تخارج الشركات الحكومية يحقق اقتصادًا مستدامًا مع كفاءة الإنتاج
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
- السابعي: ضرورة التوسع في قطاعات تقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الفضائي والرقمنة والأتمتة
- كشوب: التخارج يسهم في زيادة الابتكار وتبني ممارسات الاستدامة
- الشيزاوي: عملية التخارج تقلل اعتماد الشركات على خزينة الدولة والسيولة تسهم في مشروعات جديدة
- الخصيبي: التخارجات السابقة دليل نجاح أسهم في تحسين الإيرادات وتقليص التحديات المالية.
أكّد اقتصاديون أن عمليات التخارج من الشركات الحكومية تعتبر أداة إستراتيجية تهدف إلى تحسين الكفاءة والابتكار في الاقتصاد، لافتين إلى أن التخارج يسهم في إدخال سياسات القطاع الخاص التي تعزز الشفافية وتحقق أرباحًا مستدامة، كما أوضحوا أن التخارج يوفر فرص عمل جديدة ويتيح للشركات الحصول على التمويل اللازم للتوسع في خدماتها، مما يقلل الاعتماد على الدعم الحكومي.
وفي استطلاع مع «عُمان»، أشاروا إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في التخارج أو الخصخصة هي التأكد من أن الشركات المتخارج منها قادرة على تحقيق الأرباح بشكل مستدام قبل طرحها للاكتتاب، وأكّدوا أن المخاوف المجتمعية لا تقارن بالفوائد الناتجة من التخارج التي تتجاوز 80% مقابل السلبيات التي لا تتعدى 20%.
كما أن التخارج من الشركات الحكومية يسهم في الثقافة المالية لاستثمار العمانيين وادخار أموالهم، لتصل من خلالها إلى عوائد تتراوح بين 6% إلى 9%، وهي عوائد لا تتوفر حاليًا في السوق العقاري أو في العوائد الأخرى، واتفقوا على ضرورة أن تحتفظ الحكومة بنسبة لا تقل عن 60% من ملكية الشركات لتحقيق التوازن بين الخصخصة والحفاظ على الأصول الإستراتيجية، فضلًا عن الاستثمارات الإستراتيجية التي تحقق عوائد جيدة تصل إلى 8%.
اقتصاد المستقبل
وأكّد الدكتور قيس السابعي، قانوني وخبير اقتصادي، على أهمية التخارج من الشركات الحكومية، مشيرًا إلى أنه أحد الإستراتيجيات الاقتصادية الحديثة، وأوضح أن التخارج يعني فضّ الشراكة بين المستثمرين في الشركات الحكومية من خلال قيام بعض المستثمرين ببيع حصصهم لمستثمرين آخرين، وهي وسيلة آمنة تمكن المستثمرين من الخروج من الشركة دون تحقيق خسائر، بل وربما بربح متوقع.
من جانب آخر، أشار السابعي إلى أن آلية التخارج تدعو إلى التوسع في نطاق الأعمال للشركات الناشئة، مما يمنح هذه الشركات القدرة على مواجهة الخسائر المحتملة في حالة عدم تحقيق الأرباح المتوقعة، كما أنها تعد ضمانًا للمستثمر سواء كان فردًا أو مؤسسة للخروج من الاستثمار بطريقة جزئية أو كلية عبر بيع حصته إلى مستثمر آخر.
وأضاف أن الهدف من عملية التخارج التي ينتهجها جهاز الاستثمار العماني هو تقليل الاعتماد على النفط والغاز، والتنويع الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد العماني، كما تسعى العملية إلى توجيه العائدات من التخارج للاستثمار في قطاعات اقتصادية جديدة مستقبلية، وتوفير إيرادات مالية تعود إلى الميزانية العامة للدولة، وتوسيع نطاق بورصة مسقط عبر الاكتتابات الأولية مثل شركة أوكيو، وأوضح أن التخارج يبني اقتصادًا عمانيًا تنافسيًا ويدعم تقليل حجم الديون أو تقليص المديونية في الميزانية العامة، وإعادة تدوير الاستثمارات.
