«الإفتاء»: تتبع العورات وانتهاك الحرمات ونشرها حرام شرعًا
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
أوضحت دار الإفتاء المصرية، رأي الشرع في تتبع العورات وانتهاك الحرمات ونشرها، قائلة إن إقدام بعض الأفراد على اقتحام الحياة الخاصة للغير دون علمهم، وكشف الستر عنها بطرق مختلفة، مثل: تصويرهم بأدوات التقنية الحديثة، أو التلصص البصري، أو استراق السمع، أو غير ذلك من الطرق، ونشرها على منصات الإعلام الرقمي، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو غير ذلك، يعدُّ تتبعًا للعورات الواجب سترها، وانتهاكًا للحُرُمات الواجب صونها، وفضحًا للمستورات الواجب حفظها.
وأضافت دار الإفتاء أن هذه كلها أفعالٌ مستقبحةٌ لدى العقلاء عُرفًا، ومحرمةٌ شرعًا، ومحظورةٌ قانونًا، وموجِبةٌ للإثم والعقوبة الرادعة، وعلى الإنسان أن ينأى بنفسه عن الوقوع في هذه المهلكات، أمانًا لنفسه، وصونًا لمجتمعه ووطنه.
التحذير من تتبع العورات وانتهاك الحرمات ونشرها وخطورة ذلكإنَّ مواكبة التقدم العلمي والحضاري في جميع المجالات، والاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة في كل ما هو نافع ومفيد، هو من الأمور المحمودة التي ينبغي للمسلم الاستفادة منها بالشكل الذي يتفق مع ضوابط الشريعة الإسلامية، والتي نهت عن كلِّ ما يؤثر بالسلب على الفرد أو المجتمع، من التجسس على خصوصية الآخرين، أو تتبع عوراتهم، أو التلصّص عليهم بأي شكل من الأشكال، واستغلال شيء من ذلك بما يؤثر بالسلب على أمن المجتمعات، وتعكير السلامة النفسية لأفرادها، والنيل من قيمها الأخلاقية والتربوية.
والأفعال التي ورد السؤال بخصوصها تحصل في الغالب على مستويين:
الأول: الرصد والمتابعة، حيث يتمّ ذلك من خلال تعقب الإنسان وتتبعه للآخرين للوقوف على أقوالهم وأفعالهم وما يسترونه من أمورهم ويكرهون أن ينكشف أو يطلع عليه غيرهم دون إذنهم، سواء بالتقاط الصور الفوتوغرافية، أو تسجيل المقاطع المرئية، أو التسجيلات الصوتية، أو غير ذلك من الوسائل الحديثة التي يُساء استخدامها من قِبَل البعض.
والثاني: التشهير، ويكون ببث ما تمّ الحصول عليه من تلك التفاصيل، وما وقعت عليه الأنظار من عورات، إما بطريق المشافهة، أو عن طريق الهاتف، أو بالنشر على منصات الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي، ممَّا يتسبب في إحداث الفتن، وإشاعة الأكاذيب في المجتمع.
وكل ذلك من الأمور التي نهى الشرع الشريف عنها:
أما تتبع عورات الناس وانتهاك حياتهم الخاصة والتلصّص على أحوالهم المستورة وتحسس أفعالهم: فكُلُّها سلوكيات ورد الشرع الشريف بتحريمها والتحذير من الإقدام على فعل شيء منها وإن قُصِدَ منها إنكار المنكر، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، أي: لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك، كما قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 257، ط. دار الكتب المصرية).
وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12]، أي: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، كما قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (22/ 304، ط. مؤسسة الرسالة).
وقد تَوَعَّدَ الله سبحانه من يتجسس ويتتبع عورة أخيه ليفضحه، بأن جعل عقوبته من جنس عمله، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» أخرجه الإمام أحمد -واللفظ له- وأبو يعلى والروياني والشهاب القضاعي في "المسند"، وأبو داود والبيهقي في "السنن".
قال الإمام التنوخي في "شرحه على متن الرسالة" (2/ 449، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يسرق سماعًا، ولا يستنشق رائحة، يتوصل بذلك إلى المنكر، ولا يبحث عما أخفى في يده أو ثوبه أو دكانه أو داره، فإنَّ السعي في ذلك حرام] اهـ.
وقال الشيخ البكري الدمياطي في "إعانة الطالبين" (4/ 209، ط. دار الفكر): [واعلم أنه ليس بواجب على أحد أن يبحث عن المنكرات المستورة حتى ينكرها إذا رآها، بل ذلك محرم، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾] اهـ.
