لجريدة عمان:
2025-07-04@11:48:38 GMT

هوامش ومتون :عاشقة جبال «وادي السحتن»

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

قبل مشاهدتي للفيلم العماني التسجيلي «مسافات طويلة» للمخرجين حمد القصابي وعلي البيماني، كنت قد قرأت وسمعت عن العدّاءة العمانية سعاد النصيبية، بطلة سباقات الركض الجبلي التي خرجتْ من قرية نائية تسكن جبال وادي السحتن بولاية الرستاق، ودخلت في منافسات مع عدّاءات عالميات بجهود فرديّة، ودعم من مدرّبها وزوجها سامي السعيدي، وإمكانات بسيطة، بعد أن كانت ترعى الأغنام في الجبال.

حكاية سعاد هي حكاية الفتاة العمانية المكافحة التي تجري مثل وعل برّي، متحدّية الصعاب، لتحقّق نتائج عالمية، كان آخرها فوزها بالمركز الأوّل في سباق نسوي، بعد مشاركة لها بسويسرا، وحين سألها الشاعر سماء عيسى في جلسة نظمها صالون سعيدة بنت خاطر، في النادي الثقافي، عن الفرق بين جبال عمان وجبال سويسرا، وأيّهما أكثر صعوبة؟ ظننتُ أنّها ستقول إنّ جبال سويسرا أسهل، لاسيّما مع اعتدال درجات الحرارة، وكثرة نزول الأمطار، واتّساع المساحات الخضراء، لكنّها أجابت: الفرق كبير، والجري أصعب، وهو يختلف باختلاف التضاريس، والأمكنة، مثلما رأت أن الجري على أرض صحراوية أكثر مشقة من الجري على أرض جبلية، ومن الجوابين عرفتُ مدى التصاقها ببيئتها الجبلية، التي صارت مألوفة، بالنسبة لها، ولأقدامها أكثر من أيّ مكان آخر، كما يخيّل لي، فعندما تجري، على جبال وادي (السحتن) حيث تحفُّ بها المراعي الطبيعية، والمواشي والأغنام التي كثيرا ما رعت بها، واستظلّت بأشجار السمر والسدر، هذه الأقدام بجريها تتكلّم (عماني)، تصحيفا لأغنية سيد مكاوي «الأرض بتتكلّم عربي»، وهي أقدام صارت تتفاهم مع تضاريس الجبال العمانيّة، فالصخور تتناغم مع حركتها، كما رأينا في فيلم (المسافات الطويلة)، الذي جرى عرضه في تلك الجلسة، وشاهدناها وهي تجري في أحضان الوادي الذي تكثر به الكتابات الصخرية، والرسومات، والنقوش الأثرية التي يعود تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ومنها ما هو حديث نوعا ما حيث يعود تاريخه إلى الألف الأول قبل الميلاد، من هذا المكان، خرجت سعاد، وهذا لن يحدث في جبال سويسرا، وقد نطقت الصورة بذلك وشرحت أبعاد تلك العلاقة الناشئة بينها والمكان، في الفيلم الذي فاز بجائزة النخلة الذهبية للفيلم الخليجي في فئة «الأفلام الوثائقية» في الدورة التاسعة لمهرجان (أفلام) السعودية، وهو من إنتاج شركة خط للأفلام، مثلما تحدّث الفيلم عن مشوارها مع رياضة الجري، التي كانت تحصيل حاصل بالنسبة لها، فرعي الأغنام جعلها سريعة الحركة، قادرة على تحمّل السير لمسافات طويلة، وحين أتيحت لها فرصة المشاركة في أحد السباقات، نالت المركز الأول ولفتت أنظار زميلها العداء سامي السعيدي، بعد أن حقّقت نتائج جعلتها مؤهلة للمشاركة في سباقات دولية، لتصبح بطلة في السباقات الطويلة، لمسافات تصل إلى سبعين كيلومترا، بما يؤكد القدرات التي يمتلكها الشباب العماني ودور الرعاية والدعم في إظهار قدراته، إذ تجعله قادرا على دخول المنافسات، وتأكيد حضورهم في المحافل الدولية، دون أن يغرب عن ذاكرتها مشوار الألف الذي بدأ بخطوة، تلك الخطوة تمثّلت برحلة من قرية (وكان) بين صخور الجبل على الأقدام، مرورا بـ(نخل) وصولا إلى (سيق) في الجبل الأخضر بعد قطع مسافة استمرت ست ساعات.

