مقدمة تلفزيون "أم تي في"
بنيامين نتانياهو أعلن حربًه الثالثة. فبعد حربِه على حماس وعلى حزب الله، ها هو اليوم يعلن الحربَ على قوات اليونيفيل. فهو حثَّ في تصريح رسميٍّ الأمينَ العام للأمم المتحدة على نقل قواتِ السلام الدولية من مناطق القتال، معتبراً أنّ حزب الله يستخدم اليونيفيل كدرع بشري. موقفُ رئيسِ الحكومةِ الإسرائيلية يعني أمراً واحداً: تهيئةُ الظروفِ الموضوعيّةِ اللازمة لتَشُنَّ إسرائيل حربَها ضدَّ حزبِ الله متحرّرةً من أي قيد، وتحديداً من وجود قوّةٍ لحفظ السلام في مناطق القتال.
مقدمة تلفزيون "المنار"
عبواتٌ ناسفةٌ في رامية وتفجيرُ آليات، والتحامٌ في عيتا الشعب وبليدا وغيرِهِما، وصواريخُ الى زرعيت والمنارة وشوميرا، وحتى طيرةِ الكرمل الواقعةِ ما بعدَ حيفا..
ومعَ كلِّ الاِطباقِ العسكريِّ على الاعلامِ اعترافٌ صهيونيٌ بنحوِ ثلاثينَ جريحاً، وتسريباتٌ اعلاميةٌ لقنوات مقربة منهم كشفت عن خمسةِ قتلى، وحديثُ المستوطنينَ عن حادثٍ صعبٍ عندَ الحدودِ معَ لبنان..
هي ايامٌ صعبةٌ وليست حادثاً فقط – كما يؤكدُ رجالُ اللهِ في الميدان، الذين يُذيقونَ المحتلَّ بعضَ البأسِ منفذينَ الوعدَ الذي قطعَه القائدُ العظيمُ والشهيدُ الاقدس – سماحةُ السيد حسن نصر الله، من انَ الدخولَ الصهيونيَ الى الاراضي اللبنانيةِ فرصةٌ كبيرةٌ لنا..
والفرصةُ ببداياتِها وغنائمِها حتى الآنَ ما لم يَكُن يتوقَعُهُ المحتلُّ من قتلى وجرحى، وجيشٍ مشظًّى، يتلطَّى خلفَ مشاهدَ استعراضيةٍ لجنودِه بمنازلِ اللبنانيينَ عندَ الحافةِ الامامية، ليُستِّرَ على خسائرِه واصواتِ خوفِهم واعتراضِهم على قراراتِ حكومتِهم التي تورطُهم بالوحلِ اللبناني..
والوحلُ هذا سيتحولُ الى الكارثةِ بحسَبِ الاعلامِ الاميركي، الذي عنونَت صُحُفُه كـ “ناشيونال انترست” : تل ابيب امامَ مفترقِ طرق، محذرةً الصهاينةَ من الغطرسةِ كما اَسمتها، وتوسيعِ الحرب، فما يَنتظرُهم بحسَبِ الصحيفةِ صعبٌ جداً، والمعنوياتُ التي كَسِبُوها من الاغتيالاتِ لقياداتِ حزبِ الل سرعانَ ما ستُبدّدُها خسائرُ الميدانِ معَ توسيعِ الرُقعةِ الجغرافيةِ للاشتباك..
والاشتباهُ لدى البعضِ من اعداءِ المقاومةِ انَ الامورَ باتت بمتناولِ ايديهم، نُحيلُهم الى كلامِ الاميركي الذين لا يسمعون لغيره، والى اضطرارِ البنتاغون للحضورِ الى تل ابيب بعسكرِه ومنظوماتِ ثاد للصواريخِ دفاعاً عن الكيانِ المربَكِ عندَ مفترقِ طُرُق. ومعَ كلِّ القتل والاجرام والدمير الصهيوني على مساحة الوطن، ومع كل التهويلِ الداخلي والخارجي على المقاومينَ واهلِهم، فانَ حالَهُم التمسكُ بقولِ اللهِ تعالى: الذين قال لهمُ الناسُ إنَ الناسَ قد جَمَعوا لكم فاخشَوْهُم فزادَهم إيماناً وقالوا حَسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل..
وحسبُنا اللهُ، ورجالُ الله، الذين يصنعونَ اعظمَ ايامِ الله.
مقدمة تلفزيون "أو تي في"
لا حدود لعدوان اسرائيل واجرامها وحقدها، تماما كما لا حدود لجهل كثيرين من سياسيي لبنان واستخفافهم بمصير الوطن وقلة اكتراثهم بمستقبل الناس.
فوقاحة اسرائيل تجاوزت كل الحدود، لتبلغ اليوم حد تهديد اليونيفيل على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، فيما تبدو غالبية دول الاقليم والعالم عاجزة عن ضبط عدو مجنون تفلت من كل الضوابط، ولاسيما ما كان “يمون” عليه به حلفاؤه وداعموه الاساسيون من ضبط نفس.
ووقاحة بعض السياسيين اللبنانيين تجاوزت ايضا كل الحدود. فقبل الحرب وبعدها، لا رئيس. وقبل الحرب وبعدها، لا سلطة مكتملة دستورا وميثاقا، وقبل الحرب وبعدها لا تصور واضحا للمسار والافق والمستقبل.
