الجيش السوداني بين الضرورات والمحظورات
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
أماني الطويل
تتعدد المسارات الراهنة بشأن محاولة وقف إطلاق النار في السودان. الملمح الرئيسي لهذه المرحلة على الصعيد الدولي هو محاولة خلق مداخل متزامنة وتواز بين المسارين السياسي والعسكري ربما لأول مرة، حيث شهدنا خلال الشهور الـ١٥ الماضية في الحرب السودانية تنازعًا إقليميًا على المبادرات، رغم المحاولات المصرية المبكرة منذ يوليو/تموز ٢٠٢٣ في صهر كل المبادرات في مسار واحد خلال مؤتمر دول جوار السودان.
الجيش السوداني بين الضرورات والمحظورات
المطروح حاليًا، مبادرة هي العاشرة من نوعها من المنصة السويسرية برعاية أمريكية سعودية لجمع الطرفين العسكريين، بعد أن نجحت القاهرة في بلورة مؤتمر للأطراف السياسية حضره غالبية القوى والرموز السياسية السودانية.
الجديد أنه بالتوازي مع المبادرة الأمريكية السعودية المشتركة، فإنّ هناك مجهودًا في جيبوتي تحت رعاية كل من الجامعة العربية ومنظمة إيغاد، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بجانب الرياض وواشنطن، بشأن دعم جهود وقف إطلاق النار في السودان عبر مناهج جديدة أكثر تماسكًا، من أهمها "التنسيق بشأن الاستجابة لقضية توحيد الجهود وضمان تكامل المبادرات للسلام بما يضمن نتائج تعزز بعضها البعض".
عناصر التعقيد ترتبط بالاعتقاد أنّ إحراز المكاسب على موائد التفاوض مرتبط بإحراز النصر في ميادين القتال
وذلك عبر نهج منسق متعدد الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تم دعم منصة سويسرا والإشادة بالجهود السابقة عليها، والتعهّد بمواصلة جهود التنسيق الدولي والإقليمي بشأن الأزمة وذلك في مؤتمر يعقد في نيويورك سبتمبر/أيلول القادم.
هذا المشهد الدولي والإقليمي بشأن السودان والذي توافق على فكرة التنسيق لا الصراع يملك عددًا من المعطيات التي يجب أن تبحثها الأطراف السياسية الداخلية في السودان لتحدد كل منها خارطة طريق، إما للالتحاق بالمجهود الراهن أو الخروج من المعادلة بالكلية، وعدم ضمان استمرار دولة السودان.
أولًا: أنّ تعقيد الأزمة السودانية قد فرض الاعتراف بكل الأطراف العسكرية والسياسية ومن هنا نشأت الدعوة للتنسيق وتدشين مناهج جديدة.
ثانيًا: أنّ منهج تنسيق المبادرات هو عودة لما طرحته القاهرة في يوليو/تموز ٢٠٢٣ من ضرورة الأخذ بمصالح جميع الأطراف الإقليمية دون عزل لأي طرف مهما كانت الأسباب المرتبطة بالموقف الدولي من هذا الطرف أو ذاك.
ثالثًا: أنّ لكل من القاهرة والرياض وأبو ظبي أدوارًا قائدة في هذا المشهد في المنصات المختلفة، وبالتالي فلا طريق أمام أي طرف داخلي سوداني إلا بوضع هذه الحقيقة نصب عينيه والتعامل معها.
وإذا كان وقف إطلاق النار في السودان هو هدف إقليمي ودولي فهو غير معزول أبدًا عن مجمل معادلة اليوم التالي للحرب التي من المطلوب بلورتها في هذه المرحلة رغم حالة التعقيد المحيطة بها، ذلك أنه دون التوافق على عملية ومعادلات سياسية سودانية داخلية فلا سبيل لوقف إطلاق النار.
المعضلة الرئيسية حاليًا أمام استكمال ضفيرة المجهودات المجمعة لوقف الحرب السودانية هي موقف الجيش السوداني الذي يتسم بحالة من التعقيد عبّر عنها ببيان صادر من الخارجية السودانية بشأن مبادرة السلام في منصة سويسرا.
عناصر التعقيد ترتبط باعتقاد مرتبط بالذهنيات العسكرية عامة أنّ إحراز المكاسب على موائد التفاوض، مرتبط بإحراز النصر في ميادين القتال، وإذا كانت هذه المقولة صحيحة في الاستراتيجيات العسكرية فهي تخالف الواقع السوداني الذي عوّدنا على التفرّد والتعقيد وذلك للأسباب التالية:
- أنّ الشرعية السياسية والدستورية للجيش محفوظة ومرتبطة بالمصالح الإقليمية والدولية في منطقة ملتهبة على الصعيد الجيوسياسيي. من هنا فإنّ وزن الجيش محفوظ على مائدة التفاوض وهو مرهون بأدوار مستقبلية محجوزة له كجيش قومي للسودان، دون أي تحالفات سياسية، وهي الأمور التي تعطيه وزنه على مائدة المفاوضات رغم الخسائر العسكرية.
- أنّ انتهاكات "قوات الدعم السريع" ستخفض من وزنها التفاوضي رغم سيطرتها على أراضٍ لن تستطيع أن تحكمها حتى عن طريق أي حليف سياسي بسبب الضرر في مساحة الأمن الشخصي الذي لحق بالسودانيين، حيث ثبت عن طريق الممارسة عدم الأهلية في ممارسة الحكم لهذه القوات.
- أنّ الشعب السوداني يريد إيقاف الحرب، وأنّ مقاومة هذه الرغبة تحت أي مبررات أو مزاعم لا تلقى لا قبولًا ولا ترحيبًا .
