حنان أبو الضياء تكتب عن: «توم كروز» العائش على حافة الجنون... من الديانة إلى الأولمبياد
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
توم كروز ليس غريباً على ممارسة الخطر إلى حد الجنون. حياته ومعتقداته وأعماله شاهدة على ذلك. إنه الشخص الذى يصبح على وشك الموت أكثر من أى شخص آخر فى موقع التصوير. لذا؛ لم يكن غريباً نزوله على حبل من سطح «ستاد دو فرانس»، أمام 71500 متفرج ليمسك بالعلم الأوليمبى فى حفل نهاية الأوليمباد. ولطالما أثرت ديانة كروز، على حياته فانفصل عن زوجاته، ولم ير ابنته سورى لأنها على ديانتها الكاثوليكية، لأن ولاءه الأول هو لديانته وديفيد ميسكافيج (زعيم كنيسة السيانتولوجيا)».
عندما يتعلق الأمر بأفلام توم كروز فهو الجنون بكل صوره. فى عام 1976، نشرت آن رايس روايتها الأولى، وهى قصة رعب بعنوان مقابلة مع مصاص الدماء. قرأ كروز سلسلة الكتب بأكملها استعداداً لتجسيد شخصية مصاص الدماء ليستات. فى أحد أفلام الحركة الناجحة الأولى له، Top Gun، لعب كروز دور الطيار المقاتل المتهور فى البحرية الملازم بيت «مافريك» ميتشل. وكاد يموت أثناء التصوير. حيث امتلأت مظلة الممثل بالماء، وكان من الممكن أن تسحبه بسهولة إلى وسط المحيط. ولحسن الحظ، رأى أحد الضفادع البشرية فى المروحية مظلته تنتفخ. قفز وحرر كروز قبل غرقه مباشرة.
فى أفلام الحركة مثل إيثان هانت فى سلسلة أفلام Mission: Impossible وبيت مافريك ميتشل فى أفلام Top Gun. فى أفلام Jerry Maguire وA Few Good Men وMagnolia استكمال مسيرته الجنونية فى التمثيل.
لم يتردد توم كروز فى القيام بأى شىء. ميليسا سارتور رصدت له 14 مشهداً جعلته الأفضل: فمع استمرار سلسلة أفلام Mission: Impossible، تزايدت كثافة الأعمال المثيرة. وواصل النجم توم كروز التدريب على الأعمال التى تتحدى الموت، مثل تسلق أطول ناطحة سحاب فى العالم، ببرج خليفة فى دبى. لم يكن كروز غريباً على التسلق، فقد قام بمشهد التسلق الحر الافتتاحى فى فيلم Mission: Impossible 2. ومع ذلك، للتحضير للمشهد فى فيلم Ghost Protocol، عمل كروز مع مدرب التسلق آرون تاج. كان كروز راغباً جداً فى التعلم..
*«آمل ألا أسقط»
لمدة شهر، عمل تاوج مع كروز لمدة تتراوح بين ساعة إلى ثلاث ساعات كل يوم. وقد أمضى كروز وطاقم العمل «مائتى ساعة فى التدريب» أثناء اختبارهم للخدعة على مبنى وهمى فى كاليفورنيا. عندما حان وقت تصوير المشهد الذى يرتدى فيه كروز قفازات مطاطية أثناء تسلقه استغرق الأمر ثمانية أيام. كان كروز مقيداً بالأسلاك، لكن الخطر كان حقيقياً للغاية. وكان كروز يدرك ذلك، وعندما رأى لأول مرة ما كان يواجهه قال ببساطة: «آمل ألا أسقط».
فى الفترة التى سبقت إطلاق فيلم Mission: Impossible – Rogue Nation، قام توم بتحويل المشهد الافتتاحى للفيلم إلى واحدة من نقاط البيع الرئيسية للفيلم. ويظهر فى المشهد إيثان هانت الذى يقوم بدوره كروز وهو يتمسك بطائرة إيرباص 400 أثناء هبوطها على المدرج وانطلاقها. وقد وقعت وسائل الإعلام فى الفخ، ووصفت المشهد بعناوين رئيسية وصفت المشهد بأنه «خطير» و«مجنون» و«مجنون» وحتى «يتحدى الموت».
