بيناكل: ليبيا تخاطر بالبقاء غارقة في الاضطرابات خلال المستقبل المنظور
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
ليبيا – تناول تقرير تحليلي لموقع “بيناكل” الإخباري الأميركي عدم الاستقرار السياسي المتعمق بسبب تفاقم الأوضاع العسكرية والأمنية والاقتصادية والإنسانية.
التقرير الذي تابعته وترجمت المهم من رؤاه التحليلية صحيفة المرصد أشار لتصاعد توترات سياسية على خلفية اتهامات بالفساد ما يظهر حجم الثقة الهشة بين الحكومات والشعب الليبي، مبينًا إحباط العديد من المواطنين بسبب سوء الإدارة والافتقار إلى الشفافية منذ فترة طويلة.
ووفقًا للتقرير اكتفى المراقبون الدوليون بمتابعة كيفية تأثير هذه الأحداث على إنتاج النفط الليبي والأمن الاقتصادي العالمي بشكل عام فالقطاع النفطي الداعم للاقتصاد الوطني إلى حد كبير عرضة للخطر وسط عدم الاستقرار في وقت تتجاوز فيه تأثيرات أي اضطرابات بعيدة المدى حدود ليبيا.
وبحسب التقرير لا تقتصر التحديات على المجالين السياسي والاقتصادي إذ تلوح الأزمات الإنسانية في الأفق مع سعي آلاف النازحين المحليين والمهاجرين غير الشرعيين إلى الأمان والمأوى في ظل ظروف مزرية في كثير من الأحيان فيما تبقى احتمالات العودة إلى ديارهم قاتمة مع استمرار الصراع بلا حل.
وتحدث التقرير عن اعتماد الاستقرار السياسي في تونس والجزائر في الغالب على السلام في ليبيا فافتقارها إليه يعني بروز مخاوف امتداد العنف المتزايد عبر الحدود ما يتطلب مشاركة ديبلوماسية بين القوى الإقليمية والدولية للتوسط في صنع السلمية.
وتطرق التقرير لتراجع إمكانية تطبيق الزعماء السياسيين في ليبيا استراتيجيات إدارة الأزمات للحفاظ على السيطرة بمرور الزمن، مؤكدًا إن البلاد تخاطر بالبقاء غارقة في الاضطرابات خلال المستقبل المنظور في حال غياب الحوار الهادف وجهود المصالحة الوطنية الشاملة بين الفصائل المتصارعة.
ترجمة المرصد – خاص
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
إقرأ أيضاً:
التنوع الثقافي من المنظور التقني
منذ أن كتب الأنثربولوجي كلود ليفي شتراوس في عام 1952، نصه الشهير (العرق والتاريخ)، عندما استعانت به اليونسكو، حينما بدأت العمل على التنوُّع الثقافي فيما ترسَّخ بعد ذلك في مفاهيم (التنوُّع الإنساني المبدع)، والعالم منشغل بهذا التنوُّع لما يمثِّله من أهمية في التنمية الإنسانية والتفاعل وتطوير أنماط الثقافة، وإيجاد طرائق تعزِّز العلاقة بين المجتمعات على تنوُّعاتها واختلافاتها الثقافية والحضارية.
حيث لفت شتراوس أنظار العالم إلى أهمية حماية التنوُّع الثقافي كونه أساسا في الركائز الحضارية والتنموية للدول، فـ«التنوُّع نفسه هو الذي يتعيَّن إنقاذه، وليس الشكل الخارجي المرئي الذي تُلبسه كل مرحلة لذاك التنوُّع» -حسب شتراوس-، وهذا يعني الإشارة إلى حماية فكرة التنوُّع نفسها لا الأشكال التي تنتجها في فترات حضارية معينة، فالأمر الذي يحتاج حمايته هو الحفاظ على التنوُّع بوصفه محور قوة تنموية للدول، قادر في كل مرحلة على فتح آفاق جديدة للتواصل والإبداع.
