رهان على التحديات.. لماذا تدور أنقرة ودمشق في متاهة الانسحاب؟
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
لم تحرز تركيا والنظام السوري خلال الأيام الماضية، وفي العلن، أي تقدم على صعيد المسار الجديد الذي كشف أولى ملامحه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وعلّق عليه نظيره، بشار الأسد، بخطابين عبّرا فيهما عن مواقف مليئة بالتفاصيل.
وما يزال مشهد العلاقة من جانب كلا الطرفين يدور ضمن "متاهة" تتعلق في الأساس بـ"مطلب الانسحاب"، مما يثير تساؤلات عن المتوقع والأسباب التي تدفع أنقرة ودمشق للتمسك بمواقفهما المتناقضة على الأرض.
وقبل أيام ترك رئيس النظام، بشار الأسد، الباب مفتوحا أمام أنقرة، بقوله إن متطلبات دمشق المرتبطة بالانسحاب التركي من سوريا ليس شرطا مسبقا، لكنها تعتبر هدفا يجب الوصول إليه والبناء عليه "كمرجعية".
وأضاف أيضا أن "عدم الوصول إلى نتائج في اللقاءات السابقة أحد أسبابه هو غياب المرجعية"، متابعا خطابه أمام مجلس الشعب: "سوريا تؤكد باستمرار على ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلها ووقف دعمها للإرهاب"، وأن استعادة العلاقات الطبيعية "ستكون نتيجة لهذين المطلبين".
وسرعان ما جاء الرد من جانب وزارة الدفاع التركية، الخميس، حيث أوضح مستشار الصحفة فيها، العقيد البحري زكي أكتورك، أن "الوجود التركي في سوريا يمنع تقسيم الأراضي السورية، وإنشاء ممر إرهابي هناك".
وأكد أكتورك أن تركيا "تريد أن ترى سوريا ديمقراطية ومزدهرة، وليس سوريا التي تعاني من عدم الاستقرار وتهيمن عليها المنظمات الإرهابية"، مردفا بالقول "وقد صرح رئيسنا شخصيا بأننا مستعدون للمحادثات والحوار على كافة المستويات".
كما تطرقت مصادر من الخارجية التركية لما استعرضه الأسد، ونقلت عنها وسائل إعلام يوم الأربعاء، بينها "CNN TURK"، أن إعادة العلاقات التركية مع دمشق إلى ما كانت عليه قبل 2011، يتلخص في أربعة عناوين رئيسة.
العنوان الأول هو تطهير سوريا من "العناصر الإرهابية" حفاظا على سلامة أراضيها، والثاني قيام سوريا بتحقيق مصالحة وطنية حقيقة مع شعبها في إطار القرار الدولي 2254، والعودة إلى المفاوضات الدستورية، والتوصل إلى اتفاق مع المعارضة.
ويشمل التوقع الثالث تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم، والرابع "ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة المعارضة دون انقطاع".
ولتركيا قوات كثيرة في مناطق متفرقة بشمال سوريا، وتقدم أيضا دعما لآلاف المقاتلين الذين يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري" المعارض.
وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.
في المقابل يعتبر نظام الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين".
وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.
وتقول كاتبة العمود في صحيفة "حرييت" المقربة من الحكومة التركية، هاندي فيرات إنه وبناء على المواقف والمعطيات الحاصلة يجب أن يكون الجميع مستعدا لـ"عملية مليئة بالمطبات بين تركيا والنظام السوري".
وتشير إلى أن المباحثات على المستوى الاستخباراتي بين أنقرة ودمشق لم تعقد منذ عام، ومع ذلك ربما ستسأنف قريبا بالشراكة مع روسيا وإيران، وعلى مستوى نواب وزراء استخبارات الدول الأربع.
فيرات المقربة من الرئيس التركي إردوغان تؤكد أيضا أنه "لا تغيير في سياسة أنقرة تجاه سوريا حتى الآن"، وتوضح أن موقف تركيا يتخلص في الآتي: العزم على مكافحة الإرهاب، تأمين الحدود، تنشيط عملية أستانة، تنشيط المحادثات الخاصة باللجنة الدستورية السورية.
ويأخذ الموقف التركي أيضا بعين الاعتبار "التداعيات المحتملة لقضية غزة وإسرائيل على سوريا"، وترى الكاتبة واستنادا لما سبق أن "جميع هذه القضايا المطروحة على الطاولة تمثل تحديا".