* لا يوجد توم رقمى
فى الواقع، تم تصوير هذه الخدعة فى قاعدة ويتيرينج الجوية التابعة لسلاح الجو الملكى البريطانى فى المملكة المتحدة، وقد حدثت بالفعل– لم يتم إنشاء التسلسل رقمياً.، «لا يوجد توم رقمى، ولا توجد طائرة مزيفة. إنه فى الواقع مربوط بطائرة إيرباص».
عن تدابير السلامة: كان توم يرتدى حزاماً كاملاً لجسده وكان موصولاً بكابل وأسلاك بالطائرة من خلال بابها. وكان داخل الطائرة قضيب من الألومنيوم مثبت بعناية بالطائرة، الذى كان يحمل الأسلاك التى تمر عبر الباب، والتى كانت تحمل توم. «كان يرتدى أيضاً عدسات لاصقة خاصة لحماية عينيه. إذا ضربه أى شىء بهذه السرعات، فقد يكون الأمر سيئاً حقاً. لقد كانوا حريصين للغاية على تنظيف المدرج حتى لا تكون هناك صخور؛ لم تكن هناك طيور. وهو محمى نوعاً ما بالطريقة التى يتحرك بها الهواء فوق الجناح. هذا التسلسل جاء نتيجة تخطيط دقيق من قبل فرق الكاميرا والمؤثرات، بالتعاون مع فريق اختبار الطيران التابع لشركة إيرباص للدفاع والفضاء. وفى المرة الأولى، أجروا اختباراً مع دمية. ثم طاروا بمعدات الكاميرا، وفى اليوم السابق صعدوا مع بديل فقط للتأكد من أن كل شىء على ما يرام.
* وقع كروز فى حب الطيران
لم يحصل توم كروز على رخصة الطيران إلا فى عام 1994 بعد ثمانى سنوات من إطلاق فيلم Top Gun. وأثناء تصويره لفيلم Top Gun وقع كروز فى حب الطيران، وهو الشغف الذى استحوذ عليه بشغف.
يمتلك كروز العديد من الطائرات الخاصة، بما فى ذلك طائرة Gulfstream IV التى يقال إنها تحتوى على جاكوزى وغرفة فحص على متنها. كما قام بتجديد طائرة مقاتلة من الحرب العالمية الثانية فى عام 2001، والتى أطلق عليها اسم «Kiss Me Kate» على اسم زوجته السابقة، كاتى هولمز.
كان شغف كروز بالطيران هو ما دفعه إلى أقصى حد فى قمرة القيادة استعداداً لفيلم Top Gun: Maverick. وضع كروز زملاءه فى طاقم الفيلم فى تدريب مكثف على الطيران لمدة ثلاثة أشهر صممه بنفسه. لقد بدأ معهم فى طائرات ذات محرك واحد، لتنمية إدراكهم المكانى داخل الطائرة. بعد ذلك، أخذهم إلى الطائرة L-39، حيث قاموا بالتحليق فى عروض بهلوانية جوية ليشعروا بما يحدث داخل الطائرة النفاثة.
* معسكر توم كروز التدريبى
فى أول فيلم Top Gun، وضع جميع الممثلين فى طائرة إف-14، ولم يتمكنوا من استخدام أى لقطة منها، باستثناء بعض المشاهد التى تتعلق بتوم. كانت أعينهم تدور إلى الخلف. كانوا يتقيأون... لذا قرر توم تدريبهم حتى يتمكنوا من التعامل مع قوى الجاذبية. وكان ذلك «معسكر توم كروز التدريبى».
على الرغم من سنوات خبرته، لم تكن البحرية الأمريكية راغبة فى السماح لكروز بالتحليق بطائرة معينة فى فيلم Top Gun: Maverick. لم يُسمح لكروز بالتحليق بطائرة F-18، لكنه عمل مع البحرية لضمان مصداقية المشاهد نفسها.
