ليس قاتلا ولكن.. كبريت بغداد والحلول الممكنة
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
يقول المهندس البيئي حسام الربيعي إن الدخان الكبريتي الذي لوحظ الأيام الماضية في العاصمة العراقية بغداد "ليس قاتلاً"، لكنه يؤثر سلبياً على جودة الهواء و"تراكيزه العالية تسبب الاختناق".
ويضيف الربيعي لموقع "الحرة" أن استمرار هذه الحالة من تصاعد دخان الكبريت واستنشاقه من قبل المواطنين سيتسبب لهم بـ"مشكلات في الرؤية، وأخرى في الجهاز التنفسي".
وكانت وزارة البيئة العراقية كشفت، الأحد، خلال مؤتمر صحفي عن أسباب رائحة الكبريت التي أرقت أهالي بغداد خلال الأسبوعين الماضيين، أحدها يتمثل في "حرق الوقود الثقيل المتمثل في النفط".
وأعلنت الوزارة في المؤتمر المشترك مع لجنة الصحة والبيئة التابعة للبرلمان العراقي، أن النفط العراقي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، وعند حرقه يولد "غازات سامة".
وعن مصادر الرائحة، فهي بحسب المعلومات التي وردت في المؤتمر الصحفي ونقلتها وكالة الأنباء العراقية "مصفى الدورة ومحطة الطاقة الحرارة بالدورة ومحطة القدس في شمال بغداد والمحطات الكهربائية الأخرى، إضافة لمعامل الإسفلت والطابوق وعددها أكثر من 250، واستخدام بعض الكور لصهر منتجات النحاس وغيرها، وحرق النفايات في النهروان ومعسكر الرشيد".
ويشير الربيعي إلى أن انتشار رائحة الكبريت "ليس جديداً على أجواء العاصمة، إلا أنه كان يحدث على فترات متباعدة، وبدرجة تلوث أقل بكثير عما شهدته الأجواء العراقية" هذه المرة.
ويتابع أن الدخان الكبريتي ناتج عن عمليات تصنيعية وتكريرية للنفط وحرق مواد نفايات يدخل النفط ضمن تركيبتها وأغلب مكوناتها هي ثاني أوكسيد الكبريت.
ارتفاع مؤشر التلوث
خبير الطقس صادق العطية، يفسّر سبب الدخان الذي رآه الكثير من العراقيين مؤخراً، وهو "وجود الغازات والجزيئات الملوثة للغلاف الجوي التي تأتي بأشكال وأحجام مختلفة، بعضها يؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان، مثل أول أوكسيد الكاربون وثاني أوكسيد الكربون وأكاسيد النتروز".
البعض الآخر، بحسب ما يقول العطية لـ"الحرة" يُعتبر من العوامل المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني أوكسيد الكربون والميثان وغيرها.
وما شعر به سكان بغداد خلال هو "ازدياد تراكيز الملوثات إلى مستويات عالية تسببت بانتشار رائحة أشبه بالكبريت تعني طغيان مركز ثاني أوكسيد الكبريت في الجو"، يؤكد العطية.
ويوضح: "أظهرت صور الأقمار الصناعية أن مُعامل التلوث في الأجواء بلغ مستويات قياسية حتى أصبحت بغداد تتصدر عواصم الدول عالمياً بوصوله إلى أكثر من 200 ملغرام/متر³. هذه القيم تتجاوز بحوالي 18-24 مرة الحد الصحي المسموح تواجده في الأجواء حسب منظمة الصحة العالمية".
وعدّد العطية أسباباً مشابهة لما أعلنت عنها الجهات الرسمية، لافتاً إلى أن الجديد بناءً على مشاهدات السكان في محيط العاصمة بقيام البعض بـ"حرق منتجات لغرض الحصول على مواد للبيع من تجار الخردة مثل النحاس، وحرق الأجهزة الدقيقة التي تصدر منها انبعاثات غازية تعتبر ملوثات خطيرة، إضافة لحرق النفايات".
وبرأيه، فإن "التوسع العمراني وما رافقه من زيادة في أعداد السيارات، دون وجود بديل من النقل العام، وزيادة تلوث المياه بشكل خاص خلال الفترة الحالية بعد موسم صيفي لاهب وطويل، رافقه انخفاض لمنسوب مياه نهر دجلة" جميعها عوامل أسهمت في زيادة تلوث المياه وانبعاث غازات إضافية منها.
وما فاقم الوضع :"سكون الرياح التي كان اتجاهها إلى الشمال الغربي يبعد الملوثات عن سماء العاصمة". وهذه الأمور جميعها، بحسب العطية "ألقت بظلالها على السكان، وتسببت بحالات اختناق للأهالي".
