(الكنتوش) وحكاوي أخري سبقت التلفاز والموبايل وروتها الحبوبات ونقلها لنا القانوني الضليع مفيد محمد الشيخ القرشي الذي مزج نجيب محفوظ والطيب صالح وحسين مؤنس !!..

( الأمن الغذائي ) تسعي الدول غنيها وفقيرها لتوفره لشعوبها وتظل المسألة مستعصية عليهم جميعا في زمننا هذا الذي شهد اكبر سقوط أخلاقي عرفته البشرية خاصة من جانب من يسمون أنفسهم مجموعة العشرين وهم حقيقة عصابة العشرين يسرقون ( الكحل ) من عيون العالم الثالث الفقير ويضحكون عليه ( بشوية إغاثة ) بعد أن تكون شعوبهم قد فنيت بسبب الاقتتال الذي لايكاد يهدأ وبسبب المرض والجوع والكوارث الطبيعية والنزوح واللجوء ، الغريبة أن الأسلحة والذخائر تصل في المواعيد المحددة أما الطعام والدواء فدائما مايضلان الطريق وينتهي بهما التطواف عند الأطراف المتحاربة تكون لهم غنيمة باردة تجعلهم ( يشمتون علي مواطنيهم ويعدون هذه الشماتة نصر وفتح جديد !!.

