لماذا تأخر حتى الآن رد إيران على اغتيال زعيم حماس
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
سرايا - تتعرض طهران لضغوط قوية للانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، لكن المحللين يقولون إنها تعكف على الموازنة بين العديد من العوامل أثناء تقييمها للرد.
في نهاية الشهر الماضي، تعهدت إيران بالانتقام بعد مقتل أحد كبار قادة حماس في طهران، مما دفع الكثيرين في إسرائيل إلى الخوف من التعرض لهجوم وشيك. وقد مر ما يقرب من أسبوعين، حتى كتابة هذه السطور، ولم نشهد أي رد واسع النطاق، وهو ما يترك إسرائيل والشرق الأوسط الأوسع على حافة الهاوية.
تأتي هذه الأزمة في لحظة حساسة بشكل خاص في إيران، التي يقول المحللون إنها تحاول صياغة رد لا يترك اغتيالاً حدث على أراضيها يمر من دون عقاب، بينما تحاول تجنب نشوب حرب شاملة ضد خصم قوي. كما أنها تأتي في الوقت الذي تولت فيه حكومة جديدة زمام السلطة في طهران، وهو ما قد يبطئ اتخاذ القرار بشأن كيفية الرد.
في ما يلي نظرة على طبيعة الأزمة التي تعيشها طهران، والعوامل التي قد تحدد ما سيحدث تاليًا:
لماذا تعهدت إيران بالانتقام؟
وعد المسؤولون الإيرانيون وحماس بالانتقام لمقتل إسماعيل هنية؛ القائد الكبير ورئيس المكتب السياسي في حماس، الذي قُتل في طهران في 31 تموز (يوليو) بعد حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وحمّلت إيران، التي تدعم حماس، إسرائيل مسؤولية الاغتيال. ولم يقل القادة الإسرائيليون إن قواتهم هي المسؤولة عن الاغتيال.
وقبل ذلك بيوم واحد، قُتل فؤاد شكر؛ أحد كبار القادة في حزب الله اللبناني، الذي تدعمه إيران أيضًا، في غارة جوية إسرائيلية في إحدى ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت. وقالت الحكومة الإسرائيلية إن الضربة جاءت رداً على صاروخ أطلق من لبنان وسقط على ملعب لكرة القدم في مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً على الأقل، معظمهم من المراهقين والأطفال. ونفى حزب الله مسؤوليته عن هذا الهجوم.
لكنّ مقتل السيد هنية كان بمثابة الضربة الأكبر التي تتلقاها طهران لأن الاغتيال وقع على الأراضي الإيرانية. وفي ردة الفعل على الحدث، أصدر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أمراً يقضي بأن تقوم إيران بضرب إسرائيل بشكل مباشر، وفقاً لثلاثة مسؤولين إيرانيين مطلعين. وقال المحللون إن من شأن الفشل في تنفيذ هذا التهديد أن يوحي بأن نظام الردع الإيراني، الذي تم بناؤه على مدى سنوات طويل وبتكلفة كبيرة، هو في الواقع أجوف.
لماذا لم ترد إيران حتى الآن؟
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن "معاقبة إسرائيل ضرورية"، مرددًا تعليقات كبار المسؤولين الإيرانيين الآخرين. لكنه قال أيضاً إن "طهران ليست مهتمة بتصعيد الصراعات الإقليمية".
وبالإضافة إلى ذلك، لم تتم المصادقة بعد على حكومة الرئيس الجديد، بمن في ذلك وزير الخارجية، وهو ما يغلب أن يؤدي إلى تباطؤ المداولات الداخلية، كما تقول سنام وكيل، محللة شؤون الشرق الأوسط في المجموعة البحثية في لندن، "تشاتام هاوس".
وفي الوقت نفسه، قد يحاول السيد بزشكيان، الذي يُنظر إليه على أنه إصلاحي، الموازنة بين الحاجة المتصورة إلى إظهار القوة، والمصلحة الأوسع لحكومته في تخفيف آثار العقوبات الاقتصادية الغربية والحيلولة دون أن تصبح إيران أكثر عزلة على المستوى الدولي، كما تقول السيدة وكيل.
"يجب أن تكون الاستجابة مُعايَرة ومحسوبة بعناية حتى لا تغلق باب المفاوضات مع الغرب التي قد تؤدي إلى تخفيف محتمل للعقوبات" المفروضة على إيران.
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في المؤسسة البحثية، "مجموعة الأزمات الدولية"، إن رداً عسكرياً يُنظر إليه على أنه رمزي إلى حد كبير سيكون خيارًا محفوفًا بالمخاطر من منظور طهران، لكنه من غير المرجح أن يردع إسرائيل عن شن المزيد من الهجمات.