الحلول
وحتى نتمكن من تحديد الحلول لهذه المشكلة المعقدة، كما يراها المهندس البيئي حسام الربيعي، فإن أول خطوة تتعلق بـ"مصفاة نفط الدورة التي كانت عند إنشائها خارج حدود بغداد، وتقع اليوم نتيجة التوسع العمراني في قلب بغداد".
ومصفاة الدورة مجمع صناعي نفطي متكامل من أقدم مصافي النفط الكبيرة في العراق، بدأ الإنتاج فيه أواسط خمسينيات القرن الماضي، وتنتج مواد عديدة منها بنزين السيارات والغاز السائل والشحوم والأسفلت ووقود الطائرات.
ورغم الفترة الزمنية الطويلة التي مرت على بناء المصفاة، يوضح الربيعي "لم تحصل أي عمليات تطوير كبيرة للمكائن، بالتالي فإن الآليات المستخدمة باتت قديمة، فلا تتم معالجة الغازات التي تنطلق منها، وحين تنعكس اتجاه الرياح نحو المدينة، تحصل غمامة سوداء يتمكن السكان من رؤيتها خصوصاً في الليل".
والحل برأيه، يكمن في "تقليل انبعاث تلك الغازات من المصفاة التي تعدّ أبرز مسببات التلوث في بغداد"، وهناك "حل أفضل"، يقول الربيعي، وهو إبعاد موقع المصفى خارج حدود بغداد، لكنّه "أمر صعب جداً إذا لم يكن مستحيلا" على حدّ تعبيره.
لذلك فإن الحلول الممكنة اليوم تطوير مكائن تكرير النفط، حتى لا يكون الناتج النهائي فيه غازات سامة تؤثر على سلامة المواطنين، كما يمكن "لاستفادة من الغازات الناتجة لإنتاج حامض الكبريتيك، حيث يخلط الغاز بالماء ويتم تحويل التلوث إلى مكسب اقتصادي جديد، بحسب الربيعي.
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
البخيتي يطرح .. رؤية واقعية «لطبيعة الصراع في اليمن ومسارات الحلول الممكنة»
هذه الرؤية الواقعية سبق أن طرحناها خلال مؤتمر الحوار الوطني، وقدّمناها مكتوبة لكل شركاء الحوار، ثم عملنا على ترجمتها إلى واقع عملي بعد انتصار ثورة 2014، من خلال تحويلها إلى مشروع سياسي تمثّل في اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذي وقّعت عليه جميع الأطراف السياسية دون استثناء.
ورغم أن أنصار الله كانوا الطرف المنتصر، إلا أن الاتفاق لم يمنحهم أي امتيازات خاصة، التزامًا بمبدأ الشراكة الوطنية والتوافق السياسي.
تكمن المشكلة في أن الطرف المهزوم ظلّ مصرًّا على الانفراد بالقرار السياسي، ولعجزه عن تحقيق ذلك بإمكاناته الذاتية، لجأ إلى الاستقواء بالخارج الذي كان يسعى لإبقاء اليمن تحت الوصاية الدولية وفقًا للمبادرة الخليجية.
ومنذ ذلك الحين، عملوا على تعطيل تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية القائم على مبدأ الشراكة والتوافق، مطالبين بانسحابنا من مناطق سيطرتنا وتسليم سلاحنا، تمهيدًا لعودة السفير الأمريكي ليمارس حكم اليمن عبر واجهته المتمثلة في عبدربه منصور هادي.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على العدوان على اليمن، ومع ما كشفته معركة طوفان الأقصى من حقائق ومعادلات جديدة في المنطقة، نعيد طرح السؤال مجددًا: ما هو الحل المنطقي والمفترض لليمن في هذه المرحلة؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال الجوهري والمصيري، لا بد من التوقف عند جملة من الحقائق الأساسية التالية:
الحقيقة الأولى:
لم تعد المشكلة في اليمن تعبّر عن صراع داخلي على السلطة، بل تحوّلت إلى صراع إقليمي ودولي يهدف إلى إبقاء اليمن تحت الوصاية الخارجية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا ما يؤكده سلوك عملاء الداخل وأعداء الخارج الذين ما زالوا يصرّون على تبنّي عملية سياسية تقوم على أساس المبادرة الخليجية التي كرّست الوصاية الدولية، وعلى قرارات مجلس الأمن التي وضعت اليمن تحت طائلة العقوبات الدولية. ويكفي للدلالة على حجم الارتهان أن عبدربه منصور هادي اعترف بأنه لم يكن على علم بعملية عاصفة الحزم إلا في صباح اليوم التالي لبدء العدوان، وهو ما يثبت أن دول العدوان لم تكلف نفسها حتى عناء إبلاغ عملائها في الداخل، فضلًا عن استشارتهم أو إشراكهم في قرار العدوان.
اعتراف رشاد العليمي بأن التدخل العسكري السعودي–الإماراتي هو الذي حال دون سيطرة أنصار الله على كامل الأراضي اليمنية، يؤكد أن الصراع المسلح في اليمن كان قد حُسم فعليًا لصالح طرف داخلي يؤمن بمبدأ الشراكة ولا يسعى للانفراد بالقرار السياسي.
