بينما يحيي العالم السنوية الأولى لبدء القصف الإسرائيلي على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، لا يزال الوضع مأساويًا مع استمرار التحديات الإنسانية والجراح العاطفية التي قد تستمر لأجيال. 

ويستمر العدوان الإسرائيلي علي كافة أرجاء القطاع كواحد من أشد وأعنف الأعمال العدائية الدموية في المنطقة في السنوات الأخيرة.

تم تدمير البنية التحتية الهشة بالفعل في غزة – من إمدادات المياه، وشبكات الكهرباء، والمستشفيات. وبلغت حصيلة الشهداء المدنيين مستويات مروعة، حيث أشارت التقارير إلى استشهاد ما لا يقل عن ٤٢ ألف شخص، بما في ذلك النساء والأطفال.

وتسلط شهادات الناجين لموقع صدي البلد الإخباري الضوء على صورة مؤلمة لسكان محاصرين في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان والمحاصرة في العالم، دون أي أمل في الهروب أو الحصول على إغاثة.

ومثل الكثير من الفلسطينيين، يعيش عمر عبد ربه، صحفي وكاتب فلسطيني، يبلغ من العمر 30 عامًا، في المنطقة الوسطى من غزة وسط حرب مستمرة منذ عام، حرب لا تبدو أنها ستنتهي قريبًا. فهو يرى أن الوضع لا يزال معقدًا وأن العدوان قد يستمر لفترة طويلة.

وتحدث عمر لموقع صدي البلد الإخباري عن معاناة الفلسطينيين الذين فقدوا الأمل في العودة إلى شمال غزة بسبب الدمار الهائل هناك، قائلًا: ”الوضع الإنساني في غزة كارثي. فقد أدى القصف المستمر إلى دمار واسع، نزوح أكثر من مليون ونصف مواطن، وسقوط آلاف الشهداء“ وأضاف: ”خاب أملنا في التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار."

وعبر عمر بحزن وأسى عن رغبته في مغادرة غزة، مثل الكثير من الفلسطينيين الذين يسعون إلى الهروب من جحيم الحرب. إذا أتيحت له الفرصة، سيتوجه سيغادر القطاع، على أمل أن يجد مكانًا للاستقرار في أوروبا أو الخليج، موضحًا “إنها نكبة جديدة، ونحن نعيش وسطها. كل فلسطيني يحلم بالسفر إلى مكان آمن، بعيدًا عن هذا الجحيم". 

أما أحمد أبو طالب، أب يبلغ من العمر 34 عامًا من غزة، تذكر الليلة المروعة التي دمرت فيها غارة جوية إسرائيلية حيه بأكمله. 

وقال بصوت بالكاد يُسمع: "فقدت زوجتي وطفلي في لحظة واحدة. كنا جالسين في غرفة المعيشة نحاول أن نبقى هادئين، والشيء التالي الذي أتذكره هو أنني استيقظت في المستشفى. عائلتي ذهبت. كل شيء عشت من أجله ذهب."

ونجت فاطمة القاضي، وهي طالبة جامعية تبلغ من العمر 19 عامًا، بصعوبة من الموت عندما أصاب صاروخ منزل عائلتها. وقالت: "كنت محبوسة تحت الأنقاض لساعات طويلة، أصرخ طلبًا للمساعدة. أخي وأبي لم ينجوا. كيف تستمر الحياة بعد ذلك؟ كيف تعيد بناء حياتك عندما يُؤخذ منك كل شيء في ثوانٍ؟"

الآثار النفسية لا تقل خطورة. الصدمة التي يعاني منها الأطفال، الذين يشكلون نحو نصف سكان غزة، لا يمكن تخيلها. دانا، فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات فقدت والديها في غارة جوية، ترفض الكلام. وتقول جدتها، التي تعتني بها الآن في إحدي خيام النازحين في رفح الفلسطينية، إن دانا تستيقظ تصرخ في منتصف الليل، وتتذكر كوابيس الرعب الذي عاشته.

في سياق أخر، بالنسبة لكثيرين، إعادة بناء الحياة في غزة تتجاوز مجرد البنية التحتية. إنها تتعلق باستعادة الكرامة والأمل في مواجهة الصعاب الهائلة. كما تقول سلمي الحداد: "نحن بحاجة إلى أكثر من مجرد الطوب. نحتاج إلى العدالة. نحتاج إلى أن نعيش دون خوف من سقوط السماء علينا مرة أخرى."

وفي محاولة لنقل الوضع الإنساني المتدهور في غزة، قال شادي النجار، أحد سكان رفح، لموقع صدي البلد الإخباري: "في يومٍ واحد قد نأكل وجبة واحدة، وفي بعض الأيام لا نجد ما نأكله. الأطفال ينامون جياعًا، ونخاف على حياتنا أكثر من أي وقت مضى. لا توجد مياه نظيفة، نعيش على المياه الملوثة، والأمراض تنتشر بسرعة بيننا."