اما التنافس السياسي ضيق الافق، فوحده يسود الساحة، فيما كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل امس في ذكرى 13 تشرين، وحده خرق جدار الصمت، من حيث تضمنه رؤية واضحة، وتوجها جامعا للبنانيين، يقدر ان يحول الكارثة الى أمل، والأزمة الى فرصة.
وفي المقابل، كتل تجتمع مع نفسها وتصدر بيانات لا توصل الى مكان، وتجمعات سياسية طائفية حرصها الوحيد هو على مكتسباتها المزمنة، وسط تضارب لامتناهي في الطوحات وتناقض مكشوف في الخلفيات.
اما شهداء الوطن، من 13 تشرين الاول 1990 الى 13 تشرين الاول 2024، فوحدهم منسيون مظلومون متروكون، طالما لم تبن دولة على قدر تضحياتهم، ولم تتأمن ديمومة الكيان اللبناني الواحد الحر السيد المستقل، بما يليق بالدماء المبذولة على مذبح البقاء.
مقدمة تلفزيون "أن بي أن"
لم تكد تنقضي دقائق على انعقاد حكومة العدو الإسرائيلي اليوم حتى غادر بنيامين نتنياهو ومستشاره العسكري الاجتماع على ما أوردت يديعوت أحرونوت. لم تذكر الصحيفة العبرية الأسباب التي فرضت هذه المغادرة المبكرة لكن الثابت أنها تمت على إيقاع الأنباء المتلاحقة الواردة من جبهة المواجهة الساخنة على الحدود اللبنانية. هناك كانت الساعات القليلة الماضية شاهدة على مواجهات عنيفة بين وحدات من جيش الاحتلال ومجموعات من المقاومة المدافعة عن الثغور.
أبرز هذه المعارك دارت رحاها على محاور بلدات راميا والقوزح وبليدا حيث تحاول قوات الاحتلال - على نحوٍ مستميت - التقدم ولو أمتارًا قليلة لالتقاط صورة لكنها تصطدم بمقاومة عنيدة إلى حد الالتحام من مسافة صفر.
أما الحصيلة الثقيلة للعدو فعكستها حركة الطائرات المروحية هبوطـًا وإقلاعـًا لنقل الضباط والجنود القتلى والجرحى إلى المستشفيات. وقد قدرت وسائل اعلام عبرية هؤلاء بما بين عشرين وثلاثين جنديـًا سقطوا في ما وصفته بدايةً بأنه حدث أمني صعب على حدود لبنان.
وبالتزامن مع هذا الحدث الصعب أعلن جيش الاحتلال توسيع ما وصفه بالمناورات البرية مشيرًا إلى أنه دفع بفرقة عسكرية جديدة إلى جبهة الجنوب اللبناني. غير أنه بالرغم من كل هذا الحشد العسكري يعجز جيش الاحتلال عن تحقيق خرق بري جوهري على الحدود. أضف إلى ذلك فشله ومنظوماته الحديدة في التصدي لموجات صواريخ المقاومة التي ما برحت تضرب بقوةٍ وكثافةٍ القواعد والثكنات والمواقع العسكرية والحيوية للعدو من الحدود حتى تخوم حيفا وتل أبيب.
وفي مواجهة كل هذا الاستعصاء يواصل العدو الإسرائيلي حربه الوحشية على المناطق اللبنانية الآمنة وتطارد طائراته الحربية والمسيّرة أهدافـًا مدنية في الجنوب والبقاع والضاحية وصولاً إلى مناطق أخرى في صيدا والشوف والبترون وكسروان على غرار ما حصل أمس.
وفي جديد مآثر العدو تدميره مساجد في كفرتبنيت والضهيرة والعباسية المجاورة للغجر واستهدافه الصليب الأحمر اللبناني قرب صربين واستخدامه صواريخ محشوّة بقنابل عنقودية محرمة دوليـًا في قصفه منطقةً بين حانين والطيري.
أما الاعتداءات الإسرائيلية على اليونيفيل فلم يتعهد بنيامين نتنياهو بوقفها رغم الدعوات الدولية وآخرها من جانب أربعين دولة لها جنود عاملون في هذه القوات. وقال نتنياهو متوجهـًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن رفضه إخراج هؤلاء الجنود يعرّض حياتهم للخطر.
على ان هذا التصعيد الإسرائيلي على جبهات متعددة يلقي المزيد من الشكوك والمخاطر على الجهود الدبلوماسية الرامية لوقف اطلاق النار والتي شهدت تزخيمـًا خلال الساعات القليلة الماضية.
وقد لفت الرئيس نبيه بري في تصريحات نـُشرت اليوم إلى أن الاتصالات الدولية مستمرة للوصول إلى وقف للنار. وأشار إلى ان الموقف الفرنسي في هذا الشأن ممتاز قائلاً إنه كرر عبارة (وقف إطلاق النار) عشر مرات خلال الاتصال الأخير مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وإذ أعتبر ان الأميركيين يقولون ما لا يفعلون قال الرئيس بري إننا ننتظر منهم الضغط أكثر في سبيل وقف إطلاق النار. اما الكلام على القرار 1559 فهو كلام سياسي على ما أكد رئيس مجلس النواب لأن القرار 1701 قد ألغاه.