وهذا بدوره يشير إلى أن اليمن كان مهيّأً آنذاك لبناء عملية سياسية مستقرة تقوم على مبدأ الشراكة لا على منطق الغلبة والقوة. ولولا ذلك التدخل الخارجي، لكانت اليمن اليوم دولة مستقلة، مستقرة، وذات سيادة كاملة.
اعتاد معظم قادة المرتزقة على تحريض الدول الإقليمية والقوى الكبرى على التدخل العسكري في اليمن، بزعم أن خطر أنصار الله لا يقتصر على الداخل، بل يمتد ليشمل الإقليم والعالم بأسره.
وهذا في جوهره اعتراف ضمني بأن اليمن، بقيادة أنصار الله، سيكون مؤهَّلًا للعب دور إقليمي ودولي فاعل، ولن يظل مجرد حديقة خلفية للسعودية كما يريد الأمريكيون وأدواتهم في المنطقة، وهو ما أقرّ به صراحةً سلطان البركاني في احد تصريحاته.
كل ذلك يؤكد أن الحرب في اليمن لم تعد تعبّر عن صراع داخلي، بل حربًا استباقية شنّتها الولايات المتحدة وبريطانيا عبر أدواتهما في المنطقة، بعد أن استنفدت أدواتهما في الداخل قدرتها على تحقيق أهدافهما.
الحقيقة الثانية:
أي حل سياسي في أي دولة لا يمكن أن يتحقق إلا بين أطراف الصراع في الداخل، الذين يمتلكون مناطق سيطرة فعلية على الأرض ولديهم القدرة على اتخاذ القرار.
أما في اليمن، فقد فقد المرتزقة تلك القدرة، إذ لم يعد لديهم مناطق سيطرة حقيقية، ولم يعد القرار بيدهم، بل أصبح خاضعًا لإشراف الضباط السعوديين والإماراتيين، مما أفقدهم أي تأثير فعلي على القرار السياسي.
ويكفي في هذا السياق أن بن سلمان جمع جميع المرتزقة في الرياض وأجبرهم على التوقيع على مشروع حل قضى بعزل هادي، وتنصيب رشاد العليمي، وتشكيل مجلس قيادة من ثمانية أعضاء، بالإضافة إلى اعتماد لائحة تنظيمية بديلة عن دستور الجمهورية اليمنية.
الحقيقة الثالثة:
يفتقر المرتزقة إلى لغة المنطق، مما جعل التوصل إلى حل معهم أمرًا مستحيلاً، حتى وإن تعاملنا معهم كأطراف صراع حقيقيين.
فهم لا يزالون يطالبوننا بإعلان الاستسلام، لتتاح لهم الفرصة للانفراد بالقرار السياسي، على الرغم من أن حلفاءهم قد فشلوا في تحقيق اهداف المعركة الإقليمية والدولية، كما انهم أنفسهم قد خسروا المعركة الداخلية.
وهذا يؤكد ما نكرره دائمًا: أنهم فقدوا القدرة على استشعار الواقع من حولهم، وينتقلون للعيش في عالم متخيل، بعيد عن مجريات الأحداث وقوانين المنطق.
بعد استعراض هذه الحقائق، يمكن الآن الإجابة على السؤال الجوهري والمصيري: ما هو الحل المفترض في اليمن؟
وفي سياق ذلك، سُئل محمد حسنين هيكل في بداية العدوان على اليمن عن توقعاته لنتائج عملية عاصفة الحزم، فأوضح أن اليمن يمثل حالة استثنائية.
وأشار إلى أن السعودية كانت مضطرة لدفع أموال طائلة لشراء ولاء المشايخ بهدف احتواء اليمن وتحييده، محذرًا من أن اليمن يشبه البركان النائم، وإذا ما أيقظه التدخل الخارجي، فسينفجر ويجتاح المنطقة بأسرها.
إنّ صمود اليمن الأسطوري أمام العدوان ونجاحه في إسناد غزة في مواجهة مباشرة مع امريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني يؤكِّدان صدق تحذيرات محمد حسنين هيكل.
ونظرًا لأن الحل في اليمن لم يعد ممكنا عبر الاتفاقات السياسية، ولا مفضلا عبر الحسم العسكري, فإن الخيار الثوري القائم على صحوة الشعب اليمني من صعدة إلى المهرة للمشاركة في شرف تحرير الوطن وانتزاع حقوقه واستعادة عمقه الجغرافي والديموغرافي في جزيرة العرب يعد هو الخيار الافضل والانسب.
خصوصا بعد ان ادرك الشعب اليمني حقيقة اهداف دول العدوان وارتباط مرتزقتهم بالمشروع الصهيوني في المنطقة.