- أنّ ملكية بيوت الناس فعلًا مهددة بالحيازة الحالية من المعتدين عليها، وفي حالة امتداد الحيازة بسبب استمرار العمليات العسكرية دون قدرة على الحسم النهائي في توقيت مقبول فإنّ عودة تلك الملكيات صارت غير مضمونة.
هناك ضرورات لا بد وأن تدفع الجيش السوداني نحو التخلي عن سياسيات التمترس العسكري
- أنّ العالم والإقليم سوف يتعاون مع الجيش السوداني في حال التمسّك بالأداء المهني وليس السياسي في ترتيب الأوضاع الداخلية، بما يمهّد لاستقرار السودان ومشاركة الجميع على الصعيد السياسي بلا استثناء.
وطبقًا لما سبق فإنّ هناك ضرورات لا بد وأن تدفع الجيش السوداني نحو التخلي عن سياسيات التمترس العسكري والانطلاق نحو آفاق قد تحقق خيرًا للسودان والسودانيين.
(خاص "عروبة 22")
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجیش السودانی إطلاق النار فی السودان
إقرأ أيضاً:
الحكومة السودانية: نستنكر ما صدر عن الإدارة الأمريكية من اتهامات وقرارات تتسم بالابتزاز السياسي
تتابع الحكومة السودانية، وباستنكار شديد، ما صدر عن الإدارة الأمريكية من اتهامات وقرارات تتسم بالابتزاز السياسي وتزييف الحقائق بشأن الأوضاع في السودان.لقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية، على مدى سنوات طويلة، على انتهاج سياسات تعرقل مسيرة الشعب السوداني نحو الاستقرار والسلام والازدهار. وليس من المستغرب أن تُستأنف هذه السياسات كلما أحرزت الدولة تقدماً ملموساً على الأرض.إن فبركة الاتهامات وترويج الأكاذيب، بما في ذلك الادعاءات الأخيرة التي لا تستند إلى أي دليل، تأتي ضمن نهج قديم يرتكز على خارطة الطريق التي وضعتها الإدارة الأمريكية السابقة عام 2005، والتي تُعدَّل مرحلياً بما يخدم الأجندات الأمريكية، استناداً إلى مزاعم لا تمت إلى الواقع بصلة.وقد استهدفت هذه الادعاءات الكاذبة مجدداً القوات المسلحة السودانية، لاسيما بعد إنجازاتها الميدانية التي غيرت من واقع المعركة، وعقب تعيين رئيس للوزراء، وهو ما شكل تطوراً مهماً في مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة. وليست هذه المحاولة الأولى؛ فقد استخدمت الولايات المتحدة أدوات مماثلة في السابق دون أن تحقق أهدافها.وقد تابع العالم التصريحات الواضحة التي أدلت بها السيناتور الأمريكية سارة جاكوب، والتي انتقدت فيها تواطؤ إدارة بلادها مع الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في السودان، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ودعت إلى حظر توريد الأسلحة إليها. ويعكس هذا الموقف وجود أصوات أمريكية تدرك حقيقة الأزمة وحجم المظالم التي يتعرض لها الشعب السوداني.ونذكر بأن الولايات المتحدة سبق أن قصفت مصنع الشفاء في أغسطس 1998، استناداً إلى مزاعم ثبت كذبها لاحقاً، إذ تبيّن أن المصنع كان لإنتاج الأدوية. واليوم تعود ذات المزاعم باتهامات لا أساس لها بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، بينما تلتزم واشنطن الصمت حيال الجرائم الموثقة بحق المدنيين في دارفور ومناطق أخرى، التي تقف خلفها دولة الإمارات العربية المتحدة عبر دعمها غير المحدود للميليشيات، ومن خلال تزويدها بطائرات مسيرة استراتيجية، وأسلحة أمريكية حديثة، وتمويل مالي كامل، أقرت به لجنة خبراء الأمم المتحدة.إن هذه الرواية الكاذبة، التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تسويقها دولياً، ليست سوى محاولة جديدة لتضليل الرأي العام، وتوفير غطاء سياسي لجهات فقدت شرعيتها وتورطت في ارتكاب جرائم ضد الشعب السوداني.وسبق أن سعت الإدارة الأمريكية السابقة إلى فرض الاتفاق الإطاري على الشعب السوداني بطريقة تضمن بقاء الميليشيات ضمن مشهد انتقالي مصطنع، متجاهلة تطلعات الشعب في بناء دولة مدنية عادلة تقوم على القانون والحرية والسيادة الوطنية عبر انتخابات حرة وشفافة.وإذ يدرك الشعب السوداني وحكومته أبعاد هذا الابتزاز السياسي المستمر، فإنهما يؤكدان أن ما تشهده المرحلة الراهنة ليس إلا تكراراً لأخطاء سابقة في تعامل الإدارة الأمريكية مع قضايا السودان. غير أن الفارق اليوم هو أن هذه التدخلات، التي تفتقر إلى الأساسين الأخلاقي والقانوني، تُفقد واشنطن ما تبقى لها من مصداقية، وتُغلق أمامها أبواب التأثير في السودان بفعل قراراتها الأحادية والمجحفة.على الحكومة الأمريكية أن تدرك أن حكومة السودان، المدعومة بإرادة شعبها، ماضية في طريقها حتى تحقيق الانتصار الكامل في معركة الكرامة، ولن تلتفت إلى أية محاولات تستهدف عرقلة تطلعات الشعب السوداني نحو حياة كريمة، وتحرير بلاده من الميليشيات وتدخلات دول العدوان.والله ولي التوفيق.خالد الإعيسروزير الثقافة والإعلامالناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية22 مايو 2025 إنضم لقناة النيلين على واتساب