مقدمة تلفزيون "الجديد"
جبهة اسناد عسكرية أطلقتها الولايات المتحدة الى جانب اسرائيل التي أخفقت في صد الصواريخ الى عمق المدن، فيما تستعد لضرب ايران من دون تحديد الوجهة وزمانها فشلت قيادة تل ابيب في عودة المستوطنين الى الشمال.. وراوحت مكانها في التقدم البري واعتدت بضرب قرى ومستشفيات لبنانية وبتدمير ساحات واسواق تجارية وبأسر مقاوم وتصويره خلافا لكل شرائع الامم.. لكنها الآن تستجير باميركا طلبا لعتاد مع جنوده .. لأن جنودها اغبى من ادارة منظومة صاروخية واعلن البنتاغون انه سيرسل بطارية دفاع جوي للمناطق عالية الارتفاع وطاقما مرتبطا بها، ونشر المنظومة المضادة للصواريخ الباليستية يهدف لتعزيز دفاعات إسرائيل الجوية في اعقاب هجوم ايران التي قالت وزارة الدفاع الاميركية إنها غير مسبوقة واكد البنتاغون ان منظومة بطارية "ثاد" ستعزز الدفاع الجوي الاسرائيلي تحسبا لاي هجمات صاروخية بالستية اخرى من ايران وتؤشر هذه الجهوزية الى تحسب لرد قوي من ايران وتعكس في الوقت نفسه خسائر منيت بها اسرائيل في ضربتي نيسان الماضي والاول من اوكتوبر، وهو ما بدأت ضريبة الأملاك الإسرائيلية بنشره وتقديره وفي الأضرار عند الحدود مع لبنان فإن اسرائيل لا تنشر إلا ما يعزز صورتها امام جنودها ومستوطنيها الذين ما بارحوا الملاجئ وأضاف العدو.. قوات اليونيفيل الى لائحة اهدافه بتهديد واضح وجهه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتوجه الى الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بالقول: "لقد طلب الجيش الإسرائيلي إخراج قوات اليونيفيل من منطقة الحرب، وقوبل برفض متكرر، وكلها امور تهدف إلى توفير درع بشري لإرهابيي حزب الله على حد تعبيره إن رفضكم إجلاء جنود اليونيفيل يحولهم إلى رهائن حزب الله ويعرض حياتهم وحياة جنودنا للخطر وردت قوات حفظ السلام بتفنيد الاعتداءات على جنودها. وقالت إن ولاية اليونيفيل تنص على حرية الحركة في منطقة عملياتها، وإن أي تقييد لهذا، يعد انتهاكا للقرار 1701، ولفتت الى انها طلبت من الجيش الإسرائيلي تفسيرا لهذه الانتهاكات المروعة ومع وضع القوات الدولية العاملة في الجنوب على خريطة النار، هدد وزير الحرب الاسرائيلي يواف غالانت من وراء الحدود اللبنانية بان جيشه لن يسمح لحزب الله بالعودة إلى القرى القريبة من الحدود بعد انتهاء العملية البرية في جنوب لبنان لكن صوتا خرج له من ارض وسماء يطلب الى المقاومين تحرير الارض.. وتم نشر رسالة بصوت الامين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصرالله متوجها الى المقاومين بالقول: نراهن عليكم وعلى جهادكم للدفاع عن اهلكم وكرامتكم .. سائلا الله أن يجعلهم دائما "حماة ديار".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: بنیامین نتنیاهو مقدمة تلفزیون حزب الله
إقرأ أيضاً:
تجويع غزة.. عندما تستخدم إسرائيل أكثر الأسلحة خسة في التاريخ
منذ بداية الحرب على غزة، اتخذت إسرائيل التجويع سلاحا تراه فعالا لتحقيق أهدافها؛ لكنها لم تستطع أن تُرّكع القطاع الصامد، أو تحقق أهدافها فيه. وفي أوائل شهر مارس آذار 2025، ومع عودة الحرب في غزة، لجأت إسرائيل مرة أخرى إلى سلاح التجويع. وكان الهدف وفقًا لمجلس الوزراء الإسرائيلي: جعل الحياة في غزة لا تُطاق، أو كما قال سموتريتش "فتح أبواب الجحيم في غزة بأسرع ما يمكن وبطريقة مميتة".
وفي هذا المقال نتناول سلاح التجويع في غزة، وهل يمكن حساب إسرائيل عليه؟ وما هي العقبات التي تواجه عمل الجنائية الدولية في هذا الخصوص؟ مع عرض خلفية تاريخية لسلاح الجوع، ولماذا تأخر إدراجه في القانون الدولي كجريمة إبادة جماعية وجريمة حرب تستوجب العقاب؟ كما سنتناول آثار المواجهة القانونية الدولية على إسرائيل ومستقبل الصراع.
ومصادرنا في ذلك ما يلي:
1 ـ منظمة جيشاه الحقوقية الإسرائيلية، مثل إخراج الروح من الجسد، 6/2/2025.
2 ـ منظمة جيشاه الحقوقية الإسرائيلية، المشردون، 28/2/2025.
3 ـ بويد فان ديك، إسرائيل وغزة وسلاح التجويع، فورين أفيرز، 30/4/2025.
4 ـ مؤسسة السلام العالمي WPF، كم عدد الأشخاص الذين ماتوا من الجوع في غزة؟، 17/12/2024.
5 ـ تامي كانر وبنينا شارفيت باروخ، مذكرات الاعتقال الصادرة من الجنائية الدولية خطيرة وخطيرة: ماذا الآن، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب INSS، 8/12/2024.
6 ـ بنينا شارفيت باروخ، إسرائيل على طريق العزلة الدولية، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب INSS، 4/7/2024.
