فنانات السودان بين نفخ كير الحرب وبيع مسك السلام
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
معطيات :
السلام عليكم ورحمة الله
طفح الوسط الفني السوداني في العشر سنوات الأخيرة،بكمٍ هائلٍ من زبد ما يسمى بالقونات أو الفنانات وبعض المغنيين المحذلقين ،إحترف أغلبهم إنتحال الفن والتغني بالأعمال الفنية الخالدة لأساطين الفن السوداني التليد، وما كانت محاولات بعضهم إلا مجزرة للفن وكسر لعنق الاغنية السودانية بأدائهم العنيف المخيف،وظل أكثرهم يشوه الأغاني الخالدة تشويهاً بالكاد يتعرّف عليها ذويها إذا ما بعثوا من جديد.
يعتبر الفن الشامل ركناً أساسياً في بناء وتشكيل الشخصية الوطنية،وإعتمدت عليه معظم الدول في رسم ذاكرة الأمة وبناء المجتمع الأخلاقي الفاضل من أجل تحقيق النهضة الإقتصادية والعلمية من خلال توظيف أمثل للفن في تبيث القيم والمبادئ المحركة لدوران التطور عبر تمجيد ماضيها المضئ لإستلهام الهمم نحو مستقبل مزدهر لوطن متقدم ،ويعتلي فن الغناء قمة الإنتشار اليومي،فعبره تُبث مفاهيم الوطنية،وتحشد مشاعر الحماس ، خاصة في ظل الحروب الوطنية ضد الدول الأخرى،ولاتقل أغاني الحماس شأواً عن ترسانة السلاح ،وكم كم من معركة خاضها الجنود على أجنة الحماس الجارف، فعادوا منتصرين يرفلون بزهوٍ وسط أهازيج النصر ،ولعل للنساء السودانيات دور في شحذ همم الجنود وخاض جنودنا حروباً ببسالة يذكرها التاريخ.
يعتبر الفنان ينبوعاً للجميع وظل وراف من الإبداع يستظل به وفيه أبناء وبنات الوطن،فهو بمثابة نبض الوجدان الوطني الذي يضخ المشاعر الإيجابية في شرايين المجتمع كافة بلا إنتقائية أو تحيز لفئة تقود إلى تقسيم الوجدان العاطفي للمجتمع والوطن، لقد رنت "أنا سوداني" للعطبراوي داخل وجدان كل سوداني وسودانية،وظلت ملحمة "كرري" لوردي ينبوع فخر وإعتزاز للسودانيين، وعاد الجميع مع "يجو عايدين" للفلاتية وساح الجميع في "جبل مرة" لابي العركي.
لقد وضعت حرب الخرطوم إمتحاناّ سهلاً أمام أهل الإبداع و الفن والثقافة ومنتحلي الغناء،غير أن أغلبهم لم ينجح فيه،بل بيّنت هشاشة وجدانهم الوطني، وسرعان ما جرفتهم العصبية السياسية وربما المغريات والأهواء ،فحادوا عن دورهم الاساسي المناط بهم في توحيد وجدان المجتمع،وتعقيمه ضد جراثيم التشرزم والكراهية،تخلوا عن ودورهم في التبشير بقيم المحبة والتسامح، فبدلا عن بيع الناس مسك السلام، أنخرضت بعضهنّ في نفخ كير الحرب،فتغنت إحداهن: " الجوية يامطر الحصو دقي الداعتة والخونة العصو،، الخرطوم تبقى المقبرة للخشوها بالباب الورا" كلمات تنم عن التحريض على القتل والتدمير الشامل،فالطيران حينما يقصف يسقط الكثير من الابرياء، ولماذا لاتكون الخرطوم جنة غناء للجميع بدلا عن مقبرة للبعض... ومن المؤسف حقاً أن تحمل عبارة "الباب الورا " كناية جغرافية " أي الغرب..! ستنتهي الحرب يوما ما ، ولكن ستبقى الكلمات جرحاً غائراً في وجدان الوطن لا يندمل...
وتغنت أخرى بأغنية "الحرب الضرب" أغنية حملت الكثير من المضامين السلبية وكانت مثار إستهجان وسخرية وسط السودانيين لما حملته من إنكسار وإذلال للإباء الوطني السوداني،وإحتوت كلماتها معاني تزيد من تعميق الجرح الوطني...