وأشار السابعي أن القطاع الخاص هو قاطرة اقتصاد المستقبل لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وهو قطاع الإنتاج الحقيقي، كما أنه يعمل على تطوير وتوطين التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى سلطنة عُمان، وتوطين الصناعات الجديدة من خلال عوائد التخارج والتوسع على المستوى الإقليمي والمحلي والدولي، ولذلك فإن جهاز الاستثمار العُماني يخطط للتخارج من 35 شركة حكومية ما بين 2023 و2027.
وأضاف أن هذه العمليات تسهم في تعزيز الشفافية والمحاسبة والحوكمة والتدقيق، مما يرفع من كفاءة الأداء لهذه الشركات ويوفر فرص عمل جديدة، كما أنها تضع سلطنة عُمان في مصاف الدول الاقتصادية المتقدمة عالميًا، وتسهم في رفع مؤشر التصنيف الائتماني للدولة، فضلًا عن تمكين سلطنة عُمان من إنشاء كيان اقتصادي جديد يعتمد على البحث والابتكار.
وفيما يتعلق بالسلبيات المحتملة لعمليات التخارج، أشار السابعي إلى وجود بعض المخاوف المجتمعية حول انتقال ملكية الشركات من الحكومة إلى القطاع الخاص، وربما دخول مستثمرين أجانب، إلا أنه أكّد أن هذه المخاوف ضئيلة مقارنة بالفوائد الكبيرة التي تحققها عمليات التخارج، حيث تتجاوز الفوائد نسبة 80%، مقابل سلبيات قد لا تتعدى 20%.
وبيّن أن بعد التخارج تأتي المرحلة الثانية، وهي إدراج الشركات في بورصة مسقط، بهدف رفع كفاءة سوق المال من خلال دخول شركات جديدة من قطاعات متنوعة، ويتم التركيز في الفترة الحالية على قطاعات محددة، مثل قطاع الطاقة والهيدروجين الأخضر، ومشروعات السكك الحديدية، والبتروكيماويات، والمعادن.
ويرى أنه لا بُدّ من وضع خطة استثمارية حقيقية في مجال التخارج، تشمل قطاعات اقتصادية جديدة، ولا تقتصر على قطاعات معينة، بل يجب التوجه إلى قطاعات أخرى مثل القطاع المالي، وتقنية المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الفضائي، والرقمنة، والأتمتة.
الابتكار والكفاءة
يقول أحمد بن سعيد كشوب، خبير اقتصادي: «يسهم التخارج في الشركات الحكومية بشكل كبير في تحسين كفاءة هذه الشركات من خلال إدخال سياسات القطاع الخاص التي تركز على الابتكار والكفاءة وتعزيز الشفافية، كما أن خصخصة الشركات العملاقة، خاصة في قطاعات النفط والغاز، تساعد على تحقيق أرباح مستدامة، مما يعزز الاستدامة المالية، إلى جانب ذلك، فإن التخارج يوفر فرص عمل جديدة ويخلق عوائد مادية ومعنوية».
موضحًا أن التوجه نحو الخصخصة والتخارج يهدف إلى تعزيز استثمارات الشركات وتسهيل حصولها على التمويل، حيث تواجه العديد من الشركات تحديات في الحصول على التمويل نتيجة وصولها إلى السقف المحدد للإقراض من البنوك، لذلك تلجأ هذه الشركات إلى الخصخصة أو التخارج كوسيلة لتمويل توسعها بعد أن رفعت الحكومة يدها عن تمويلها، كما أن التخارج أو الخصخصة ينبع من إستراتيجية جهاز الاستثمار العُماني التي تركز على التحول من خلال ثلاثة مسارات رئيسة، أولها التعامل مع الشركات المتعثرة التي لا يمكن إدراجها في السوق أو خصخصتها لتعزيز استدامتها، مما يساعدها في الحصول على تمويل جديد جراء بيع الأسهم وزيادة رأسمالها، ثانيًا، تعزيز الشركات المنتجة لدعم الشركات القادرة على تحقيق عوائد معنوية، منها توفير فرص عمل، بالإضافة إلى العوائد المادية من خلال تحقيق الأرباح، وثالثًا، خصخصة الشركات الكبرى، خاصة في قطاع النفط والغاز واللوجستيات، لإدراجها ضمن خطط الخصخصة، بحيث لا تخصص الحكومة أكثر من 30-40% من رأس مال هذه الشركات.
