ذا لاين والعاصمة الإدارية.. واقع أسود لمدن الشرق الأوسط الخضراء
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
هل سبق لك أن تعرضت لانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 5 ساعات في منتصف موجة الحر الحارقة؟ سؤال تصدر تقريرا لموقع "بوليتيكس توداي" الأمريكي، مشيرا إلى أن هذا الواقع عاشه المصريون خلال الأسبوعين الماضيين، ويستمر الشهر المقبل، حسبما أعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي.
وذكر الموقع، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن المصريين، عبروا عن استيائهم بمختلف المنصات الاجتماعية على أمل أن يسمع المسؤولون الحكوميون أصواتهم، وفي الوقت نفسه تواصل الحكومة المصرية الترويج للاستثمار في المشاريع الحضرية العملاقة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
وزعم مدبولي مؤخرًا أن هذه المشروعات يتم تنفيذها من أجل التنمية الضرورية للاقتصاد المصري، ولولاها لكانت البلاد قد انهارت منذ فترة.
وبالمثل، تقوم المملكة العربية السعودية بالترويج لأحدث مشاريعها الضخمة في محافظة تبوك والمعروف باسم "ذا لاين"، وهو عبارة عن مدينة ذكية بطول 170 كيلومترًا وتمتد من الغرب إلى الشرق، وتهدف إلى أن تكون أول مدينة في العالم تعمل بالطاقة المتجددة.
وفي أحدث جهوده للترويج لهذا المشروع، تعاون ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع قناة ديسكفري وأنتج فيلمًا وثائقيًا بعنوان "ذلا لاين.. مدينة المستقبل في نيوم"، عبر فيه عن رفضه لمنتقدي رؤيته، مدعيا أن مشروعه الحضري، الذي يتم تشييده في منطقة "لم يمسها أحد"، سيقطع شوطًا طويلاً نحو تلبية احتياجات الاستدامة البيئية للسكان بحلول عام 2030.
وأضاف: "يقولون إن الكثير من المشاريع التي يتم تنفيذها في السعودية لا يمكن إنجازها، وأنها طموحة للغاية. يمكنهم الاستمرار في قول ذلك ويمكننا الاستمرار في إثبات أنهم خطأ".
لكن هل صحيح أن السعودية تبني “ذا لاين” في منطقة "لم يمسها أحد"؟ تجيب، كورتني فرير، الزميلة في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، بأن الأمر ليس كذلك، فقد قتلت قوات الأمن السعودية، عبد الرحمن الحويطي، من قبيلة الحويطات عام 2020 لرفضه مغادرة منزله الذي كان في موقع المشروع العملاق.
وفي العام نفسه، أرسلت قبيلة الحويطي طلبًا عاجلاً إلى الأمم المتحدة للحماية من التشريد القسري من قبل الحكومة السعودية.
وإضافة لذلك، قدر تقرير في صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه سيتم طرد 20 ألف شخص من المنطقة لإفساح المجال للمدينة العملاقة.
بداية إماراتية
ويعود تاريخ بدء المشروعات الحضرية العملاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى عام 2008 مع إطلاق مشروع مدينة "مصدر" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتمثلت خطتها الأصلية في أن تكون أول مدينة خالية من الكربون بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحلول عام 2016، ومع ذلك، لم ترق المدينة إلى مستوى التوقعات.
فقد فشلت المدينة في تحقيق الهدف منها، ولذا يصفها التقرير بأنها "أول مدينة أشباح خضراء في العالم".
اقرأ أيضاً
السعودية تزرع صحراء نيوم بخبرات هولندية.. هل تتحول إلى مركز إقليمي للطعام؟
ويعزو جوكتشي جونيل، عالم الأنثروبولوجيا والأستاذ المشارك في جامعة رايس، معظم أوجه القصور في "مصدر" إلى دعاية المشروع، التي ركزت على الترويج للمدينة باعتبارها مدينة خالية من الكربون بدلاً من الاهتمام بالبناء الفعلي.
وتظهر أحدث الأرقام الرسمية أن "مصدر" هي موطن لستة آلاف شخص فقط من أصل 40 ألف شخصا استهدفهم المشروع.
لكن هذه النكسة لم تمنع البلدان الأخرى في المنطقة من الاستثمار في السباق لإنشاء مشروعات حضرية عملاقة من أجل "الاستدامة البيئية".
وفي عام 2019، أصدر المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط (IEMed) تحذيرًا بشأن العواقب الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة لتغير المناخ في المنطقة، والتي تشمل المزيد من الفقر وعدم الاستقرار السياسي وسوء الإدارة.
ورغم التحذيرات، استمرت بعض الحكومات العربية في الاستثمار بالمشاريع الحضرية العملاقة، وروجت لمشروعاتها الطموحة باعتبارها "مستدامة وخضراء وذكية" بما يتماشى مع التزاماتها بالاتفاقيات البيئية مثل اتفاقية باريس.
