لجريدة عمان:
2025-08-05@15:24:21 GMT

التحصين القيمي للمجتمع

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

في اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه جلالة السلطان هيثم بن طارق -أيده الله- بقصر المعمورة بولاية صلالة، وذلك بتاريخ 19 سبتمبر 2024، جاء في نص البيان عن الاجتماع: «وفي ظلّ صلابة اللحمة المجتمعية والانسجام والتآلف الذي عُرف به المجتمع العُماني طوال التاريخ، واستنادًا على القيم العُمانية العريقة التي ترفض كافة أشكال التشدد والتعصب والتحزب، فقد أكد مجلس الوزراء على أهمية تحصين المجتمع من مختلف الجوانب، وتعزيز دور الأسرة لتقوم بتنشئة أبنائها على المبادئ السمحة واجتناب الأفكار الضالة والتأثر بها».

في المنطلق هذه ليست الإشارة الأولى التي تنوه إليها القيادة السياسية فيما يتعلق بالمسألة القيمية، وتكرار الإشارة في ذاته يحمل معنى مهما بالنسبة للواقع الاجتماعي، وإذا جئنا إلى تحليل مفردات الإشارة هنا نجد أن هناك أربعة تأكيدات مهمة؛ أولها: أن الأصل في تأريخية المجتمع قيم الالتحام والانسجام والتآلف، وثانيها: أن هناك قيما بعينها تشكل خطرًا أقصى على النسيج المجتمعي ولابد من مواجهتها، وهي التشدد والتعصب والتحزب، وثالثها: أن الأسرة هي أساس التحصين القيمي للمجتمع وأن ديناميكياتها في التربية تحدد قوة النسيج المجتمعي عمومًا، ورابعها: أن هناك إلحاحًا ظرفيًا تحكمه ظروف الواقع المتغير يدعو إلى جعل المسألة القيمية الآن الشغل الشاغل في اهتمام كافة المكونات المجتمعية.

يعنينا في البداية القول: إن التعامل الجاد مع المسألة القيمية في أي مجتمع يقتضي تشخيص مصادر تهديد القيم، وتحديد المنابع الفعلية من اتجاهات وموجات وأدوات من شأنها أن تهدد النسيج القيمي؛ فلا يصح إيجاد المبادرات والبرامج والحملات دون أساس منهجي واضح يقتضي التتبع وملاحظة التغيير الفعلي لاحقًا. وفي مجتمعنا- كما هو حال مجتمعات الخليج- نعتقد أن مهددات النسيج القيمي نابعة من خمسة مصادر رئيسية؛ أولها: الانخراط في عالم اتصالي موسع تقوده برامج وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وتنغمس فيها جملة من الثقافات والقيم المتداخلة، التي يصعب على الناشط فيها ما لم يكن محصنًا فكريًا وقيميًا من التعامل النوعي معها، وفلترة اتجاهاتها، وتمكين الذات من الفكر الناقد إزاءها. وفي مقابل ذلك فإن هناك ضعفًا كبيرًا في تسويق الثقافة والقيم المحلية بأدوات وطرق مبتكرة عبر هذه الفضاءات، وضعف في التأكيد عليها في مقابل الثقافات والقيم الأخرى ذات السطوة. فالمسألة مسألة تحصين في المقام الأول، وانخراط في الإنتاج وتسويق الثقافة في المقام الآخر. المصدر الآخر: هو في طبيعة تقديم الإعلام بنوعيه التقليدي والاجتماعي للمكونات الاجتماعية: كيف يقدم الإعلام المهيمن اليوم شكل الأسرة والمفاهيم المتصلة بها؟ وكيف يقدم معاني الاندماج الاجتماعي؟ وكيف يقدم قيم الحرية والفردانية في مقابل التواصل والتفاعل الاجتماعي؟ وكيف يقدم قيمة التربية والتنشئة؟ أن أسئلة من هذا القبيل يجب أن تبحث وتطرح في سياق الإعلام المهيمن؛ ونقصد بالإعلام المهيمن المادة الإعلامية التي تحوز اهتمام الفئة الأكبر من المجتمعات، ونوعية الوسائل والمحتوى والمنصات التي ينخرطون في متابعتها بشكل أكبر مقارنة بغيرها.

