«عام على طوفان الأقصى»… عامٌ مرّ بطيئاً مثقلاً بالفعل المقاوم، مكتنزاً ببطولات المجاهدين، مفعماً برائحة الشهادة التي توّجها سيّد شهداء طريق القدس السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، مختنقاً بغبار ركام القصف، محفوفاً بآهات الثكالى والمهجّرين والمعذّبين، وها هي الأقدام العارية وقد استوت عليها سوقها لا تزال ثابتة في أرض غزّة ترسم خارطة جديدة للعشّاق، وتخطّ على صخرة الشعب سفر الصبر والرجولة.
قلنا ونقول: إنّ «طوفان الأقصى» كان ضرورة من ضرورات بقاء الشعب وقضيته التي خُطّط لها أن تكون في قائمة المنسوخات التاريخية، وأنّ ذلك اليوم المجيد قد حفظ لفلسطين اسمها، وعنوانها في جغرافيا المنطقة، وأعاد من شبه الغياب مخطوطة روايتها التي أريد لها أن تدخل متحف التاريخ..
في يوم «طوفان الأقصى» لو لم نغزهم لغزونا، وقد أكملت غزوتنا وردها حتى آخر حرف في لغة العرب، وأفلح الشباب في إثخان الوحش وإسقاطه، بل وفي اصطياده، لكنّ قومنا كانوا بعضهم نياماً والبعض لئاماً، والقلّة منهم كانوا نبلاء كراما..
في صبح «الطوفان الأعظم» أشرقت في بلادنا شمسان، واحدةٌ في السماء والثانية في الأرض، في ذاك اليوم غربت شمس واحدة هي شمس السماء، أمّا شمس الأرض فلا زالت مشرقة لا تغيب، وهي الآن تطوف على الجبهات، تعطي النور وتعطي الدفء، وتفجّر في الأرض عيوناً من عذب فرات الآتين مع الوعد الصادق، تحملهم أجنحة الحق وتقذفهم في وجه الباطل حتى يزهق..
سيّد صباحات العصر كان صباح «الطوفان الأعظم» كان صباح الأقصى المنتظر الموعود، وكان شديد الإشراق، سديد القول، رشيد الفعل، وقد تليت فيه آيات الفتح المبين، والنصر العزيز، وكان الشهداء من ياسر وسميّة وحمزة وعلي وحسين وحتّى القسّام وياسين وفتحي.. كان الشهداء في ذاك الصبح يقودون القافلة المتّشحة بالحق وبالغضب وبالطوفان.
ولأول مرة منذ النكبة، ومنذ ولادة هذا الرجس وزرع السرطان، تشرق شمس العودة، ويتنفس وجه الأرض، ويجري الماء، وتهب الريح، وتغرّد العصافير، وتزهر الحقول، وتصهل الخيول، ويرقص البحر، وتغتسل النوارس، وتحلّق النسور، وينقشع الضباب، وتنشد الهضاب، وتنتصب القباب، وتصدح المآذن، وتقرع الأجراس، وتزغرد النساء، ويسكن المساء، وتلمع النجوم، ويكتمل البدر، وتفيض الأنهار، ويستمع العالم لفلسطين..
اندفع الطوفان وتعانق مع شلالات الإسناد من لبنان واليمن والعراق وسورية وإيران، واتّسع مداه إلى أحرار العالم، والملحمة الكبرى بدأت، ولن يوقفها شيء… مع الطوفان انعدمت كل قواعد ومعادلات الاشتباك، ومن غير المعقول أن نسمح لهذا الشيطان أن يحبسنا في معادلة تسمح له بالتفوّق وهذا ما حدث إلى الآن..
«طوفان الأقصى» أسّس للمعركة الأشمل من المسافة صفر، وهذا ما يفسّر إعجازه وخرقه للمألوف وللنمطية في المواجهة، وكان مصداقاً لقوله تعالى: {.. ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة:23]
وقد برهنت كل المواجهات التي خاضتها أمّتنا أنّ انتظار العدو حتى يغزونا كانت نتائجها في غير صالحنا والعكس صحيح، وليس صحيحاً أن نقاتل العدو في ميدان تفوقه، بل الصحيح أن نقاتله في الميدان الذي يعطّل هذا التفوّق، وأعني به القتال من المسافة صفر، حيث لا يعود لتفوق العدو الجوّي والتكنولوجي والسيبراني والنووي.. أي معنى، وتصبح الإرادة والدافعية والإيمان والشجاعة والاستعداد للتضحية هي عناصر التفوّق وهي كلّها مجتمعة في المجاهدين، وليس عند العدو شيء منها، وهذا ما تُحدثنا به كل ميادين الاشتباك المباشر من معركة الكرامة في العام 1968م، إلى معركة وادي الحجير 2006م وحتى معركة «طوفان الأقصى» في 2023م..
إنّ معركة «طوفان الأقصى» هي معركة الالتحام مع العدو التي أفقدته توازنه، وسلبت منه كل عناصر تفوّقه وردعه بعد تعطيلها وتحييدها، وهي النمط الوحيد من المعارك التي نملك فيها كل عناصر التفوّق والانتصار، وليس أمام قوى المقاومة والجهاد إلّا أن تخوضها متّكلة على الله سبحانه..
