حاتم الطائي
◄ الاحتلال الإسرائيلي يواصل بربريته وسط صمت دولي غير مسبوق
◄ غيوم "الحرب الكبرى" تُلبِّد سماء المنطقة.. والصهيونية لن تتوقف عن تفخيخ الإقليم
◄ ضرورة بناء موقف عربي ودولي مُوحَّد يرفض الحرب ويُرسي السلام
تقترب منطقة الشرق الأوسط من السقوط في هاوية سحيقة، في ظل ما يقترفه الكيان الصهيوني من جرائم شنيعة تطال الدول والأشخاص والكيانات، وتُهدد بتفجُّر حرب إقليمية كُبرى لا نُبالغ إذا حذَّرنا من تحولها إلى حرب عالمية ثالثة، لن تُبقي ولن تذر!
الاحتلال الإسرائيلي ما يزال يُمارس بربريته الفجَّة، وسط صمت إقليمي ودولي غير مسبوق؛ إذ لم يكتفِ هذا الكيان الغاصب المُجرم بتدمير قطاع غزة وتنفيذ أبشع جريمة إبادة جماعية في العصر الحديث، علاوة على احتلال الأراضي الفلسطينية بأكملها؛ بل تمادى في غطرسته الكاذبة عبر الاعتداء على سيادة الدول وتنفيذ عمليات عدوانية على الآخرين، واغتيال الشخصيات السياسية، في جريمة مُنكرة تتطلب تحقيقًا دوليًا من أجل تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.
ومن المُؤسف أن نجد المُجتمع الدولي عاجزًا عن مواجهة هذا المُحتل الوقح الذي يمارس جرائمه بكل خسة ونذالة، فقد فشل مجلس الأمن حتى في إصدار بيان يُدين حرب الإبادة الجارية في غزة، وأخفقت منظومة العدالة الدولية- سواء محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية- في إرساء ولو أبسط قواعد العدالة، من خلال إلزام الاحتلال بوقف حربه الشعواء على القطاع المُحاصر، ووقف قتل المدنيين العُزَّل، ووقف حرب التجويع اللاإنسانية.. لقد تعرَّت الإنسانية عن بكرة أبيها وظهرت سوأتُها وتبيّن لأصحاب الضمائر اليقظة أن لا عدالة في العالم الذي تُهيمن عليه قوة عظمى ظالمة بمُساعدة دول أخرى متواطئة ومُلطّخة يديها في دماء الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق. لقد تأكدت الشعوب الثائرة ضد الإجرام الصهيوني أنَّ "شريعة الغاب" ما تزال تحُكم وتتحكم في مجريات عالم اليوم، رغم أنَّ الإنسان البدائي بصورته النمطية لم يعُد متواجدًا بيننا، لكن يتواجد بتوحُّش داخل إدارات وحكومات القوى العظمى. أما الكيان الاستيطاني الغاصب المُجرم، فيقوده زُمرة من السفّاحين والقتلة وآكلي لحوم البشر.
نعيش حاليًا فترة من الترقُّب والتوجُّس من مغبة اندلاع حرب كُبرى، تأكل الأخضر واليابس، وتقضي على ما تبقى من مظاهر تنمية في دول الشرق الأوسط.. حربٌ يستفيد منها فقط الكيان الإسرائيلي الخسيس، ومن ورائه الدول العظمى التي تجني أرباحًا خيالية من مبيعات السلاح والذخائر والمعدات العسكرية، فضلًا عن نهب ثروات وخيرات الدول، في مشهد يُعيدنا إلى العصور الوسطى!
وأقولها بصراحة إنَّ إسرائيل ومن وراءها من قوى عظمى ظالمة ومُتجبِّرة، لم تكن لتنتظر عمليات اغتيال سياسي أو شن عدوان وحشي على الأبرياء أو حتى ارتكاب أبشع جرائم الحرب وجرائم الإبادة، لكي تُشعل فتيل حرب كُبرى في المنطقة، تحقق من خلالها أهدافًا ملعونة؛ إذْ إنَّ النيّةَ مُبيَّتةٌ منذ قيام الصهيونية وحتى اليوم، للانقضاض على الشرق الأوسط ودُوَلِهِ الآمنة التي تنعم في الخيرات التي حباها الله بها، لكن هذه الصهيونية العالمية تُخطط منذ عقود وتحيك المؤامرات واحدة تلو الأخرى- من "سياكس- بيكو" إلى اتفاقيات السلام المزعومة إلى التنظيمات الإرهابية المُمَوَّلة وجماعات حقوق الإنسان المشبوهة- من أجل تمزيق المنطقة وتحويلها إلى دويلات ضعيفة مُرتَهِنَة للقوى العظمى وإسرائيل، ومن ثمَّ السيطرة عليها كاملةً وسرقة مُقدّراتها وتجويع شعوبها وإفقار ما تبقى منها.