ولا يعتبر الحديث الذي تورده الصحف التركية المقربة من الحكومة عابرا، ولاسيما أن المسؤولين الأتراك الكبار يواصلون التأكيد عليه في إطلالاتهم المتكررة.
وكان لافتا أن حديث الأسد وتأكيده مرة أخرى على "المرجعية المتعلقة بالانسحاب التركي من سوريا" جاء في أعقاب نبرة حادة أطلقها وزير الدفاع التركي، يشار غولر بقوله إن "أنقرة لن تناقش التنسيق بشأن الانسحاب إلا بعد الاتفاق على دستور جديد، إجراء انتخابات، تأمين الحدود".
وترعى موسكو منذ 2022 مسار التقارب بين أنقرة ودمشق، وانضمت إليهما طهران في 2023، وفي وقت لاحق من العام الحالي تصّدر اسم العاصمة العراقية بغداد.
ويعتقد مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، سمير العبد الله أن التحديات ما تزال كبيرة بين تركيا والنظام السوري، ويقول إنها تعيق أي تقدم في مسار المفاوضات.
ومن جانب أنقرة يوضح العبد الله لموقع "الحرة" أن تركيا تضع نصب عينيها القضاء على التهديدات الأمنية، خصوصا القادمة من منطقة الجزيرة السورية التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية".
وعلى أساس ذلك تسعى للحفاظ على وجودها في سوريا حتى القضاء على هذا التهديد.
وبالانتقال من الحدود إلى الداخل التركي يضيف الباحث أن الرئيس التركي إردوغان يواجه ضغوطا متزايدة، مما يدفعه للبحث عن حلول عملية تضمن إعادة جزء كبير من اللاجئين السوريين إلى سوريا.
ويشكل الهدف المذكور "جزءا كبيرا من استراتيجية تركيا في سوريا، ويجعل من الصعب على إردوغان قبول أي شروط قد يعيق تحقيقه"، بحسب العبد الله.
الباحث يشير في المقابل إلى أن النظام السوري يسعى إلى انسحاب تركيا من الأراضي السورية، واستعادة السيطرة الكاملة على جميع أنحاء البلاد دون تقديم أي تنازلات في ملفات أخرى.
ويواجه النظام السوري في الوقت الحالي تحديات داخلية كبيرة أيضا، بما في ذلك التدهور الاقتصادي.
ولذلك يسعى الأسد وفقا للعبد الله "لتحسين موقفه الداخلي من خلال استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، وهذا ما يجعله غير مرن في مفاوضاته مع تركيا، حيث يرى أن الانسحاب التركي جزء أساسي من تحقيق هذه السيطرة".
ما الرؤية في دمشق؟رغم أن تصريحات الأسد الأخيرة أمام مجلس الشعب والتي سبقتها في أغسطس الحالي بدت مختلفة عن الموقف الذي كانت عليه دمشق في السابق، عززت في المقابل سلوكا من "المناورة".
ويعتبر الكاتب والصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق أن "أنقرة تبدو وكأنها تراهن على شيء ما في المنطقة"، مما يجعل تصريحات مسؤوليها في صعود وهبوط.
يشير الكاتب إلى الموقف الأول الذي أبداه إردوغان بدعوته للقاء الأسد وما تبع ذلك من تصريحات اختلفت عن الكلمات الأولى التي أطلقها الرئيس التركي بالتالي.
ويقول لموقع "الحرة": "الأتراك يراهنون على أمر ما. هل على ضعف روسيا مثلا في أوكرانيا؟ هل يراهنون على القادم إلى البيت الأبيض؟. هذا جانب مهم والموقف التركي يرتبط بالنزعة التركية للمستقبل".
وفيما يتعلق بموقف النظام السوري يرى الكاتب توفيق أنه يجب الحديث في هذا السياق عن "تكتيك واستراتيجية خاصة بدمشق".
وفي حين تشي بعض تصريحات الأسد الأخيرة بشيء "من المهادنة مع الجانب التركي" أكد رئيس النظام على "السيادة كعنوان أساسي".
ويضيف الكاتب المقيم في دمشق: "الأسد يريد الانسحاب في هذا الاتجاه، ومن ناحية تكتيكية يوجد تواصل قائم بين اللجان الفنية المعنية الأمنية والطبوغرافية وإلى حد ما ممثلين عن الأمن ووزارات الخارجية، بوجود روسي فاعل".
ويقوم "التكتيك" الخاص بالنظام السوري على ضرورة الحصول على "نوع من التعهد من تركيا بشكل الانسحاب من سوريا، ولو كان ذلك تحت الطاولة وبضمانة روسية"، بحسب الكاتب السوري.