لقد تأخرنا كثيراً لأسباب لا أريد ذكرها… وآن لنا أن نتعلّم من مدرسة «طوفان الأقصى».
{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}
*رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
“الجبهة الشعبية” تثمن موقف اليمن بشأن العدوان الصهيوني على إيران
الثورة نت /..
ثمنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اليوم السبت، موقف القوات المسلحة اليمنية، والذي أكدت فيه “أن السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر ستكون أهدافاً مشروعة في حال تورط الولايات المتحدة في أي عدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، إضافةً إلى إعلان استعدادها للوقوف إلى جانب أي دولة عربية أو إسلامية تتعرض لعدوان صهيوني.
وقالت الجبهة في بيان صادر عنها اليوم السبت: “يُمثّل هذا الموقف تطوراً مهماً وشجاعاً، ويعكس وعياً عميقاً بطبيعة المرحلة وبوحدة النضال والمصير المشترك في مواجهة العدوان الصهيو-أمريكي”.
واعتبرت أن هذا الإعلان الجريء من اليمن المقاوم يعكس بوصلة حقيقية للمواجهة، ويبعث برسالة واضحة للعدو الأمريكي مفادها أن هناك في الأمة قوى حيّة مستعدة للتصدي والوقوف في خطوط الدفاع الأمامية.
ودعت الجبهة جماهير الأمة وقواها الوطنية والثورية وكل الأحرار في العالم إلى إدراك خطورة المرحلة والانضمام إلى هذه المعركة العادلة، التي تقف فيها إيران وفلسطين واليمن ولبنان في طليعة المواجهة ضد رأس الإجرام العالمي أمريكا وربيبتها “اسرائيل”، دفاعاً عن الحرية والسيادة والكرامة الإنسانية.
وفي وقت سابق، أكدت القوات المسلحة اليمنية، أنها ستستهدف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر، في حال تورط الأمريكي في الهجوم والعدوان على إيران مع العدو الإسرائيلي.
وجددت القوات المسلحة في بيان صادر عنها اليوم السبت، التأكيد على موقف اليمن المبدئي والثابت في رفض العدوان الصهيوني على إخواننا في غزة ولبنان وسوريا وأي بلد عربي أو إسلامي يتعرض للعدوان الصهيوني، كما جاء في بيانات سابقة.
وذكرت أن المعركة مع العدو الإسرائيلي المعتدي على إيران، مع ما يرتكبه قبل ذلك من إجرام ضد الشعب الفلسطيني وإبادة جماعية، واعتداءات مستمرة على الشعبين اللبناني والسوري، والعدوان على اليمن، ثم اتجه لعدوان شامل ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، تحت عنوان تغيير وجه الشرق الأوسط.. لافتة إلى أن العدو الإسرائيلي يسعى إلى السيطرة التامة على المنطقة، وتنفيذ المخطط الصهيوني بدعم أمريكي مفتوح، وشراكة أمريكية، ويحاول إزاحة الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنه يعتبرها العائق الأكبر في طريق إنجاز مخططه.
وأكدت القوات المسلحة أنه لا يمكن السكوت على أي هجوم وعدوان أمريكي مساند للعدو الإسرائيلي ضد إيران في إطار الهدف الرامي لتمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على المنطقة كلها، لأنه يعني مصادرة حرية واستقلال وكرامة أمتنا، واستعبادها، وإذلالها، ومسخ هويتها، واحتلال أوطانها، ونهب ثرواتها، وتثبيت معادلة الاستباحة للدم والعرض والأرض والمقدسات.
ولفت البيان إلى أن المعركة هي معركة الأمة بكلها، والنجاة للأمة، والعزة، والنصر في التحرك، والجهاد في سبيل الله تعالى.
وأوضح أن القوات المسلحة تتابع وترصد كافة التحركات في المنطقة ومنها التحركات المعادية ضد بلدنا وإنها بعون الله ستتخذ ما يلزم من إجراءات مشروعة للدفاع عن بلدنا العزيز وشعبه الأبي.. مؤكدا أن اليمن العزيز بشعبه العظيم وقيادته المؤمنة وجيشه المجاهد سيقف إلى جانب أي بلد عربي أو إسلامي يتعرض للعدوان الصهيوني أو يقرر مواجهة هذا العدوان دفاعا عن نفسه، أو دعما وإسنادا للمجاهدين في المقاومة الفلسطينية.
كما أكدت القوات المسلحة أنها لن تتخلى عن الأشقاء في قطاع غزة، ولن تسمح للكيان المجرم المدعوم أمريكيا بتنفيذ مخططاته في المنطقة.
ويشنّ العدو الصهيوني عدواناً متواصلاً على إيران، منذ منتصف ليل 13-14 حزيران/يونيو، مسفراً عن مئات الشهداء والجرحى، بينما ترد طهران باستهداف المراكز الحيوية والبنى التحتية الصهيونية بالصواريخ البالستية والمسيرات.