فى فيلم Mission: Impossible–Fallout، تضمنت حركات كروز المثيرة تسلق ناطحة سحاب، والقفز من سطح مبنى إلى آخر فى لندن، والتحليق بطائرة هليكوبتر، والقفز بالمظلات، ومطاردة بالدراجات النارية عالية السرعة عبر شوارع باريس. ولكن عندما قفز كروز على أسطح المبانى فى لندن، هبط بشكل خاطئ وكسر كاحله نتيجة لذلك. واضطر الفيلم إلى إيقاف الإنتاج حتى يتعافى. لذا؛ تدرب لمدة عام ونصف العام على قيادة المروحية فى الفيلم، ووفقاً للمخرج كريستوفر ماك كوارى، قفز من الطائرة 106 مرات لتصوير مشهد القفز بالمظلات بشكل صحيح
*خطورة فيلم «الساموراى الأخير»
بالنسبة لفيلم The Last Samurai، خضع توم كروز لتدريب صارم، ووصف ذلك بقوله:عملت لمدة ثمانية أشهر حتى أصل إلى الشكل المناسب. لقد تعلمت رياضة الكندو وفنون القتال اليابانية وجميع أنواع التعامل مع الأسلحة. لم يكن على فقط ركوب الخيل، بل كان على أيضاً القتال بفاعلية أثناء الركوب. لقد درست اللغة اليابانية.
إن تدريب كروز ساعده على تحقيق الواقعية فى تحركاته فى مشاهد القتال وكان مسئولاً جزئياً عن عدم تعرضه للإصابات أثناء تصوير فيلم The Last Samurai. فقد قضى عدة ليالٍ فى القتال بالسيف المزدوج ضد خصوم متعددين، وخمسة أيام وليلة واحدة فى صد المتطفلين القتلة من النينجا، وأسابيع من التدريبات على فنون القتال أمام زملائى اليابانيين، وأخيراً شهرين من تسلسل المعارك المتواصلة. مع ذلك فى مشهد حيث كان كروز وزميله هيرويوكى سانادا يتنافسان على الخيول الميكانيكية، لم يتوقف حصان سانادا الاصطناعى فى الوقت المناسب. انتهى الأمر بسيف سانادا على بعد بوصات قليلة من رقبة كروز. قال سانادا لاحقاً، «كانت رقبة توم أمامى مباشرة، وحاولت التوقف عن التلويح بسيفى، لكن كان من الصعب السيطرة عليه بيد واحدة... صرخ جميع أفراد طاقم الفيلم الذين كانوا يشاهدون من الجانب لأنهم اعتقدوا أن رأس توم سيطير».
*فيلم الإثارة Collateral
المشهد المروع فى فيلم الإثارة Collateral للمخرج مايكل مان عام 2004. ويجسد توم كروز شخصية فينسنت، وهى شخصية نادرة بين العروض السابقة للنجم المهتم بصورته، ما يسمح له بلعب دور قوة تدميرية بعيدة عاطفياً وعنيفة بلا رحمة. ورغم أنه ليس الدور الشرير الوحيد الذى يؤديه، إلا أنه بالتأكيد الأكثر رعباً. وإلى جانب استخدام مان للعنف المفاجئ، يبرز فيلم Collateral باعتباره أقرب شىء إلى فيلم رعب قدمه توم كروز على الإطلاق.لعب توم كروز دور قاتل مأجور يُدعى فينسنت فى فيلم Collateral لعام 2004، والذى يلتقطه سائق التاكسى ماكس (جيمى فوكس). من أجل الدخول فى عقلية القاتل المأجور، الشخصية المظلمة وغير المبالية، أخذ كروز اقتراحاً من المخرج مايكل مان. كان يستهدف الأشخاص فى موقع التصوير كما يفعل أى قاتل مأجور، حيث كان يلاحقهم بينما يتتبع تحركاتهم وسلوكياتهم. وعندما كان مستعداً لـ«قتلهم»، كان كروز يأتى من خلفهم ويضع ورقة صغيرة على ظهورهم. وكان مكتوباً على الورقة «أنت ميت».