المصدر الثالث من مصادر تهديد القيم هو الفجوات بين الأجيال، وعدم وجود توازن وتواصل في معادلة الأجيال، ما نشهده اليوم هو اضطرارية الجيل الأقدم للتواكب مع لغة ومفاهيم وأدوات الجيل الأحدث، واختلال معادلة الأجيال في حد ذاتها تشكل مشكلة اجتماعية. تعرف الأجيال الأقدم بأنها حافظة القيم، والناقلة لها، وإحدى أدوات الضبط الاجتماعي التي تسهم في التزام طيف واسع من المجتمع بموجهات تلك القيم، ولكن متى ما سلبت الأدوات والوسائل والمساحات التي تمكن هذه الأجيال من التواصل والتفاعل مع الأجيال الجديدة متى ما توسعت تلك الفجوات وأحدثت شرخًا في نقل القيم الاجتماعية المرغوبة. المصدر الرابع في تقديرنا متمثل في ضعف مساحات الحوار العام الاجتماعي، وتحول النقاش حول الواقع الاجتماعي إلى نقاش افتراضي مؤطر، تقوده اتجاهات آنية، وتسيطر عليه النزعات الذاتية، وتحكمه الفردانية. إن وجود مساحات واقعية لتعزيز الحوار حول الواقع الاجتماعي مسألة ذات أهمية، سواء كانت تلك المساحات برامج إعلامية، أو ندوات موسعة، أو جلسات نقاش، أو حوارات متعددة المستويات. ثم إن النقاش الذي يؤدي إلى التحصين القيمي هو النقاش الذي يبحث في عمق القيم، ويسائل السلوكيات المترجمة لها بشفافية، ولا يواري عن ذكر حقائق الواقع دون تزييف أو مبالغة. أما المصدر الأخير في تقديرنا – وهو مصدر تتماثل فيه كافة المجتمعات على حد سواء – فهو يتمثل في طبيعة الواقع الاقتصادي، وما يدفع ذلك الواقع الأفراد فيه إلى تبني قيم معينة، وإلى تمثل قيم قد لا تكون مطابقة للأصل المجتمعي، وقد تكون دافعة إلى الصراع الاجتماعي منه إلى التوازن والتكامل.

في كل الأحوال فإن التحصين القيمي للمجتمع يتطلب اليوم جهدًا تآزريًا، أول منطلقاته ألا تنسحب المؤسسات الاجتماعية عن أدوارها الفعلية، فلا تنسحب الأسرة عن الدور القيمي لصالح الدور الرعوي، وأن تترك للمساحات والفضاءات الأخرى نطاقًا لتشكيل قيم وهدم قيم أخرى، وكذا الأمر يتصل بالمدرسة كمؤسسة حاضنة لسنوات التشكيل الأساسية للقيم. وفي المقابل هناك دور موسع يجب أن تقوم به المحافظات اليوم من خلال تشجيع مساحات الحوار المحلي حول المسألة القيمية، وتشجيع مكونات المجتمع المحلي على تبني البرامج والمبادرات الحاثة على التحصين القيمي، وتجسيد المساحات لممارسة الفنون الإبداعية المرسخة للقيم، مثل المسرح وغيرها، والتي من شأنها إيصال الرسائل بطرق غير مباشرة تتماشى مع الوجدان الاجتماعي. وعلى مستوى المكون التعليمي، فإن الدعوات التي تظهر بشأن ضرورة إيجاد مقررات دراسية تعنى بالأخلاق والقيم العامة لم تعد من قبيل التزيد، وإنما ضرورة في تقديرنا، ذلك أن جزء أصيل من ارتباط الطلبة إنما هو بالمكون التعليمي، وبنسق المعرفة، فمتى ما حولت مادة الأخلاق والقيم إلى مكون معرفي يقود الطالب إلى أصلها وتأصيلها، والجوانب النفسية والسلوكية المتصلة بها، كلما كانت تلكم القيم والأخلاق أكثر رسوخًا وقناعة لدى الطلبة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الصوت والضوء: أسعار تذاكر اللغة العربية قاصرة على المصريين

