أبو الغيط: حجم القنابل التي أُلقيت على غزة يفوق قوة القنبلة النووية التي أُلقيت على هيروشيما ونجازاكي
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية
في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري، أن العدوان الإسرائيلي على غزة تجاوز في حجم الدمار ما خلفته قنبلتي هيروشيما ونجازاكي فضلا عن الخسائر الإقتصادية التي تحتاج عشرات السنين لتجاوز آثارها.
وقال أبو الغيط: نقترب اليوم من مرور عام على بداية الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على فلسطين، هذا الاعتداء لم يكن الأول من نوعه لكنه بالتأكيد الأعنف والأكثر همجية والأشد انسلاخًا من القانون والأخلاق والإنسانية، لقد تابعنا جميعاً بشاعاته وجرائمه، كما نرصد بقلق شديد محاولات اسرائيل المستمرة في توسيع دائرة الصراع إلى دول الجوار تحت ذرائع وحجج صارت أبعادها الداخلية والحسابات السياسية الشخصية التي تحركها مكشوفة للجميع، وليس خافيًا ما يترتب على ذلك من مخاطر حقيقية باندلاع حرب إقليمية ستكون بلا شك ذات عواقب وخيمة على المنطقة والعالم أجمع، وستكون وطأتها شديدة على الشعوب الساعية إلى التنمية والتقدم، إذ ستعيد هذه المنطقة سنوات إلى الوراء.
وأضاف أبو الغيط أن الفترة الماضية كانت عصيبة على الشعب الفلسطيني، الذي عاش هذه المأساة وتعايش على قدر ما يستطيع مع أثقالها، وتحمل ظروفًا قاسية تتجاوز بكثير طاقة تحمل البشر صابرًا محتسبًا، كريمًا مرفوع الرأس، لا يتزعزع إيمانه قيد أنملة بعدالة القضية التي يقف مدافعًا عنها في مواجهة قنابل العدو ومسيارته وصواريخه، وحدث هذا كله في ظل عجز دولي عن إيقاف المعتدي، بل ومنحه في بعض الأحيان، مظلة أمان للمضي قدمًا في ممارسة الفظائع بغير عقاب أو حساب.
وقال نفتتح اليوم أعمال الدورة الرابعة عشر بعد المائة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والتي تناقش عددًا من الموضوعات الهامة، وفي ُمقدمتها الموضوع الخاص بـ"دعم الاقتصاد الفلسطيني".. .وهو موضوع ُيعرض بشكل دوري على هذا المجلس الموقر في دورة سبتمبر من كل عام، منذ نحو الثلاثين عامًا، ولكنه يكتسب اليوم أهمية خاصة وأولوية واضحة.
وأضاف إن تقرير هذا العام يبرز بالأرقام، الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي تكّبدها الشعب الفلسطيني، جراء العدوان الإسرائيلي الوحشي عليه منذ السابع من أكتوبر الماضي، وذلك في ظل ما ُيلحقه هذا العدوان من تدمير شامل ومتعمد لكافة وسائل الحياة بجميع قطاعاتها في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتؤكد تلك الأرقام والإحصائيات أن حجم القنابل والمتفجرات التي أُلقيت على قطاع غزة قد تجاوز عشرات الآلاف من الأطنان، وهوما يفوق بمراحل قوة القنبلة النووية التي أُلقيت على مدينتي هيروشيما
ونجاازكي خلال الحرب العالمية الثانية.
وقال أبو الغيط أن هذه الجرائم قد خّلفت خسائر بشرية ومادية باهظة لن يكون التعافي منها أمرًا سهًلا.. .ولن يحدث- للأسف- في وقت قصير.
وأضاف لقد تباهى الاحتلال، ومنذ بداية عدوانه الغاشم، بقصفه لغزة بآلاف القنابل يوميًا.. .منها المئات التي لم تنفجر وُمعّرضة للانفجار في أية لحظة.. .وهو ما ُيضيف كارثة أخرى إلى ُمجمل المآسي التي لحقت بالقطاع منذ ما يقرب من العام.. .وهناك جيل كامل من الأطفال فقد حياته الدراسية الطبيعية.. .ناهينا عن الوضع الصحي المروع.. .والذي يشهد عودة لأمراض اختفت من ربع قرن.
وأؤكد هنا أن هذه الجريمة التي تنفذها إسرائيل لاهوادة، قد استهدفت أجيالًا كاملة من الشعب الفلسطيني، وليس فقط الجيل الحالي، ولن تتقادم هذه الجرائم وستبقى المشاهد القاسية للقتل والتعذيب والتشريد والتجويع، ماثلة أمام العيون ولن ُتمحى من الذاكرة الفلسطينية والعربية والإنسانية.
وقال أبو الغيط لم تكن السنوات الماضية الأفضل عالميًا من زاوية مؤشرات التنمية الإنسانية.. .لأول مرة تتراجع أعداد من يخرجون من دائرة الفقر.. .مشاكل العولمة لم تعد خافية، من تفاوت هائل داخل البلد الواحد وبين البلدان وبعضها البعض.. .إلى هشاشة شبكات التوريد، إلى التراجع البيئي والتغير المناخي الذي يضع علامة استفهام كبرى على مفهوم النمو المستدام، وليست منطقتنا العربية ببعيدة عن هذه المشكلات، بل هي تتحمل أيضًا عبء الصراعات المستفحلة والأوضاع غير المستقرة التي تؤثر على صورة المنطقة وجاذبيتها كمقصد للاستثمار. وأشير هنا، بأسف كبير، إلى دول تعطلت مسيرتها التنموية، كما الحال في السودان واليمن وليبيا - بسبب الصارع الداخلي.
وأكد إن تعزيز النمو الاقتصادي المستدام في منطقتنا يتطلب نقلة نوعية في تعاملنا مع بؤر الأزمات وانعدام الاستقرار كأولوية ملحة، كما تقتضي التحديات العالمية منا نظرة جديدة لجهود التكامل الاقتصادي.. .الاتجاه اليوم - في كافة مناطق العالم - يذهب لمزيد من تعريز العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري على مستوى الأقاليم الجغرافية.. .بعد أن ظهرت مشكلات العولمة، وخطورة الاعتماد عليها على نحو استراتيجي.
وقال إن جهود التكامل الاقتصادي العربي تحتاج لتسريع وتكثيف يكون على مستوى التحديات القائمة.. كما نحتاج كذلك إلى تفعيل الآليات العربية القائمة في مختلف المجالات للاستفادة منها، بما في ذلك تطوير أداء المنظمات العربية المتخصصة، وهو الموضوع المعروض ضمن جدول أعمال اجتماع اليوم، .
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط العدوان على غزة المجلس الاقتصادي والاجتماعي التی أ لقیت على أبو الغیط
إقرأ أيضاً:
المجنون يطارد ظله.. ثلاثون عاما من القنبلة النووية بعد قليل
هذا الهجوم يُمثِّل بالنسبة إلى نتنياهو الفصل الأخير من الرواية التي خلقها لنفسه، بوصفه رجلا أوقف المشروع النووي الإيراني.
الباحثة الإسرائيلية ليراز مارغاليتقبل ثلاثة وثلاثين عاما، وقف شاب إسرائيلي في بهو الكنيست يلوِّح بملف يقول إن داخله الدليل القاطع على أن طهران تلهث خلف القنبلة النووية، وأن أمامها ستة وثلاثين شهرا، أو أكثر قليلا، قبل أن تصل إليها. كان ذاك بنيامين نتنياهو، عضو الكنيست حينها عن حزب الليكود، الذي عرفه الإسرائيليون والعالم في العام الماضي متحدثا باسم إسرائيل في الصحافة العالمية لدعم السردية الإسرائيلية ضد العراق.
اليوم، وبعد أن وضع المطلوب جنائيا للمحكمة الدولية المنطقة، وربما العالم، على المحك في رهانه على فوزه في حرب ضد إيران، يبدو كمَن يريد أن يصل إلى المشهد الأخير في مسرحية كتبها بنفسه، مقاتل يوشك على إقفال الستار وهو يصرخ أمام الجمهور: لقد أنقذتُ العالم!
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تخرج إيران من طوق النيران أم تنزلق المنطقة في هاوية سحيقة؟list 2 of 2لماذا يعارض مهندس "أميركا أولا" الحرب على إيران؟end of listأما بالنسبة للعالم، يبدو نتنياهو كرجل يطارد شبح النوويّ الإيراني كما يطارد المجنون ظلّه عند الظهيرة، لكن نتنياهو ليس مجنونا، بل رأس دولة نووية ونظام فصل عنصري يجرّ خلفه أعظم قوة اقتصادية وتقنية في العالم إلى حرب لا يعرف أحد كيف ستنتهي.
بعد جيل كامل، وعشرات آلاف الضحايا الذين قتلهم نتنياهو وحكوماته المتعاقبة التي شارك في معظمها منذ عام 1996، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في 15 يونيو/حزيران الجاري لقناة "فوكس نيوز" الأميركية إن الغارات الجوية التي شنَّتها إسرائيل على إيران كانت تهدف إلى منع "محرقة نووية". ادَّعى "بيبي" أن حكومته تمتلك معلومات استخباراتية حساسة تشير إلى أن إيران كانت على بُعد أشهر قليلة من تطوير قنبلة نووية بدائية، فيقول: "كان علينا أن نتحرك سريعا، ليس لحماية أنفسنا فقط، ولكن لحماية العالم".
إعلانعمد نتنياهو لعقود إلى تصدير تصوراته الخاصة عن طموحات إيران النووية إلى العالم، عبر ادعاءاته بأنها تُشكِّل تهديدا وجوديا لإسرائيل، وذلك رغم عدم وجود حدود برية بين الدولتين، وهناك أكثر من 2000 كيلومتر تفصل بينهما.
أما تصورات نتنياهو عن نفسه فلا تختلف كثيرا، فرئيس الوزراء المسؤول عن أكبر مذبحة في تاريخ فلسطين، الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من محكمة العدل الدولية بتهمٍ تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يحاول تلميع صورته في حربه الأخيرة التي شنَّها على إيران باعتباره "منقذا للعالم".
تقول الباحثة الإسرائيلية ليزار مارغاليت، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" أبريل/نيسان الفائت، إن نتنياهو يواجه معضلة نفسية بالغة التعقيد، فمنذ أن كان شابا في مقتبل حياته السياسية، رأى في نفسه بطلا شعبيا ورسولا لحماية الشعب اليهودي من الإبادة، مشيرةً إلى أن الهجوم على طهران يمثل بالنسبة إلى نتنياهو فصلا أخيرا في الرواية التي رسمها لنفسه بأنه الرجل الذي استطاع تدمير المشروع النووي الإيراني، وبدون ذلك لن يقتصر قلقه المستقبلي بعد الحرب على خسارة الحكم في إسرائيل فقط، وإنما سيمتد ذلك إلى حالة من فقدان المعنى.احترس.. إيران على وشك امتلاك قنبلة نووية
بدأ بنيامين نتنياهو معركته مع البرنامج النووي الإيراني منذ التسعينيات، عندما كان عضوا صغيرا في الكنيست عام 1992، حيث ادّعى حينذاك أن إيران ستتمكن من إنتاج أول قنبلة نووية في مدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، وهي المزاعم ذاتها التي رددها في مقال للرأي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عام 1993، مدعيا أن الخطر الأكبر الذي يهدد وجود إسرائيل يتمثل في طهران التي ستمتلك القنبلة النووية بحلول عام 1999، وقد تكرر هذا التوقع كذلك في كتابه الصادر عام 1995 بعنوان "محاربة الإرهاب"، لكن يبقى المثير للغرابة أن التوقيت الذي حدده نتنياهو لحصول إيران على قنبلة نووية قد مضى منذ أكثر من 25 عاما، ومع ذلك ما زال يردد السردية ذاتها.
لم تتوقف الحرب الخفية التي شنَّها رئيس الوزراء الإسرائيلي على مشروع إيران النووي عند هذا الحد، فقد وقف عام 1996 في مبنى الكابيتول بالعاصمة الأميركية واشنطن، داعيا الدول الأوروبية إلى توحيد جهودها من أجل منع العراق وإيران عن تطوير قدراتهما النووية.
وبعد عشر سنوات من أول مرة حذّر فيها من النووي الإيراني، في عام 2002، ألقى نتنياهو كلمة أمام لجنة تابعة لمجلس النواب الأميركي (الكونغرس)، زعم خلالها أن العراق وإيران يتسابقان للحصول على أسلحة الدمار الشامل، ليس هذا فقط، بل ادعى أن سقوط نظام صدام حسين في العراق سيجلب السلام لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها، وقد يعمل على إسقاط النظام الإيراني بالتبعية، وقد لعبت هذه الادعاءات دورا محوريا في الغزو الأميركي للعراق، ذلك قبل أن يتبين للجميع أنها دولة خالية من الأسلحة النووية، وأن نتنياهو كان يكذب طوال الوقت.
على مدار السنوات، تغير الإطار الزمني الخاص بتحذيرات بنيامين نتنياهو الخاصة بقرب امتلاك إيران لأسلحة الدمار الشامل، فبينما قدّر هذه المدة بنحو خمس سنوات بحدٍّ أقصى مطلع التسعينيات، عاد عام 2009 وقلص هذه المدة إلى قرابة العام أو العامين، بحسب ما كشفت عنه برقية أرسلها بنيامين نتنياهو إلى وزارة الخارجية الأميركية، وكشف عنها موقع "ويكيليكيس" (Wikileaks) ضمن الوثائق المسربة.
إعلانوفي عام 2012، عرض بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة صورته الكاريكاتورية الشهيرة لقنبلة رسم خطًّا أحمر عند حافتها، وبأداء درامي كان أشبه بدعوة حرب على إيران، ادعى نتنياهو أمام الحضور أنها على مشارف أن تصبح دولة عتبة نووية، ولا يفصلها عن امتلاك القنبلة النووية سوى بضعة أشهر أو قل أسابيع، ونقتبس من خطابه تلك الفقرة التي قال فيها: "بحلول الربيع المقبل، أو الصيف على أقصى تقدير، ستكون إيران قد انتهت من مراحل التخصيب المتوسط وانتقلت إلى المرحلة النهائية".
وقبل أن يوقِّع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما اتفاقا نوويا مع طهران في يوليو/تموز عام 2015، الذي صدَّق عليه مجلس الأمن بموجب قرار حمل رقم 2231، بذل نتنياهو جهودا حثيثة لمنع طهران من امتلاك أي قدرات نووية، حين وقف يخطب أمام (الكونغرس) الأميركي قائلا: "إذا كانت الحرب هي البديل الوحيد لاتفاق نووي مع طهران، فهي خيار أفضل بكثير من توقيع هذا الاتفاق". والأدهى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كرر حينها ادعاءاته نفسها قبل حرب العراق، قائلا إن الحرب على إيران لن تجلب السلام للشرق الأوسط وحده، بل للعالم أجمع.
واليوم، بعد عشر سنوات من هذا الخطاب، نستطيع أن نرى الشرق الأوسط المثقل كاهله بالحروب، وهو ليس نسخة ترغب بها شعوب المنطقة، لكن يبدو أن ذلك هو الوجه الجديد للشرق الأوسط الذي يرغب به نتنياهو.
أما قدرات إيران الصاروخية التي تعتبرها ضمانتها الأهم للردع في المنطقة، فقد كانت محط اهتمام نتنياهو منذ عام 2015، إذ حث الولايات المتحدة على الاتحاد معه لتدمير قدرات إيران الصاروخية، وفي الخطاب ذاته ادَّعى أن صواريخ طهران لا تهدد إسرائيل فحسب، بل كل أنحاء الولايات المتحدة، وهو ادعاء مثير للسخرية نظرا لوجود آلاف الأميال التي تفصل بين البلدين، ناهيك بمساحة الولايات المتحدة الكبيرة، التي لم يصل إليها بعد مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية بعيدة المدى، لكن يبدو أن نتنياهو أراد أن ينقل شعوره بـ"التهديد الوجودي" من إيران إلى الشعب الأميركي الذي وجَّه إليه خطابه، لتبدو معركة نتنياهو وكأنها حرب يخوضها بالنيابة عن الولايات المتحدة الأميركية والعالم بأكمله.
استدعى ذلك الخطاب سخرية الصحفي الإيطالي فولفيو سكاليوني في مقال نشره موقع "إنسايد أوفر" بتاريخ 19 يونيو/حزيران، قائلا إن الادعاءات التي يرددها نتنياهو ويبرر بها حربه على إيران هي الأكاذيب نفسها التي تغنَّى بها منذ أكثر من عقد، عندما وقف يقسم أمام "الكونغرس" الأميركي أن إيران على بُعد ملليمتر واحد من صنع القنبلة النووية.
وكما تبيّن عام 2015 أن مزاعم نتنياهو كانت مجرد افتراءات، تكشف التقارير الأخيرة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية كذب نتنياهو هذه المرة أيضا، مؤكدين أنه لم يرد ذكر أي قنابل نووية إيرانية في تقاريرهم، وهو ما أفادت به مديرة المخابرات الوطنية الأميركية تولسي غابارد في شهادتها أمام "الكونغرس" قبل أيام، عندما أكدت عدم وجود دلائل تشير إلى أن إيران تسعى لتصنيع سلاح نووي، ذلك قبل أن يستبعدها الرئيس دونالد ترامب من مناقشات الإدارة الأميركية حول الحرب، قائلا: "إنها مخطئة".
منذ عام 2015 وضع نتنياهو صوب عينيه هدفا سياسيا واضحا: تخريب الاتفاق النووي الإيراني بمزاعم كاذبة ومضللة، على حد وصف الصحفي الأميركي بن نورتون، حيث ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك أن إيران عملت على إخفاء ملفاتها النووية السرية لتضليل المجتمع الدولي، وفي 30 أبريل/نيسان 2018، وأمام شاشة عرض في تل أبيب، استعرض نتنياهو ما قال إنها معلومات استخباراتية عن برنامج سري للأسلحة النووية الإيرانية، وبالفعل في غضون شهور نجح نتنياهو في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، وتوقيع عقوبات اقتصادية جديدة عليها.
إعلانطوال هذه السنوات، ظلَّت طهران في خطاب بنيامين نتنياهو الدعائي على بُعد أسابيع من امتلاك قنبلة نووية، زاعما أن وجود شرق أوسط نووي يُعد "تهديدا وجوديا" لإسرائيل، وذلك رغم أنه معروف على نطاق واسع أن إسرائيل تمتلك قرابة 90 رأسا نوويا، ولديها ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع مئات القنابل المدمرة، ناهيك بأنها الكيان الاستيطاني الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي لم يتوقف عن التوسع الجغرافي منذ نشأته.
لكن بصرف النظر عن ذلك، يرى الصحفي البريطاني جوناثان فريدلاند، وفقا لمقال نشره في 13 يونيو/حزيران بصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن توجه نتنياهو ناحية الحرب مع إيران يعود إلى أمله في خوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، باعتباره الرجل الذي هزم عدو إسرائيل اللدود.
وفريدلاند محق في ذلك، فقد أشارت استطلاعات رأي حديثة إلى أن أغلبية ساحقة من اليهود في إسرائيل يؤيدون الحرب على إيران، بنسبة تتجاوز 83%، وهو ما يعني أنه في حال نجاح رهان نتنياهو في إخضاع نظام الثورة الإسلامية، فسيكون قد نجح في تحقيق ما يصبو إليه غالبية الإسرائيليين، وهو ما يضمن ارتفاع حظوظه في الانتخابات المقبلة.
سنوات من استهداف المشروع النووي الإيرانياتبعت إسرائيل العديد من الإستراتيجيات لإجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي، ففي ورقة بحثية نشرها "مركز الجزيرة للدراسات" عام 2021، أشار الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية محمود البازي إلى أن تل أبيب انخرطت على مدار عشرين عاما في حرب ظل خفية مع طهران، وقد شنَّت خلال ذلك عشرات العمليات العسكرية والسيبرانية واستخدمت جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
تركزت هذه الحرب في عدة جبهات، فكان منها دفع المجتمع الدولي لفرض العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران، وتنفيذ عمليات اغتيال طالت قائمة طويلة من العلماء والمسؤولين الإيرانيين، كان آخرها اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده عام 2020.
كما نفذت إسرائيل هجمات سيبرانية استهدفت أجهزة الطرد المركزي المسؤولة عن تخصيب اليورانيوم داخل المنشآت النووية الإيرانية، كان أشهرها "هجوم ستوكسينت" السيبراني عام 2010، الذي استخدم فيه فيروس أميركي – إسرائيلي الصنع يعرف باسم "ستوكسنت" (Stuxnet) لتدمير أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية، وكانت المنشأة ذاتها قد تعرضت لهجوم سيبراني آخر شنته إسرائيل عام 2021، وتسبب بخلل في توزيع شبكة الكهرباء.
لم يتوقف الأمر عند حد العمليات التخريبية، فقد أعقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 اندلاع مواجهة ساخنة بين تل أبيب وطهران في مياه البحر الأحمر وشرق البحر المتوسط، استهدفت إسرائيل أثناء ذلك ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية عام 2020، وقد ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية حينذاك كيف كلفت إسرائيل طهران عشرات المليارات من خلال الهجمات التي شنتها على السفن الإيرانية.
إبان ذلك، تغيرت إستراتيجية الردع في طهران، بعد أن حافظت لسنوات على الصبر الإستراتيجي ولجأت إلى الدبلوماسية وطاولة المفاوضات، وفي عام 2021، وصلت حرب السفن بين تل أبيب وطهران إلى ذروتها، وتبادل الطرفان الاتهامات حول الهجمات التي استهدفت السفن على الجانبين.
لكن طبيعة هذا الصراع قد تغيرت مع الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي أخرجت الصراع الإسرائيلي الإيراني من حيز حروب الظل إلى الحروب التقليدية، وذلك عبر الهجمات المباشرة المتبادلة التي طالت ضرباتها العاصمة طهران من جهة وتل أبيب من جهة أخرى، وذلك في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول عام 2024.
كل هذه المعطيات تحيلنا إلى الوضع الراهن، وتدفعنا إلى التساؤل حول الأهداف المعلنة والخفية لبنيامين نتنياهو من هذه الحرب التي أشعل شرارتها يوم الثالث عشر من يونيو/حزيران، ليكتب بذلك حروف السطر الأخير من القصة التي بدأ فصلها الأول قبل 33 عاما.
الفصل الأخير من القصة.. التدمير أم التغيير؟في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية الواسعة على إيران، استهدفت خلالها أهدافا عسكرية ونووية، كان أهمها منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، كما أعلنت عن اغتيال عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، من بينهم قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، وقائد مقر خاتم الأنبياء العسكري اللواء غلام علي رشيد، وأستاذ الهندسة النووية أحمد رضا ذو الفقاري، والعالم النووي فريدون عباسي.
إعلانورغم أن أهداف الهجوم المُعلنة تلخصت في تدمير المشروع النووي الإيراني، تناولت العديد من التحليلات السياسية هدفا آخر غير معلن للهجوم، تمثل في إسقاط النظام الحاكم في طهران، لتغرق البلاد في حالة من الفوضى، كان من بينها تقارير نُشرت في صحيفة "بوليتيكو" ومجلة "فورين بوليسي" الأميركية.
استدلت هذه التحليلات على مدى قدرة إسرائيل على تدمير المشروع النووي الإيراني بضربة منفردة دون مساعدة الولايات المتحدة الأميركية، فالمعروف أن منشأة فوردو التي تُعد قلعة البرنامج النووي الإيراني ليست موقعا نوويا فوق الأرض كباقي المواقع، بل بُنيت في قلب جبال منطقة فوردو داخل موقع محصن، ولتدميرها تحتاج تل أبيب إلى نوع خاص من القنابل الثقيلة الخارقة للتحصينات، مثل "جي.بي.يو 43" التي تُعرف باسم "أم القنابل" (MOAB)، أو القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (MOP)، وتزن 30 ألف رطل، وتُعد أقوى قنبلة غير نووية والذخيرة الوحيدة القادرة على تدمير المواقع الإيرانية الحصينة في عمق الجبال.
وهو ما دفع الكاتب أندريا موراتوريه للقول في مقالٍ نشره موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي إن فكرة القضاء على البرنامج النووي دون مساعدة أميركية -التي تروج لها إسرائيل- تكاد تكون مضللة.
لكن على الجانب الآخر، يروج نتنياهو لحربه باعتبارها ملحمة لإزالة "التهديد الوجودي" الذي تتعرض له إسرائيل، ففي حوار لهيئة البث العام الإسرائيلية يوم الخميس، سُئل بنيامين نتنياهو عن مسألة تغيير النظام الحاكم في إيران، وما إذا كانت أحد أهداف الحرب التي اندلعت قبل سبعة أيام، وأجاب رئيس الوزراء قائلا إن سقوط النظام الإيراني أو بقاءه ليس هدفا مباشرا، لكنه قد يصبح إحدى نتائج هذه الحرب.
زعم نتنياهو في تصريحاته أن إسرائيل من خلال حربها ضد إيران تسعى لتغيير وجه الشرق الأوسط، بما يترتب على ذلك من وضع قواعد العالم الجديد بطريقة تتماشى مع المصالح الإسرائيلية في المنطقة، متوعدا بإزالة التهديد النووي والقضاء على تهديد البرنامج الصاروخي الإيراني، الذي طالت صواريخه الباليستية قلب تل أبيب.
كانت الصواريخ الإيرانية قد استهدفت على مدار الأيام الماضية العديد من المنشآت العسكرية والمدنية في إسرائيل، أهمها كان معهد وايزمان للعلوم في رحوبوت ومجمعات سكنية في بات يام، وطال الدمار بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية تل أبيب الكبرى ووسط إسرائيل، كما توقف العمل في مصفاة تكرير البترول في حيفا، وطالت الأضرار محطة الكهرباء المركزية في الخضيرة ومقر قيادة الجيش في تل أبيب.
وفي 19 يونيو/حزيران، تسبب استهداف مستشفى سوروكا الواقعة بمدينة بئر السبع جنوبي إسرائيل في جولة تصعيد جديدة بين الطرفين، كما أشعل غضب المسؤولين الإسرائيليين، خاصة بعد انتشار معلومات حول المستشفى باعتبارها مركزا لعلاج الجنود المصابين خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة، مع تردد بعض الادعاءات التي تشي بوجود مركز قيادة سرية تحت البناء.
توعد نتنياهو بجعل طهران تدفع ثمنا غاليا مقابل ذلك، كما هدد وزير الخارجية يسرائيل كاتس المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأنه سيدفع ثمن أفعاله.
في الوقت ذاته، تعرض بعض المسؤولين الإسرائيليين لموجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل وزير الرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار، الذي سخر منه المتابعون بعدما تباكى على قصف مستشفى سوروكا، هو الذي برر في وقت سابق قصف المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزة.
وزير الرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار:
"أحقر الناس على وجه الأرض فقط هم من يقصفون المستشفيات على رؤوس مدنيين ينامون في الأسِرّة"
صادق يابن اليهودية. pic.twitter.com/c5erurrbCI
— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) June 19, 2025
جاء رد طهران صادما للداخل الإسرائيلي، وتبددت معه نشوة الانتصار التي أعقبت الساعات الأولى من الهجوم، لا سيما مع الصمود الإيراني الذي تواصل لأكثر من سبعة أيام حتى الآن، وهو ما استدعى من رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتخذ من تدمير قدرات إيران النووية والعسكرية هدفا مباشرا لهذه الحرب، أما إسقاط النظام فلا يُعد من أولوياته.
يتضح ذلك من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، مثل وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي أشار إلى أن إسرائيل كثَّفت ضرباتها ضد الأهداف الإستراتيجية الإيرانية، وستعمل على توجيه ضربات للبنى التحتية للطاقة في طهران. في حين صرح رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير يوم الأربعاء قائلا: "نحن في خضم إزالة أكبر تهديد وجودي بالنسبة لنا"، مشيرا إلى أن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 علّمت إسرائيل درسا غاليا، يتعلق بعدم انتظار التهديدات حتى تتفاقم وتصبح خطرا محدقا، بل السعي نحو القضاء على التهديد في مهده.
لكن رغم ثقة تصريحات المسؤولين، يرى عدد من الباحثين والخبراء الإسرائيليين أن تل أبيب تفتقر إلى وجود إستراتيجية خروج واضحة من هذه الحرب، فيقول عن ذلك الباحث والمحامي الإسرائيلي إيتاي ماك إن هذه الحرب مثلها مثل حرب غزة لا تتوفر لديها أهداف محددة وواقعية، مشيرا إلى أن استهداف العلماء النووين الإيرانيين ليس بإمكانه محو معرفة إيران النووية التي راكمتها على مدار العقود الفائتة، بل يتوقع ماك أن الحرب الحالية قد تمنح إيران دافعا إضافيا لتسريع عملية تصنيع سلاح نووي، وذلك حتى تتمكن من تحقيق الردع بما يتناسب مع الظروف والمعطيات الجديدة التي فرضتها عليها إسرائيل.
كذلك أفاد الكاتب الإسرائيلي أمير تيبون في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعوّل على الرئيس الأميركي دونالد ترامب للدخول إلى هذه الحرب واستكمال ما بدأته تل أبيب.
لكن المفارقة تكمن في أن الرئيس الأميركي كان يعول هو الآخر على الضربات الإسرائيلية للضغط على إيران لإجبارها على التفاوض دون أي شروط، ومن دون أن تضطر الولايات المتحدة للدخول طرفا في الصراع. ومن هنا يتضح أن عدم المشاركة الأميركية قد يضع نتنياهو في موقف أشد بؤسا، ليقع في مستنقع حرب طويلة بلا نهاية تلوح في الأفق، وفقا لإيتاي ماك.
ترى الباحثة الإسرائيلية ليزار مارغاليت أن فتح جبهة إيران ما هو إلا محاولة يائسة متهورة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يسعى من خلالها لاقتناص صورة انتصار قاطع يستطيع أن يقدمها للداخل الإسرائيلي لتفادي الأزمات التي تنتظره حين انتهاء الحرب من قضايا فساد وتهمٍ بخيانة الأمانة، وهو ما يجعله غير قادر على التراجع، لا سيما أن فشله في المعركة أمام طهران سيُمثِّل "وصمة عار" على جبينه، تلحقه طوال حياته وحتى بعد الممات، وهي الأسباب ذاتها التي تجعلنا -بحسب مارغاليت- غير قادرين على التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في نهاية هذه الحرب.