7 ـ تامي كانر وأودي ديكل، خطة الجنرالات: الاتجاه الصحيح والتنفيذ الخاطئ، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب INSS، 15/10/2024.
التعريف القانوني للتجويع
تقول مؤسسة السلام العالمي: "التجويع قانونًا هو الحرمان من ضروريات الحياة: الغذاء، الماء، الصرف الصحي، الدواء، المأوى، رعاية الأمومة للأطفال الصغار، ومجموعة من الضروريات الأخرى. أما على المستوى الفردي، فيُعرّف الجوع بأنه حالةٌ جسديةٌ وطبيةٌ لسوء التغذية الحاد الوخيم المُهدد للحياة، وزيادةُ قابليةِ الفردِ الذي يُعاني من سوء التغذية للإصابة بالأمراض والموت بسبب الجفاف".
إسرائيل تريد تدمير شعب وجيل بأكمله
في ظل هذا الصمت العربي والإسلامي المخزي، تمارس إسرائيل واحدة من أكبر جرائم الإبادة الجماعية في القرن الحادي والعشرين، وتستخدم الجوع سلاحا أساسيا فيها، إضافة إلى القتل وتدمير كافة مقومات الحياة. إنها تريد تدمير جيل بأكمله، وهذا ما تؤكده التقارير الدولية والمنظمات الحقوقية الإسرائيلية:
1 ـ 70% في شمال غزة يعانون من الجوع الكارثي. وفي منتصف فبراير/شباط 2024، أفادت وكالات الأمم المتحدة أن 5% من الأطفال دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية الحاد.
"التجويع قانونًا هو الحرمان من ضروريات الحياة: الغذاء، الماء، الصرف الصحي، الدواء، المأوى، رعاية الأمومة للأطفال الصغار، ومجموعة من الضروريات الأخرى. أما على المستوى الفردي، فيُعرّف الجوع بأنه حالةٌ جسديةٌ وطبيةٌ لسوء التغذية الحاد الوخيم المُهدد للحياة، وزيادةُ قابليةِ الفردِ الذي يُعاني من سوء التغذية للإصابة بالأمراض والموت بسبب الجفاف".2 ـ إصابة 475 طفلا شهريا بمعاناة جسدية مدى الحياة، بسبب بتر الأطراف وفقدان السمع أو البصر.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن عدد الأطفال الذين فقدوا طرفا واحدا أو أكثر هو الأعلى في التاريخ الحديث ، كما أن مدى الصدمة النفسية العميقة بين الأطفال هائل.
3 ـ طوال الحرب، أصدرت إسرائيل أكثر من 100 أمر إخلاء أو تهجير. وحتى 19 يناير/كانون الثاني 2025، نزح تسعة من كل عشرة من السكان، بعضهم نزح أكثر من عشر مرات. وفي ذروة الحرب، كانت 86% من أراضي القطاع خاضعة لأوامر إخلاء نشطة من قِبل الجيش الإسرائيلي.
4 ـ واجه الغزيون في مواقع النزوح نقصا حادا في المياه النظيفة والغذاء ومرافق الصرف الصحي، وأُجبروا على المشي أحيانا لأميال للوصول إلى نقاط ومرافق توزيع المساعدات، والوقوف في طابور أمامها لساعات. وأدى النزوح المتكرر للعاملين في المجال الإنساني إلى صعوبة تقديم مساعدات للمحتاجين.
5 ـ أدى التدمير الإسرائيلي الممنهج لنظام الرعاية الصحية في غزة والقيود على دخول المساعدات إلى انتشار سوء التغذية على نطاق واسع، وزيادة عدد الأشخاص ذوي الإعاقة وتفاقم حالتهم. وما يقرب من 25% من جميع المصابين منذ بداية الحرب يحتاجون إلى إعادة تأهيل فورية ومستمرة.
6 ـ هناك علاقة طردية بين سوء التغذية والإعاقة، إذ يؤدي سوء التغذية إلى إضعاف جهاز المناعة، وزيادة التعرض للعدوى، وتقليل قوة العضلات - وهي قضايا تؤدي إلى تفاقم قيود الحركة الموجودة مسبقا وتجعل التعافي أكثر صعوبة. وتعرض حلقة التغذية الراجعة الخطيرة هذه حياة الآلاف للخطر، مع تفاقم سوء التغذية، وفي كثير من الحالات، يسبب إعاقات جسدية ومعرفية الشديدة.
تجويع غزة اختبار رئيسي للقانون الدولي
أصبح تكتيك التجويع، والمبررات التي يقدمها الإسرائيليون لاستخدامه، اختبارًا رئيسيًا للقانون الدولي. وتعقد محكمة العدل الدولية جلسات عقب طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة للتحقيق فيما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت ميثاق الأمم المتحدة بعرقلة عمل "الأونروا"، وكالة الإغاثة الرئيسية في غزة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف دولية ضد نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؛ إلا أن جوهر الاتهامات الموجهة إليهما هي تنظيم سياسة تجويع إجرامية ضد المدنيين في غزة. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تُركز فيها محكمة جرائم حرب على هذه التهمة تحديدًا.