.
يشمل الغرب الكبير مديريتي كردفان ودارفور وذلك في ( ايام الزمن الجميل ) تلك المناطق تنتشر فيها القري والمساكن التي لم تسمع بالاسمنت والابراج والزجاج ... الماؤي ابسط مما نتخيل وهو عبارة عن قطية أسفلها من الطين وأعلاها من القصب والقش وإمامها راكوبة مربعة ويحيط بهذا البيت المتواضع ( صريف ) أي سور من عيدان القصب ...
في هذا البيت المبروك أيضا يوجد ( Front Yard ) و ( Back Yard ) كما في امريكا بالضبط ولا يوجد حد احسن من حد ) ... تقوم النساء بزراعة الخضراوات الورقية والفواكه مثل الليمون والمنقة والجوافة في الغناء الامامي وفي الفناء الخلفي تربي بعض الأغنام والدواجن ويوجد مانسميه مجازا مصنع للجبن ويحتل ( السعن ) مكانه المرموق هنالك لاستخلاص الروب الطبيعي الخالص غير المخلوط باي مواد حافظة ولا يحتاج في تخزينه الي برادات لأن البراد المعتاد هنا هو ( المشلعيب ) الذي يلعب دوراً مزدوجا في الحفظ من التلف ومن القطط والكلاب ... وفي خارج السور تحتل زريبة البقر حيزا محترما يسمح لهذه الماشية أن ترقد بسلام وتحلم كما تشاء وتصقع ( الجرة ) مثلما تمضغ الحسناء ( لبان ماكس ) وحتي عندما يتم حلبها لزوم بيع اللبن تكون مؤدبة مطيعة الي أن تتم المهمة بنجاح وعندما يطل عليها الصباح تخرج للخلاء لتشم النسيم وتتزود بمزيد من العشب الأخضر اليانع الطبيعي الخالي من الكيماويات... والرجل في هذا المجتمع الريفي له دوره في الزراعة والرعي والإنتاج وتوفير الغذاء.
تمعنوا في ريفنا زمان وقد توفر فيه الأمن الغذائي بدون دعاية أو إعلان وعادة الريف كان يصدر ماعنده من فائض الي المدينة التي بدورها كانت محاطة بالمزارع للخضر والفاكهة ومنتجات الألبان ... ويومها لم نكن نعرف امراض العصر بسبب الطعام المستورد المعلب المشحون بالبكتيريا من كل لون وجنس...
في ( حجوة الكنتوش) طاف بنا الحكواتي مفيد ود القرشي عبر كبسولة الزمن ريف غربنا الكبير الذي حوله أبناء الوطن الي أشلاء وارجعوه الي عصر الكهوف ... في سياق هذه الحكاية نجد الاستعمال المكثف للهجة المحلية بما فيها من مسميات حتي للذين لم يالفوها يجدونها ذات جرس جميل ونغمة محببة وجمال يسر الاذن والعين .
ادخلنا القاص مفيد في دوامة الدجل والشعوذة التي هي من بعض سمات المجتمعات التي غاب عنها التعليم فسرد لنا ماحصل للمعلم الذي اوقعته فتاة غنية تخلو من اي جمال وهو المعلم الوسيم الذي له مكانته في تلك الربوع وقد ترك منطقته الوادعة ورحل الي هنا جنديا يعلم الصغار في الفصل والكبار في المسجد وتحت ظلال أشجار التبلدي واللبخ ... جذبته إليها بما يعرف ب ( العمل ) وهو شرك ينسجه الدجالون الذين ابتلينا بهم من زمان وقد وفدوا من دول الساحل والصحراء ومازلنا نعاني من ( كتاباتهم ) الشيطانية ويلجأ إليهم عديمو الايمان لتحقيق مآربهم وللانتقام من خصومهم بعمل لا يمت للدين والأخلاق بادني صلة ...
تصوروا أن حاج ( منزو ) الدجال جهز العمل وأمر الفتاة المستفيدة أن تضعه في ( كنتوش ) وتضع الكنتوش في طاقة في اعلي الجدار في غرفة المعلم الذي منذ أن نفذت المؤامرة صار لايري في الدنيا غير هذه الفتاة الدميمة وتزوجها وعاش معها وكأنها ناجوج وسط اندهاش واستغراب الجميع الذي لاتحده حدود...
المهم أن هذه الفتاة أصيبت بمرض عضال أودي بحياتها وقبل الدفن تذكر الزوج أنها اوصته بأن يدفن معها الكنتوش فاستأذن من جمهور المشيعين أن يرجع للدار ويعود بالكنتوش ولكنه وهو يهرول قادما للمقابر تعثر في بقايا جذع شجرة فوقع وتبعثرت محتويات الكنتوش من طاقية كانت تخصه ساهمت في صناعة العمل وشعر يخص المرحومة وأوراق وبلاوي... هنا فقط انكشف المستور وعرف الجمهور كل القصة وحرقوا ادوات الجريمة ورشوها بالماء وطمروها في حفرة عميقة وأخذوا المعلم الي امام المسجد الذي تلا آيات من الذكر الحكيم ودعا للمعلم بالتعافي التام من هذا العمل الشرير فشفي باذن الله سبحانه وتعالي وعاد الي طبيعته إنسانا سويا لكنه حزم امتعته وذهب الي أهله لا يلوي علي شيء...