*فيلم «Far and Away»
كان الجمع بين ركوب الخيل والملاكمة فى فيلم Far and Away يعنى أن توم كروز كان عليه أن يستعد جسدياً للدور بعدة طرق. أثناء تصوير أحد المشاهد، «تقدم حصان كروز للأمام، وانزلق من على ظهره إلى كومة من الصخور وهو يسير بسرعة نحو 35 ميلاً فى الساعة.
* غمار سباقات السيارات
كانت علاقة توم كروز ببول نيومان عندما قام الاثنان بإخراج فيلم The Color of Money عام 1986 هى التى ألهمت توم كروز لخوض غمار سباقات السيارات. وفى عام 1987، وصفه زملاؤه المتسابقون بأنه «سريع لكنه لا يزال غير ثابت... شاب ومتحمس ويميل إلى التورط فى أمور لا تطاق». وكان كروز هو من أراد أن يصنع فيلماً عن سباقات ناسكار. يقول كروز: «قد قمت بقيادة بعض الآلات المذهلة... ولكن الإحساس الذى انتابنى عند قيادة إحدى سيارات ريك هندريك فى دايتونا كان مختلفاً تماماً. أعتقد أننى وصلت إلى سرعة 175 ميلاً فى الساعة. وفى اللحظة التى نزلت فيها من تلك السيارة على طريق الحفر، قلت لنفسى، «علينا أن نصنع فيلماً عن هذا!»
* وقوع حادث
لم يكن التركيز على القيادة أثناء تصوير فيلم Days of Thunder خالياً من التحديات. فعلى الرغم من تسجيل حواره على لوحة القيادة فى سيارته، إلا أن «القيادة بسرعة 130 ميلاً فى الساعة» ومحاولة القراءة أسفرت عن وقوع حادث. وبعد ذلك، قام الممثل المشارك مع كروز روبرت تاون بتزويده بحواره من خلال سماعة الأذن. ويشير إلى أنه «لم يكن هناك أى شىء فى الفيلم». بغض النظر عن مدى معرفته بالسباقات، استمر كروز فى ارتكاب خطأ واحد–استمر فى الانعطاف يميناً. يتذكر سائق ناسكار هوت ستريكلين أنه أخبر كروز بأن سيارات السباق مصممة للانعطاف يساراً. تخيل ستريكلين أنه «رأى رجالاً على شاشة التليفزيون يتلوون ذهاباً وإياباً يساراً ويميناً... انعطف يساراً، وانعطفت السيارة يساراً، ولكن عندما عاد إلى اليمين» اصطدمت سيارته بالحائط ودمرت كاميرا بقيمة 100 ألف دولار فى هذه العملية. عندها فقط أخذ كروز كلمات ستريكلين على محمل الجد.
عندما قام توم كروز بتصوير فيلم Born on the Fourth of July، كان الأمر، على حد تعبير المخرج أوليفر ستون، «صعباً للغاية عليه جسدياً وعاطفياً». كان كروز «متوتراً كل يوم. بسبب تفانيه فى أداء دور رون كوفيك بشكل عادل. عمل كروز على نطاق واسع لأنه كان يؤمن بشدة بالفيلم. إلى جانب قضاء الوقت مع كوفيك، ذهب كروز إلى أجنحة المستشفى لزيارة مرضى الشلل النصفى وعلم نفسه كيفية الدخول إلى السرير من كرسى متحرك للتحضير للدور.
100 مشهد فردى
كان كروز «خاضعاً تماماً» للمخرج ستانلى كوبريك أثناء تصوير فيلم «عيون مغمضة على نطاق واسع» استغرقت الرحلة الطويلة لتصوير فيلم «عيون مغمضة على اتساعها» عامين رغم أنه كان من المفترض فى الأصل أن يستغرق التصوير ستة أشهر فقط. وقد كرس كل من توم كروز وزوجته آنذاك نيكول كيدمان نفسيهما بالكامل للفيلم، وللمخرج ستانلى كوبريك، ولدوريهما كشخصيتين هما بيل وأليس هارفورد. انتقل كروز وكيدمان مع عائلتهما إلى لندن لتصوير الدراما المثيرة التى صدرت عام 1999. وتبع كل من كروز وكيدمان خطى كوبريك حيث قاما بخلط حياتهما الخاصة والمهنية بشكل متزايد، حتى إنهما قاما بتصوير ما يقرب من 100 مشهد فردى.