جميع هذه المعطيات تعكس مدى رخاوة الوجدان السوداني بالذات في الوسط الفني ، الذي سرعان ما إنهار أمام حرب داخلية سيكون لها أبعادها الإجتماعية والثقافية فيما بعد ،فكان من المنتظر من حملة لواء الفن والثقافة، إنتباذ مكان قصيٍ عن كل مايقود إلى تصديع الوجدان الوطني،كان عليهنّ التغني للسلام ورفض الحرب،بدلاً عن النفخ في نيرانها ،كان عليهن الدعوة إلى المحبة في زخم الكراهية،والحض على الوحدة في زمن الانقسام ،فالفن فضاء يسع الجميع،كلما ضاقت براحات الود في القلوب، الغناء كالنسيم يصدح في كل ربوع بلادنا ويخاطب وجداننا جميعاً،صوت المغني والمغنية يدخل كل بيت بلا حواجز جغرافية،لانه لغة الوحيدة التي يتحدثها قلب ويفهما قلب آخر ، وما كان عليهن الهرولة خلف السياسيين والعصبية،فالسياسة ضل ضحى،فهى كالزبد يذهب جفاء ويبقى الوطن خالداً.
msharafadin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: هل بات السودان خارج الحسابات الأمريكية؟
بالأمس تابعتُ خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يزور السعودية، في المنتدى الاقتصادي السعودي-الأمريكي، باهتمام بالغ. كان المتوقع، في ظل ما تعيشه منطقتنا من تحولات، أن يتناول الأزمة السودانية بالنظر إلى الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023. لكن للأسف، لم تكن حاضرة في كلمته، لا تصريحًا ولا تلميحًا. هذا التجاهل يُعد مؤشرًا صريحًا على موقع السودان في الخارطة الجديدة التي ترسمها واشنطن للمنطقة.
إما أن الخرطوم باتت خارج الحسابات، أو أن ملفها قد أُحيل إلى طاولات تفاوض غير معلنة في عواصم أخرى، حيث تجري التفاهمات الإقليمية.
كانت رسائل ترامب واضحة في تركيزها على ملفات كإيران، وسوريا، وغزة، والعلاقة مع تركيا وإسرائيل. أما السودان، الذي يواجه حربًا مدمّرة ، فلم يحظَ حتى بمجرد ذِكر، وهو ما يعكس تبدلًا نوعيًا في المقاربة الأمريكية للمنطقة. لم تعد واشنطن تنخرط في تفاصيل كل ملف، بل تميل إلى تفويض شركائها الإقليميين لإدارته، وفق ما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية الكبرى، دون انخراط مباشر.
فالاستجابة الدولية للأزمة السودانية اتسمت بالبطء والارتباك، فيما اكتفى الأمريكيون ببيانات دبلوماسية لا تتجاوز حدود التعبير عن القلق، أو المطالبة بوقف إطلاق النار، دون طرح مبادرات ملموسة. حتى وجودهم كوسيط في منبر جدة مع السعودية كان باهتًا، وفشل في الضغط على مليشيا الدعم السريع وداعميها في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في 11 مايو 2023.
في الأثناء، برزت أبوظبي كأحد مراكز الثقل الإقليمي المؤثرة في الملف السوداني، سواء عبر دعمها لمليشيا الدعم السريع ـ بحسب الحكومة السودانية التي صعدت معها إلى درجة قطع العلاقات ووصفها بدولة “عدوان” ـ أو عبر محاولتها صناعة مسارات تفاوضية سرية، يُعتقد أن واشنطن تراقبها من بعيد.
في هذا السياق، يُنظر داخل السودان بعين الريبة إلى موقف الإدارة الأمريكية السابقة إبان فترة الرئيس بايدن من الحرب، حيث يرى كثيرون أن الديمقراطيين لم يُظهروا جدية كافية في التعامل مع الأزمة، بل ويذهب بعض المحللين إلى القول إن واشنطن، عبر صمتها أو تواطئها الضمني، ربما كانت ضالعة ـ مع أطراف إقليمية ودولية ـ في خلق بيئة سمحت بانفجار الحرب. هذا الإحساس العميق بالخيانة السياسية دفع قطاعات واسعة من السودانيين إلى التطلع لعودة الجمهوريين، وعلى رأسهم دونالد ترامب، الذي سبق أن صرّح عند توليه الرئاسة بأنه جاء “لوقف الحروب لا إشعالها”.