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة صدی البلد من العمر فی غزة

إقرأ أيضاً:

رحلة العمر

(1)

ربما أنا أشهر مَن في هذا الوجود.. ربما لا يحظى كائن بما لديّ من مكانة.

فمهما كانت لغة القوم أو بلادهم أو زمانهم، ستجد صُوَري على جُدران شوارعهم وحواريهم، وستراني مرسوما هنا وهناك، وأنا حاضر دائما في كراريس المراهقين، وفي رسائل جهابذة الأدب والفكر، لا يعلو صوت على صوتي أبدا، ورغم ذلك لا يعرف الناس حقيقتي.

لا يعرفون أنني جوهر روحيّ لطيف، ومركز الإدراك، والتكليف، والإيمان، وأنا السرّ الذي يخطو بالمرء نحو الله قبل أن تخطو قدماه، وأنا الرسالة التي لا تُرى، وكتاب الإنسان الذي يُقرأ يوم القيامة قبل كُتبه، وأنا المكان الوحيد الذي إذا تطهّر، صار الإنسان معه أكبر من العالم، وإذا فسد، ضيّع العالم كله مِن بين يديه.

أنا -يا سادة- محلّ نظر الله.. فأي شرف هذا؟

بل أنا النافذة التي يَرى بها الإنسان ربه والعالم ونفسه، أنا تلك اللطيفة الربانية المتعلِّقة بالروح، التي تعي وتُريد وتُحب وتكره، أنا جوهر علوي لطيف يُدرِك المعاني، وأنا المخاطَب والمُطالَب، وأنا المقبول والمردود، باختصار أنا موضع العقل، موضع الإيمان، موضع الهوى، وأنا مَلِك الجوارح، فإذا صلح  أمري صلحت كلُّها.

أنا القلب يا سادة.

(2)

يخلط الناس بيني وبين القلب المعروف، هذا العضو المادي، تلك المضخة العضلية التي تَدفع الدم عبر الجسم، بأُذَينيه وبُطينيه وصمّاماته، وعمله الفيزيولوجي.

أما أنا، فأقع في باطن الإنسان لا في جسده المادي، ويسميني العلماء: القلب المعنوي، أو القلب الروحاني، أو اللطيفة الربّانية، أو النفس العاقلة.

وقد قال العلماء: إن بيننا ارتباطا لا تطابقا، مثل العلاقة بين الروح والجسد؛ فالقلب العضوي هو المَقر الذي أرتبط به أنا "القلب الروحي"، لكنه -بلا شك- ليس إيّاي، فالقلب يُطلق على العضو، ويُطلق أيضا على المعنى القائم بالإنسان، وهو محل العقل.

إعلان

نعم، القلب يطلق على اللحم الصنوبري، ويطلق عليّ كجوهر لطيف رباني هو حقيقة الإنسان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، ورغم أني قلب معنوي إلا أن الخالق قال: ﴿فِي الصُّدُورِ﴾ للإشارة إلى ارتباط المعنوي بالعضوي، لكن دون مساواتهما.

وإذا كان الأمر غير مفهوم لك دعني أقدِّم لك مثالا:

القلب العضوي مثل جهاز الكمبيوتر (الهارد وير)، أما أنا -القلب الروحي- فمثل نظام التشغيل (السوفت وير).

الجهاز مهم، لكن الذي يوجِّه، ويختار، ويحدِّد الوظائف هو البرمجة الداخلية.

المشكلة الكبرى هي أن الناس لا تفرِّق أحيانا بيني وبين العقل، ينسون أن العقل وظيفة وليس عضوا، بل هو صفة لي أنا القلب حين أُدرِك وأُميز وأَستبصر

(3)

وإذا كان الفرق بين القلب العضوي والقلب الروحي بات واضحا لك، فإني متأكد أن المشكلة الكبرى هي أن الناس لا تفرِّق أحيانا بيني وبين العقل، ينسون أن العقل وظيفة وليس عضوا، بل هو صفة لي أنا القلب حين أُدرِك وأُميز وأستبصر، فالعقل صفة أو فعل للقلب، ليس شيئا قائما بنفسه، نعم العقل نور يقذفه الله في القلب، العقل هو قدرة القلب على التمييز.

إذن العقل هو النور الداخلي الذي يمنحني أنا القلب القدرة على الفهم، أنا مثل الوعاء الذي يحمل الفهم والإرادة والنية، والعقل هو القوة التي تمكِّنني من التمييز بين الحق والباطل.

أنا الذي يرفع الإنسان أو يُرديه.