للأسف قصة ( الكتابة ) هذه أو مايسمونه بالعمل توجد الي يومنا هذا وكثير من حراس المقابر سواءا كان في بلادنا الحبيبة أو غيرها يحكون عن أناس يأتون إليهم ويجزلون لهم العطاء من أجل أن يضعوا لهم لفافة يحملونها داخل قبر معين أو داخل فم احد الموتي وهي عملية تقشعر لها الابدان ونحن في القرن الحادي والعشرين ويبدو أننا مازلنا في جاهلية ربما يكون سببها نقص التعليم والبعد عن الدين ...
تحتوي كتاب مفيد القرشي علي ثمانية وعشرين قصة وكما قال عنها مؤلفها أنها حكاوي حبوبات وتجارب شخصية ولا علاقة لها بفلسفة التأليف وتعقيداتها من قريب أو بعيد ...
أما عن قصة ( ناظر عموم الدرداقة ) فقد تم نسجها علي منوال قصة الدكتور حسين مؤنس الشهيرة ( ناظر عموم الزير ) وهي قصة خلدها التاريخ علي أساس انها افضل عمل تحدث عن البروقراطية وماتجره علي الاوطان من خراب بيوت وخراب اقتصادي و مما حبب هذه القصة للقراء هو قالبها الفكاهي رغم ما تحمله من اعلي درجات الجدية وحرارة القلب مثل كتابات الراحل المقيم الفاتح جبرا الذي رحل بالأمس القريب ( أنزل الله سبحانه وتعالي علي قبره الطاهر سحايب الرضوان وجعل الجنة متقلبه ومثواه ) .
جاءت عناوين القصص أو الحكايات التي وردت في الكتاب بأسماء دارجة جميلة محببة مثل ( الاخو من وين ) ؟! ...
الكاتب وهو قانوني ضليع من مواليد فبراير ١٩٥٥ قد سرقته أروقة المحاكم وساحات القضاء من حقول الادب ولكنه وبحسب النشأة في بيت يحتوي علي مكتبة بها امهات الكتب والمراجع ويجد أمامه منذ نعومة أظفاره مجلة الصبيان ومجلة سمير وكان والده القرشي الصغير من أعلام الصحافة ورواد المطابع ورجل مجتمع خدم الابيض بكل ما يملك ... درس المؤلف في مدرسة الابيض الأولية الشرقية ومن أساتذته الدكتور عبد القادر سالم والاستاذ محجوب احمد قرشي وفي الأبيض الأميرية كان الناظر يحيي حسن الدقيل والثانوي أيضا بالابيض مع الناظر آدم الدين وكوكبة من المعلمين المتميزين... قضي فترة في كلية الصحافة بجامعة أم درمان الاسلامية ومنها هاجر الي مصر للالتحاق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة الام وتخرج فيها وهو الآن يعمل بالقضاء ...
قال عن نفسه أنه نزح لام درمان في العام ١٩٨٥ ولجا للقاهرة في مايو ٣٠٢٣ بعد شهر كامل من اندلاع الحرب العبثية اللعينة المنسية ومازال بالقاهرة أملا في العودة لوطننا الحبيب.
نختم بأن الكاتب الذهبي مفيد قد نسج علي منوال نجيب محفوظ إذ أن من يقرأ قصص مفيده سيكون علي علم بكل ريف الغرب الكبير مديريتي كردفان ودارفور دون أن تكون قدماه قد وطئت تلك الديار كما أن نجيب محفوظ لن يحوجك أن تسافر للحارة المصرية ت إذ أنها مرسومة رسما في عديد من كتاباته التي بواحد من كتبه نال نوبل ونال به العالمية... كما أن مفيد وظف العامية الحلوة الجميلة مثلما وظفها شيخه وعمه الطيب صالح باحترافية ولمسات ذوقية في سائر كتبه وعلي رأسها درته البهية ( موسم الهجرة للشمال ) ...
انصحكم بقراءة هذا السفر العفوي الغني بالفلكلور والكلمات المعتقة الخالية من الصناعة والتجارة والحذلقة والادعاء أنه كتاب مفتوح مثل سماء دارفور وكردفان قبل أن يجور عليهم الزمان وقبل أن يضيع السودان الحبيب... هذا الكتاب الآن قيد الطبع فترقبوه .
ودمتم في رعاية الله وحفظه .