ولفت كشوب إلى أن الحكومة لا تواجه أية تحديات كبيرة فيما يخص التخارج، باستثناء التأكد من أن الشركات التي يتم التخارج منها قادرة على تحقيق الأرباح بشكل مستدام قبل طرحها للاكتتاب، وذلك من خلال ضمان أن تكون الأسهم قابلة للتداول بسهولة، وأكّد أن التخارج سيسهم في زيادة الابتكار، حيث إن الشركات التي تخضع للخصخصة ستتحول نحو الحلول الرقمية وتبني ممارسات الاستدامة بشكل أكبر، كما أنها مطالبة بتحقيق الابتكار لزيادة تنافسيتها في السوق، وشدد على عدم بيع أكثر من 40% من الاستثمارات الإستراتيجية التي تحقق عوائد جيدة تصل إلى 8%، كما أن الأوضاع العالمية توحي بعدم استقرار المؤشرات الاقتصادية.
وأشار إلى أن جهاز الاستثمار يشرف على بورصة مسقط، كونها إحدى الشركات التابعة له، لذلك يجب أن يضع على عاتقه مسؤولية رفع مستوى البورصة لتصبح ضمن فئة الأسواق الناشئة، وفي حالة ارتقائها سيتاح لها جذب استثمارات جديدة، بما في ذلك مستثمرين محليين وأجانب، وكذلك إنشاء محافظ استثمارية وصناديق استثمارية، كما أشار إلى أهمية التخارج والخصخصة في القطاعات الواعدة التي تهم المستثمرين الأجانب، مثل النفط والغاز، والاتصالات، واللوجستيات، والمصارف والبنوك، وقطاع التأمين، ونوّه على جهاز الاستثمار بضرورة تعزيز الثقافة المالية في بورصة مسقط من خلال توفير فرص للمستثمرين العمانيين لادخار أموالهم في شركات تحقق عوائد مربحة، مؤكدًا أن العوائد المتوقعة من الشركات التي تم إدراجها أو التي هي بصدد الإدراج قد تتراوح بين 6% إلى 9%، وهي عوائد لا تتوفر حاليًا في السوق العقاري أو في العوائد الأخرى.
مشروعات جديدة
من جهته، يقول محمد بن أحمد الشيزاوي، صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية، عن إسهام عمليات التخارج في تحقيق الاستدامة وتعزيز كفاءة استخدام الموارد داخل الشركات الحكومية والخاصة: «إن عملية التخارج للشركات الحكومية ترتبط بالعديد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، فمن الناحية الاقتصادية، يُسهم بيع حصص الحكومة في الشركات المحلية أو الخارجية في توفير سيولة جديدة لتمويل مشروعات جديدة أو الاستثمار في قطاعات ذات عائد اقتصادي أعلى، والابتعاد عن القروض في عمليات التوسع التي ترغب الشركات في تنفيذها، بالإضافة إلى دعم الموازنة العامة للدولة وتقليص اعتماد الشركات على خزينة الدولة، حتى عند تأسيس مشروعات كبرى».
كما أن قيام الشركات الحكومية بالتخارج عن طريق طرح جزء من رأسمالها للاكتتاب العام يتيح مزيدًا من الرقابة على الشركات والشفافية في أعمالها، وبالتالي يساعدها ذلك في تحقيق كفاءة استخدام الموارد وعدم المخاطرة بأموال المساهمين في أي مشروع إلا بعد دراسة وافية والحصول على موافقة المساهمين.
أما من الجانب الاجتماعي، فإن السيولة الناتجة عن عمليات التخارج تُسهم في تأسيس مشروعات جديدة تستوعب مزيدًا من الباحثين عن عمل، كما تتيح عملية التخارج عن طريق طرح الأسهم للاكتتاب العام للمستثمرين الأفراد مجالات جديدة لاستثمار مدخراتهم وتعزيز دخلهم من الاستثمار.