ولا شك أنَّ تلك السلوكيات: تؤدي -لا محالة- إلى هدم القيم المجتمعية والأخلاقية والحضارية، وقد أقامت الشريعة الإسلامية سياجًا مانعًا وقويًّا من الأحكام الشرعية والآداب المرعية للحيلولة دون حدوث شيءٍ من ذلك من خلال الحثّ على التحلي بجميل الصفات من القيم الأخلاقية والتعاليم التربوية الراقية، ونهت عن ارتكاب الأفعال التي تشتمل على معاني التجسس وسوء الظن والانسياق وراء الشائعات والأخبار المكذوبة التي تسبب هدم العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية، وتزيد في التباغض بين الناس، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 481، ط. دار المعرفة): [قوله: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ وذلك أنَّ الشخص يقع له خاطرُ التهمة فيريد أن يتحقق، فيتجسس، ويبحث، ويستمع، فنهى عن ذلك، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾. فدلّ سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة، لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن. فإن قال الظَّانُّ: أبحثُ لأتحقق؟ قيل له: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾. فإن قال: تحققتُ من غير تجسس؟ قيل له: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾] اهـ.
اقرأ أيضاًدار الإفتاء: ترويج الشائعات وبث الفزع بين الناس محرم شرعا
ما حكم تمويل الخدمات بالتقسيط؟.. «الإفتاء» توضح رأي الشرع
هل يجوز قضاء الصلاة الفائتة في جماعة؟.. الإفتاء توضح رأي الشرع
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: دار الإفتاء المصرية مواقع التواصل الاجتماعي تتبع العورات وانتهاک ا تتبع ا ذلک من الله ع
إقرأ أيضاً:
حكم الخروج من المنزل قبل الاغتسال من الجنابة .. دار الإفتاء تجيب
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم الخروج من البيت على حال الجنابة؟ وهل هذا يجوز أو أنه لا بد من الاغتسال قبل الخروج؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن الجنابة لغة: البُعد؛ ضد القُرب، وجنَّب الشيء، وتَجانبه، واجتنبه أي: بعد عنه، يُقال: أجنب الرجل؛ أي: أصابته الجنابة، وإنما قيل له: جُنُب؛ لأنه نُهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، فتجنَّبها وأجنَب عنها، أي: تَنحَّى عنها، وشرعًا: أمر معنوي يقوم بالبدن يمنع صحة الصلاة حيث لا مُرَخِّص.
وتابعت: فإذا ما حصلت الجنابة فينبغي المسارعة إلى الطهارة منها ما استطاع الجنب إلى ذلك سبيلًا، ويجوز له الخروج لقضاء حوائجه والتصرف في بعض شئونه، وقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على أن الجنب ليس بنجس.
فقد روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟» فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، يَا أَبَا هِرٍّ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ».
وأشارت إلى أن غسل الجنابة يجب على التراخي لا على الفور، وإنما استحب بعض الفقهاء عدم تأخيره؛ لما يخشى من أثر تأخيره على النفس بكثرة الوساوس ونحوها؛ قال العلامة ابن ميارة المالكي في "الدُّر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين" (166، ط. دار الحديث، القاهرة): [وتأخير غسل الجنابة يثير الوسواس، ويمكن الخوف من النفس، ويقلل البركة من الحركات، ويقال: إن الأكل على الجنابة يورث الفقر] اهـ.
وأوضحت أنه لا يجب غسل الجنابة على الفور، إلا لإدراك وقت الصلاة؛ قال العلامة الشبراملسي الأقهري في "حاشيته على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (1/ 209، 210، ط. دار الفكر): [قوله: (ولا يجب فورًا أصالة) خرج به ما لو ضاق وقت الصلاة عقب الجنابة أو انقطاع الحيض، فيجب فيه الفور؛ لا لذاته، بل لإيقاع الصلاة في وقتها] اهـ.
وتابعت: فلا يأثم الجنب بتأخيره الغسل في غير وقت الصلاة، وإنما يأثم بتأخيره للصلاة عن وقتها؛ قال العلامة ابن قدامة المقدسي في "المغني" (1/ 152، ط. مكتبة القاهرة): [وليس معنى وجوب الغسل في الصغير التأثيم بتركه، بل معناه أنه شرط لصحة الصلاة، والطواف، وإباحة قراءة القرآن، واللبث في المسجد، وإنما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه، ولذلك لو أخره في غير وقت الصلاة، لم يأثم] اهـ.
وبناءً على ذلك: فلا حرج من خروج الجنب من بيته وهو على حالة الجنابة، ولا إثم عليه في ذلك، وإن كانت المسارعة إلى الطهارة أولى؛ لأن غسل الجنابة لا يجب على الفور، ولا يكون الجنب آثمًا بتأخيره لغسل الجنابة، ما لم يؤدِّ ذلك إلى تأخير الصلاة عن وقتها.