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

“البيت الذي شيده الطفايلة في قلب الوطن”

صراحة نيوز- الدكتور زيد أحمد المحيسن

في قلب العاصمة، وعلى بعد خطوات من مراكز القرار، بزغ فجر جديد لأبناء الطفيلة؛ فجرٌ يحمل بين طياته بشرى طال انتظارها، وأمنية ظلّت ردحًا من الزمن تتناقلها الألسن والقلوب على حد سواء، حتى قيّض الله لهذا الحلم أن يرى النور، ويتحول إلى صرحٍ شامخٍ يعانق سماء عمان: مقر جمعية ديوان عشائر الطفيلة.
لقد كان لي شرف الحضور في هذا اليوم البهي، يوم افتتاح المقر وتناول الغداء مع إخوتي من أبناء الطفيلة الذين توافدوا من كل حدب وصوب، يحملون في قلوبهم البهجة، وعلى وجوههم ابتسامات الفخر والرضى، إذ أصبح للطفايلة اليوم عنوان واضح، ومقر دائم، وبيت يجمع ولا يفرق، ويوحّد ولا يبعثر.
ليست فكرة المقر سوى تجلٍّ لفكرةٍ نبيلة، طالما حلم بها الغيارى من أبناء المحافظة، ممن حملوا همّ الانتماء الصادق والعمل التطوعي النظيف، فعملوا بصمت، وسعوا بجد، حتى أُتيحت لهم هذه اللحظة التاريخية. لم يكن الطريق ممهّداً، بل شاقًا ومعمّدًا بالإرادة والإيمان، لكنهم مضوا دون كلل، حاملين على أكتافهم أمانة الطفيلة ومكانتها، فكان لهم ما أرادوا.
إن وجود مقر دائم في العاصمة لهو علامة فارقة في مسيرة الطفايلة، وخطوة استراتيجية تنقل العمل الأهلي من التشتت إلى التنظيم، ومن الجهد الفردي إلى الحراك الجماعي المنظم. فهذا البيت ليس مجرد مبنى من حجر وإسمنت، بل هو مساحة حوار وتفكير، ومظلة جامعة، تحتضن أبناء الطفيلة بمختلف أطيافهم واتجاهاتهم، ليكونوا يدًا واحدة في خدمة مجتمعهم، وتقديم المبادرات التي تنهض بالشأن الاجتماعي والثقافي والتنموي.
إنه بيت للتشاور لا للتنازع، وللتآلف لا للتنافر، ومجلس دائم للحوار الجاد والبنّاء، يُعزز الانتماء الوطني، ويعيد للروح الجماعية حضورها وهيبتها في زمنٍ كثرت فيه المسافات وتفرّقت الجهود. وفيه يتدارس أبناء المحافظة قضاياهم، ويضعون أيديهم بأيدي بعض، من أجل صياغة مستقبل أفضل لأبنائهم وأحفادهم.
ولأن هذا المشروع ولد من رحم الحاجة، وتغذّى على حبّ الأرض وأهلها، فإنه يستحق أن يحاط بكل أشكال الدعم والرعاية. وها نحن على أعتاب الافتتاح الرسمي تحت الرعاية الملكية السامية، في مشهدٍ سيشكل محطة مضيئة في تاريخ العمل الأهلي لأبناء الطفيلة، ويؤكد أن الانتماء لا يُقاس بالكلام، بل بالفعل الملموس والعطاء المستمر.
كل الشكر والتقدير لكل من ساهم بفكرته أو جهده أو دعمه في إخراج هذا الحلم إلى النور، ولمن آمن بأن لابناء محافظة الطفيلة الهاشمية الحق في أن يكون لهم بيتٌ في العاصمة عمان، يجمعهم ولا يُقصي أحدًا، ويرتقي بهم نحو مزيد من المشاركة المجتمعية الفاعلة، تحت مظلة القانون والشرعية والانتماء الصادق – لله والوطن والعرش .
نعم، أصبح للطفايلة بيتٌ في قلب الوطن… فهنيئًا لهم، وهنيئًا للوطن بأبنائه الأوفياء..

مقالات مشابهة

  • توتر أمني في عكار.. ما الذي حصل؟
  • أبرز الأضرار والعادات التي تسبب ضرر على السيارات في موسم الصيف.. فيديو
  • ما الذي يعنيه لنا التغير الديموغرافي؟
  • اللغة التي تفشل
  • “البيت الذي شيده الطفايلة في قلب الوطن”
  • ما الذي يطبخه توماس باراك بين سورية ولبنان؟
  • هدف عراقي عالي القيمة.. من هو الحرداني الذي قضى بضربة أمريكية؟
  • نبؤة أحمد بهاء الدين التي تحققت
  • معلومات جديدة... هذا ما كُشف عن الطرح الذي قدّمه برّي لبرّاك
  • حماس: ويتكوف خالف السياق الذي جرت فيه جولة المفاوضات الأخيرة تماما