ويترك هذا طهران مع خيار القيام برد حقيقي كبير، لكنّ من المرجح أن يؤدي هذا بدوره إلى استفزاز رد إسرائيلي أكبر -ولن تكون طهران قادرة على السيطرة على دورة التصعيد التي قد تلي ذلك، كما يقول السيد فايز، الذي أضاف:
"لقد حشرت إسرائيل إيران في هذا الموقف لأن إيران تُركت من دون أن تكون لديها خيارات جيدة". واتفقا، هو والسيدة وكيل على أن من الصعب تمييز نوايا إيران.
كيف يمكن أن يبدو رد إيراني؟
يمكن أن تضرب إيران من اتجاهات متعددة وبأشكال مختلفة. وتتمتع طهران بشبكة من القوى بالوكالة، بما فيها حماس وحزب الله وميليشيا الحوثي في اليمن، مما يمنحها القدرة على مهاجمة أهداف من شمال إسرائيل وحتى البحر الأحمر.
وقال مسؤولان إسرائيليان ومسؤول استخباراتي غربي كبير الأسبوع الماضي إنه بناءً على أحدث المعلومات، من المرجح أن يضرب حزب الله أولاً في هجوم منفصل قبل أن تنفذ إيران ردها الانتقامي الخاص.
في نيسان (أبريل)، هاجمت طهران إسرائيل بحوالي 300 صاروخ وطائرة من دون طيار، رداً على ضربة كانت إسرائيل هي التي نفذتها بوضوح على مجمع للسفارة الإيرانية في دمشق. وقد أسقطت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، جميع الطائرات المسيّرة تقريبًا. وكان هذا أول هجوم مباشر تشنه إيران بعد حرب سرية مع إسرائيل استمرت لسنوات في البر والبحر والجو والفضاء الإلكتروني، بحيث شكل الهجوم المذكور تصعيدًا كبيرًا.
تسبب الهجوم الذي شُن في شهر نيسان (أبريل) بأضرار طفيفة بقاعدة جوية إسرائيلية في صحراء النقب، وأصاب فتاة تبلغ من العمر سبع سنوات بجروح خطيرة. والآن تستعد إسرائيل لمواجهة ما يمكن أن يكون هجومًا أكبر.
كيف تستعد إسرائيل؟
طلبت السلطات الإسرائيلية من مواطنيها تخزين الطعام والماء في غرف آمنة محصنة، ووضعت المستشفيات خططاً لنقل المرضى إلى أجنحة تحت الأرض. وفي الوقت نفسه، تم نشر فرق الإنقاذ في المدن.
في المرة السابقة، كان لدى الدبلوماسيين ومسؤولي الأمن الأميركيين والإسرائيليين بعض المعرفة المسبقة بمدى وشدة الهجوم الإيراني الذي شُن في شهر نيسان (أبريل)، الأمر الذي سهّل ترتيب الاستعدادات والعمليات الدفاعية. وعلى نحو مماثل، أتاح الأسبوعان اللذان مرا حتى الآن منذ مقتل السيد هنية وقتًا كافيًا لزيادة الاستعدادات في إسرائيل.
في الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل "مستعدة للدفاع، كما هي مستعدة للهجوم". ومع ذلك، يقول المحللون العسكريون إن إيران وحزب الله قد يتمكنان من التغلب على دفاعات إسرائيل بإطلاق عدد كافٍ من الصواريخ في وقت واحد. كما يمكنهما إطلاق أسراب من الطائرات من دون طيار تحلق على ارتفاع منخفض بطريقة تجعل من الصعب اكتشافها وتدميرها.
كيف تستجيب الولايات المتحدة والآخرون؟
خشي الدبلوماسيون لشهور أن تتصاعد الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلى صراع إقليمي يكون من شأنه أن يزيد من تعقيد الحرب في غزة والصراع المحتدم على الحدود بين إسرائيل ولبنان. ونتيجة لذلك، عملوا على منع، أو تقليل حجم، رد الفعل الإيراني المتوقع. وفي أحدث مثال، دعا زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا إيران، يوم الاثنين، 12 آب (أغسطس)، إلى "التراجع" عن تهديدها بعمل عسكري، وقالوا إنهم يدعمون دفاع إسرائيل ضد العدوان الإيراني. كما اتصل رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بالرئيس الإيراني وأبلغه رسالة مماثلة.
