دارفور وأمة السودان: أن تأتي متأخراً (1-2)
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
اكتنف التداول حول كلمة الفريق ركن عبدالفتاح البرهان للصحافيين الأحد الماضي نذراً عن قرب انقسام السودان. وليس في حديثه ولا تعليق قوات “الدعم السريع” عليه مع ذلك بما يأذن بمثل هذه النذر. فجدد البرهان في كلمته عهد القوات المسلحة أن تنهي الحرب في دارفور قبل أي ولاية في الشمال أو في الوسط، وأن السودان موحد.
ومع ذلك، فلربما جاءت هذه المخاوف من الانفصال من كلمة لم يحسن البرهان عرضها. فقال إن الناس يتحدثون عن خيارات طُرحت بأن تكون الخرطوم للجيش في حين تكون الفاشر، عاصمة ولاية دارفور، لـ”الدعم السريع”. وزاد لاحقاً أن العرض قضى بأن تكون الخرطوم والجزيرة للجيش، والفاشر للقوات المشتركة، أي حلفاء الجيش من قوات الحركات المسلحة، ولـ”الدعم السريع” البقية الباقية.
ولا نستبعد أن الناس فهموا منه أن هناك من جاءهم بمثل هذا العرض حتى مع قوله إنه لم يطرح عليهم، وأنه مما يعشعش من قدم في رأس من سماهم “المستعمرين الجدد”، بل زاد أنه لن يسمح حتى لأحد أن يأتيه بمثل هذا العرض. ولا يدري المرء لم احتاج البرهان إلى أن يطلع الناس المؤرقة بهاجس تقسيم البلد، ضمن هواجس أخرى عنها، بما يعشعش في رؤوس مبتلية بهذه المشاريع بينما لم يعرض أحد منهم هذا التقسيم عليه. فصعب أن يصدق الناس، وهم في هذه الشفقة على وحدة البلاد، أن هذا العرض بتقسيم البلاد “مجرد كلام أحلام” كما قال، وسيقولون إن العرض لا بد من أنه وقع والبرهان إنما يتجمل.
وأثار البرهان بحديثه مخاوف الانفصال من دون أن يقصد ربما. فأدلت النخبة بدلوها عن الانفصال كل بطريقته. فقال القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم” خالد عمر يوسف إن الانقسام حق. فالمجتمع الدولي شرع يتعامل مع السودان كمناطق نفوذ توزعت بين الجيش و’الدعم السريع‘، بل والحركة الشعبية لتحرير السودان التي انتبذت السودان منذ أكثر من عقد وأنشأت دولتها المستقلة في جبال النوبة بجنوب كردفان. وجاء خالد في معرض خشيته من تشظي السودان بزعم “الدعم السريع” إقامة حكومة في الخرطوم للحد من شرعية البرهان، مما يعني، في رأيه، خطر التقسيم وتكرار تجربة ليبيا. ومع أن فكرة “الدعم” في إنشاء حكومتها في الخرطوم أقرب للوحدة منها إلى التقسيم ما دام أنها ستكون في مركز البلاد التاريخي، بل قالت “الدعم” إنها لن تسمح بتفكيك السودان في مثل ما حدث بانفصال جنوب السودان عام 2011.
ورأى القيادي في الحزب الشيوعي تاج السر عثمان أن رفض البرهان التفاوض كما حدث في إضرابه عن حضور مؤتمر جنيف (14 أغسطس الجاري) سيسعر الحرب، “مما يهدد وحدة البلاد بعد تصريح الدعم السريع أنها قد تلجأ إلى تكوين حكومة في الخرطوم للحد من شرعية سلطة البرهان، مما يعني خطر التقسيم وتكرار تجربة ليبيا.”
تقسيم السودان هاجس وطني كبير، فبلد فقد ثلث أرضه وشعبه بخروج جنوبه منه لا بد من أن يتحسس عقله حين تتناتشه مثل هذه النذر والإنذارات التي أتينا عليها أعلاه. ويقال “مَن ذاق عضّ الدبيب خاف من جر الحبل”. ولكن لم ينهض بعد أحد بحيثيات مقنعة بأن السودان إلى زوال بالتقسيم. فلم يصدر من أي طرف في هذه الحرب أي نأمة بالانفصال بأي جزء من السودان. وهذا بخلاف جنوب السودان الذي دعت صفوته إلى الانفصال وضرجت المطلب بـ “تمرد” الفرقة الجنوبية عام 1955 حتى قبل الاستقلال. ووقع الانفصال مع ذلك بالتفاوض بعد حرب طويلة باتفاق سلام كفل للجنوب حق تقرير مصيره. وقرر الجنوب الانفصال باستفتاء في 2011.
وجاءت أكثر المخاوف من تقسيم السودان من مصادر ثلاثة:
أولاً: من النموذج الليبي المنقسم بين بنغازي وطرابلس. ورأينا كيف لوّح به كل من خالد عمر يوسف وتاج السر عثمان من غير اتفاق. ومن يجلب هذا النموذج إلى الحالة السودانية يغض الطرف عن أمرين: أولهما أن بنغازي وطرابلس ظلتا دولتين منفصلتين حتى وحّدهما الاستعمار الإيطالي في 1924، أما الثاني فهو أن ليبيا، خلافاً للسودان، خاضت حربها الأهلية بالميليشيات من الطرفين وخلت من جيش قومي مهني كما عندنا. ومهما كانت قيمة هذين العاملين فهما مما لا بد من أن يُستصحبا متى قاربنا بين الوضعين في السودان وليبيا.
ثانياً: وبالنظر إلى دارفور والسودان، ذاع خلال الحرب الأهلية في إقليم دارفور أنه ظل معتزلاً السودان في سلطنته التاريخية حتى أخضعه النظام التركي – المصري (1821-1885) في 1874 قبل عقد من سقوطه هو نفسه على يد الثورة المهدية. كما اعتزلت دارفور السودان بعد استعماره بواسطة الإنجليز حتى ضموه إليه بعد نحو عقدين من احتلالهم له في 1898. ونواصل
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع فی الخرطوم
إقرأ أيضاً:
حكومة كامل إدريس تقرر الانتقال التدريجي إلى العاصمة الخرطوم
حكومة السودان بقيادة الجيش ظلت تعمل من العاصمة الإدارية المؤقتة في بورتسودان منذ اندلاع الحرب منتصف ابريل 2023م.
بورتسودان: التغيير
أعلن رئيس الوزراء السوداني المعين حديثاً د. كامل إدريس، بدء عملية الانتقال التدريجي للوزارات والمؤسسات الحكومية إلى العاصمة القومية الخرطوم وفق جدول زمني مدروس.
ويأتي قرار إدريس بعد أقل من شهر على أدائه القسم رئيساً لمجلس الوزراء بعد أن تم تعيينه بقرار من رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 19 مايو الماضي بمرسوم دستوري.
ووفقاً لوكالة السودان للأنباء، فإن عملية الانتقال التدريجي ستتم وفق جدول زمني مدروس يراعي الجوانب الإدارية والفنية والبشرية، ويضمن استمرارية تقديم الخدمات دون انقطاع، إلى جانب دعم خطط إعادة تأهيل البنية التحتية للعاصمة.
وذكرت الوكالة أن القرار يأتي في إطار تنفيذ الرؤية القومية لتعزيز الحوكمة وتحقيق التنمية المتوازنة، انسجاماً مع الخطط الاستراتيجية الرامية إلى تفعيل دور العاصمة القومية كمركز إداري متكامل، وتخفيف الضغط الإداري والخدمي عن مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة.
وظلت حكومة السودان بقيادة الجيش تعمل من العاصمة الإدارية المؤقتة في بورتسودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف ابريل 2023م، حيث أُجبرت العديد من الوزارات والمؤسسات على الانتقال إلى مواقع بديلة بسبب تصاعد وتيرة القتال في العاصمة الخرطوم، قبل أن ينتقل مجلس السيادة وكامل الطاقم الحكومي إلى شرق البلاد.
وفي الثالث من ابريل الماضي، استأنفت حكومة ولاية الخرطوم عملها رسمياً من داخل مقرها بالعاصمة، عقب سيطرة الجيش على محلية الخرطوم وانسحاب قوات الدعم السريع.
وقال إعلام الولاية يومها، إن مبادرة الولاية جاءت تنفيذاً لدعوتها إلى الوزارات ووحدات الحكومة الاتحادية بالعودة إلى مقارها وتفقد أحوالها، وبادرت كأول جهة حكومية بعقد اجتماع اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بمبادرة من رئيس اللجنة، والي الولاية أحمد عثمان حمزة في مقر أمانة الحكومة بالخرطوم.
وأعلن الجيش في 20 مايو الماضي، اكتمال سيطرته على ولاية الخرطوم بشكل كامل، مؤكداً خلو العاصمة من أي وجود لقوات الدعم السريع، بعد عمليات عسكرية متواصلة.
الوسومأحمد عثمان حمزة الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بورتسودان حرب 15 ابريل 2023م د. كامل إدريس عبد الفتاح البرهان