ويرى أن "هذه الاستراتيجية ملّحة رغم الوضع السوري القائم، والصراع الحاصل على الأرض السورية وبوجود جيوش لعدة دول".
"رهان على التحديات"وقبل اندلاع أحداث الثورة السورية كانت العلاقة السورية التركية على أوجها، خاصة على صعيد الاقتصاد والاتفاقيات. ووقعت الحكومة التركية وحكومة الأسد بين عامي 2004 و2010 سلسلة اتفاقيات.
وكان أبرزها اتفاقية "التجارة الحرة"، وتنفيذ مشروع سككي بين غازي عنتاب وحلب، واتفاقيات أخرى لإنشاء بنك تركي سوري مشترك، مع زيادة حجم التجارة إلى مستويات عليا.
لكن بعد 2011 انقلبت مرحلة الازدهار وباتت كل من دمشق وأنقرة على طرفي نقيض.
ويعتقد الكاتب والصحفي توفيق أن النظام السوري "ليس في عجلة من أمره من أجل الدفع بمسار التطبيع قدما مع تركيا"، ويقول إنه "لا يتعرض لضغوط على مستوى القيادة والنظام والدولة السورية".
كما يضيف أن "سوريا تدير الوضع حتى الآن بطريقة استثمارية سياسية"، وتراهن في خط التفاوض على مسألة الخطوط التجارية والتفاهمات ضد "قسد" في شمال شرق البلاد.
وفي غضون ذلك يرى توفيق أيضا أن "الجانب السوري ينظر للتحديات التركية على أنها أوراق بيده دون أن تكون بيده"، في إشارة منه إلى قضية اللاجئين والحال العسكري القائم في إدلب وريف حلب وشمال شرق سوريا.
وبتقدير الباحث السياسي التركي، علي أسمر فإن "ملف التطبيع مع دمشق يعتبر أمرا عاجلا وطارئا لتركيا، لأن الأخيرة لديها ما تخسره".
ويبدو لأسمر كما يقول لموقع "الحرة" أن "التطبيع ليس بالأمر العاجل للنظام السوري"، مضيفا على أساس ذلك: "نفهم أن تركيا تخشى من تقسيم سوريا أكثر من النظام، لأن أي تقسيم في سوريا سيزيد احتمالية انتقال العدوى إلى تركيا".
ومن جانب آخر يعتقد الباحث التركي أن "النظام السوري يحاول كسب عامل الوقت في ظل الخلاف العميق بين روسيا وإيران حول الملف السوري".
ويعتبر أن "النظام ترك الباب مفتوحا أمام تركيا إلى أن تتغلب وجهة النظر الروسية أو الإيرانية على الأخرى".
ومن غير المتوقع تحقيق اختراق كبير على خط العلاقة بين تركيا والنظام السوري دون تغيرات جذرية في الديناميات الحالية، كما يوضح الباحث سمير العبد الله، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يستمر الجمود الحالي في الحوار.
ويقول العبد الله إن "التوصل إلى حل شامل يتطلب تغييرات جوهرية في المواقف والسياسات، وقد تلجأ تركيا إلى استغلال نفوذها في مناطق الشمال السوري للضغط على النظام من أجل تحقيق أهدافها، واتخاذ خطوات استراتيجية تجمع بين المرونة الدبلوماسية والتخطيط والتفاوض على مراحل حيث يتضمن كل مرحلة تقديم تنازلات تدريجية من الطرفين".
ويطرح الباحث مثالا على ما سبق بأن "تركيا يمكن أن توافق على تقليل دعمها للمعارضة السورية، والاستفادة من نفوذ روسيا على النظام لتسهيل المحادثات".
وعلى الصعيد الداخلي "يجب على تركيا أن تجد توازنا بين رغبات الجمهور التركي المتزايدة لإعادة اللاجئين السوريين، وضمانات أمنية ضرورية لمنع تصاعد التهديدات من شمال سوريا".
ويمكن لتركيا أيضا كما يتابع العبد الله "استخدام ورقة اللاجئين للضغط على الاتحاد الأوروبي لدعم جهودها في سوريا، وذلك عبر تقديم مقترحات مشتركة لإعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية".
وقد تسهل الخطوة المذكورة عودة اللاجئين بشكل منظم وآمن.