لقد مثَّلَت عملية اغتيال القيادي البارز والمُناضل الكبير إسماعيل هنيّة على الأراضي الإيرانية، منعطفًا شديد الخطورة، ونقطة تحوُّل ربما لن تتمكن المنطقة من الرجوع عنها. فَقَدْ سبق هذه العملية الاغتيالية الخسيسة، عمليات اغتيال مُتعددة، استهدفت المُناضلين والقوى التي تسعى لإلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني المُجرم؛ حيث نفذت دولة الإجرام الصهيوني عمليات اغتيال مماثلة في العراق وسوريا ولبنان، وشنَّت هجمات عدوانية وغارات على مقرات دبلوماسية ومؤسسات، واخترقت السيادة الوطنية لهذه الدول، عبر نهج إجرامي يفوق أساليب عصابات المافيا.
اليوم.. تقفُ منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية، فإمَّا سقوط عنيف نحو قاعٍ لا قرار له، وإمَّا انتشالها من براثن الحجيم التي لن تترك دولةً إلّا وأحرقتها بلهيبها المُستَعِر. وما يُبرهن هذه الرؤية الاستشرافية، مواقف زعيم عصابة الصهاينة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي لا ينفك أن يُشعل بارود الحرب يومًا تلو الآخر، وساعة بعد ساعة. فهذا المُجرم الإرهابي يسعى لإطالة فترة بقائه في الحُكم للهرب من المُحاكمة المحتومة، والتي ستقضي على ما تبقى من حياته قابعًا داخل زنزانة حقيرة يستحقها عن جدارة، لذلك نجده يُماطل في مفاوضات وقف إطلاق النَّار، ولو على حساب الأسرى الإسرائيليين الذين يقضون واحدًا وراء الآخر، في ظل القصف العشوائي والهمجي على قطاع غزة. كما إنه يُنفِّذ سياسات الاغتيال بحق شخصيات بارزة لها ثقلها الإقليمي والدولي، ويُهدد كل ساعة بضرب دول إقليمية وعلى رأسها لبنان.
وفي ظل هذه التطورات الخطيرة، لا بُد من تشكيل موقف عربي ودولي مُوحَّد، يُندد بأيِّ عدوان، ويسعى عبر الطرق الدبلوماسية إنهاء هذه الحرب الظالمة على قطاع غزة، وإلزام الكيان الإسرائيلي بالقانون الدولي، وأول ما يجب تنفيذه هو إجراء تحركات داخل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ودعوة دول العالم المُحبة للسلام أن تنزع فتيل الحرب، وتُنقذ المنطقة من البربرية الإسرائيلية، وتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، كما يتعين على المحكمة الجنائية الدولية أن تستجيب لطلب مدعيها العام، بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، لكي تتخلص المنطقة من شبح الحرب، لأن وجود هذا المجرم في السلطة يدفع بالمنطقة والعالم نحو الهاوية بلا أدنى شك.
وهُنا ينبغي أن نُشير إلى حكمة الدبلوماسية العُمانية ومكانتها الدولية، وحرصها على إقامة السلام الشامل والعادل، وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب الإسرائيلية إلى العدالة الدولية، بالتوازي مع تأكيد موقف سلطنة عُمان الراسخ من القضية الفلسطينية، والحرص على بذل الجهود من أجل تحقيق تطلعات وضمان حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ولقد كان موقف سلطنة عُمان من اغتيال القائد البارز الشهيد إسماعيل هنية، مدعاة للفخر؛ حيث نددت السلطنة بأشد العبارات عملية الاغتيال، كما أكد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية أنّ "عملية الاغتيال المشينة تُقوِّض من جهود الوساطة والسلام التي بذلتها الأطراف الفاعلة في المنطقة والتي أبدت من خلالها حركة حماس استعدادها للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النَّار"، وهُنا يُمكن استقراء الحكمة العُمانية، التي تُدرك أن السلام لن يتحقق إلّا بتوافر النوايا السليمة والأفعال الصادقة، غير أن دولة الاحتلال المُجرمة تُضمِر أخبث النوايا وأنها غير مستعدة على الإطلاق لخوض مفاوضات سلام جادة.
ويبقى القول.. إنَّ القوى العالمية باتت اليوم مُطالبة أكثر من أي وقتٍ مضى، بنزع فتيل الحرب فورًا، ومنع الاحتلال من التسبب في تدمير المنطقة، والولايات المتحدة على رأس هذه القوى، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وسعي كل مُرشّح إلى الاستفادة من تطورات القضية الفلسطينية والأمن في الشرق الأوسط، لتحقيق مصالح انتخابية، غير أنَّ هذه المصالح لا يجب أن تدفع أيٍ من المرشحين لمشاهد الحرب؛ بل يتعين التدخل الحاسم لإنقاذ العالم من سياسة "حافة الهاوية" التي بلغت ذروتها باغتيال القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية، وكُلنا أمل في تحكيم العقل والمنطق، وفرض مبادئ السلام والاستقرار، بدلًا من الإرهاب والعنف الهمجي الذي تُمارسه إسرائيل بلا محاسبة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فصائل فلسطينية: وقف الإبادة والتجويع واجب فوري لا يُساوَم عليه وسلاح المقاومة مرتبط بالتحرير
أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، والجبهتان "الشعبية" و"الديمقراطية"، إلى جانب "القيادة العامة" و"قوات الصاعقة"، أن وقف المجازر والتجويع الإسرائيلي في قطاع غزة هو "واجب إنساني وأخلاقي لا يحتمل التأجيل أو المقايضة"، مطالبة بإنهائه فورًا دون ربطه بأي ملفات سياسية، مثل حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم أو قضية الأسرى.