حل للأزمات؟
ومع الأزمة البيئية العالمية الحالية، يتفق كثير من الخبراء على الحاجة إلى تطوير مشروعات حضرية مستدامة كحل لهذه الأزمة من جانب، ولحل لأزمة النمو السكاني السريع من جانب آخر.
وفي السياق، قال طارق القدومي، المدير التنفيذي لمشروع نيوم، لمجلة "ديزين" إن مدينة "ذا لاين" ستكافح الآثار السلبية للزحف العمراني، وسترسخ التقدم التكنولوجي والاستدامة كأسلوب حياة.
وعلى الجانب التجاري، يعتقد العديد من رجال الأعمال أن هذه المشروعات الحضرية العملاقة ستعزز الاقتصاد وتجذب استثمارات جيدة، ومنهم المستشار العقاري، محمد خالد، الذي أكد أن العاصمة الجديدة في مصر ستكون "المكان المثالي لأولئك الذين يرغبون في استثمار أموالهم في مواقع جيدة، حيث ستوفر فرصًا تجارية كبيرة".
ويعد استثمار مجموعة طلعت مصطفى، إحدى أكبر شركات المقاولات في مصر، دليلاً على ذلك، إذ أشارت التقارير إلى أن المجموعة استثمرت في تأسيس مشروع "نور سيتي" داخل العاصمة الجديدة. وبالمثل، أخبرت رائدة الأعمال السعودية، روان أحمد، صحيفة "ذا ناشيونال" بأنه من المثير للغاية أن تظهر ابتكارات مثل "ذا لاين" في المملكة.
فيما يتعلق بالاستدامة الذكية، والإسكان، والأعمال التجارية، يعتقد الكثيرون أن المشروعات الحضرية العملاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقدم الابتكار من أجل مستقبل أفضل.
اقرأ أيضاً
ذا لاين.. مشروع نيوم العملاق يواجه انتقادات ويحتاج إلى تعديلات
رؤية طوباوية
لكن خبراء آخرين انتقدوا وصفوا تلك المشروعات بأنها "بائسة" بسبب الطبيعة الاستبدادية للهياكل السياسية الإقليمية، وتكلفة هذه المشروعات العالية، والأهداف "الوهمية" المحددة لها.
وفي هذا الإطار، تقول ميشيل دن، الباحثة غير المقيمة في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، إن فراغ العاصمة الجديدة يثبت أن رؤية الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لا تشمل معظم المواطنين المصريين، إذ لا يُسمح لهم بالتواجد فيها، باعتبارها مجمع عسكري".
وبالمثل، لم تستشر الحكومة السعودية مواطنيها بشأن ما إذا كانوا سيوافقون على إخلاء منازلهم من أجل مشروع "ذا لاين" الضخم، كما لم تعرض عليهم تعويضات مناسبة.
السكان والتكلفة
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، لم يذكر بن سلمان أبدًا المجتمع القبلي الذي أُجبرته الحكومة السعودية على مغادرة موقع "ذا لاين" أو العواقب التي يواجهها لعدم الامتثال.
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أصدر القضاء السعودي حكمًا بالإعدام على 3 من أفراد قبيلة الحويطات الذين احتجوا على الإخلاء القسري لمنازلهم عام 2020.
وانتقد خبراء، بينهم فيليب أولدفيلد، الأستاذ بجامعة نيو ساوث ويلز (UNSW)، تكلفة خطط المشروعات العملاقة بالشرق الأوسط، على الرغم من ادعاءات حكومات الدول بأن تنفيذها "لإنقاذ المنطقة من أزمات المناخ والاكتظاظ السكاني المستمرة".
وحذر أولدفيلد من أن هذه المشروعات مكلفة من جميع الوجوه، مشيرا إلى أن "ذا لاين"، على سبيل المثال، يهدد التنوع البيولوجي في الصحراء السعودية بالتدمير، مؤكدا أن التكاليف المالية والبيئية لبناء المشروع ستطغى على أي منافع بيئية موعودة.
وأشار إلى أن المشروع سيتطلب كمية هائلة من الفولاذ والزجاج والخرسانة، وكلها لا تعتبر مواد منخفضة الكربون، والأمر ذاته ينطبق على حالة "العاصمة الإدارية" المصرية.
رؤية خيالية؟
ولذا يحذر خبراء، بينهم المؤرخ المعماري، محمد الشاهد، من "الواقع البائس لهذه المشروعات العملاقة" حسب تعبيره، مشيرا إلى أنها مقاطع الترويج لها "تعد بجنة طوباوية. ومع ذلك، فإن الوضع على الأرض قد يقدم رواية مختلفة".
ويعتقد الشاهد أن العاصمة الإدارية الجديدة تبنى فقط لفصل الحكومة عن بقية السكان، وأن التخطيط الحضري للمدينة يظهر أن الحكومة المصرية تحاول منع التمردات المستقبلية من خلال نقل المباني الحكومية بعيدًا عن متناول الجمهور، وبذلك لا يكون الجمهور قادرًا على هزيمة النظام بسهولة.