الجنائية الدولية تواجه معركة شاقة وتهديدا وجوديا
رغم الآثار الجلية لسياسات التجويع في غزة، تواجه الجنائية الدولية معركةً شاقةً وتهديدا وجوديا. فلم يحدث قطّ محاكمة زعيم دولة غربية. ووضعت مذكرات التوقيف الدول الأعضاء في المحكمة، وعددها 125 دولة، خاصةً حلفاء إسرائيل الأوروبيين وكندا، في موقفٍ حرج. فإذا دخل نتنياهو أو غالانت إحدى هذه الدول، فإن سلطاتها مُلزمة قانونًا باحتجازه. ومن جانبها، عارضت الولايات المتحدة بشدة القضية المرفوعة منذ البداية، وشرع ترامب في تدمير المحكمة نفسها، فسحب دعم الولايات المتحدة لمحاكمة بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وأذِن بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة في فبراير شباط الماضي لعرقلة عملها بشكل كبير. لذا، سارعت المحكمة إلى دفع رواتب موظفيها مُقدمًا، وناشدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدات طارئة. ومن المفارقات أن السلاح الذي تحاول المحكمة الجنائية الدولية مقاضاة نتنياهو عليه، وهو الإكراه الاقتصادي، يُستخدم الآن ضدها. وقد صرّحت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية أمام البرلمان الأوروبي في مارس/آذار: "تواجه المحكمة تهديدًا وجوديًا".
وليست المعركة الشاقة هنا فقط بسبب أشخاص المتهمين أو دعم الغرب لهم وتواطؤه معهم، وإنما أيضا لصعوبة إثبات قضية تجويع المدنيين. فعلى الرغم من التاريخ الطويل والمدمر لسلاح التجويع، فإنه يصعب إثبات التجويع المتعمد للسكان المدنيين، ونادرًا ما تُحاسب الأطراف المتحاربة التي استخدمت هذا التكتيك. وسواء نجحت القضية أم لا، فإن السابقة التي تُرسيها قد تُعيد رسم الحدود القانونية للحرب وتُجبر الدول على مراعاة قواعد ظنت يومًا أنها لن تنطبق عليها أبدًا.
التجويع.. سلاح الغرب المُفضّل!!
لقد لقي ملايين المدنيين حتفهم في القرن العشرين نتيجةً لاستراتيجيات الحصار والتجويع؛ إلا أنه لم يتم حظر استخدام سلاح التجويع في القانون الدولي حتى عام ١٩٧٧. ومنذ ذلك الحين، ورغم الحظر الصريح، أصبحت مُلاحقة مرتكبي هذه الجريمة نادرةً للغاية. ولم تُدرج مُعظم المحاكم الجنائية الدولية التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية التجويع القسري في أنظمتها الأساسية، ناهيك عن السعي لمُقاضاة مرتكبيه. والسؤال هنا: لماذا؟!! والجواب يكمن في أن حصار التجويع كان طوال القرن العشرين جزءًا لا يتجزأ من التفكير الاستراتيجي الغربي الذي اعتبره أداة مهمة للحفاظ على النظام الدولي نفسه. وكان هذا التكتيك فعالًا بشكل مرعب لدرجة أن المنتصرين والمهزومين اعتبروه سلاحًا لكسب الحرب في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
لماذا تجاهل القانون الدولي سلاح التجويع؟
استمر تبني الغرب الاستراتيجي للتجويع لفترة طويلة بعد سقوط هتلر. لذا، غاب النقاش حول هذا التكتيك بشكل ملحوظ عن معظم هياكل القانون الدولي بعد الحرب، ولم تتناوله صراحة اتفاقية الإبادة الجماعية لعام ١٩٤٨ ولا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لكن صياغة اتفاقيات جنيف هي التي تُقدم أوضح نافذة على أسباب تهميش جرائم التجويع بعد الحرب العالمية الثانية. إذ عندما اجتمع ممثلو الدول في جنيف عام ١٩٤٩ لصياغة اتفاقيات لحماية ضحايا الحرب، سعت دول عديدة إلى ترسيخ ضمانات إنسانية أقوى للنزاعات المسلحة ووضع ضمانات لحرية مرور المساعدات الإنسانية وحظر تدمير المواد الأساسية لبقاء المدنيين؛ لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أصرّتا على الحفاظ على قدرتهما على فرض الحصار، وقاومتا أي بنود قد تحد من قوتهما البحرية أو الجوية، ونجحتا في تخفيف هذه المقترحات. ورغم أن اتفاقيات جنيف لم تحظر هذا التكتيك، فإنها وصمت نهب الأراضي، وحمّت عمال الإغاثة، واعترفت اسمياً بمبدأ الوصول الإنساني ــ والذي أضعفه إلى حد كبير الشروط التقييدية وصلاحيات التفتيش الشاملة، مما سمح للمحاصِرين بعرقلة المساعدات حتى لمجرد أدنى شك في أنها قد تفيد العدو.
وبعد عام ١٩٤٩، استطاعت قوى الحصار وضع استثناءات مهمة، حيث يُمكن اعتبار موت المدنيين غير المتعمد أمرًا مقبولًا قانونيًا في ظروف محددة. وعلى سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة أساليب التجويع على نطاق واسع في حرب فيتنام، بتدميرها الممنهج للمحاصيل في المناطق المشتبه في إيوائها لعصابات شيوعية. وفي هذا الإطار الناشئ، يُمكن لحكومة في حالة حرب أن تدّعي أن تجويع المقاتلين الأعداء لا يزال قانونيًا. وكما هو معروف، نادرًا ما يمكن وصف المجاعات في زمن الحرب بأنها متعمدة من البداية إلى النهاية؛ بل غالبًا ما تكون نتيجة لسياسات الحصار التي تُعطي الأولوية للاحتياجات العسكرية على أرواح المدنيين.