ولهذا كان النظر الإلهي إليّ وحدي، لا إلى الصورة، ولا إلى الذكاء.

العقل يُحلل لكن القلب هو الذي يختار (شترستوك)

نعم العقل يُحلل، لكني أنا الذي أختار.

العقل يرى الطريق، لكني أنا الذي أُحدِّد الوجهة.

وقد يعرف الإنسان الصواب ولا يفعله؛ لأن العقل أَدرك، لكن أنا القلب لم أوافق.

العقل قوة معنوية يستعملها القلب لفهم الحقائق ووزن الأمور؛ لأن التفكير في المنظور القرآني ليس مجرد تحليل، بل تحليل، زائد ضمير، زائد بصيرة، زائد نية، زائد خُلُق، وهذا كله يتجمَّع عندي أنا القلب بوصفي مركز الإنسان الداخلي، ولهذا يقول الله عن الكفار: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ ، العقل هو آلة التمييز التي يستخدمها القلب؛ فالقلب يرى، والعقل يفسر، العقل يحلل المعلومات، بينما القلب يوجّه النية والاختيار، العقل يشتغل بالبرهان، والقلب بالبصيرة، وهذا هو حال من أُوتوا الذكاء ولم يُؤتَوا البصيرة.

(4)

لكن دعني أعترف بعيوبي، فأنا -رغم ذلك- مسرح تتصارع فيه قوى متضادة، وهذا ما يجعل الإنسان مخلوقا عجيبا، قادرا على أن يكون شفيفا حتى تظن أن الملائكة تحفه، وقادرا في اللحظة ذاتها أن ينحدر إلى ظلمات الشهوة حتى يبهت وجهه، فأنا قابل للانجذاب نحو الأعلى أو الأسفل، أتقلّب بين الأضداد، بين الحِكمة والهوى، بين النور والظلمة، ولذلك قال عني حذيفة بن اليمان: إن ساعة تأتي علي أمتلئ بالإيمان، حتى لا يكون للنفاق فيّ مغرز إبرة، وتأتي ساعة عليّ أمتلئ بالنفاق، حتى لا يكون للإيمان بي مغرز إبرة.

القلب مسرح تتصارع فيه قوى متضادة، وهذا ما يجعل الإنسان مخلوقا عجيبا، قادرا على أن يكون شفيفا حتى تظنّ أن الملائكة تحفّه، وقادرا في اللحظة ذاتها أن ينحدر إلى ظلمات الشهوة حتى يبهت وجهه

هذا هو لبّ المشكلة، فبداخلي استعدادان متعاكسان، استعداد للهداية والتعقل والحكمة، واستعداد للغواية والأهواء، ولذلك فإني بحاجة إلى ميزان دائم، وإلا هُزم صاحبي؛ فالإنسان لا يُهزم من الخارج، بل من الداخل، من قلبه، فإذا ضاع الميزان في الداخل، اختلّت الخطوات في الخارج.

إعلان

وعلى هذا تصبح حياة الإنسان بطولها وعرضها ليست سوى رحلة تهذيب للقلب من أجل الوصول إلى الله، وإذا كان التقلّب مشكلتي الدائمة، فإن مشكلتي الأخطر ربما هي ما يصيبني -أنا القلب- من أمراض، بل أحيانا من خراب، وقد قال ابن القيم "إن مرض القلب خروج عن صحته واعتداله، فإن صحته أن يكون عارفا بالحق، محبّا له، مؤثرا له على غيره، ومرضه إما بالشك فيه، وإما بإيثار غيره عليه".

وهكذا يقضي المرء عمره وهو يجاهد نفسه، حتى لا يميل الميزان، وحتى لا ينتصر الطالح على الصالح، إنها رحلة مستمرة وطويلة مع القلب، لا تنتهي إلا بنهاية العمر، لتصبح رحلة العمر -مهما طالت أو قصرت-  ليست إلا رحلة إلى تطهيري،  للوصول إلى الله.

مقالات مشابهة

  • فرق الأمم المتحدة الإغاثية: توصلنا لاتفاق الوصول إلى الفاشر المنكوبة غربي السودان
  • غوتيريش: الوضع الإنساني في غزة كارثي بعد تدمير أكثر من 80% من المباني
  • رحلة العمر
  • ﻏﺰة.. ﺗﻮاﺟﻪ الموت ﺑﺮداً
  • الصعيد وطرق الموت
  • رسالة إلى العالم الآخر
  • صحة غزة: 100 ألف طفل دون الخامسة يواجهون خطر الموت بردا
  • أكبر فضيحة تزوير في العالم.. شبكة هندية تزور أكثر من مليون شهادة جامعية لأطباء ومهندسين
  • رزان مغربي تواجه الموت بعينيها.. كيف نجت من حادثة سقف الفندق الصادمة؟
  • الموت الإسفيري!