وانتقد السيد كنعاني؛ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم الثلاثاء، دعوات منفصلة إلى ضبط النفس وجهتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وأكد على أن طهران تحتفظ بالحق في الدفاع عن سيادتها. وقال إن الزعماء الأوروبيين الثلاثة تجاهلوا "جرائم وإرهاب" إسرائيل ضد الفلسطينيين وفي الشرق الأوسط.
وقام مسؤولون في دول حليفة للولايات المتحدة في المنطقة بزيارات إلى طهران في الأيام الأخيرة لعقد اجتماعات. وفي الأسبوع الماضي، عقدت المملكة العربية السعودية اجتماعًا طارئًا لـ"منظمة التعاون الإسلامي"، منتدى الدول الإسلامية، وصفت فيه اغتيال السيد هنية بأنه انتهاك لسيادة إيران، بينما حثت جميع الأطراف على خفض التصعيد.
من جهتها، عمدت الولايات المتحدة إلى تعزيز استعدادها العسكري. وأمر وزير الدفاع الأميركي، لويد جيه أوستن الثالث، بإرسال طائرات مقاتلة إضافية وسفن حربية وغواصة صواريخ موجهة إلى الشرق الأوسط رداً على التهديدات، بهدف تعزيز قدرة إسرائيل على إحباط أي هجوم محتمل وتعزيز الرسالة التي تفيد بأن الولايات المتحدة ستدعم البلد عسكرياً.
في الوقت نفسه، سعت إدارة بايدن إلى تسريع محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وتخطط الإدارة والوسطاء العرب لعقد اجتماع في المنطقة يوم الخميس، 15 آب (أغسطس)، لمحاولة التوصل إلى اتفاق. وقالت إسرائيل إنها سترسل مفاوضيها، لكن حماس لم تقل ما إذا كانت ستشارك أم لا. (تحديث: عقدت الاجتماعات من دون مشاركة وفد من حماس. وقال الرئيس بايدن إن مصر وقطر تمثلان حماس في الاجتماعات، ولم يتم التوصل إلى صفقة في هذه المرحلة).
*ماثيو مبوكي بيغ Matthew Mpoke Bigg: مراسل صحفي مقيم في لندن في فريق البث المباشر في صحيفة التايمز، الذي يغطي الأخبار العاجلة والعادية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Iran Has Not Yet Retaliated Against Israel for Hamas Leader’s Killing
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الوقت من دون على أن هجوم ا
إقرأ أيضاً:
إيران تتحدى الغرب: لن نتخلى عن حقنا في التخصيب النووي
مايو 31, 2025آخر تحديث: مايو 31, 2025
المستقلة/- جددت إيران تأكيدها على تمسكها بحقها في تخصيب اليورانيوم، معتبرة أن أي محاولة لنزع هذا الحق تمثل شكلاً من أشكال الهيمنة الأجنبية، وذلك في تصريحات جديدة أطلقها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اليوم السبت، وسط تصاعد الجدل الدولي حول برنامج طهران النووي.
رفض للهيمنة.. وتأكيد على السيادةوقال عراقجي إن “سياسة إيران الخارجية تقوم على مبدأ أساسي يتمثل في رفض الخضوع لأي هيمنة خارجية”، موضحاً أن حرمان إيران من حقها في التخصيب هو بمثابة فرض للإملاءات السياسية الدولية، وهو ما لا يمكن القبول به، بحسب تعبيره.
وأكد أن التخصيب النووي يمثل حاجة استراتيجية وأساسية للبلاد، ترتبط بشكل مباشر بموقف طهران الرافض للتدخلات الأجنبية، مضيفاً: “لا نقبل أبداً أن يُقال لنا إنه ينبغي ألا نمتلك حق التخصيب، هذا مرفوض تماماً.”
أولوية في كل المفاوضاتوأشار وزير الخارجية إلى أن موضوع التخصيب كان وما زال أحد أولويات طهران في جميع جولات التفاوض، سواء في المحادثات الجارية أو السابقة، ما يدل على أنه ملف سيادي غير قابل للتنازل من وجهة نظر إيران.
معارضة للسلاح النووي.. وانتقاد للطرف المقابلورغم هذا التشدد في ملف التخصيب، شدد عراقجي على أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، مؤكداً التزام بلاده بمبادئ السلمية، لكنه بالمقابل وجّه انتقاداً للطرف الآخر في الاتفاق النووي، متهماً إياه بعدم الالتزام بتعهداته ضمن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وفي ختام تصريحاته، قال عراقجي: “لا يحق لأي أحد، لمجرد شعوره بالقلق، أن يمنع شعبنا من حقه المشروع والمعترف به دولياً”، في إشارة إلى الضغوط الغربية التي تتعرض لها إيران بشأن برنامجها النووي.