تعديل منقوص ومعيب للقانون الدولي
مع حلول سبعينيات القرن الماضي، قامت الدول حديثة الاستقلال بحملة جديدة لتشديد وصم أساليب التجويع. وفي المفاوضات التي أفضت إلى إضافة بروتوكولين جديدين إلى اتفاقيات جنيف عام ١٩٧٧، ضغطت هذه الدول من أجل وضع قواعد صارمة ضد القصف العشوائي، وتدمير المحاصيل، والتجويع. ونتيجةً لذلك، كبح الهيكل القانوني الدولي الجديد أساليب التجويع في الحروب بين الدول وأثناء الاحتلال، لكنه لم يُجرّم هذا السلاح بالكامل، وكان لهذه النتيجة عواقب وخيمة. ظلت الأقليات عديمة الجنسية أو المهمشة عرضة للحصار المسبب للمجاعة من قبل الحكومات المعادية. وحتى بعد أن صنف نظام روما الأساسي التجويع كجريمة حرب، فإن هذا التصنيف ينطبق فقط على النزاعات المسلحة بين الدول. واستغرق الأمر حتى عام 2019 حتى تعترف الدول رسميًا بالتجويع كجريمة في الحروب الأهلية. وعلى الرغم من ذلك، استمر التجويع المتعمد استراتيجية عسكرية رخيصة وبسيطة وفعالة للغاية ومن الصعب جدًا المعاقبة عليه.
صعوبة مقاضاة إسرائيل على جرائم التجويع
تسعى مذكرات التوقيف الصادرة من الجنائية الدولية ضد قادة إسرائيل إلى الطعن في هذا الإفلات من العقاب طويل الأمد. لكن القضية تُسلط الضوء أيضًا على الصعوبات المستمرة في مقاضاة جرائم التجويع: إذ يتعين على المدعين إثبات أن القيادة الإسرائيلية حرمت السكان المدنيين في غزة، عمدًا وعن علم، من مواد لا غنى عنها لبقائهم. وكما هو الحال في الإبادة الجماعية، غالبًا ما يكون إثبات النية أمرًا بالغ الصعوبة. فقد يتمكن القادة السياسيون أو العسكريون من تصوير أي وفيات ناتجة على نتيجة مؤسفة للحرب الحديثة. علاوة على ذلك، فإن طريقة فرض الحصار قد تُصعّب تحديد الجرائم، وعادةً ما تتكشف آثاره المدمرة مع مرور الوقت، وغالبًا ما تكون بعيدة عن الأنظار. وهذه العملية الخفية غالبًا ما حمت حملات التجويع من الملاحقة القانونية لفترة طويلة.
تصريحات تدين إسرائيل
باعتبار الحرب في غزة أول محاكمة تُجريها المحكمة الجنائية الدولية لجرائم التجويع، يبدو أن المحكمة قد خلصت إلى أن التصريحات العلنية الصريحة للقادة الإسرائيليين تُقدّم أدلةً ملموسةً على النية، بغض النظر عن مختلف العقبات القضائية. فبعد يومين من بدء الحرب، أعلن غالانت فرض حصار كامل على غزة، وأمر بقطع جميع إمدادات الكهرباء والغذاء والوقود، وأشار إلى سكان غزة على أنهم "حيوانات بشرية". ورفض نتنياهو علنًا السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي الآونة الأخيرة، ضاعفت القيادة الإسرائيلية من خطابها حتى مع إعادة فرض حصار كامل واستئناف حملة القصف في مارس آذار الماضي. لقد حوّلت هذه التصريحات العلنية الصادرة عن القيادة السياسية الإسرائيلية التجويع من جريمة حرب لم تُلاحق قضائيًا قط إلى ما وصفه بعض خبراء القانون الدولي بـ"الغاية السهلة المنال". ولو تجنبت القيادة الإسرائيلية الإعلان صراحةً عن حصار تجويع، لكانت التهم قد اقتصرت بدلاً من ذلك على "مسؤولية القيادة" عن الهجمات المباشرة على المدنيين والجرائم ضد الإنسانية.
هل هناك أهمية لجر إسرائيل إلى ساحة المواجهة القانونية الدولية؟
قد يعتقد البعض أنه لا قيمة فعلية للإجراءات القانونية المتخذة ضد اإسرائيل في المحاكم الدولية، وأنها لن تسفر عن شئ ملموس؛ لكن الحقيقة غير ذلك، فآثار المواجهة متعددة المجالات والساحات ولها آثار بعيدة المدى تؤثر على مستقبل الكيان وشرعية وجوده:
1 ـ نقطة تحول قانونية مهمة: في ظلّ الرياح السياسية المعاكسة الهائلة التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية الآن؛ إلا أن أوامر الاعتقال الصادرة بحق القادة الإسرائيليين تُمثّل نقطة تحول قانونية مهمة، إذ قد تُوضّح، بل وتُخفّض، الحدّ اللازم لإثبات النية في الملاحقات القضائية المستقبلية، سواءً في المحاكم المحلية أو الدولية. وقد جاء قرار المحكمة الجنائية الدولية في وقت مهم على المستوى الدولي وتحولات النظام العالمي، إذ تزامن مع تحول حاسم طويل الأمد في المواقف العالمية تجاه استخدام التجويع كسلاح. ولا شك أن هذا التكتيك لا يزال متشابكًا مع الأولويات الاستراتيجية لأقوى دول العالم، مع استعداد الصين لحصار خانق محتمل على تايوان، واستمرار الولايات المتحدة في قبول حصار التجويع كأساليب حرب قانونية محتملة ضد الأعداء.