إن التنوُّع الثقافي يقدم نفسه باعتباره محور ثراء حضاريا يكمن في تلك التنوعات الثقافية والأشكال المتوارثة من ناحية، والأنماط الجديدة التي تتوَّلد ضمن تطوُّر المجتمع وتغيُّراته الحضارية والتنموية من ناحية أخرى، وتلك التي تظهر ضمن تواصله وانفتاحه على الآخر من ناحية ثالثة، فالتنوُّع الثقافي يمثِّل قوة للتواصل الإنساني، والاعتراف بأهميته يكمن في تلك الفرص التي يقدمها في مجالات التعليم والتواصل والإبداع والابتكار وغيرها، إضافة إلى المجالات الاستثمارية، والشراكات التي يفتحها ويوفِّرها.
ولعل هذه الأهمية دفعت اليونسكو إلى تخصيص 21 من مايو من كل عام للاحتفاء بـ(اليوم العالمي للتنوُّع الثقافي من أجل الحوار والتنمية)؛ بُغية إبراز دور الثراء الثقافي الذي تتميَّز به دول العالم، وقدرته في بناء منظومة الحوار والتواصل، وطرائق الاستفادة من الإمكانات الإبداعية للثقافات المتنوِّعة ومشاركتها في التنمية الإنسانية وتحقيق الرفاه للمجتمعات، ولهذا فإن هذا الاحتفاء لا يمثِّل تذكيرا بتلك الأهمية وحسب، بل دعوة إلى زيادة التركيز على مجالات التنوع الثقافي باعتبارها محركات تنموية.
إن الحاجة إلى التنوُّع الثقافي اليوم تزداد في ظل المتغيرات التقنية خاصة برامج الذكاء الاصطناعي وانفتاح طرائق الإبداع والابتكار ومجالاته وإمكاناته التي توفرها تلك البرامج، إذ تكشف دراسة بعنوان (كيف يؤثِّر التنوُّع الثقافي على تطوير الذكاء الاصطناعي للشركات؟)، نُشرت في موقع مجلة دراسات البحوث المالية، أن هناك تأثيرا مباشرا للتنوُّع الثقافي على تطوير الذكاء الاصطناعي وآلياته الأساسية، حيث يعزِّز آفاق الابتكار وينمي مستويات التسويق، إضافة إلى الرؤى المتعددة التي يمكن أن يقدمها للتطوير وزيادة القيمة.
فالتنوُّع الثقافي بهذا المعنى يعمل بوصفه أساسا للهُوية الوطنية والتاريخ الحضاري للدول والتي تستقي منها المؤسسات والشركات طابعها الحضاري العام، وبالتالي تشكِّل وفقها منطقها الاقتصادي وهيكلها الاجتماعي، ليكون سمة أساسية للتطوير والنمو، ولهذا فإن دولة مثل الصين اتخذت من تنوُّعها الثقافي مرتكزا للتطوير الاقتصادي، فعملت على تأسيس نظام ثقافي غني ومتنوِّع، يرمز إلى تاريخها الحضاري ليمثِّل ركيزة لتنميتها الاجتماعية، حتى انعكس تأثيره على مجالات الاقتصاد والبيئة والابتكار والتطوير التكنولوجي؛ فالتنوُّع الذي تتميَّز به الصين أصبح أحد أهم مجالات التنمية المعرفية والاجتماعية والاقتصادية.
إذ تكشف لنا الدراسة أن التنوُع اللغوي وحده في الصين يعمل باعتباره مجالا خصبا؛ فعلى الرغم من أن اللغة الرسمية هي (الماندرين)، إلاَّ أن تعدد اللهجات أصبح إحدى السمات المميَّزة في الثقافة الصينية على مدى آلاف السنين من التطور التاريخي، فاللغات واللهجات ليست وسائل للتعبير وحسب بل أيضا ثقافة غنية ممتدة تعكس (المسارات التنموية الفريدة والهُويات الاجتماعية)، وبالتالي فهي حلقات وصل في التفاعل الاجتماعي والتواصل الحضاري وكذلك في التبادلات التجارية والأنشطة الاقتصادية المختلفة، مما يُسهم في التواصل الثقافي والتكامل، ويسهِّل تبادل المعارف وتطوير الأسواق والتفاعل التقني والابتكار. إن التنوُّع الثقافي بذلك يُنظر إليه باعتباره محركا ثقافيا للتنمية الاقتصادية، يقود إلى فتح آفاق جديدة للتنمية الرقمية والابتكار الإلكتروني، ولأن برامج الذكاء الاصطناعي تقوم على مفاهيم التنوُع فإنها ترتكز على التنوُّع الثقافي باعتباره قوة أساسية تقدِّم مجموعة خيارات مفتوحة، قادرة على إحداث تحولاَّت على مستوى النمو التقني وبرامج الإنتاج، إضافة إلى قدرتها على تسريع تلك التحولات ضمن احتياجات المتطلبات الاجتماعية والمهنية؛ فالتنوُّع الثقافي (عامل حاسم يؤثر على ابتكار الشركات والقدرة على اعتماد الذكاء الاصطناعي وتطويره) -حسب الدراسة.