وقالت الفصائل في بيان مشترك، الخميس، إن استمرار المجازر بحق المدنيين، والحصار الذي يدفع سكان غزة نحو الموت جوعًا، لا يجوز التعامل معه كأداة للابتزاز السياسي، مؤكدة أن "حق الشعب في الحياة لا يُساوَم عليه".
وشددت الفصائل على أن "الاحتلال هو المصدر الرئيس للإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة"، وأن "المقاومة بكل أشكالها هي رد فعل مشروع وطبيعي كفلته القوانين الدولية والشرائع السماوية"، مضيفة: "سلاح المقاومة سيظل مستمرًا حتى تحقيق الأهداف الوطنية بالتحرير، وعودة اللاجئين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، عاصمتها القدس".
وحدة وطنية وإصلاح منظمة التحرير
ودعت الفصائل إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وفق ما نصّت عليه الاتفاقات الوطنية السابقة المُوقعة في القاهرة والجزائر وموسكو وبكين، وعلى رأسها إصلاح منظمة التحرير لتضم كل مكونات الشعب الفلسطيني، في الداخل والشتات.
وطالبت بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في الداخل والخارج، على أسس وطنية وديمقراطية، من دون أي اشتراطات مسبقة، تأكيدًا على أن المشهد الفلسطيني يجب أن يبقى شأنًا داخليًا فلسطينيًا خالصًا.
وشدد البيان على أن "اليوم التالي لانتهاء العدوان على غزة، هو يوم فلسطيني بامتياز"، يتطلب تضافر جهود القوى الوطنية والسياسية والشعبية كافة، بالتوازي مع جهود الإعمار، من أجل استعادة الوحدة الوطنية وترسيخ شراكة حقيقية "تليق بصمود الشعب وتضحياته الأسطورية".
تحذير من مكافأة الاحتلال عبر دمجه في المنطقة
ورفضت الفصائل محاولات دمج الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، ووصفتها بأنها "مكافأة مجانية للعدو على جرائمه"، مؤكدة أن التطورات الأخيرة أثبتت أن "هذا الكيان هو مصدر رئيسي للشر والإرهاب في المنطقة والعالم"، وأن استمراره على أرض فلسطين المحتلة يشكل تهديدًا دائمًا للاستقرار الإقليمي والدولي.
ميدانيًا، ارتفع عدد الشهداء جراء المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة إلى 154 فلسطينيًا، بينهم 89 طفلًا، منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وفق ما أعلنت وزارة الصحة في غزة، أمس الأربعاء.
وتوقعت الوزارة ارتفاع هذه الحصيلة في ظل استمرار الحصار ومنع إدخال المساعدات، محذّرة من أن "مئات الحالات الأخرى، غالبيتها من الأطفال، مهددة بالموت المحتم".
وكان برنامج الأغذية العالمي قد حذر، الأسبوع الماضي، من أن "ثلث سكان غزة لم يتناولوا الطعام منذ عدة أيام"، واصفًا الوضع بأنه "غير مسبوق في مستويات الجوع واليأس".
الاحتلال يطلق النار على الجائعين
رغم وجود آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات عند مداخل القطاع، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخالها، أو تتحكم بتوزيعها في حال سمحت بها، بعيدًا عن إشراف الأمم المتحدة.
وأفادت وزارة الصحة، الخميس، بأن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على المدنيين الذين تجمعوا للحصول على الغذاء، ما أدى إلى استشهاد ألف و330 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 8 آلاف و818 آخرين منذ 27 أيار/ مايو الماضي.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي كامل، حرب الإبادة الجماعية في غزة، عبر القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، وسط تجاهل صارخ لكل نداءات المجتمع الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية التي أمرت بوقف العمليات العدوانية.
ووفق بيانات وزارة الصحة، خلفت هذه الإبادة أكثر من 207 آلاف ضحية بين شهيد وجريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 11 آلاف مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا تحت الركام، ومئات الآلاف من النازحين الذين يواجهون ظروفًا إنسانية كارثية، فيما تتفاقم المجاعة التي أودت بحياة عشرات الأطفال حتى الآن.
مقاومة حتى التحرير
وفي ختام البيان، شددت الفصائل على أن "المقاومة مستمرة ولن تتوقف إلا بزوال الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية"، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني لن يرضخ للمجازر أو المجاعة أو التهجير، ولن يسمح بتحويل قضيته العادلة إلى ملف قابل للتفاوض أو المقايضة.
ودعت الفصائل إلى أوسع تحرك شعبي ورسمي عربي وإسلامي ودولي لوقف المجازر، وفتح ممرات إنسانية فورية وآمنة لإغاثة سكان القطاع، وإنقاذ ما تبقى من الأرواح في ظل ما وصفته بأنه "واحدة من أفظع الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ الحديث".