أخطرت شركة الصوت والضوء ،غرفة المنشآت الفندقية ، أن تكون أسعار تذاكر اللغة العربية قاصرة على المصريين فقط وبالنسبة لباقي الجنسيات ،بما فيهم الجنسية العربية يتم التعامل معهم بسعر التذكرة للأجنبي ، على أن يطبق ذلك بمناطق الصوت والضوء المختلفة.

وكانت قد بدأت شركة مصر للصوت والضوء والتنمية السياحية التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، التشغيل التجريبي لعروض الواقع الافتراضي "VR" بمنطقة أهرامات الجيزة.

في معبد الكرنك.. تجربة غير مسبوقة تجمع بين الصوت والضوء وتكنولوجيا الواقع الافتراضيأعمال الحفر في منطقة الصوت والضوء تثير الجدل.. وأحمد موسى يطالب برد عاجل من الآثار.. فيديوالصوت والضوء 


وتُعد هذه التجربة الأولى من نوعها في منطقة الأهرامات، حيث يتم تقديم العروض داخل مبنى تابع لشركة الصوت والضوء، وتم توظيف أحدث تقنيات الواقع الافتراضي ثلاثية الأبعاد لتقديم محتوى غني يُحاكي بدقة البيئة المصرية القديمة، بما يعكس عظمة الحضارة الفرعونية ويجعل من زيارتها تجربة غامرة واستثنائية.

ويمكن للزوار التجول افتراضيًا داخل المواقع الأثرية التاريخية من خلال تجربة تفاعلية تحاكي الماضي باستخدام نظارات الواقع الافتراضي المتقدمة بما يمنحهم فرصة "العودة بالزمن" إلى الحضارة المصرية القديمة بطريقة غامرة ومشوقة.. ومن أبرز ما تتضمنه العروض: استكشاف مقبرة توت عنخ آمون بكل ما تحويه من كنوز ومقتنيات، محاكاة عملية بناء الأهرامات بتفاصيلها الهندسية والمعمارية المذهلة، الغوص في أسرار الآثار الغارقة بمدينة الإسكندرية القديمة، والتعرف على طقوس وأسرار التحنيط عند قدماء المصريين.

يذكر أن فكرة تنظيم عروض الصوت والضوء في منطقة الأهرامات تعود إلى عام 1960، و تم افتتاحه في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وهو من أعظم عروض الصوت والضوء بمصر، ويتميز باستخدام أجهزة الليزر الحديثة.

طباعة شارك الصوت والضوء شركة الصوت والضوء المنشآت الفندقية مصر للصوت والضوء الأهرامات

مقالات مشابهة

  • من المختبر إلى اليد.. جهاز نانوي يقرّب علم الجينوم الشخصي من الواقع
  • بين وهم النجاح وضياع القيم.. هل يعيد تيك توك صياغة مستقبل الأجيال؟
  • محمد الأزهري: الفن رسالة وعطاء للمجتمع
  • قوات عسكرية تهاجم المجمع القضائي في تعز
  • تامر أمين: الحملات الأمنية على تيك توك أعادت التوازن للمجتمع ونظفت السوشيال ميديا
  • الجيل الديمقراطي: تطبيق تيك توك اغتيال ممنهج لهوية وثقافة الأجيال القادمة
  • الصوت والضوء: أسعار تذاكر اللغة العربية قاصرة على المصريين
  • في معبد الكرنك.. تجربة غير مسبوقة تجمع بين الصوت والضوء وتكنولوجيا الواقع الافتراضي
  • الخارجية العراقية تجدد دعوتها للمجتمع الدولي بالاعتراف بالابادة الجماعية للايزيديين
  • في عيد ميلاد معلم الأجيال