لا يوجد دليل يدعم الافتراض بأن حصار غزة وتجويعها سيؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن أو سيركع غزة ويجبر أهلها على الخروج منها أو يجبر حماس على الاستسلام. علاوة على ذلك، تشكل خطة التجويع خطرا على الرهائن، حيث من المرجح أن يكونوا أول من يحرم من الطعام والماء مع تضاؤل الإمدادات في غزة. وليس هناك يقين من أن مقاتلي حماس سيستسلمون بسبب المجاعة.مع ذلك، فإن قضية المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل - يحمل دلالات على إمكانية محاسبة حتى حلفاء الغرب الأقوياء. وبينما تسعى القوى الأوروبية الكبرى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بسرعة في عالم لم تعد فيه مظلة الدفاع الأمريكية مضمونة، تواجه حكوماتها خيارًا: إما تطبيق المبادئ الدولية التي طالما دافعت عنها، أو التخلي عن ادعائها بالقيادة الأخلاقية. وعلى نفس القدر من الأهمية، يجب على الدول الكبرى في الجنوب العالمي أن تتدخل الآن، وعليها دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، ليس فقط قولًا بل بالفعل. وإلا، فقد تُفقد المحكمتان والقواعد الدولية التي تسعيان إلى تطبيقها أهميتها.
2 ـ إسرائيل نظام نازي: إصدار أوامر قضائية ضد القادة الإسرائيليين، يتوقف تنفيذها على قرار ملزم من مجلس الأمن، بل تخلق وصمة عار شديدة ضد إسرائيل، وتصورها على أنها ترتكب أخطر جريمة ممكنة ـ الإبادة الجماعية. وهذه الجريمة، التي حددها فقيه يهودي وناج من الهولوكوست فيما يتعلق بالأفعال النازية ، تحمل وزنا تاريخيا عميقا. وفي الوقت الحاضر، ينتشر هذا الاتهام في الاحتجاجات ضد إسرائيل في جميع أنحاء العالم ويظهر عبر الشبكات الاجتماعية، مما يعزز الفكرة الصادمة بأن إسرائيل أقرب إلى النظام النازي.
3 ـ إسرائيل رمز عالمي للشر: الاحتجاجات الجماهيرية ضد إسرائيل في جميع أنحاء العالم غير مسبوقة، مما يجعل إسرائيل رمزا عالميا للشر. وأي بحث على الإنترنت عن مصطلحات سلبية مثل الإبادة الجماعية والتعذيب والتدمير يؤدي إلى إسرائيل، مع عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو والمقالات والمقالات التي تقدم إسرائيل كقوة وحشية لا ترحم. وفي العديد من اللغات والبلدان. تتحول إسرائيل بسرعة إلى "دولة منبوذة". وتنتشر هذه التصورات بشكل كبير ، مما يجعل من الصعب للغاية مواجهة تأثيرها الضار وإعادة الجني إلى الزجاجة. ويُنظر إلى إسرائيل اليوم على أنها أقرب إلى جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري، وتتعالى دعوات مقاطعتها بالكامل.
4 ـ إسرائيل لا تجد من يدافع عنها: أحد أكثر الجوانب إثارة للقلق لدى إسرائيل ومؤيديها أن التعبير عن دعم إسرائيل أصبح إشكاليا وخطيرا. ويعرف المثقفون ورجال الأعمال والصحفيون وغيرهم من الشخصيات المؤثرة أنهم سيدفعون الثمن إذا عبروا عن آراء إيجابية حول إسرائيل، لذلك يختارون التزام الصمت أو حتى الانضمام إلى المنتقدين. وبالتالي، فإن الرواية المعادية لإسرائيل، التي تعتبر الرواية "المناسبة"، تهيمن على الخطاب. وفي المقابل، تتضاءل الأصوات المعارضة، حيث يأتي معظم الدعم المفتوح لإسرائيل من مصادر إسرائيلية أو يهودية، ينظر إليها على أنها متحيزة، أو من اليمين المتطرف، الذي يزيد ارتباطه من نفور الجمهور الليبرالي عن إسرائيل.
5 ـ إسرائيل دولة مارقة منبوذة: منذ اندلاع الحرب، قطعت عدة دول العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أو استدعت سفراءها. وأصدرت العديد من الدول بيانات عدائية، وأطلقت مبادرات ضد إسرائيل، وصوتت ضدها في الأمم المتحدة. وفرضت دول مختلفة عقوبات على كيانات إسرائيلية، ولا سيما على المتطرفين اليهود المشتبه في قيامهم بأعمال عنف ضد الفلسطينيين. واعترفت بعض الدول بدولة فلسطين. وفي الوقت نفسه، تتزايد حالات المقاطعة المعلنة أو الضمنية ضد الإسرائيليين، خاصة في العالمين الأكاديمي والثقافي. ومع استمرار الحرب، تصبح صورة إسرائيل كدولة منبوذة أكثر رسوخا وسيكون من الصعب التخلص منها. هذا صحيح بشكل خاص إذا لم يكن هناك تغيير جذري في السياسة الإسرائيلية.
