تزامنا مع مرور ذكرى إحراق المسجد الأقصى الخامسة والخمسين على يد جنود كيان العدو الصهيوني، وبعد أيام على اقتحام مجاميع من المستوطنين والمتطرفين الصهاينة للمسجد الأقصى، ورفعهم للعلم الإسرائيلي في باحاته تحت حماية أمنية مشددة من قبل قوات الأمن الصهيونية، والتي أعقبها تدنيس وزير الأمن الداخلي الصهيوني إيتمار بن غفير مع عدد من أفراد حزبه وأنصاره لباحات المسجد الأقصى، وتواصلا لسلسلة الاستفزازات المتواصلة والانتهاكات المستمرة للمقدسات الإسلامية في فلسطين الجريحة، أقدمت عناصر تابعة لقوات كيان العدو الصهيوني على اقتحام وتدنيس مسجد بني صالح إلى الشمال من قطاع غزة، قبل أن تفرغ خزائن ورفوف المسجد من المصاحف وتقوم بإحراقها في جريمة وقحة، واستفزاز قذر لمشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم في أرجاء المعمورة، قبل أن يتجهوا إلى المسجد الكبير بمدينة خان يونس والذي يعد من أقدم المساجد في قطاع غزة، حيث قاموا بنسفه، في انتهاك سافر للمقدسات الدينية .
إحراق المصحف الشريف وتدنيس المساجد وتفجيرها ونسفها سلوك إجرامي فاشي مشبع بالحقد والكراهية لكل ما يمت للإسلام بصلة من قبل اليهود الصهاينة، الذين تمادوا في غيهم وإجرامهم، وبلغت بهم الجرأة والوقاحة إلى الحد الذي يتطاولون فيه على القرآن الكريم من خلال إحراقه وتوثيق ذلك بالصوت والصورة ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مرأى ومسمع العالم أجمع وفي مقدمتهم أدعياء العروبة والإسلام.
قرابة 610 مساجد تعرض للتدمير الكلي، و214مسجدا تعرض للتدمير الجزئي في قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على القطاع والتي دخلت شهرها الحادي عشر، هذه الجرأة والوقاحة الإسرائيلية، وهذا الاستفزاز القذر الذي يقوم به النتن ياهو وحكومته وجيشه الفاشي، ما كان له أن يحدث وأن تصل بهم الجرأة للحد الذي يقدمون من خلاله على إحراق المصحف الشريف ؛ لولا حالة الخذلان العربي والإسلامي لقطاع غزة خاصة ولفلسطين عامة، وانقسامهم ما بين متفرج ومتخاذل ومتآمر على حرب الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا.
نعم .. الصمت والتخاذل والتآمر العربي والإسلامي شجع الصهيوني الإسرائيلي على أن يغرق في توحشه، ويتمادى في غيه وإجرامه وصلفه الذي تجاوز كل الحدود، وانتهك كل الحرمات والقوانين والاتفاقيات والمعاهدات، صمت العرب والمسلمين تجاه ما يحصل في قطاع غزة خيانة لله ولرسوله أولا، وخيانة لغزة وفلسطين وللقدس وللأقصى والمقدسات الإسلامية ثانيا، وزير الخارجية الأمريكية بلينكن خلال الأيام الأولى من العدوان وحرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، ركب طائرته على عجالة متجها صوب الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل دعم وإسناد هذا الكيان الإجرامي الفاشي المتوحش، وقالها علنا : بأنه جاء إلى تل أبيب بصفته مواطنا يهوديا، لا بصفته وزيرا للخارجية الأمريكية، وإدارته الخرقاء بقيادة الكهل العجوز جو بايدن تواصل تسليح هذا الكيان بأحدث وأفتك الأسلحة، وتقدم له كل أشكال الدعم والإسناد، وتوفر له الغطاء السياسي والحماية الأممية من أجل المضي في ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر والمذابح الوحشية بحق أطفال ونساء وشيوخ غزة، والمسلمون يشاهدون كل ذلك بكل برودة دم وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.
خذلان عربي وإسلامي غير مسبوق، كنا في السابق نشاهد بعض المسيرات والمظاهرات في كثير من الدول العربية والإسلامية نصرة لفلسطين، واليوم نشاهد مسيرات ومظاهرات واحتجاجات في أمريكا وأوروبا تضامنا مع غزة، ولم نعد نشاهد أي مسيرات أو مظاهرات في كثير من الدول العربية والإسلامية، لقد خنعت الشعوب للأنظمة العميلة والمطبعة، ولم يعد من حياة للضمير العربي والإسلامي إلا في القلة القليلة للأسف الشديد، رغم أن الشعوب الحية تمتلك القدرة على تغيير مواقف الأنظمة والحكومات، ووالله إنه من العار أن يصل بالعرب والمسلمين الخزي والذل والخذلان إلى هذا الحد.
