محاسن الأخلاق وترشدهم إليها، وتحذّرهم من أسباب الهلاك ومواطن الشرور التي تنحدر بالنفس الإنسانية إلى مستنقعات الفساد الأخلاقي، إلى أن بعث الله نبيّنا ﷺ متمّمًا لدعوات النبيّين، ومرشدًا إلى أعظم الفضائل وأجلّ الكمالات، فالرسالة المحمدية في مفهومها الشامل تدعو إلى الأخلاق الربانية، التي صارت حقيقة راسخة في كلِّ تشريعاتها من عبادات أو معاملات.

وتابع:"أنّنا إذ نقرُّ بضرورة التعايش المشترك بين مختلف الأعراق والأجناس والثقافات والأديان؛ فإنّه لا بدَّ من إيجاد صيغة مشتركة للتّفاهم حول المعايير الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية في كافّة المجالات، ووضع المنظومة الأخلاقية في أولويات مبادئ التقدّم الصناعيِّ والتّقنيِّ، خاصّة فيما يتعلَّق بتطبيقات الذكاء الاصطناعيّ، وجعلها أحد الموجّهات الرئيسية في بناء فلسفة العلوم، لا سيّما العلوم التجريبية والاجتماعية، وفي حلّ الأزمات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وفي نزع فتيل الصراعات المسلّحة والحروب الكارثية التي فقدت ميزان العدالة والأخلاق، مع ضرورة المحافظة على الخصوصيات الدّينية والثقافية، ومراعاة الأعراف المجتمعية".

وأضاف: لا بدّ من الاعتراف أنّنا أمام أزمة أخلاقية ونفسية وروحية، صنعتها محاولات الهيمنة والسيطرة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، التي يقوم بها من يريدون إخضاع العالم لنموذج أحاديّ، تغيب عنه الرؤية الأخلاقية، وتتحكّم فيه نظرة ماديّة تركت فراغًا روحيًّا عميقًا في النفوس، أدَّى إلى وجود نزعتي التّطرّف والانحلال، اللّذين يشتركان في إهمال الجانب الروحيّ وغياب السّقف الأخلاقي رغم اتّجاههما المتضادّ، إضافة إلى الأزمات العالمية التي تكرّس انتشار الفقر والجوع وغياب العدالة، وكذلك غياب الوعي والضمير الإنساني الأخلاقي في منع الصراعات، ووقف الاحتلال العسكريّ الغاشم الذي يمارس الإبادة ضدّ المدنييّن في فلسطين وغيرها من دول العالم، ولا شكّ أنّنا في ظلّ هذه التحديات نتحمّل مسؤولية كبرى تفرض علينا توظيف العمل الإفتائيّ في ترسيخ منظومة القيم والأخلاق الدينية والإنسانية للخروج من هذه الأزمة، وهو ما نأمله من هذا المؤتمر الذي يضمّ نخبة من العلماء والمؤسسات الدّينيّة المؤثّرة.

وأشار إلى أنَّ من نعم الله تعالى علينا هذه المظلّة المباركة؛ مظلّة الأمانة العامّة التي تجمع تحتها ثلّة من كبار علماء الأمّة في العالم الإسلاميّ بأكمله، وقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى أن جعلنا مبلّغين لدينه ساعين لحفظ مقاصد شرعه، وهي أمانة عالية وتكليف عظيم يتطلّب من كلّ منّا القيام بواجبه من خلال تكاتف الجهود، وشدّ سواعد الهمّة للوصول إلى حلول ناجزة تدفع بأمّتنا العربيّة والإسلاميّة لمزيد من التّقدّم والرّقيّ من ناحية، وتحفظ عليه مبادئه وأخلاقه وقيمه السامية في ظلّ تلك الضغوط التي نتعرّض لها للاستجابة لتضييع الحقوق، وهدم القيم، وسيولة الأخلاق، وتزييف الحقائق.

ووجه المفتي، الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته للمؤتمر، مُكرِّرًا ترحيبه بالضّيوف الكرام، راجيًا لهم التّوفيق والسّداد في تحقيق الغاية العظيمة التي اجتمعوا من أجلها، وأن تسفر جهودهم وأوراقهم البحثيّة ومناقشاتهم العلمية الجادّة المنعقدة خلال المؤتمر وورش عمله عن استكمال الرؤية العلمية لمواجهة تحديات المستقبل.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: أولمبياد باريس 2024 زيادة البنزين والسولار انحسار مياه الشواطئ نتيجة الثانوية العامة الطقس أسعار الذهب إسرائيل واليمن سعر الدولار هدير عبدالرازق حكومة مدبولي التصالح في مخالفات البناء معبر رفح سعر الفائدة فانتازي الحرب في السودان الدكتور شوقي علام المؤسسات الدينية مفتي الجمهورية الأخلاقی فی إلى أن ة التی

إقرأ أيضاً:

أستاذ بالأزهر: لا يجوز مشاركة المنشورات الدينية أو الأخبار دون تثبّت

حذّر الدكتور أحمد الرخ، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، من خطورة مشاركة المنشورات والمحتويات الدينية أو الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي دون تحقق أو تثبّت، لمجرد أن شكلها منسّق أو كلماتها جميلة أو ظاهرها مزين.