غنى كروز ورقص لمدة 10 ساعات يومياً
فى فيلم مقتبس من مسرحية برودواى الموسيقية التى تحمل نفس الاسم، يشارك توم كروز فى بطولة فيلم Rock of Ages بدور ستايسى جاكس– وهى شخصية تحتاج إلى أن يكون لديها جسد نجم روك وصوت نجم روك. كان التدريب البدنى لفرقة Rock of Ages يعنى «الكثير من الرقص، والكثير من الرقص. بالإضافة إلى الغناء. إنه تمرين يتضمن دروس الغناء ثم دروس الرقص». قد يتفاجأ مشاهدو فيلم Rock of Ages عندما يعلمون أن توم كروز يغنى فى الفيلم بالفعل. فقد استأجرت شركة Crise مغنية أوبرا سابقة، ووفقاً للمخرج آدم شانكمان، «لقد تعلم حرفياً كيفية غناء هذه الأغانى فى ثلاثة أشهر».
لصقل مهاراته فى تقديم المشروبات الكحولية فى فيلم Cocktail، بدأ توم كروز بإجراء مقابلات مع «نحو 35 من العاملين فى تقديم المشروبات الكحولية». كان يحاول ايجاد قاسم مشترك» لاستخدامه كعنصر مرئى فى الفيلم. وما وجده هو الاتجاه المتنامى للعمال البارعين. من هناك، تدرب مع جون (جيه بى) باندى، وهو صانع زجاجات ماهر من كاليفورنيا..عمل كروز وبراون مع باندى لمدة ثلاثة أشهر (الذى انتهى به الأمر بدور صغير فى الفيلم). وفى النهاية، لم يكسر كروز سوى خمس زجاجات طوال فترة تدريبه. أما براون، فقد كسر أربع زجاجات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأولمبياد توم كروز أثناء تصویر تصویر فیلم فى الفیلم کروز على کان کروز توم کروز فى فیلم لم یکن فى عام
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: سينما نجيب محفوظ.. حين صافح الأدب الشاشة الفضية
هل صفع نجيب محفوظ الجمهور على وجهه؟
نعم، لكنها لم تكن صفعة إهانة، وإنما صدمة فكرية. تلك الضربة التي لا تترك خدك يؤلمك، بقدر ما تجعل عقلك يصحو من سباته. صفعة تُوقظك من وهم الراحة، وتدفعك إلى مواجهة مرآة الواقع كما هي: متعرجة، خشنة، بلا مساحيق ولا تبرير.
منذ بداياتها الأولى، نسجت السينما العربية خيوطا رفيعة من التلاقي مع الأدب، غير أن هذا التلاقي بلغ ذروته الباهرة مع عالم نجيب محفوظ (1911-2006). كان محفوظ روائيًا تتحول كلماته إلى مشاهد، وحاضرًا في كل تفصيلة بين الكتابة والتصوير، يعرف كيف تُروى القصة على الورق، وكيف تُحكى على الشاشة.
يكتب السيناريو كما ينسج الحكاية، ويمنح للحارة المصرية صوتًا وصورة. وصفه الناقد إبراهيم العريس بأنه "أديب السينمائيين وسينمائي الأدباء"، وهو توصيف لا يجافي الحقيقة، فهو يلخص عبقرية رجل جعل من شوارع القاهرة وحاراتها أبطالًا لا يقلون شأنًا عن أبطاله البشر.
ومع كل اقتباس سينمائي، تحررت الحروف من سطورها لتخاطب جمهورًا أوسع، وتحولت أعماله من تجارب فردية في القراءة إلى ذاكرة جماعية في التلقي والمشاهدة.
