في منزل متواضع بمدينة عدن اليمنية، يتكئ الحزن على أحد جدرانه كأنه واحد من أفراد العائلة، حيث عاشت منى صالح، والدة الشاب محمد العلواني، الذي ابتلعته السجون السرية قبل 8 سنوات، لتستمر محاولاتها في البحث عنه حتى أنهكها الانتظار، فرحلت كمدا دون أن تعرف ما إذا كان حيّا يُرزق، أم مجرد رقم في مقبرة مجهولة.

 

على الكرسي الخشبي الذي اعتادت الأم الراحلة الجلوس عليه، وضعت أسرتها شهادة تقدير من رابطة أمهات المختطفين والمخفيين، تكريما لصبرها وصمودها، وإلى جانبها، علّقت لوحة كبيرة تضم صورتها مع ابنها المخفي، وقد كُتب عليها: "بصوت الأم المظلومة، أم محمد العلواني، المختطفون أمانة في أعناق كل من يملك سلطة في هذا الوطن".

 

محمد العلواني، شاب في الثلاثين من عمره، والابن الوحيد بين 4 شقيقات، كان المعيل الوحيد لأسرته، وفي صباح 24 فبراير/شباط 2017، غادر منزله متوجها إلى عمله الحكومي كالمعتاد، لكنه لم يعد منذ ذلك اليوم، واختفت آثاره، لتنطلق والدته في رحلة شاقة مع الألم والبحث، إلى أن أنهكها الغياب وفتك بها الانتظار.

 

وتقول آلاء شقيقة العلواني للجزيرة نت "كانت أمي تنهار في كل مرة تعود فيها بلا خبر عن شقيقي"، وتضيف بصوت متهدّج يخنقه الحنين "ظلت أمي تحمل صورته يوميا، تطرق أبواب السجون وتبكي، لكن لا أحد يجيب، وبقيت على ذلك حتى أكلها القلق، وأنهكها المرض، وماتت قهرا بعد 3 سنوات من اختطافه".

 

قصة العلواني واحدة من مآسٍ كثيرة تعيشها أسر المخفيين قسرا في عدن، حيث تصاعدت هذه الانتهاكات منذ 2016، بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، وانتشار السجون السرية التي ابتلعت مصير العشرات دون تهمة أو محاكمة.

 

وجع يتكرّر

 

تعاني زينة أحمد (60 عاما) في حي التواهي بعدن من المأساة ذاتها، إذ أمضت 9 سنوات وهي تعيش على أمل اللقاء، جالسة على أعتاب الانتظار، تترقب أي خبر عن ابنها عماد العبادي، الذي فُقد قسرا منذ 17 سبتمبر/أيلول 2016.

 

وفي منزل متهالك، ترتسم ملامح الإنهاك على وجه زينة المتعب، بين وطأة الحزن وقسوة الفقر تكابد معاناة مضاعفة بعد وفاة زوجها، لتتحمّل وحدها عبء إعالة 9 أفراد من أسرتها.

 

بجانبها تتدلى شهادة وفاة زوجها، وتحتها صندوق صغير يحتوي أدوية لأمراض القلب والضغط والسكري، التي تسللت إلى جسدها المنهك منذ لحظة اختفاء ابنها.

 

تضيف زينة للجزيرة نت "هذا كل ما تبقّى لي منه"، بينما تمسح دمعة تسللت من عينيها وهي تمسك بصورة باهتة لابنها "زوجي مات قبل أن يعرف مصير ابنه، وأنا أخشى أن ألحق به قبل أن أحتضن عماد من جديد".

 

تؤكد العائلة أن عماد، وهو شاب في الثلاثين من عمره، اختُطف من أمام منزله على يد عناصر من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، أثناء خروجه لشراء دواء لوالده المريض، ومنذ ذلك اليوم، لم يُعرف له أثر، ولم توجَّه إليه أي تهمة.

 

أبشع من الموت

 

قصة منى وزينة ما هي إلا مجرد فصل من مأساة جماعية، تصف أروى فضل زوجة مختطف آخر، وناشطة في رابطة أمهات المخفيين بعدن، الإخفاء القسري بأنه "أبشع من الموت"، لأنه "يقتل الأرواح ببطء، ويترك العائلات بين الخوف والخذلان، وسط صمت رسمي خانق".

 

وتؤكد أروى، في حديثها للجزيرة نت، أن الرابطة وثّقت وفاة 6 أمهات و3 آباء من ذوي المختفين في عدن، دون أن يتمكنوا من معرفة مصير أبنائهم.

 

وتضيف "الكثير من الأمهات يعانين أمراضا مزمنة من شدة الحزن والقهر، فضلا عن الفقر بعد فقدان المعيل، والتجاهل الرسمي المستمر".

 

أروى، التي تبلغ من العمر 40 عاما، تقيم في حي كريتر منذ اختفاء زوجها عادل حداد، الذي اختطف عند نقطة تفتيش تابعة للحزام الأمني في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بسبب وجود "لاصق عاكس" على زجاج سيارته.

 

تقول أروى: "اختلقوا له شجارا واعتقلوه أمام الجميع، ومنذ ذلك التاريخ لم نره"، ثم تضيف بصوت خافت: "ترعرع أطفالي بلا والدهم، وأصغرهم توفي العام الماضي قبل أن يراه، لا أحد يمكنه تخيل مدى معاناة هذا الغياب القاتل".

 

قضية منسية

 

تواجه تشكيلات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن اتهامات متكررة من منظمات حقوقية بإدارة سجون سرية في عدن ومحيطها، يُحتجز فيها مئات الأشخاص دون محاكمات، كما وثّقت تقارير أممية حالات تعذيب وسوء معاملة داخل هذه السجون، أدّت بعضها إلى الوفاة أو اختفاء المعتقلين إلى الأبد.

