إدلب- شهدت سوريا حركة نزوح عكسية بعد اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان، مما دفع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى العودة هربا من الموت الذي فروا منه سابقا.

وبلغ عدد الوافدين 239 ألف سوري في إحصائية غير نهائية تتزايد بشكل يومي قادمين من مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت وصور وصبرا والنبطية وغيرها من البلدات والقرى في الجنوب اللبناني، إلى جانب دخول 91 ألفا من الوافدين اللبنانيين.

وتوزّع نحو 235 ألف وافد سوري في مناطق سيطرة النظام السوري في دمشق، وحمص، وحماة، وطرطوس، فيما توجه قرابة 4 آلاف آخرين إلى مناطق ريف حلب الشمالي وإدلب "في ظل عجز شبه تام من قبل السلطات المحلية على تقديم الدعم أو تأمين سكن لهم، حيث يعيش معظمهم -مؤقتا- مع أقرباء لهم أو في مخيمات النزوح".

نازحون فروا من لبنان باتجاه سوريا (مواقع التواصل) الليلة الأخيرة

عادت أم محمد مع أسرتها إلى إدلب بعد رحلة نزوح بدأتها منذ عام 2012 من حي التضامن في دمشق -بعد أن قُصف منزلها- إلى معرة النعمان فجبل الزاوية ثم إلى لبنان عام 2018، هربا من القصف وهول الحرب والبراميل المتفجرة من قبل النظام السوري. وعاشت  لحظات الهروب من الموت في لبنان لتكرر رحلة النزوح وتصل إلى الشمال السوري.

في حديثها للجزيرة نت، تسترجع المرأة مشهدا لا يفارق ذاكرتها بمقتل شابين أمام عينيها لا يفصلها عنهما سوى متر واحد وذلك في منتصف الليلة التي تم بها استهداف موقع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وكانت ليلتها الأخيرة في مدينة صور وهربت سيرا على الأقدام تحت ظلمة الليل التي كانت تنيرها الانفجارات الضخمة، حتى لجأت مع عائلتها إلى السفارة الكويتية.

شهدت أم محمد دمار منزل ابنتها أمام عينيها ونجت منه ابنتها مع أطفالها في الليلة الأخيرة لها بالجنوب اللبناني، لتقرر العائلة بعدها مغادرة المكان الذي تركه جميع السكان.

لكن حالها كان شديد الصعوبة بسبب عدم امتلاكهم سيارة وهي تعاني وزوجها من أمراض تعيق سيرهم على الأقدام، واستطاع أبناؤها إخراجهما بصعوبة من المنطقة التي كان القصف فيها لا يتوقف أبدا.

تصف أم محمد المشهد وتقول "كانت الأرض وكأنها تفور من شدة القصف والأطفال يصرخون ويبكون، ولا يستطيع الأهالي فعل شيء غير الهروب سيرا على الأقدام لمسافات طويلة أنهكتهم من التعب والجوع".

استمرت رحلة نزوحها 4 أيام بعد خروجها من صور، وقضت 3 أيام بجانب السفارة الكويتية حتى استطاعوا تأمين رحلة إلى سوريا بسبب الازدحام الشديد للعابرين في معبر المصنع بين لبنان وسوريا.

ولكن الهروب من الصواريخ لم ينته بعد وصولها الحدود، لتشهد من جديد القصف الذي طال المعبر وكاد يودي بحياتها مرة ثانية، وتسبب بحفرة كبيرة جدا، مما اضطرهم إلى قطع الطريق على الأقدام لتنقلهم بعد ذلك باصات إلى داخل سوريا.

وطالبت أم محمد المنظمات والجمعيات الأممية والدولية بتأمين سكن لها ولعائلتها قبل قدوم فصل الشتاء، لأنها لا تملك أي مكان للعيش فيه بعد فقدان منزلها الأول في حي التضامن بدمشق بالقصف، ومن ثم خسارة بيتها في معرة النعمان، والذي لا تستطيع العودة إليه الآن في ظل سيطرة النظام السوري، كما قالت.