هل ضرب الآباء لـ الأبناء موجود بالشريعة.. أزهري يحسم الجدلبعد وفاة أحمد عامر.. أزهري يوجه رسالة لـ حمو بيكا

وقال خلال تصريح تلفزيوني: "هذه الصورة الظاهرة لا تدل بالضرورة على حقيقة الكلام الموجود، والله تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾، فالتثبت والتبين واجب في جميع الأمور، ومن باب أولى في نشر الأخبار والمعلومات الدينية".

وأوضح الدكتور الرخ أن النبي أرشد الأمة إلى ضرورة التعقّل والتريّث وعدم التسرّع، مستشهدًا بما قاله لوفد عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأنَاة"، مشيرًا إلى أن العلماء فسروا الحِلم بأنه العقل، والأنَاة بأنها التثبت والتريث. 

وأضاف: "الإنسان لا ينبغي أن ينخدع بالزينة الظاهرة، بل يجب أن يتحقق من المعلومة قبل نشرها".

وأشار إلى خطورة أن يصبح الشخص مجرد "إمعة"، فيسير خلف كل ما يُنشر دون تمييز، مستشهدًا بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يكن أحدكم إمعة… إن أحسن الناس أحسن، وإن أساء الناس أساء".

وعلّق الدكتور الرخ: "هذه إشكالية كبيرة، أن يشارك الإنسان أي منشور دون تحقق، خصوصًا إن كانت خلفيته العلمية أو الدينية ضعيفة، فيضلّ غيره بسبب منشور غير موثوق".

وسرد واقعة من تفسير الطبري، حين دخل الإمام علي بن أبي طالب المسجد، فوجد رجلًا يعظ الناس، فسأل عنه، فقيل له: هذا رجل يذكّر الناس. فقال: "ليس برجل يذكّر الناس، إنما يريد أن يقول: أنا فلان ابن فلان، فعرفوني". فسأله الإمام سؤالًا واحدًا: "هل تعرف الناسخ والمنسوخ؟"، فقال: "لا"، فردّ عليه: "هلكتَ وأهلكت"، وأمره بالخروج من المسجد وعدم التذكير فيه.

وتابع: "الاجتهاد له شروط، والتكلم في الدين له شروط، ومن لا تتوافر فيه هذه الشروط فليس له أن يتكلم أو يشارك".

كما شدد على أن نشر أي محتوى غير موثوق، أو كتابة تعليقات توحي بأن شخصًا معينًا قال كلامًا لم يقله – حتى ولو بوضع صورته مع عبارة مختلقة – هو من الكذب الصريح، ويجب الحذر منه.


وتابع: “الله تعالى قال: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾، يعني أن كل مشاركة أو إرسال أو كتابة أو تفاعل سيتم السؤال عنها يوم القيامة، فعلينا أن نتقِ الله في كل ما نشاركه أو ننسبه لغير أهله”. 

طباعة شارك مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك المنشورات الدينية مشاركة المنشورات الأزهر جامعة الأزهر

مقالات مشابهة

  • التقدم والاشتراكية يحذر من تداعيات الأوضاع الدولية التي باتت تتسم بالتوتر والاضطراب
  • أستاذ بالأزهر: لا يجوز مشاركة المنشورات الدينية أو الأخبار دون تثبّت
  • مبادلة.. تعزز حضورها في 88 دولة حول العالم
  • قرار صلاحيات الحرب صراع بين الكونغرس والرئيس الأميركي
  • المفتي دريان: إذا كانت سوريا بخير لبنان بخير
  • التضاريس الوعرة والذخائر غير المنفجرة أبرز التحديات التي تواجهها فرق الدفاع المدني أثناء عملها لإخماد الحرائق في ريف اللاذقية
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!
  • التويجري: تجربة الهلال نموذج يُحتذى به وركلة الجزاء كانت صحيحة .. فيديو
  • ميدو: «موهبة شيكابالا كانت تؤهله يلعب في أكبر أندية العالم»
  • الدفاع المدني بأبها يباشر حريقًا بموقع جبلي في بللسمر