وبينما تواصل الحكومات الرئيسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلان عن مشاريعها الحضرية العملاقة كمدن تكنولوجية مستدامة، لايزال كثير من المراقبين يطرحون التساؤلات حول توافقها مع الرؤية المثالية المقصودة وأساليب تنفيذها وتأثيرها الحقيقي على المواطنين العاديين.
اقرأ أيضاً
العاصمة الإدارية الجديدة في مصر.. فقاعة على وشك الانفجار
المصدر | بوليتيكس توداي/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصطفى مدبولي محمد بن سلمان نيوم العاصمة الإدارية ذا لاين الشرق الأوسط وشمال إفریقیا العاصمة الإداریة هذه المشروعات فی منطقة إلى أن من أجل
إقرأ أيضاً:
وول ستريت جورنال تتحدث عن بصمات كوشنر على خطة سلام غزة
في عودة لافتة إلى قلب السياسة الأميركية، برز جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره السابق، بوصفه أحد أبرز مهندسي خطة السلام الجديدة الخاصة بقطاع غزة، رغم ابتعاده رسميا عن الإدارة في ولايتها الثانية.
فبحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، كان كوشنر في صدارة المفاوضات الحساسة التي سبقت إعلان ترامب عن اختراق لإنهاء الحرب في قطاع غزة، بما في ذلك الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتقديم اعتذار علني -وصفته بالمُذل- إلى قطر عن ضربة صاروخية إسرائيلية على الدوحة في 9 سبتمبر/أيلول الماضي وأثارت أزمة دبلوماسية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحفي فلسطيني يكشف معاناة الأصوات الفلسطينية بفرنسا بعد 7 أكتوبرlist 2 of 2أكاديمي إسرائيلي: إسرائيل تراهن على خطة خطيرة في غزةend of listوذكرت أن كوشنر شارك في صياغة خطة السلام المكونة من 20 بندا التي أعلنها ترامب في البيت الأبيض بوجود نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ونقلت عن أشخاص مطلعين على ما جرى أن كبار مسؤولي الإدارة الأميركية -ومن بينهم مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف– سارعوا إلى صياغة العبارات المناسبة.
من خلف الكواليسوأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن كوشنر، رغم غيابه الرسمي، يمارس نفوذا واسعا خلف الكواليس، إذ يقدم المشورة لمسؤولين في الإدارة مثل وزير التجارة هوارد لوتنيك ووزير الخزانة سكوت بيسنت.
على أن تأثيره لم يقتصر على ذلك فحسب، بل يشمل كذلك مشاركاته في نقاشات اقتصادية تتعلق بالصين، فضلا عن اهتمامه المستمر بسياسات العدالة الجنائية.
وإذا سارت خطة السلام قُدما -كما تفيد الصحيفة- فسيكون كوشنر وويتكوف منخرطين بعمق في جهود إعادة إعمار غزة، إذ يجريان محادثات مبكرة مع مطورين يسعون إلى تنفيذ رؤية ترامب بتحويل المنطقة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
كما تواصل كوشنر مع شركاء محتملين للانضمام إلى مجلس إدارة يُشرف على الحوكمة، وفقًا لمصادر مطلعة.
توسيع إمبراطوريته
وفضلا عن ذلك، تقول الصحيفة إن كوشنر يتواصل مع رجال أعمال دوليين لبحث فرص الاستثمار في إعادة إعمار غزة ضمن رؤية ترامب لتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
إعلانوفي الوقت نفسه، يواصل كوشنر توسيع إمبراطوريته التجارية، وفقا لوول ستريت جورنال التي أبرزت قيام شركته الاستثمارية "أفينيتي بارتنرز" مؤخرا بإبرام صفقة قياسية بقيمة 55 مليار دولار مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة "سيلفر ليك" للاستحواذ على شركة ألعاب الفيديو "إلكترونيك آرتس"، التي تصفها الصحيفة بأنها أكبر صفقة استحواذ بالاستدانة من نوعها في التاريخ.
كوشنر يتواصل أيضا مع رجال أعمال دوليين لبحث فرص الاستثمار في إعادة إعمار غزة ضمن رؤية ترامب لتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"ووفقا للتقرير الصحفي، فقد أثارت تلك الأنشطة تساؤلات حول تضارب المصالح، وهو ما ينفيه كوشنر بشدة.
ويبرز التقرير أن كوشنر لعب أيضا دورا في اختيار ستيف ويتكوف مبعوثا لترامب إلى الشرق الأوسط، حيث عملا معا على بناء دعم عربي لخطة قطاع غزة عقب الأزمة التي فجرتها الضربة الإسرائيلية في قطر، وساعدا في إقناع ترامب بالمضي قدما في الخطة التي أعلنها رسميا في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
وتختتم الصحيفة بأن عودة كوشنر إلى دائرة التأثير داخل البيت الأبيض، بعد أن أعلن اعتزاله السياسة قبل 4 سنوات، تؤكد استمرار اعتماده على شبكاته المالية والسياسية الواسعة في الشرق الأوسط، وسط تزايد الجدل في واشنطن حول التداخل بين نفوذه السياسي ومصالحه الاستثمارية.