بدأت علاقة نجيب محفوظ بالسينما منذ نعومة أظافره. في سن الخامسة، دخل سينما "الكلوب المصري" قرب مسجد الحسين، حيث شاهد أفلامًا صامتة تركت أثرًا عميقًا في خياله، -رغم غياب الصوت-. تلك التجربة الأولى كانت كافية لتفتح أمامه عالماً ظل يسكنه لسنوات.
لاحقًا، التقى بالمخرج صلاح أبو سيف في الأربعينيات. شكل هذا اللقاء منعطفًا مهمًا في مسيرته، بعدما رأى أبو سيف في كتاباته ملامح أسلوب بصري واضح، وشجعه على كتابة السيناريو. ومن هنا بدأت رحلته مع السينما بتوقيع صلاح أبو سيف، فكانت باكورة أعمالهما معًا فيلم المنتقم وفيلم مغامرات عنتر وعبلة. في هذين العملين انطلقت تجربة محفوظ في المزج بين الحكاية الأدبية واللغة البصرية، مؤسسًا لمسار إبداعي جمع فيه بين عمق الرواية وثراء الصورة السينمائية.
انطلق نجيب محفوظ من آتون سينما صلاح أبو سيف، مخرج الواقعية، لكنه لم يكتف بالسير في الطريق الممهد. فقد صنع لنفسه طريقًا جانبيًا، مليئًا بالمطبات والحواري الضيقة، تمامًا مثل أبطاله. الواقع عنده كان البطل الحقيقي في معظم الحكايات. القاهرة لم تكن ديكورًا؛ فقد كانت تتنفس. خان الخليلي، الحسينية، زقاق المدق... أماكن تُروى ولا تُصوَّر فقط. تشم فيها رائحة الطين، وتسمع صدى الخطى القديمة.
أما شخصياته، فستجدها إن خرجت من بيتك الآن. المعلم، الفتوة، ابن البلد... وجوه أعرفها وتعرفها. لم يكن مهتمًا بالمثقفين ولا برجال الأعمال، ولكن بالذين لا تلتفت إليهم الكاميرا عادةً، وراح يمنحهم البطولة دون أن يطالبهم بتغيير ملابسهم أو تعديل لهجتهم.
وكان صادقًا إلى حد القسوة. لم يضع مساحيق على وجه الواقع، ولم يغلق الكاميرا عند مشهد الفقر أو القهر. الواقع عنده لا يُجمل ولا يُبرر، وإنما يُروى كما هو. فتتركك أفلامه بعد المشاهدة كمن تلقى صفعة مفاجئة.
ولم يكن ذلك بدافع الإثارة، فقد كان محفوظ يؤمن بأن السينما الحقيقية تطرح الأسئلة وتدفع المتفرج للتفكير، لا أن تكتفي بسرد الحكايات.
جاءت واقعيته مختلفة، فهي لا تشرح العالم من الخارج، بالعكس، هي تنقلك أنت إلى داخله لتشعر بكل ما فيه. وكانت صورته السينمائية صادقة إلى الحد الذي يجعلها مرآة تقف أمامك، تدعوك للتأمل دون أن تفرض عليك النظر.
بدأت علاقة نجيب محفوظ بالسينما عبر باب الكتابة المباشرة. في نهاية الأربعينيات، جلس إلى الورق لا ليروي رواية كما كان يفعل، وإنما ليكتب مشهدًا، ويصف حركة أشخاص، فيمنح الشخصية صوتًا يُرى لا يُقرأ. أفلام مثل ريا وسكينة وجعلوني مجرمًا لم تكن مجرّد تجارب سينمائية، وإنما تمارين على الصياغة البصرية التي تتكئ على نبض الحارة وقسوة الشارع. كان محفوظ، في تلك المرحلة، شريكًا كاملًا في صناعة الفيلم، يكتب ما سيُقال ويُصور، ويتدخل في التفاصيل كمن يكتب رواية على هيئة ضوء.