وأشار إلى أن هناك تحديات رئيسة تواجه الحكومة في تنفيذ خطط التخارج، منها تراجع القيمة السوقية للشركات المراد التخارج منها أو تآكل رأسمالها، فإذا كان هناك مجال لهيكلة الشركة وإعادتها إلى الربحية فهذا جيد، وإن كان صعبًا فمن المناسب التخارج منها وتقليص خسائر الحكومة في هذا الاستثمار، أما التحدي الآخر فهو وجود عدد من العمانيين يعملون في الشركة المراد التخارج منها، وفي هذه الحالة يجب على الشركة الحكومية تضمين اتفاقيات التخارج شرطًا يقضي بعدم تسريح العمانيين العاملين بالشركة.
وقال إنه يمكن تحقيق التوازن بين الخصخصة والحفاظ على الأصول الإستراتيجية للدولة وحماية مصالح الموظفين والمجتمع من خلال احتفاظ الحكومة بحصة مسيطرة في الشركات التي تمت خصخصتها، وبالتالي تستطيع الحكومة تحقيق أهدافها من الخصخصة وفي الوقت نفسه تحافظ على الأصول الإستراتيجية للدولة وتحمي مصالح الموظفين والمجتمع.
تحقيق التوازن
وأوضح أسعد بن محمد بن راشد الخصيبي، مستثمر في بورصة مسقط، أن عمليات التخارج تسهم في تعزيز استدامة الشركات الحكومية والخاصة من خلال تحسين استخدام الموارد، وتطوير الكفاءات البشرية، وتنويع الإيرادات، وتقليص المصاريف غير الضرورية، وأشار إلى أن التحديات التي تواجه الحكومة تشمل تحقيق التوازن بين الاستدامة المالية واستمرار التزامات الشركات تجاه البيئة والمجتمع.
وأكّد أن جهاز الاستثمار العُماني وضع خططًا للتخارج تشمل 35 شركة خلال خمس سنوات، مع طرح بعضها للاكتتاب العام، وأشار إلى أن التخارجات الناجحة، مثل «أوكيو لشبكات الغاز» و«أبراج للطاقة»، قد أسهمت في تحسين الإيرادات وتقليص التحديات المالية، كما أشاد بدور بورصة مسقط في ضمان الالتزام بالحوكمة الثلاثية المتوافقة مع «رؤية عمان 2040».
وأضاف أن تحقيق التوازن بين الخصخصة والحفاظ على الأصول الإستراتيجية يتم من خلال الطرح الجزئي واحتفاظ الحكومة بالنسبة الأكبر، كما أكّد أن التخارج يعزز الابتكار والاستثمار المستدام عند استغلاله بشكل صحيح، مثلما حدث مع «أسمنت عُمان»، حيث ارتفعت الإيرادات والأرباح بفضل إعادة هيكلة الشركة، وتحسين الكفاءة البشرية، وتطوير المعدات والتقنيات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تحقیق التوازن بین الشرکات الحکومیة جهاز الاستثمار تحقیق الأرباح مشروعات جدیدة عملیة التخارج القطاع الخاص النفط والغاز الشرکات التی وأشار إلى أن هذه الشرکات من الشرکات التخارج من بورصة مسقط فی الشرکات الحکومة فی ا فی السوق فی قطاعات على تحقیق اقتصاد ا کما أنه یسهم فی من خلال فرص عمل کما أن
إقرأ أيضاً:
خطارات مراكش.. تراث بيئي مستدام بمواجهة الإجهاد المائي
مراكش – من يزور مدينة مراكش من الباحثين في مجال البيئة، لا يمكن أن يتغاضى عن وجود قنوات كانت تستعمل لجلب المياه العذبة لكيلومترات عديدة من المناطق المحيطة، لتصل الى المدينة ويتم توزيعها بشكل مدروس على عدد من المرافق الحيوية، واستغلالها في سقي المساحات الخضراء، أو المزروعة أو في الاستعمال اليومي للمواطنين.