الهلال الأحمر السوري يستقبل النازحين القادمين من لبنان (مواقع التواصل) دموع الطفولة

من جهتها، لم تتمالك الطفلة ماسا (10 سنوات) دموعها وهي تتذكر اللحظات التي عاشتها وهي تركض هربا من الموت بين الصواريخ التي تساقطت في منطقتها السكنية، وكأنها حمم نارية تنزل من السماء في "فيلم رعب"، كما تقول للجزيرة نت.

وأضافت "كنا نركض ونختبئ تحت أي جدار أو بناء، وكنت أضيع أمي وأبي تارة وأجدهما تارة أخرى، وكل ذلك كان في ساعات الليل، خرجتُ من المنزل مسرعة ولم أحمل معي حتى لعبتي وكتبي والهدايا من رفيقاتي في لبنان".

أما أبو محمد، الذي فر من الحرب في سوريا ليعيش مع ابنه العامل في لبنان، ويعاني من أمراض عدة ولا يستطيع قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام، كان هول المشهد عليه أصعب بكثير لأنه كان "يعيق سير العائلة بأكملها"، وفق حديثه للجزيرة نت.

وقال "كنت أطلب من أولادي أن يتركوني ويذهبوا فأنا لم أعد أستطيع السير ولا أحد يستطيع حملي، لكنهم كانوا يصرون على البقاء معي مما كاد يتسبب بمقتلنا جراء سقوط صاروخ قريب أدى إلى مقتل شابين أمام عيني، ولم نستطع أن نفعل لهما شيئا".

أبو محمد لم يتخيل النجاة من القصف في لبنان (الجزيرة) رحلة شاقة

امتد نزوح أبو محمد من صور إلى صبرا، ثم من تحت هول القصف الكثيف الذي أحدث دمارا كبيرا وشاملا دفع جميع السكان من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في المنطقة للهروب، وذلك في الليلة نفسها التي قُصف بها مكان وجود نصر الله، والذي يبعد عن منطقة نزوحهم الأولى نحو كيلومتر واحد فقط.

وتابع "لم أتخيل النجاة بسبب وضعي الصحي، ولكن قدر الله ولطفه نجّاني من الموت أكثر من مرة حتى وصلنا مع الكثيرين إلى السفارة الكويتية التي احتمينا فيها، حتى استطعنا تأمين موعد للعبور إلى سوريا لأننا لا نملك سيارة ويجب أن ننتظر الدور لتأمين رحلة في الباصات اللبنانية التي نقلتنا إلى معبر المصنع".

بعد ذلك، توجه أبو محمد ومن معه إلى دمشق، ومرّوا بحمص وحماة ومدينة معرة النعمان، التي عاش بها الرجل طفولته ولكنها الآن -كما يقول- مدينة أشباح خاوية من السكان، ومن ثم إلى حلب ومنها إلى منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والتي "جمعتنا بساحة كبيرة وتركتنا تحت الشمس لساعات طويلة دون أكل أو ماء، وكنا أعدادا كثيرة ومعظمنا يحتاج الدواء".

ويتابع أبو محمد "بعد ساعات من التعب والحر، كان يجب علينا السير على الأقدام بمشهد بات يؤرقنا خاصة نحن كبار السن والنساء والأطفال، لأننا كنا نحمل حقائب لنعبر إلى مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري".

وفي هذا الواقع الصعب، حثّ محمد حلاج مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" -في تصريح للجزيرة نت- المنظمات الإنسانية العاملة على التحرك بشكل فوري للاستجابة لاحتياجات القادمين إلى المنطقة، والاستعداد لاحتمالية تزايد أعداد اللاجئين أو النازحين فيها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على الأقدام للجزیرة نت من الموت فی لبنان أبو محمد أم محمد

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي يتوغل جنوبي سوريا ويعتقل شابين بالقنيطرة

اعتقلت قوات إسرائيلية، اليوم الجمعة، شابين عند حاجز أقامته بمحافظة القنيطرة، عقب تنفيذها توغلين منفصلين في جنوبي سوريا.