ويؤكد الباحث أنه ولتذليل العقبات "يتطلب من تركيا تقديم مزيج من التنازلات التكتيكية والمبادرات الدبلوماسية، مع الحفاظ على مصالحها الأمنية الأساسية".
ومن جهته يعتقد الباحث أسمر أن مسألة الخروج من المتاهة الحاصلة بين تركيا والنظام السوري "يعتمد على الدور الروسي والإيراني والأميركي".
ويقول إنه وبالنسبة لأنقرة "فهي واضحة ولن تنسحب من سوريا إلا بعد تحقيق الاستقرار السياسي الذي يضمن أمن سوريا وتركيا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بین ترکیا والنظام السوری الرئیس الترکی النظام السوری أنقرة ودمشق العبد الله من سوریا فی سوریا من جانب إلى أن
إقرأ أيضاً:
قراءات في تعديل النظام الانتخابي لمجلس الشعب السوري
دمشق- تسلم الرئيس السوري أحمد الشرع النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب في لقاء مع رئيس اللجنة العليا لانتخابات المجلس محمد طه الأحمد، الذي توقع أن تجرى العملية الانتخابية لاختيار أعضاء المجلس بين 15 و20 أيلول/سبتمبر القادم.
وقال الأحمد، لوكالة الأنباء السورية (سانا) أمس الأحد، إن اللقاء تناول تفاصيل التعديلات الناتجة عن الجولات التي قامت بها اللجنة مع مختلف شرائح المجتمع ونقاباته. وأكد أن الشرع اطلع على أهم التعديلات التي أُقرت على النظام الانتخابي.
وأضاف أن الشرع أكد "أهمية المضي في العملية الانتخابية بكل المحافظات السورية، ورفض التقسيم الذي ينبذه جميع السوريين، وضرورة استبعاد كل من وقف مع المجرمين وأيّدهم، والأشخاص الذين يدعون إلى التقسيم والطائفية والمذهبية".
من جهتها، قالت رئاسة الجمهورية عبر معرفاتها الرسمية إن "الرئيس أحمد الشرع تسلم النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، وإنه وجّه بمواصلة التقدم في مسار العمل لضمان مشاركة شاملة تُعبّر عن إرادة الشعب السوري".
ووفق الأحمد، يتضمن النظام الانتخابي المؤقت حزمة من الضمانات الرامية إلى تحقيق أعلى درجات الشفافية تشمل:
تشكيل اللجان الانتخابية الفرعية. آليات الطعن والاعتراض على نتائج الانتخابات. إتاحة الرقابة من المجتمع والمنظمات الدولية بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات، مشددا على أن الهدف هو تشكيل مجلس شعب يرتقي إلى تضحيات السوريين ويقود مرحلة إعادة البناء والتشريع.وأضاف أن هذا النظام نصّ على رفع عدد المقاعد من 150 إلى 210 وفقا لإحصاء عام 2011، مع تخصيص نسبة منها لا تقل عن 20% للمرأة، وتشجيع مشاركة الشباب، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني عبر دورات توعية وتدريب. كما أُدرجت ورقة سلوك تنظيمي لأعضاء الهيئات والمرشحين، إلى جانب برنامج زمني وآليات للدعاية والمناظرات.
إعلانوعن الجانب التنظيمي، أوضح الأحمد أن الثلث المعيّن من قبل الرئيس -والبالغ 70 عضوا- سيُخصّص لأصحاب الكفاءات الفنية (تكنوقراط)، وذلك لسد أي فجوات محتملة وضمان تمثيل جميع الفئات. وأشار إلى لقاءات جمعت اللجنة مع سفراء عرب وبعض البعثات الدبلوماسية، الذين "أشادوا بالآلية المعتمدة واعتبروها الأنسب للواقع السوري".
أما عن الخطة الزمنية، فتبدأ -حسب الأحمد- بعد توقيع المرسوم الخاص بالنظام الانتخابي المؤقت، وتتوزع كما يلي:
أسبوع لاختيار اللجان الفرعية. يليه 15 يوما لتشكيل الهيئات الناخبة. ثم يُفتح باب الترشح لمدة 3 أيام. ثم أسبوع للدعاية والمناظرات. خطوة مهمةوقال المحلل السياسي عبد الكريم عمر إن تصريح رئيس اللجنة العليا للانتخابات النيابية حول رقابة منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية على الانتخابات "خطوة رائدة وبادرة جديدة على مستوى المنطقة". وهو ما ذهب إليه الباحث السوري علاء الأصفري الذي قال إن الرقابة الدولية تُعد "خطوة مهمة جدا".
بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش أن هذه الرقابة تضفي مصداقية على عملية الانتخابات، لا سيما وأنها "أول اختبار للسلطة الجديدة في سوريا ومدى التزامها بتشكيل سلطة تشريعية تمثل مختلف المكونات السورية".
وحول زيادة عدد المقاعد النيابية، يشير عبد الكريم عمر إلى أنها أُقرّت على خلفية مطالبات من المجتمع المدني السوري بضرورة توسيع عددها بالاعتماد على إحصاء 2011.
وأكد للجزيرة نت أن اعتمادها من شأنه زيادة عدد الممثلين في البرلمان خلال المرحلة الانتقالية الدقيقة التي تمر بها البلاد، تلبية للأصوات المطالبة بالتشاركية وصناعة نظام جديد يترك للناس دورا أساسيا في صناعة القرار السياسي في البلاد.
وعن الإجراء الذي يسمح للرئيس أحمد الشرع بتسمية 70 عضوا (ثلث الأعضاء) من أصل 210 (إجمالي الأعضاء)، يرى عمر أنه طبيعي في الحالة السورية، إذ إن البلاد خارجة من حرب وصراع مديدين، وهناك سوريون في المنفى ومخيمات اللجوء ممن لا يملكون بطاقات شخصية، إلى جانب وجود 4 أنواع من البطاقات الشخصية لمواطني سوريا:
في مناطق النظام سابقا. في إدلب. في ريف حلب. في مناطق شرق الفرات.وبالتالي، فإن هذا الإجراء سيتيح -وفقا له- ضمان تمثيل فئات قد تُستبعد قسرا بسبب ظروف النزوح أو التوزيع الجغرافي.
انتقاداتبالمقابل، يرى محمود علوش أن المجلس النيابي لن يكون مثاليا مع تعيين رئيس الجمهورية ثلث أعضائه وأن هذا الإجراء سيؤثر على توازن القوى داخل المجلس ونفوذ الرئيس على قراراته. ولكنه يقرّ بأن إجراء الانتخابات سيكون خطوة ضرورية "لإضفاء نوع من المشروعية الشعبية على السلطة الانتقالية".
وأوضح للجزيرة نت أن اختيار مجلس الشعب خطوة ضرورية في إكمال النظام السياسي الذي سيُدير المرحلة الانتقالية، وإجراء متقدم نحو انخراط وطني واسع في تشكيل مستقبل سوريا. لكنه يرى أن هناك "تساؤلات كثيرة تبدو إجاباتها غير واضحة، مثل كيف سيتم الاختيار في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة مثل مناطق قوات سوريا الديمقراطية ومحافظة السويداء؟ وكيف سيتم إشراك اللاجئين الذين هم شريحة كبيرة؟".
إعلانورغم تأكيده أن التعديلات هي خطوة بالاتجاه الصحيح، غير أن ذلك لا ينفي -حسب الباحث الأصفري- وجود علامات استفهام عديدة، أولها تلك المتعلقة بحلّ الأحزاب الذي يُعتبر -برأيه- خطأ جسيما خاصة في ظل وجود أحزاب عريقة في البلاد كالاشتراكية والشيوعية التي كان يمكن أن تكون سندا للعمل المؤسساتي في مجلس الشعب.
وأضاف للجزيرة نت أن شرط "استبعاد كل من أيّد نظام الأسد سابقا" من المجلس النيابي، "فضفاض" ويمكن استغلاله لاستبعاد أي شخص كان يعيش في مناطق سيطرة النظام في الماضي، قائلا إنه كان من الأفضل استبداله بشرط "استبعاد كل من تلوثت أيديهم بدماء السوريين".
ويأمل الأصفري "ألا يكون هناك استبعاد للطوائف والمذاهب والأعراق أو أي من المكونات السورية، وأن يشارك الجميع في هذه التجربة البرلمانية".
يُذكر أن اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري قد تشكلت بموجب المرسوم الرئاسي رقم (66) لعام 2025، الصادر في 13 يونيو/حزيران الماضي.
وأجرت اللجنة منذ تشكلها زيارات عدة إلى معظم المحافظات، وعقدت مشاورات ولقاءات مع مختلف الشرائح المجتمعية، كما التقت مع ممثلي النقابات والمنظمات المحلية، إضافة للاجتماع مع سفراء دول عدة تعزيزا لمبدأ الشفافية والاستفادة من مختلف التجارب الدولية بشأن الانتخابات التشريعية.