وتشكل الخطارات نظاما مائيا تقليديا يعكس خبرة الإنسان المغربي في تدبير الماء، وهو كان يرتبط ارتباطا وثيقا بالحدائق التقليدية مثل حدائق المنارة وأكدال ذات المساحة الواسعة وبها صهاريج مياه كبيرة، أو الحدائق الصغيرة في المنازل التقليدية (الرياض)، والمساحات الخضراء العمومية (العراصي والجنانات) والتي تمثل نموذجا مستداما للتنظيم البيئي.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4جغرافيا المياه في أفريقيا.. ثروة وتوترات ونزوحlist 2 of 4المياه والأنهار الجليدية هواجس أممية متجددةlist 3 of 4أصوات من غزة.. تفاقم أزمة المياهlist 4 of 4الغرق بالمياه العادمة كابوس يلاحق الغزيينend of listيقول الباحث المغربي عبد الرزاق ناهض في حديث للجزيرة إن قيام الحضارة الإنسانية يرتبط بوجود الماء على مر العصور وفي كل الأمكنة، وهكذا كان الحال بالنسبة لوجود الخطارات في مراكش وأحوازها.
ويستحضر ناهض في كتابه "خطارات حوز مراكش، الماضي، والحاضر، والمستقبل" مقولة الباحث المغربي المعروف في مجال البيئة محمد الفايز، والذي اعتبر فيها أن مدينة مراكش هي هبة الخطارات، كما كانت "مصر هبة نهر النيل"، حسب هيرودورت.
ينسج تاريخ مراكش وتاريخ هذه الشبكة الجوفية المنتشرة تحت نسيجها العمراني أسطورة مشتركة، كما يعبر عن ذلك الباحث ناهض، مبرزا أن حضارة المدينة الحمراء شيدت في قلب الجفاف، وهو ما يثير الكثير من الاهتمام والإعجاب.
إعلانمن جهته، يؤكد الباحث المغربي في التاريخ الاجتماعي رشيد شحمي للجزيرة نت أن مراكش عرفت بالحر الشديد، و"فيها يسقط الطير من شدته" كما يقال، لكن المرابطين استطاعوا تحويلها الى جنة خضراء فيحاء بعد أن جلبوا لها الماء من جبال الأطلس المحيطة عبر الخطارات، وأصبحت واحة النخيل في مراكش بهجة الناظرين وواحة فيحاء للمتنزهين.
ويضيف أنها إلى جانب كونها وسيلة أو منشأة مائية للسقي والري وتحويل وجلب المياه، فهي أيضا نظام بيئي يحافظ على جودة الماء عبر ثقب التهوية وكذلك تحافظ على الرطوبة الجوية كما أنها وسيلة فعالة في نقل الماء من مسافة بعيدة دون تبخره.
من جانبها، تقول الأكاديمية المغربية حنان حمودا للجزيرة نت إن الخطارة في المغرب ساهمت في مواجهة إشكالية ندرة الموارد المائية، نظرا لأن مجتمع الواحة قام بإنتاج نظام توزيع عرفي محلي لمياه الخطارة، قائم أساسا على تدبير فترات الندرة والخصاص، عبر تمسك سكان الواحات المغربية بتطبيق قوانين وأعراف الماء القديمة.
تشكل الخطارات في مدينة مراكش مختبرات طبيعية وبيئية عريقة جدا، أثارت اهتمام العديد من الباحثين، في مجال يميزه ندرة المياه، كما هو الشأن في عدد من الواحات المغربية.
ويعتمد نظام الخطارة، وتسمى أيضا في الجنوب المغربي بالفجارة، على نقل المياه عبر قنوات باطنية، تتخللها أجواف أو ثقب لأجل التهوية، معتمدة على الانحدار الطبوغرافي.
وتشير الأكاديمية المغربية سعاد بلقزيز في حديث للجزيرة نت إلى أن الباحثين لاحظوا أن مراكش تتمتع بموقع جغرافي فريد في مخروط رسوبي محاط بسلاسل جبلية، مما يسمح بتدفق المياه من الطبقات الجوفية والأودية، وهي نقطة تقاطع لعدة مكامن مائية تم استغلالها بفضل عبقرية تصميم الخطارات.
إعلانوتضيف أن هذه المنشآت تلعب دورا أساسيا في توازن المياه في المنطقة، فتصميمها تحت السطح يجعلها قادرة على توجيه المياه إلى المناطق الزراعية من دون هدر أو تبخر مفرط، وبالتالي تعتبر نموذجا للإدارة المستدامة للموارد المائية، والحفاظ على النظم البيئية.