ثم تغير شكل العلاقة. توقف عن كتابة السيناريو بنفسه، وبدأت رواياته تنتقل من الورق إلى الشاشة عبر أيادٍ أخرى. (بداية ونهاية) فتحت الباب، وبعدها جاءت الثلاثية والحرافيش، فأصبحت الرواية هي المصدر، والسينما هي المتكفلة بترجمتها. لم تكن الترجمة دائمًا أمينة، ولم تكن خائنة تمامًا أيضًا، وإنما مساحة من الاجتهاد المفتوح بين الروائي والمخرج.
بعد نوبل، خفت صوت محفوظ قليلًا على الورق، لكن السينما لم تنسه. استمرت في اقتباس أعماله، كما في أصدقاء الشيطان للمخرج أشرف فهمي، والمأخوذ عن قصة (الشيطان يعظ). بدا الأمر كأن السينما صارت تفتش في مكتبته كلما أرادت أن تتذكر ما كانت عليه في زمن الصدق.
وإذا كان تحويل الرواية إلى فيلم مهمة جذابة، فهي في الوقت نفسه معقدة وشائكة. لا يمكن أخذ الرواية كما هي، ووضعها كما هي. هناك زمن يجب اختصاره، وأحداث لا تحتملها الشاشة، وشخصيات تحتاج إلى إعادة رسم. في الثلاثية مثلًا، تحول عمل أدبي ضخم إلى ثلاثة أفلام فقط. لم يكن ذلك تقليصًا للنص بقدر ما كان محاولة للعثور على لُبه. وفي بعض الأحيان، تُضاف مشاهد أو يُعاد ترتيب الوقائع لتقريب المعنى أو ملء الفراغات التي يخلفها الاختزال. شخصيات ثانوية قد تُمنح مساحة أكبر، وربما تتغير بعض النهايات.
وفي مواضع أخرى، يُعاد بناء الحكاية من جديد. فيلم (اللص والكلاب) سار إلى حد كبير خلف الرواية، بينما اتخذ (فتوات بولاق) طريقًا آخر مختلفًا، حتى بدا بعيدًا تمامًا عن عالم الشيطان يعظ. هي ليست خيانة للأصل، ولا أمانة مطلقة. هي تجربة. وكل تجربة تحمل بعض المجازفة، وبعض الحنين، وكثيرًا من التأويل.
ولأن لكل حكاية نهاية، فلنختم بما يشبه اعترافاً:
"لا أحد اقترب من قلب القاهرة كما فعل محفوظ... لقد جعلها تتنفس على الشاشة."
حين تتصفح تاريخ السينما العربية، لا يمكنك تفادي ظلال نجيب محفوظ وهي تتمدد في كل مشهد وزاوية. هذا ليس كاتباً تُقتبس عنه الأفلام، لكنه صانع عوالم تتحول على الشاشة إلى كائنات حية. كتب نجيب محفوظ ما يزيد على 26 سيناريو سينمائياً أصيلاً، كما تحولت نحو 19 من رواياته إلى ما يقارب 27 فيلماً، بعضها أُعيد إنتاجه بلغات أجنبية.
تتقافز أعماله بين الواقعية الاجتماعية التي تُشبه لكمة في المعدة (كما في زقاق المدق وبين القصرين)، والملاحم الشعبية التي تضج بصيحات الفتوات والمطاريد (الحرافيش)، والأفلام الوطنية التي تحمل رائحة البارود ومذاق النضال (جميلة بو حريد، الناصر صلاح الدين).
وبينما كانت الأفلام تُنتج، كانت فلسفة محفوظ تنسج خيوطها. فهو يعرض المكان ويؤنسنه، فيجعل من الحارة ذاكرة حية، ومن الشخوص وجوه تعرفها من طابور العيش ومحطة الأتوبيس. الواقعية لديه جارحة، تفضح أكثر مما تواسي. وحين يصمت الجميع، يتكلم محفوظ عن السلطة، القهر، الفساد – بصوت منخفض لكنه يصل... ومثلما التهمت أفلامه شباك التذاكر، التهمت ذاكرة الجمهور أيضاً.