يقول الشاعر سماء عيسى عن سعاد عاشقة الجبال كما أسماها «قدّمت سعاد راعية الغنم، لنا نموذج التجاوز، والبحث الدائم عن آفاق حياة جديدة هي ما يولد من أعماقنا، يتحدث بشفافية صادقة سامي السعيدي مدرب وزوج العداءة، قائلا إن سعاد تمتلك إمكانيات مكبوتة وعلينا أن نفجّرها، ونخرجها من قيود الذات إلى الفضاء الرحب، في الوقت الذي تضيف فيه سعاد قائلة، لطالما ردّدوا أنّ المرأة العمانية ليست قادرة على العمل الإيجابي، وأنّها دوما أسيرة سلبياتها، وأنا الآن أثبت لهم عدم صحة هذه الفرضية الخاطئة، المرأة العمانية قادرة دوما على تحقيق الانتصارات في ميادين الحياة المختلفة».

وقد نجحت العدّاءة سعاد في إثبات ذلك، عندما قدّمت نموذجا لامرأة عشقت الجبال، فأعطتها شهادات تميّز، وميداليات وأوسمة دولية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

القِيَم المجتمعية العمانية .. ركيزة في التنمية المستدامة بالمحافظات

يتميّز المجتمع العماني بقيم راسخة توارثتها الأجيال، وشكّلت جزءا أصيلا من الهويّة الوطنيّة العمانية. وهذه القيم لها دور فاعل في دفع عجلة التنمية المستدامة لمحافظات وقرى عمان بما يتماشى مع رؤية عمان المستقبلية، ومن أقوال السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- التي تُبرز رؤيته العميقة تجاه التنمية المستدامة، وأهمية الإنسان والطبيعة في مسيرة النهضة في العيد الوطني الخامس عشر 1985: «إن التنمية لن تتحقق إلا إذا شارك فيها الإنسان العماني مشاركة حقيقية وواعية ومسؤولة». وقال -رحمه الله- في العيد الوطني الثاني والعشرين1992: «إن الإنسان هو صانع التنمية وغايتها، وبه تبنى الأوطان».

ومن هذا المنطلق نستعرض من بعض المختصين رأيهم في أهمية القيم المجتمعية ودورها في تمكين التنمية المستدامة.

العمل التطوعي

تقول نورة الهاشمية رئيسة قسم الرعاية النهارية بجمعية دار العطاء: يُعد العمل التطوعي ركيزة أساسية لتطوير المجتمعات، وجسرا متينا يربط أفرادها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وذلك من خلال مختلف الأعمال التطوعية التي تهدف إلى تعزيز الترابط المجتمعي، وتحقيق مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، و‏إن العمل التطوعي الذي يقوم به الفرد يتمثل في تقديمه لخدمات معينة للمجتمع طوعا دون الرغبة بالحصول على هدف مادي، بل بغرض تحقيق الخير العام للمجتمع وأفراده. وجاء ارتباطه وثيقا بمفهوم التنمية المستدامة من كونه إحدى الأدوات المهمة التي يمكن من خلالها تحقيق أهدافها وركائزها المحورية؛ لتنمية المجتمعات من خلال البعدين الاجتماعي والاقتصادي. ويمكننا أن نبسط مفهوم التنمية المستدامة بأنها: «نمط من التنمية يهدف إلى تلبية احتياجات الحاضر دون أن يعرض قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها للخطر» موضحة أنه في عمان يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني كشريك أساسي في التنمية. وقد مكنت الحكومة هذه المؤسسات التي تحتضن الأعمال التطوعية بمختلف أهدافها؛ حيث رسمت لها حدودها، ووفرت لها الحماية القانونية بما يتيح لها الانطلاق نحو الإبداع والعطاء المتميز، وأكدت «رؤية عمان ٢٠٤٠» أهمية تعزيز المشاركة المجتمعية من خلال المشاركة في الأعمال التطوعية ما يعزز الأفراد على الانخراط في خدمة مجتمعهم وتحقيق المسؤولية المجتمعية، وأكدت أهمية العمل التطوعي لتحقيق التنمية المستدامة من خلال بناء مجتمع مترابط ومتكامل.