6 ـ آثار بعيدة المدى على الكيان: بعض الإجراءات لها آثار طويلة الأجل، لا سيما إذا اشتدت الإجراءات الرامية إلى سحب الاستثمارات أو فرض المقاطعة والعقوبات ضد إسرائيل. كما أن الضرر المهني الذي يلحق بالباحثين الإسرائيليين في العلوم والتكنولوجيا والأوساط الأكاديمية سيكون له آثار دائمة. والضرر الاقتصادي الناجم عن الإجراءات الحالية، مثل تجنب الاستثمار في إسرائيل وهجرة الأدمغة في الخارج، سيبقى محسوسا لسنوات قادمة. وسيكون من الصعب الحفاظ على مكانة إسرائيل كدولة ناشئة في ضوء هذه العمليات.
وقد تكون العودة إلى هذا الوضع في المستقبل مستحيلة. إن شيطنة إسرائيل، التي تغلغلت في عامة الناس في جميع أنحاء العالم، ليست مجرد مسألة "صورة غير مبهجة" للبلاد، بل لديها القدرة على التأثير بشكل كبير على صانعي القرار في مختلف البلدان. ومع تزايد الضغط الشعبي في مختلف البلدان المعارضة لإسرائيل، قد ينظر إلى إسرائيل من قبل الدول المختلفة وقادتها على أنها عبء أكثر من كونها أصلا، مع تكاليف سياسية لدعمها.
ونتيجة لذلك، قد ينأى بعضهم بأنفسهم عن إسرائيل، حتى إلى حد قطع العلاقات على مختلف المستويات. ويمكن أن تؤدي التكلفة السياسية إلى الابتعاد عن إسرائيل. وبعبارة أخرى، فإن انتشار نزع الشرعية عن إسرائيل وتحولها إلى دولة منبوذة في جميع أنحاء العالم يدفعها نحو واقع العزلة الدولية. وستؤدي إلى أضرار اقتصادية جسيمة، وانخفاض كبير في مستوى المعيشة، وإلحاق الضرر بالأمن القومي. إن فكرة أن إسرائيل قادرة على التعامل بنجاح مع جميع تهديداتها الأمنية بمفردها غير عقلانية وغير عملية. والاستنتاج القاتم هو أن الحملة ضد إسرائيل قد خرجت عن نطاق السيطرة، وإسرائيل تهزم حاليا على الساحة الدولية.
إن العالم اليوم، وخصوصا العرب والمسلمين، أمام لحظة مفصلية وفارقة في التاريخ: إما أن ينصروا غزة ويوقفوا حرب الإبادة والتجويع؛ وإلا ستظل غزة بأطفالها وشيوخها ونسائها والأجنة في بطون أمهاتها تلعنهم أبد الدهر ، والتاريخ لا يرحم، وذاكرة الشعوب أبدا لا تموت.7 ـ فشل الخطاب الإسرائيلي عن معاداة السامية: إن الخسائر الجسيمة والدمار والأزمة الإنسانية الحادة في قطاع غزة، مع نشر الصور باستمرار في وسائل الإعلام وعلى الشبكات الاجتماعية، حولت إسرائيل في نظر الكثيرين إلى كيان قاسي يلاحق الفلسطينيين العاجزين بلا هوادة. وقد لعبت التصريحات الإسرائيلية لعبت لصالح منتقدي إسرائيل الذين استخدموها لإظهار نوايا إسرائيل الخبيثة المفترضة لقتل المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم وطردهم.
واستخدمت هذه التصريحات كذخيرة مفيدة للذين يقاتلون إسرائيل على الساحة الدولية. لذلك، فإن إن الميل التفاعلي المعتاد لوصف كل الانتقادات ضد إسرائيل بأنها معاداة للسامية واللجوء إلى الهجمات الشخصية يصب في مصلحة أولئك الذين يديرون الحملة ضد إسرائيل. ويجعل من الواضح أن إسرائيل ليس لديها رد جوهري على الادعاءات الموجهة ضدها. كما أنه يدفع المنتقدين، الذين ليسوا بالضرورة معادين لإسرائيل، إلى المعسكر المناهض لها.
الخلاصة.. إسرائيل لن تحقق أهدافها من التجويع
لا يوجد دليل يدعم الافتراض بأن حصار غزة وتجويعها سيؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن أو سيركع غزة ويجبر أهلها على الخروج منها أو يجبر حماس على الاستسلام. علاوة على ذلك، تشكل خطة التجويع خطرا على الرهائن، حيث من المرجح أن يكونوا أول من يحرم من الطعام والماء مع تضاؤل الإمدادات في غزة. وليس هناك يقين من أن مقاتلي حماس سيستسلمون بسبب المجاعة.
إن رفض المدنيين الإخلاء لن يجعل الحصار قانونيا. إذ يجب أن يمتثل الحصار لمبدأ التناسب، ويجب ألا يلحق أي ضرر بالمدنيين متناسبا. وبالتالي، فإن حقيقة أن الحصار يستهدف حماس لن تعفي إسرائيل من واجب السماح بدخول المساعدات الإنسانية وحظر تجويع السكان.
إن العالم اليوم، وخصوصا العرب والمسلمين، أمام لحظة مفصلية وفارقة في التاريخ: إما أن ينصروا غزة ويوقفوا حرب الإبادة والتجويع؛ وإلا ستظل غزة بأطفالها وشيوخها ونسائها والأجنة في بطون أمهاتها تلعنهم أبد الدهر ، والتاريخ لا يرحم، وذاكرة الشعوب أبدا لا تموت.