بينما تضيف الباحثة حمودا أن التدبير المستدام لدورة مياه الخطارة، يعتمد دورة وتوقيت محدد، وساعة خاصة وصارمة، يراقبها ويسهر عليها شيخ الخطارة، بضوابط وقواعد اجتماعية تتحكم في توزيع حصص الفرد من الماء. فيتم توزيع الماء بالتتابع وحسب نظام الحصص.
لا يقتصر الاهتمام المتجدد بالخطارات على هندستها العبقرية ودورها التاريخي في تدبير شح الموارد المائية، بل يتعداه لتصبح مصدر إلهام لحلول مستقبلية في مواجهة التغيرات المناخية.
وتؤكد حنان حمودا وهي مستشارة في مؤسسة مفتاح السعد (مؤسسة غير حكومية تهتم بالتراث المائي) على التقدير الدولي الكبير الذي تحظى به الخطارات، وذلك لعبقريتها الاجتماعية في فلسفتها المقتصدة للماء وحفظه جوفيا، ولدورها في الحفاظ على الرابط الاجتماعي للواحات المغربية العريقة.
وتبرز أن البحث العلمي ينظر بإعجاب لهذه التقنية المائية العرفية والتاريخية، فهناك العديد من التجارب العلمية الدولية التي تحاول نقل الخبرات والمعارف وتقنيات بناء الآبار الجوفية للخطارة وطرق إيصال الماء من "المنبع" إلى "المصرف"، مع الاعتراف بمدى نجاعتها في الصمود أمام موجة التغيرات المناخية والجفاف الهيكلي، بناء على فلسفتها المقتصدة للماء.
ويؤكد الباحث عبد الرزاق ناهض أن هذا الاهتمام المتجدد الذي تحظى به الخطارات يجب في جميع الأحوال، أن يبرر بأبحاث متعددة التخصصات ومشاريع ترميم وصون تراثي تدمج حماية هذه التقنية والمحافظة عليها مع ترويجها كتراث، مع إشراك مختلف الفاعلين.
ويشير إلى أن ذلك ينبغي أن يراعي الخصوصيات الهيدروليكية الجوفية، ويأخذ عين الاعتبار مختلف الأبعاد الزمانية والمكانية لهذه التقنية التقليدية للريّ واحتياجات كل منطقة من التراب المغربي.
ومع تصاعد الضغوط المائية، تبرز الحاجة إلى إعادة تأهيل الخطارات والحدائق التقليدية بصفتها خطوة نحو تبني حلول مستدامة تستند إلى مبادئ الهندسة الخضراء.
إعلانوترى الأكاديمية بلقزيز أنه على الرغم من صعوبة تنفيذ الخطارات اليوم بسبب تعقيد بنائها الذي يتطلب قوة عمل كبيرة إلا أنها تملك القدرة على إلهام الأعمال الهيدروليكية الحديثة.
وتشير إلى أن مشروع طريق المياه في المغرب هو مثال بارز على هذا الإلهام، إذ تم نقل المياه من مناطق الشمال إلى الجنوب، مستفيدا من الأساليب القديمة لمواجهة التحديات المائية المعاصرة.
وتؤكد بلقزيز أن هذا المشروع يطبق نهجا مشابها بإنشاء قنوات تحت الأرض، لتحسين كفاءة نقل المياه وتقليل التأثير البيئي، متماشيا مع المبادئ الأساسية للخطارات، لا سيما الإدارة المستدامة والفعالة للمياه.
بدوره، يقول الباحث المغربي عبد الرزاق ناهض إن الخطارات تشكل مرجعا نموذجيا للهندسة في تدبير المياه، لذلك يجب إحياؤها بإدماجها ضمن مشاريع مائية من خلال اعتماد تقنية مائية ناعمة وبيئية محلية.
ويشير إلى كونها تمثل اختراعا عالميا بارعا، وينبغي حمايتها بهدف نقل الذاكرة الجماعية في إطار تنمية مستدامة، من شأنها أن تصون وتعيد الاعتبار لتراث يعكس الثقافة والقيم المغربية.