ويبدو أن هناك من لا يزال يراهن على أن إدارة ترامب، لو عادت، ستكون أقل تورطًا وأكثر قابلية للتعامل مع السودان كدولة، لا كأزمة. هذا الانكفاء الأمريكي يفتح الباب لتحولات أوسع. فالسودان رغم أزمته، لا يزال يحتفظ بعناصر قوة جيوسياسية قد تجعله هدفًا للمنافسة الدولية، وليس مجرد هامش جغرافي يُدار بالوكالة. موقعه الاستراتيجي على ساحل البحر الأحمر، قرب مضيق باب المندب، يمنحه مكانة متقدمة في معادلات أمن الملاحة الدولية.
وهو ما يُفسّر عودة الحديث عن الاتفاقية التي أبرمتها الخرطوم مع موسكو عام 2017 لإنشاء قاعدة لوجستية بحرية في بورتسودان. هذا الاتفاق الذي جُمِّد لغياب الحكومة المنتخبة، عاد إلى الواجهة بعد اندلاع الحرب، في ظل تقارير تشير إلى محاولات روسية لإعادة تنشيطه بهدف تثبيت موطئ قدم دائم في البحر الأحمر، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”.
بالمقابل، لم تغب تركيا عن المشهد. ففي عام 2017 أيضًا، أبرمت أنقرة اتفاقًا مع حكومة الخرطوم لإعادة تأهيل جزيرة سواكن، ضمن مشروع متعدد الأبعاد، اعتبره مراقبون غطاءً لتوسيع النفوذ العسكري التركي في البحر الأحمر. ورغم تجميد المشروع بعد الإطاحة بحكم البشير، فإن التحولات الراهنة قد تفتح المجال لإحياء هذه الشراكة، خاصة في ظل التقارب التركي-الخليجي، والتحول في تموضع أنقرة في السياسة الإقليمية.
وإذا كانت روسيا وتركيا تمثلان بُعدين استراتيجيين في الحسابات العسكرية، فإن الصين تُعد الامتداد الاقتصادي الذي يصعب تجاهله. فبكين، التي تُعد الشريك التجاري الأكبر للسودان، على استعداد لأن تضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية والطاقة، ضمن إطار مبادرة “الحزام والطريق”. هذه الشراكة ليست بديلة عن واشنطن فحسب، بل تُشكّل تحديًا لهيمنتها، خصوصًا في شرق أفريقيا، حيث تسعى الصين لتأمين طرق التجارة والإمداد عبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
أمام هذا المشهد، تبدو واشنطن في موقع المراقب المتحفّظ. فهي تدرك أن تجاهل السودان تمامًا قد يفتح الباب أمام خصومها الاستراتيجيين للتمدد في منطقة شديدة الأهمية، لكنها، في الوقت نفسه، لا ترغب في الانخراط المباشر في أزمة معقدة دون ضمانات لتحقيق مصالحها. ولذلك، فإن أحد السيناريوهات المطروحة هو إبقاء السودان في حالة “توازن ضعف”، تُتيح التدخل الأمريكي لاحقًا بشروط أكثر ملاءمة لواشنطن، لا وفق ما تمليه تطلعات السودانيين.
هذه السياسة، التي تقوم على الانتظار والمراقبة، بحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، تضع السودان أمام خيار صعب: فإما أن يبقى ورقة بيد الآخرين، تتحرك حيث تُراد لها الحركة، أو أن يتحول إلى طرف فاعل قادر على إدارة موقعه بذكاء، واستثمار أوراقه الاستراتيجية دون الوقوع في فخ الاستقطاب أو الارتهان. الأمر يبدأ أولًا من الداخل؛ من إنتاج حالة سياسية متماسكة، قادرة على مخاطبة الخارج من موقع الشريك، لا الضحية. ثم يمتد إلى الخارج، عبر تنويع الشراكات، وبناء علاقات توازن ذكي تحفظ للبلاد سيادتها، وتُبرز موقعها بوصفه حيويًا في معادلات الإقليم والعالم.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 14 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com