وأفادت قناة "الإخبارية السورية" بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت شابين بعد توقيفهما على حاجز أقامته بين بلدة أم باطنة وقرية العجرف بريف القنيطرة، وذلك بعد تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي على علو منخفض في أجواء المحافظة.

وقالت قناة "تلفزيون سوريا" عبر موقعها الإلكتروني، إن دورية عسكرية إسرائيلية مؤلفة من 8 آليات، توغلت ليلة الجمعة في قرى "رسم الحلبي" و"المشيرفة" و"أم باطنة" الواقعة في ريف القنيطرة.

وأشارت القناة إلى أن دورية أخرى تابعة لقوات الاحتلال توغلت على طريق "معرية عابدين" في حوض اليرموك بمحافظة درعا، حيث أقامت حاجزا أمنيا ونفذت عمليات تفتيش.

ودهمت دورية من الجيش الإسرائيلي، ليلة الأربعاء، منزلا في منطقة حوض اليرموك واعتقلت شابا.

وقبل أيام، وثقت مؤسسة "جولان" اختطاف 39 شخصا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينهم قاصرون، خلال عمليات التوغل المتكررة في الأراضي السورية بعد سقوط نظام الأسد.

مجزرة بيت جن

وقبل نحو أسبوعين، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة راح ضحيتها 13 شهيدا ونحو 25 مصابا في بلدة بيت جن الواقعة على سفوح جبل الشيخ بريف دمشق.

وتنتشر نقاط عسكرية إسرائيلية في سوريا من قمة جبل الشيخ وصولا إلى منطقة حوض اليرموك في أقصى الريف الجنوبي المتاخم لمحافظة درعا، ويبلغ عددها 8 نقاط في القنيطرة ونقطة واحدة في درعا.

ومنذ سقوط نظام الأسد، تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية في المنطقة، حيث تسجل توغلات شبه يومية في ريفي القنيطرة ودرعا، ترافقها عمليات اعتقال، أفرج عن بعض الموقوفين لاحقا، في حين لا يزال آخرون قيد الاحتجاز.

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية فصل القوات المبرمة مع سوريا عام 1974، في حين طالبت دمشق مرارا بوقف انتهاكات تل أبيب.

إعلان

ويقول السوريون إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية يحد من قدرتهم على استعادة الاستقرار، ويعرقل الجهود الحكومية لجذب الاستثمارات بهدف تحسين الواقع الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السوري يؤكد لترامب الالتزام بأمن سوريا والمنطقة.. وواشنطن تتوعد بالرد على هجوم تدمر
  • السعودية.. أول تعليق رسمي على كمين داعش في سوريا ومقتل جنود بدورية مشتركة أمريكية سورية
  • عاجل| الأردن يدين الهجوم الإرهابي في تدمر السوري ويؤكد تضامنه مع سوريا والولايات المتحدة
  • سوريا:مقتل وإصابة عناصر دورية أمريكية-سورية مشتركة بكمين غامض
  • دورية عسكرية أميركية سورية تتعرض لإطلاق نار في سوريا
  • الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لإخلاء قرية في جنوب لبنان قبل القصف
  • العدو الإسرائيلي يتوغل في ريف القنيطرة السوري ويعتقل شابين
  • في بيان… عائلة آل عاصي تعلق على مقتل ناديا على يد زوجها!
  • الاحتلال الإسرائيلي يتوغل جنوبي سوريا ويعتقل شابين بالقنيطرة
  • روضة الحاج: يا بلادي أنا بالبابِ وفي كفي الأناشيدُ التي كنتِ تحبينَ