وأضافت الهاشمية: يمكن أن نشير هنا إلى واقع العمل التطوعي في عُمان؛ حيث تنشط الأعمال التطوعية وخاصة في مجال العمل الخيري بما يتضمنه (فك كربة المعسرين) خاصة في الفترة التي أعقبت جائحة «كوفيد» وما خلّفته من تحديات اقتصادية واجتماعية في مختلف دول العالم. ومما يسهم في مواجهة هذه التحديات السمات الفردية التي تميز المواطن العماني التي تتمثل في روح التعاون، وحب المساعدة والخير للمجتمع سواء بالمشاركة في العمل التطوعي أو التبرع لهذه المؤسسات الخيرية. ومن أبرز الجمعيات الخيرية التي تقدم العمل التطوعي بما يحقق أهداف التنمية المستدامة «جمعية دار العطاء الخيرية» التي تعد نموذجا فعالا في تعزيز الوعي المجتمعي من خلال برامجها الفعالة والمبتكرة التي تهدف إلى توفير حياة كريمة لأفراد المجتمع، وإشراك المؤسسات المختلفة في دعم هذه البرامج الخيرية الهادفة. كما فتحت نافذة لمؤسسات القطاع الخاص لتعزيز هذا التعاون من خلال برامج المسؤولية المجتمعية؛ حيث يتطوع موظفو الشركات الخاصة والحكومية في البرامج التي تقدمها الجمعية كجزء من المسؤولية المجتمعية التي تعنى بتحقيقها.

قيم الهوية والمواطنة

وأضافت أم كلثوم الفارسية خريجة ماجستير علم الاجتماع بجامعة السلطان قابوس عن محور الهوية والمواطنة: إن المواطنة تؤدي دورا محوريا في تحقيق التنمية المستدامة؛ لأنها تشكل الأساس الذي يُبنى عليه وعي المواطن ومسؤوليته تجاه وطنه مضيفة: سأوضح هذا المعنى بشيء من الاستفاضة من خلال مجموعة من قيم المواطنة كالولاء والانتماء؛ فعندما يشعر المواطن بالانتماء الحقيقي لوطنه، يسعى إلى خدمته وحمايته، ويشارك بإيجابية في بناء مستقبله، ما يعزز الاستقرار، ويشجع على الاستثمار والتطور، أيضا الاحترام والمسؤولية. فاحترام القوانين والأنظمة، والالتزام بالمسؤوليات الاجتماعية والبيئية يساعد في الحفاظ على الموارد الطبيعية، ويشجع على استدامة المشاريع والخدمات، ومن جهة العدالة والمساواة تتمثل التنمية المستدامة في بروز تكافؤ الفرص بحيث يتم تمكين جميع فئات المجتمع من التعليم والعمل والإبداع، ما يحقق التنمية المستدامة بصورة شاملة ومتوازنة، ومن قيم المواطنة في عمان غرس حب الأرض والطبيعة، وهذا يعزز سلوكيات تحافظ على البيئة، مثل: إعادة التدوير، وتجنب التلوث، واستخدام الطاقة النظيفة. فقيم المواطنة ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي سلوكيات يومية تبني إنسانًا مسؤولًا، ومجتمعًا واعيًا، واقتصادًا مزدهرًا، وبيئة مستدامة. وبهذه الطريقة تسهم عمان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة محليا وعالميا.