 

وتصف المحامية اليمنية هدى الصراري، رئيسة مؤسسة "دفاع للحقوق والحريات" والحائزة على جائزة مارتن إينالز الدولية لعام 2020، قضية الإخفاء القسري بأنها "من أكثر مآسي الحرب المنسية، وأحد أعقد الملفات الإنسانية في اليمن".

 

وتؤكد الصراري في حديثها للجزيرة نت أن تقارير موثقة تشير إلى وجود أكثر من 150 حالة مؤكدة لمخفيين قسرا في عدن وحدها منذ عام 2016، بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، ووقوع هذه الانتهاكات على يد تشكيلات أمنية تابعة له.

 

أما على مستوى اليمن، فتقول إن عدد ضحايا الإخفاء القسري تجاوز 1400 حالة، تورطت فيها أطراف عدة، من بينها جماعة الحوثي، وبعض التشكيلات الأمنية الحكومية، والقوات المدعومة خارجيا.

 

وتضيف الصراري: "الانتهاكات لم تتوقف عند الإخفاء القسري فقط، بل وُثّقت أيضا حالات تعذيب شديد، انتهى بعضها بالموت أو الإعدام خارج إطار القانون".

 

وتختم بالقول "كما تعرضت أسر كثيرة للابتزاز المالي مقابل وعود بالإفراج عن أبنائها، لكنها لم تجد سوى المزيد من الخذلان والوجع".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن عدن الاخفاء القسري حقوق مليشيا الانتقالي الانتقالی الجنوبی الإخفاء القسری للجزیرة نت فی عدن

إقرأ أيضاً:

نتائج التظلمات لمسابقة معلم مساعد دراسات اجتماعية.. وترتيب قوائم الانتظار

أعلن المهندس حاتم نبيل، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، عن إتاحة خدمة الاستعلام عن نتائج التظلمات لمسابقة شغل 2000 وظيفة معلم مساعد (دراسات اجتماعية) لصالح وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وذلك عبر موقع بوابة الوظائف الحكومية:

https://jobs.caoa.gov.eg

التنظيم والإدارة يُتيح الاستعلام عن رغبات الناجحين وقوائم الانتظار بمسابقة معلم إنجليزيالضرائب: الفواتير الوهمية يتم اكتشافها وحظر الشركات المخالفة فورًا

وكان الجهاز قد أعلن نتيجة الامتحان الإلكتروني للمتقدمين في 15 يوليو، وفتح باب التظلمات في اليوم التالي ولمدة أسبوعين.

كما أعلن رئيس الجهاز عن فتح خدمة الاستعلام أيضًا على موقع البوابة عن ترتيب المتقدمين في قائمة الانتظار للمسابقة ذاتها.

وأوضح رئيس الجهاز أن هذه الخطوة تأتي استجابة لاهتمام ومطالب المتقدمين الذين اجتازوا الامتحان الإلكتروني بنجاح، ولم يتم ترشيحهم ضمن الدفعة الأساسية، حيث تم إتاحة نتائج التظلمات الخاصة بهم، بالإضافة إلى ترتيبهم داخل قوائم الانتظار التي تم إعدادها وفقًا لمجموع الدرجات.

وسيُعاد الرجوع إلى هذه القوائم في حال عدم استكمال أي من المرشحين للمراحل التالية في المسابقة أو عدم استلام الوظيفة، وذلك خلال مدة سريان القائمة التي تمتد لعام كامل من تاريخ إعلان النتيجة.

وأكد رئيس الجهاز أن هذه المسابقة مرت بجميع مراحلها بأعلى معايير الشفافية والعدالة، بداية من التقديم الإلكتروني، مرورًا بالاختبارات، ثم فحص التظلمات، وحتى إعلان النتائج وتسكين المعلمين وفقًا للاحتياجات الفعلية.

ودعا المهندس حاتم نبيل المتقدمين غير المرشحين للتعيين إلى الدخول على الموقع الرسمي للجهاز باستخدام الرقم القومي ورقم التسجيل، لمراجعة موقفهم الكامل من المسابقة، مشددًا على أن إتاحة هذه الخدمات تُجسد التزام الدولة بنهج الشفافية، وضمان الحق الكامل في المعرفة الدقيقة بموقف كل متقدم، دون استثناء.

طباعة شارك الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة معلم مساعد دراسات اجتماعية بوابة الوظائف الحكومية وزارة التربية والتعليم

مقالات مشابهة

  • السيسي: مصر لن تكون بوابة للتطهير العرقي أو الإخلاء القسري لأهلنا في غزة
  • السعودية تنتزع الملف العسكري من الانتقالي الجنوبي
  • دميترييف: التهم تلاحق الكاذبين الذين كانوا وراء الأكاذيب بشأن روسيا
  • الأقدارُ في الانتظار
  • إخفاء طالب فلسطيني قسرا في مصر.. الأمن ينكر وشهادات زملائه تفضح النظام
  • استشاري يحذر من تجاهل ارتفاع الكوليسترول ويصفه بـ«القاتل الصامت»
  • تدشين مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء والمفقودين في الجعفرية
  • مفكر فلسطيني يفضح مشايخ الشاباك.. «الإخوان الشياطين» يتسترون على إسرائيل القاتل الحقيقي لغزة
  • مع اقصاء الانتقالي.. ترتيبات سعودية لإقالة محافظ حضرموت والإصلاح يهدد بالتصعيد
  • نتائج التظلمات لمسابقة معلم مساعد دراسات اجتماعية.. وترتيب قوائم الانتظار