وإذا كان المتخاذلون يرون أن نصرة غزة والدفاع عن فلسطين مسؤولية فلسطينية صرفه، فإن الدفاع عن القرآن الكريم والمقدسات الإسلامية مسؤولية جماعية لكل العرب والمسلمين، وتكرار اقتحام الصهاينة الأنجاس للمسجد الأقصى، كما أشار السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله : ( يجب أن يذكر المسلمين بمسؤوليتهم تجاه المقدسات )، يجب أن تشعل نيران الغضب في صدور كل العرب والمسلمين، وتحتم عليهم القيام بردود أفعال قوية ومزلزلة تدفع هذا الكيان الإجرامي للتفكير ألف مرة قبل أن يقدم على مثل هذه الجرائم المستفزة، لقد فاض الكيل وبلغ السيل الزبى، ولم يعد من اللائق أخلاقيا ولا إنسانيا على العرب والمسلمين الصمت على إحراق الصهاينة للمصحف الشريف وتدنيسه للمقدسات واستباحته وتدميره للمساجد، علاوة على جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة المحاصر والمدمر.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
"طوفان الأقصى" الذي عرّى الاحتلال
سالم بن نجيم البادي
طوفان الأقصى- نتَّفق أو نختلف مع من قاموا به- هل كان مُجازفة أو مُغامرة غير محسوبة العواقب؟ هل كان تهورًا أو انتحارًا؟ وهل غفل من خططوا له عن تبعاته الكارثية؟
لا أعتقد ذلك؛ لأنَّ من نفذوا طوفان الأقصى هم أعلم النَّاس بعدوّهم، وبشراسته وعدوانيته وإرهابه وإجرامه. لقد أذاقهم هذا العدو كل أنواع العذاب والقهر والتنكيل والقتل والاغتيالات التي تلاحق الإنسان الفلسطيني في كل بقاع الأرض، والمجازر المستمرة منذ أكثر من سبعين سنة، والتهجير، وسرقة الأرض وتجريفها واقتلاع الأشجار وتخريب المزروعات وسرقة المياه، مع الإذلال على الحواجز المُقامة في كل شبر، والاعتقالات العشوائية، والتحقيق المقترن بالتعذيب، وقد ضاقت السجون الإسرائيلية بالمعتقلين من الرجال والنساء والأطفال والمحتجزين إداريًا دون محاكمة.
كما يُغلَق المعبر بين حين وآخر لمنع دخول الطعام والوقود، مما يعني انقطاع الكهرباء والماء وتوقف المصانع وإصابة الحياة كلها بالشلل التام. وفي هذا عقاب جماعي لكل النَّاس.
لقد استمر حصار غزة أكثر من سبعة عشر عامًا، حصارًا خانقًا برًا وبحرًا وجوًا.
إنِّه احتلال بغيض ومجرم وعنصري حاقد، قائم على الكراهية والحقد والغرور والطمع في التوسع على حساب الشعوب الأخرى. وأجزم أنَّه لو أنَّ أي شعبٍ تعرّض لما تعرّض له الشعب الفلسطيني، لفعل مثل ما فعل أهل غزة وأكثر.
إنَّ هؤلاء المتعجرفين المهووسين بالتعالي والوهم والكذب والخداع، شذاذ آفاقٍ قدموا من كل بقاع العالم هروبًا من تاريخهم الدموي الأسود الذي عُرفوا به بين شعوب الأرض. كل الصفات القبيحة كانت تلاحقهم عبر التاريخ.
وبعد كل هذا، يأتي من يلوم من نفذوا طوفان الأقصى ويتحدث عن الإبادة الجماعية وعدد القتلى والتجويع والتدمير!
وقد تناسى هؤلاء، بقصد أو بغير قصد، أن كل الشعوب التي تحررت من الاستعمار عبر التاريخ ضحّت بملايين البشر الذين قُتلوا في سبيل الحرية والكرامة. وفي التاريخ المعاصر نذكر الجزائر واليابان وفيتنام، ودولًا كثيرة مات أهلها في سبيل الوطن؛ بل إن البشر قد يموتون نتيجة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل.
وهنا.. لا نُرحّب بالتأكيد بالقتل ولا نستهين بالشهداء الذين قُتلوا في غزة، وعددهم يتجاوز 66 ألفًا؛ فالنفس الإنسانية غالية، لكن هذا شأن الحروب في كل مكان، والحرية تستحق التضحية.
ولا خيار لأهل غزة سوى الصمود والتضحية، فقد جرّبوا الجنوح إلى السلام في اتفاقية أوسلو، ولكن لم يتغير شيء، وبقي الاحتلال جاثمًا على صدورهم.
لقد أعاد طوفان الأقصى الزخم إلى قضية الشعب الفلسطيني، ورأينا مُعظم شعوب العالم تنتفض تضامنًا مع الفلسطينيين. وأظهرت الاستطلاعات في الولايات المتحدة الأمريكية- وهي معقل الدعم والتأييد لإسرائيل- انحسار هذا الدعم. كما اتفقت دول كثيرة على ضرورة محاكمة قادة الاحتلال لدى محكمة العدل الدولية، وصار التعاطف سيلًا هادرًا مع قضية الشعب الفلسطيني عند كل أصحاب الضمائر الحية والقلوب الرحيمة وأنصار الحق والعدل والإنسانية.
لقد عرّى طوفان الأقصى الاحتلال، وكشف وجهه القبيح، وارتفع الصوت الفلسطيني ووصل إلى العالم كله.
رابط مختصر