حلقات تحفيظ القرآن الكريم

تحدثت زينب اليحمدية معلمة القرآن الكريم عن دور مجالس القرآن الكريم في إثراء القرى والمحافظات بقولها: تتنوع من حولنا منابع الخير والازدهار؛ فهناك منابع للمياه، وهناك مناجم للذهب والأحجار الكريمة، وهناك آبار ملأى بالطاقة النفطية، وكل هذه وتلك مصادر لها أثرها الفيزيائي على البشرية. أما عن منبع القيم المجتمعية فيَكمُن في مدارس تحفيظ القرآن الكريم التي بلا شك تبني فكر وعقيدة وخلق أبنائنا. يحرص المربون اليوم على إلحاق أبنائهم بمدارس تحفيظ القرآن الكريم ليبنوا بهم جيلا مؤمنا متمسكا في رحلة حياته بالخلق القويم. فالمنهجية القرآنية واضحة في توجيه السلوك والأخلاق، وتجمع فيها بين المرونة والشمول. وإن ملازمة حضور مدارس التحفيظ تضفي قيما مجتمعية بناءة أهمها الأخلاق الحميدة، والسلوك القويم، كما تغرس فيهم روح الانضباط، وتحمّل المسؤولية بشتى صورها؛ فينشأ بها أب مسؤول، وموظف متقن، وتعزز بدورها الروابط الاجتماعية، وروح الأخوة والتعاون، وكذلك تعمق فيهم حب المشاركة في الأعمال التطوعية. فما أعظم طاقة الخير في ناشئة مدارس تحفيظ القرآن الكريم!

تجدر الإشارة إلى اهتمام مدارس تعليم القرآن الكريم بترفيه الطلاب، وإمتاعهم برحلات توعوية كزيارة المساجد، والأفلاج، وتنظيفها، وترتيبها؛ ليشعروا بذلك أنهم جزء من بيئتهم، وينبع فيهم حب الولاء للوطن.

الموروث الشعبي

واختتمت الموضوع مريم الشعيلية معلمة الدراسات الاجتماعية بمدرسة الشيماء للبنات بولاية أدم عن دور قيم الموروث الشعبي في تنمية المحافظات بقولها: يُعد الموروث الشعبي العُماني إحدى الركائز الأساسية في بناء الهوية الوطنية، ومصدرا غنيا للتنمية المستدامة في مختلف ولايات السلطنة؛ فالعادات والتقاليد والحرف اليدوية والفنون الشعبية تمثل عناصر حيوية تُسهم في تعزيز السياحة، وتوفير فرص اقتصادية للمجتمعات المحلية. وفي ولايتي نزوى وبهلا يتجلى هذا الأثر بوضوح؛ فـنزوى التي تُعرف بعراقتها التاريخية، وسوقها الشعبي العريق ما زالت تحتفظ بتراثها العمراني والثقافي ما يجعلها مقصدًا للسياح والباحثين عن التجارب الأصيلة، كما أن إحياء الصناعات التقليدية كالفضيات والنسيج ساعد في توفير مصادر دخل للسكان، وخاصة النساء. أما بهلا المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو فقد استطاعت عبر المحافظة على قلعتها الشهيرة، وحرفها القديمة أن تكون نموذجًا للاستثمار في الثقافة من أجل التنمية. كما أن الفنون الشعبية مثل «الرزحة» و«العازي» تُعد وسيلة فعالة لنقل القيم، وتعزيز الانتماء. ومن خلال حماية الموروث وتوظيفه في مشاريع اقتصادية وثقافية تسهم ولايات السلطنة في تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة تربط الماضي بالحاضر، وتضمن استمرارية الهوية الوطنية.

مقالات مشابهة

  • أجواء غائمة على ظفار وتوقعات بهطولات مطرية على جبال الحجر
  • جبال محافظة فيفا.. كنز جازان السياحي والطبيعي
  •  بعد أمطار مصر المفاجئة.. طقس غير مستقر وأمطار رعدية في 6 دول عربية غداً
  • جبال محافظة فيفا.. كنز سياحي فريد في جازان
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • بداية مبشرة لموسم الخريف .. جبال ظفار تتوشح بالرذاذ وتكتسي الأخضر
  • العمانية للعناية بالقرآن تفتتح فرعها الـ 12 في بركاء
  • مفيدة شيحة تسأل سعاد صالح: حجيت ومتحجبتش.. والداعية ترد
  • سعاد صالح: ارتداء الحجاب في الحرم ليس له علاقة بقبول الحج أو عدمه «فيديو»
  • القِيَم المجتمعية العمانية .. ركيزة في التنمية المستدامة بالمحافظات