فأهمية التنوُّع الثقافي اليوم تتعاظم في ظل حاجة برامج الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته إلى فضاءات ثقافية واسعة للنهوض والتطوُّر، لأن مجالات ذلك التنوُّع تمثِّل فرصا استثمارية من الناحية الاقتصادية، وثراءً فكريا واسعا للتقنيات الحديثة، وما يمكن أن تقدمه من مجالات للإبداع والابتكار، الأمر الذي يحدِّد قدرة تلك البرامج على مسايرة التغيرات الاجتماعية والتقنية، والمحافظة على تنوُّع مجالات الثقافة ومعطياتها باعتبارها جوهرا أساسيا للمجتمعات، وإمكانات الاستفادة منها في التطوير خاصة في الذكاء الاصطناعي.
إن العالم في ظل هذه المتغيرات ينظر إلى التنوُّع الثقافي من مستويات عدة ليس فقط من المنظور الاجتماعي والاقتصادي وحسب، بل أيضا يتم اتخاذه ركيزة أساسية في الحوكمة والمنافسة والأداء التنظيمي للمؤسسات والمجتمعات، إضافة إلى دوره في تطوير أنماط الذكاء الاصطناعي والتطورات التقنية بشكل عام؛ إذ يمثِّل قوة إنتاجية لها أثرها في بيئات الأسواق وتنوعها، ومحركا للقوى الإنتاجية الناشئة التي تعتمد على إيجاد فرص استثمارية جديدة ومغايرة، قائمة على التنوُّع الذي يخلق الفرادة والتميُّز.
ولأن عُمان من الدول التي تتميَّز بوفرة التنوُّع الثقافي والتعدُّد الذي مثَّل على مر التاريخ ثروة اجتماعية وموردا اقتصاديا غنيا، فإنها تولي هذا المجال عناية فائقة من النواحي الثقافية والبيئية والاقتصادية، ولقد قدَّمت نماذج مختلفة لهذا الاهتمام سواء من خلال عنايتها بالموارد التراثية والطبيعية، أو الاهتمام بتنميتها بالاستثمار في المجالات الاقتصادية المختلفة خاصة على مستوى الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة وكذلك مجالات الابتكار، إيمانا بالقيمة المضافة التي تمثِّلها قطاعات التنوُّع الثقافي ومجالاته.
ولذلك فإن العناية اليوم بالتنوُّع الثقافي وإبراز الفرص الاستثمارية الكامنة فيه، سيمثِّل إضافة في ظل التطورات التقنية وزيادة اهتمام الدولة بالتطوير التقني وصناعات الذكاء الاصطناعي وتوطينها، الأمر الذي علينا إيلاءه أهمية أكبر ليس من خلال حمايته باعتباره موروثا وحسب بل بإكثاره وتنميته وتطويره كونه أساسا تنمويا وموردا لا ينضب؛ فتطوير برامج الذكاء الاصطناعي يقوم على ذلك المورد، وقدرة المشغِّلين على الإبداع والابتكار فيه من خلال الإمكانات المتقدمة التي يتميَّز بها.
إن التنوُّع الثقافي يمثِّل قيمة مضافة ليس على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بل أيضا على المستوى التقني خاصة الذكاء الاصطناعي الذي يقوم في الأساس على فرص هذا التنوُّع وإمكاناته، وما علينا سوى إبراز تلك الفرص الهائلة التي يتميَّز ويتفرَّد بها مجتمعنا في تنوِّعه الجغرافي واللغوي وموروثه التراثي وموارده الطبيعية وغير ذلك، ونتخذها باعتبارها قيمة تقنية مضافة يمكن تشكيلها وتعزيزها وتحويل إنتاجياتها وفق منظور القدرة التنافسية وديناميات الصناعات الحديثة المتطوِّرة.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة