4 أسئلة لفهم تأثيرات خفض الفائدة الأميركية على العالم والمنطقة
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
خفض بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) الفائدة على الإيداع والإقراض بنسبة 0.5% إلى نطاق 4.75 و5%، مما أحدث موجة من الارتفاعات والانخفاضات في المعادن الثمينة والسلع والعملات عالميا.
وفي هذا التقرير تشرح الجزيرة نت ببساطة -نقلا عن خبراء ومحللين- معنى قرار الخفض وكيف يؤثر على الأفراد حول العالم، ولا سيما في العالم العربي.
قبل طرح الأسئلة والإجابات عنها علينا التذكير بالآتي:
الفائدة هي النسبة التي يدفعها البنك المركزي في دولة ما للبنوك التجارية التي تودع لديه المال، وهذه النسبة هي التي تحدد ما سيحصل عليه البنك التجاري عندما يقرض العملاء (أفراد أو شركات). تعد معدلات الفائدة الأداة الرئيسية للبنوك المركزية للسيطرة على مستويات الأسعار في البلاد (التضخم)، فرفع الفائدة يدفع الناس إلى إيداع ما لديهم من مال للاستفادة من المعدلات المرتفعة للعائد، وبالتالي تنخفض السيولة في الأسواق ويقل الطلب على السلع والخدمات فتتراجع أسعارها، وهو ما كانت تستهدفه البنوك المركزية في الآونة الأخيرة. يعتمد النمو الاقتصادي في أي بلد على نشاط الشركات بصورة أساسية، وهي بدورها تمول أنشطتها بطرق عدة، من أهمها الاقتراض، وبالتالي فإن رفع الفائدة على الإقراض يرفع أسعار السلع والخدمات للشركات في وقت تتراجع فيه السيولة في الأسواق ويقل الطلب، فتعزف الشركات عن الاقتراض من الأساس ولا تنمو أعمالها وقد تلجأ إلى تسريح عاملين بها لخفض تكاليف التشغيل والحفاظ على نمو أعمالها. 1- لماذا خفّض المركزي الأميركي الفائدة؟سعى البنك المركزي الأميركي منذ سنتين ونصف إلى خفض مستويات الأسعار التي ارتفعت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية (روسيا وأوكرانيا موردتان عالميتان للعديد من السلع الأساسية في العالم) في وقت كان العالم يتعافى من تأثيرات جائحة "كوفيد-19″، فكان ذلك دافعا لزيادة الطلب على السلع والخدمات.
وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة في أغسطس/آب الماضي إلى 2.5% على أساس سنوي من 2.9% مسجلة في يوليو/تموز الماضي، لكن المؤشر لا يزال أعلى من المستهدف طويل الأجل للبنك المركزي الأميركي البالغ 2%.
وزادت المطالبات بخفض الفائدة إثر ضغوط من الأسواق بعد بيانات من سوق العمل الأميركية صدرت الشهر الماضي أدت إلى توقعات بركود اقتصادي، مما تسبب في موجة تراجعات عالمية في أسواق الأسهم بقيادة البورصات الأميركية.
وتزايد البطالة مع تباطؤ سوق العمل يعني تباطؤ نشاط الشركات المدرجة في البورصات من بين إجمالي الشركات.
وقالت وزارة العمل الأميركية مطلع أغسطس/آب الماضي إن الوظائف غير الزراعية زادت 114 ألف وظيفة في يوليو/تموز الماضي، وهو رقم أقل بكثير من متوسط التوقعات البالغ 175 ألف وظيفة، كما أنه أقل بكثير عن رقم 200 ألف وظيفة اعتقد خبراء الاقتصاد أنها ضرورية لمواكبة النمو السكاني.
وقفز معدل البطالة إلى 4.3% في يوليو/تموز الماضي، وهو ما يقارب أعلى مستوى خلال 3 سنوات.
وقال رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول إن البنك ربما كان سيبدأ في خفض الفائدة أواخر يوليو/تموز الماضي لو كان يعلم أن سوق العمل يتباطأ بالسرعة التي يشهدها.
2- كيف ستتأثر أسواق المعادن والسلع حول العالم بخفض الفائدة؟مع رفع معدلات الفائدة الأميركية يسعى المستثمرون وأصحاب المدخرات إلى الاستثمار في السندات الأميركية (أدوات دخل ثابت تفيد بإقراض الدولة مبلغا من المال، ومن حق حاملها الحصول على الفوائد المستحقة وفق الفائدة المحددة من البنك المركزي والحكومة) وذلك للاستفادة من المعدلات المرتفعة.
ويؤثر تدفق أموال المستثمرين والمدخرين على السندات وأذون الخزانة بشكل سلبي على أسواق الذهب الذي لا تدر حيازته عائدا أو فائدة، وكذلك المعادن الثمينة.
كما تفقد الأسهم فرصة لاجتذاب نسبة من المستثمرين الذين يفضلون أدوات الدخل الثابت التي تقل فيها المخاطرة (اعتمادا على أن الحكومات لن تتخلف عن سداد المستحقات عليها).
ويرفع تدفق الأموال على أدوات الاستثمار بالدولار (منها الأذون وسندات الخزانة الأميركية) سعر العملة الخضراء.
لكن مع انخفاض معدلات الفائدة يتراجع الاستثمار في هذه الأدوات ويزيد الإقبال على أدوات استثمارية أخرى.
وهكذا مع خفض الفائدة الأميركية أمس الأربعاء ارتفعت أسعار الذهب الفورية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق إلى 2599 دولارا للأوقية (الأونصة).
كما أن أسعار السلع التي تقوّم بالدولار -ومن بينها النفط- ترتفع بعد خفض الفائدة الأميركية لزيادة الطلب عليها، ذلك أن الدولار الواحد سيفيد في اقتناء مزيد من هذه السلع مقارنة بما كان قبل ذلك عند ارتفاعه.
وهذا يعني أن أسعار الوقود والمشتقات النفطية ستكون قد اكتسبت سببا إضافيا للارتفاع عالميا.
في الأساس تتحدد قيمة العملات بالقوة الاقتصادية للبلد، والتي تتحدد من خلال صادراتها من السلع والخدمات للعالم، فالدولة التي تصدر أكثر وتحصل على العملات (الصعبة) من دول العالم الأخرى تكون عملتها قوية أو على الأقل تكون لديها فرصة لتقوية عملتها إلا إذا اختارت بمحض إرادتها غير ذلك (اليوان الصيني على سبيل المثال تحتفظ به الصين بقيمة أقل من قيمته الفعلية لزيادة صادراتها).
وبما أن الدولار هو عملة التجارة العالمية والعملة الغالبة على الاحتياطيات النقدية العالمية فإن انخفاضه خبر سار للدول الأخرى، ولا سيما الدول العربية.
لكن 6 بلدان في العالم العربي تثبّت عملتها أمام الدولار عند قيم معينة ولا تغيرها (السعودية، الأردن، الإمارات، قطر، البحرين، سلطنة عمان)، وهذه الدول لن تتأثر سواء بخفض أو رفع الفائدة الأميركية.
ومن بين دول المنطقة من تستقطب الأموال الساخنة (المستثمرون الساعون إلى الاستفادة من ارتفاع معدلات الفائدة مقارنة بالمعدلات في بلدانهم)، ومن بينها تركيا ومصر على سبيل المثال، وهذه الدول تستفيد من خفض الفائدة الأميركية من خلال استقطاب المزيد من الأموال.
4- كيف يستفيد المدخرون والمقترضون من خفض الفائدة الأميركية؟ينصح الخبراء دوما بتنويع المحافظ الاستثمارية بين الأسهم والعقارات والذهب وغيرها من الأدوات، وذلك للتحوط من التقلبات المفاجئة والاستفادة من العوامل الاقتصادية المختلفة.
لكن ثمة حالات يفضل فيها الخبراء زيادة الحيازة من أصل بعينه، وفي حالة خفض معدلات الفائدة الأميركية من المتوقع على نطاق واسع ارتفاع أسعار الذهب والمعادن النفسية والأسهم، إذ تخرج المزيد من الأموال من الاستثمار وتتجه إلى هذه الأدوات الاستثمارية، فيزيد الطلب عليها وترتفع أسعارها.
أما في حالة رفع الفائدة الأميركية فينصح بتقليل الحيازة من المعادن الثمينة والأسهم والتركيز على الاستثمار في الدولار، وفي كافة الأحوال ينصح باللجوء إلى مستشار مالي للاستثمار للحصول على توجيهات مهنية في هذا الصدد.
وبالنسبة للمقترضين من البنوك التجارية فإنهم ينتفعون من خفض الفائدة إذا اتخذت نفس خطوة الاحتياطي الفدرالي، فيكون بمقدورهم إعادة تمويل قروضهم بفائدة أقل.
وتوفر بنوك تجارية هذه الميزة في دول العالم والمنطقة العربية، أما الذين يحصلون على قروض جديدة من البنوك التجارية فإنهم سيدفعون فائدة أقل من ذي قبل بطبيعة الحال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المرکزی الأمیرکی البنک المرکزی
إقرأ أيضاً:
أسئلة النزاعات المسلحة بأفريقيا في منتدى مركز الجزيرة للدراسات
في الجلسة الأولى لمؤتمر "أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة" -الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة- ناقش باحثون وخبراء وصحفيون قضايا معقدة تتعلق بالنزاعات المسلحة في القارة الأفريقية، وأثرها على الأمن والسيادة والتنمية، وقد توزعت الجلسة الأولى على 3 محاور رئيسية تناولت كل منها زاوية مختلفة.
أزمة الشرعية وانعدام الأمن في الساحل الأفريقيفي المحور الأول من الجلسة تناول الدكتور نبيل زكاوي الباحث في الدراسات السياسية والدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في المغرب واحدة من أكثر القضايا إلحاحا في القارة الأفريقية، وهي التحديات الأمنية التي تواجه منطقة الساحل.
وأوضح زكاوي أن هذه المنطقة -التي تضم دولا مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو- تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى بؤرة ساخنة للاضطرابات، حيث تتقاطع فيها أزمات الشرعية السياسية مع هشاشة البنى القانونية والمؤسساتية، مما جعلها مسرحا مفتوحا للعنف وعدم الاستقرار.
وأشار إلى أن غياب أنظمة قانونية فعالة قادرة على معالجة المظالم الاجتماعية والسياسية ساهم في تعميق حالة الاحتقان، إذ يجد المواطنون أنفسهم أمام مؤسسات ضعيفة غير قادرة على تلبية مطالبهم أو توفير الحماية لهم.
هذا العجز الحكومي انعكس مباشرة على الأمن المجتمعي، ودفع أعدادا متزايدة من الشباب إلى الانضمام للجماعات المسلحة التي تقدم نفسها بديلا عن الدولة، سواء عبر خطاب ديني أو عبر وعود بالعدالة والانتقام من المظالم القائمة.
كما لفت زكاوي إلى أن ضعف سيطرة الحكومات المركزية على الأطراف وهشاشة الحدود بين هذه الدول جعلا المنطقة عرضة لاختراقات أمنية متكررة، حيث تتحرك الجماعات المسلحة بحرية نسبية عبر الحدود، مستفيدة من الطبيعة الجغرافية الوعرة ومن غياب التنسيق الأمني الفعال بين الدول.
إعلانوأضاف أن منطقة الساحل أصبحت محورا للتدخلات الخارجية، حيث ركزت القوى الدولية والإقليمية على المقاربة العسكرية باعتبارها الحل الوحيد، متجاهلة البعد التنموي والاجتماعي.
وأوضح أن هذا التركيز على الأمن العسكري دون معالجة جذور الأزمة الاقتصادية والسياسية ساهم في إعادة إنتاج العنف بدلا من احتوائه.
وانتقد زكاوي أيضا إهمال القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا البعد التنموي، مشيرا إلى أن تدخلاتهما العسكرية كثيرا ما جاءت في إطار حماية مصالحهما الإستراتيجية أكثر من كونها استجابة فعلية لاحتياجات شعوب المنطقة.
كما أن المنظمات الإقليمية -بحسبه- لم تختلف كثيرا عن القوى الدولية، إذ ركزت هي الأخرى على الحلول الأمنية والعسكرية، مما جعل التنمية والعدالة الاجتماعية خارج دائرة الاهتمام.
وختم زكاوي مداخلته بالتأكيد على أن معالجة التحديات الأمنية في الساحل لا يمكن أن تتم عبر المقاربة العسكرية وحدها، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تعالج جذور الأزمة من خلال بناء مؤسسات شرعية قوية وتطوير أنظمة قانونية قادرة على تحقيق العدالة، إلى جانب الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيد الثقة بين المواطن والدولة.
شرق الكونغو.. صراع الموارد والقوى الدولية والإقليميةأما المحور الثاني فقد خُصص لمناقشة الوضع في شرق الكونغو الديمقراطية، حيث قدّم الصحفي عبد الرحمن مبيريك المتخصص في الشأن الأفريقي بقناة الجزيرة قراءة تاريخية ومعاصرة للصراع في منطقة البحيرات الكبرى.
وأوضح مبيريك أن جذور الأزمة تعود إلى الحقبة الاستعمارية حين رسخت القوى الاستعمارية تمايزا بين القبائل، ضاربا مثلا بما حدث مع الهوتو والتوتسي، حيث فضّل المستعمر الأخيرة لأنها كانت أكثر انسجاما مع مصالحه.
هذا الإرث الاستعماري ترك ندوبا عميقة في البنية الاجتماعية والسياسية للمنطقة، وأدى إلى استمرار الصراعات حتى اليوم.
وأضاف أن شرق الكونغو ظل منذ البداية مسرحا لصراعات على الموارد، إذ تحتكر المنطقة نحو 80% من المعادن الثمينة، مما جعلها هدفا للتنافس الدولي بين الدول الكبرى، خاصة الصين والولايات المتحدة.
وأشار مبيريك إلى أن هذا التنافس على الثروات الطبيعية غذّى النزاعات الداخلية، وحوّل الموارد إلى لعنة بدلا من أن تكون نعمة.
كما تناول مبيريك جهود الوساطة الدولية، موضحا أن الولايات المتحدة وقطر حاولتا التوسط لإيجاد حلول للصراع، لكن تعقيد المشهد وتعدد الأطراف المتدخلة جعلا الوصول إلى تسوية شاملة أمرا بالغ الصعوبة ويحتاج إلى وقت، خاصة مع رؤية بضرورة تمرحل حل المشكلات.
التدخلات العسكرية الأجنبية.. المصالح الإستراتيجية ومزاعم حفظ الأمنوفي المحور الثالث تحدّث الباحث المالي محمد بن مصطفى سنكري من جامعة أفريقيا الفرنسية العربية في باماكو، حيث ركز على التناقض بين الشعارات الأمنية والمصالح الاقتصادية للقوى الدولية في القارة.
وأوضح سنكري أن الموارد الأفريقية كانت ولا تزال محل تنافس شرس بين القوى الكبرى، وأن التدخلات الأمنية غالبا ما تخفي وراءها أهدافا اقتصادية وإستراتيجية.
إعلانواعتبر أن هذا التناقض الصارخ يعكس استمرار الإرث الاستعماري الذي زرع مشكلات مصطنعة بين الشعوب الأفريقية، وأبقى القارة في حالة من الانقسام والضعف.
وأكد الباحث أن الحل يكمن في بناء اقتصادات وطنية قوية، وتنمية الموارد المحلية، وتعزيز العلاقات الإقليمية بين الدول الأفريقية بعيدا عن التبعية للخارج.
كما شدد على الحاجة الملحة لفهم الخلافات الأفريقية من منظور داخلي، وعدم الاكتفاء بالحلول المفروضة من الخارج.
وأشار سنكري إلى المفارقة الكبرى التي تعيشها القارة، فهي غنية بالموارد الطبيعية لكنها تعاني من مستويات عالية من الفقر، وهو ما يعكس سوء إدارة الثروات وتغليب المصالح الخارجية على مصالح الشعوب.
وقد أجمع المشاركون على أن النزاعات المسلحة في أفريقيا ليست مجرد صراعات محلية، بل هي انعكاس لتداخل عوامل داخلية وخارجية، من ضعف الشرعية وهشاشة المؤسسات إلى التنافس الدولي على الموارد.
وأكدوا أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، وأن الحلول المستدامة تتطلب معالجة سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة.
كما شددوا على أن القارة الأفريقية بحاجة إلى رؤية جديدة تعيد الاعتبار للسيادة الوطنية، وتضع التنمية في صدارة الأولويات، بما يضمن استقرارا طويل الأمد ويحول دون استمرار دوامة العنف.
وطرح المؤتمر أسئلة كبرى عن مستقبل الأمن والسيادة في أفريقيا، وأسهم في تسليط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجهها القارة في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، ليبقى السؤال مفتوحا: هل تستطيع أفريقيا أن تتحرر من إرثها الاستعماري وتبني مسارا مستقرا نحو التنمية والاستقرار؟