تستضيف روسيا قمة تجمُّع «البريكس» الموسع هذا الأسبوع، وسيشارك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذه القمة بعد قبول مصر دولة عضواً كامل العضوية فيه. ومما لا شك فيه أن الوجود العربى بالتجمع يضاعف من أهمية هذا التجمع، وتأثيره السياسى والاقتصادى فى العلاقات الدولية، وداخل المنظمات والمحافل الدولية، عند تنسيق مواقف الدول الأعضاء به فى القضايا والمسائل التى تتصدر الأجندة الدولية.

الإطار المتقدم يحكم رؤية مصر لعضويتها فى هذا التجمع الذى يضم قوى دولية ودولاً لها ثقلها دولياً، ارتبطت مصر معها بعلاقات لها عمقها التاريخى الراسخ مثل روسيا والصين والهند، وانسحبت تلك العلاقات على كافة مجالات التعاون الثنائى من العسكرى والتصنيع الحربى إلى السياسى والاقتصادى والاستثمارى والتجارى وحتى المجال السياحى. وهذه العلاقات فى حد ذاتها سيكون لها مردودها غير المنظور لصالح مصر عند بحث «التجمع» لقضايا دولية وإقليمية تمس المصالح المصرية، سواء الأمنية أو غيرها.

ومصر لا تعتبر تجمع «البريكس» الموسع تكتلاً أو محوراً دولياً يكرس الصراعات والانقسامات الدولية ويعمق من الاستقطاب الدولى الحاد، كما هو حاصل فى المشهد العالمى الراهن، على ضوء تداعيات حرب أوكرانيا على العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، وعلى ضوء التنافس الصريح بين الصين والولايات المتحدة، سواء فى إطار علاقاتهما الثنائية، أو بالنسبة للأزمة الصينية - الأمريكية حول تايوان ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى والدور الصينى -كما تزعم الولايات المتحدة- فى مساندة ودعم روسيا فى الحرب الأوكرانية.

مصر تنظر إلى «بريكس» الموسع من منظور اقتصادى وتنموى فى المقام الأول، وقد أكد الرئيس السيسى على هذا البعد المهم من خلال كلمة سيادته فى 18 أكتوبر الجارى فى منتدى أعمال «التجمع»، حين تحدّث عن «المنطقة الاقتصادية لقناة السويس» وما توفره من قاعدة صناعية متنوعة ومميزات تصديرية، كما نوه سيادته بأن مصر انضمت إلى عدد من اتفاقيات التجارة الحرة مع كبرى التجمعات الاقتصادية، مما يُسهل من النفاذ إلى أسواق العديد من الدول.

ومن ضمن مجالات الاهتمام المصرى بـ«البريكس» الموسع يبرز موضوع تمويل الخطط التنموية الطموحة التى رسمتها وتتطلب التمويل اللازم، ولذا رحبت مصر بتصريحات للرئيس الروسى فلاديمير بوتين من أنه سيتم العمل على تعزيز بنك «البريكس»، وكذلك ما جاء على لسانه من أن الدول الأعضاء بـ«التجمع» ستنظر فى استخدام العملات الرقمية، مؤكداً أن العمل يتم على هذا الصعيد بتبادل المعلومات المالية فى هذا الصدد.

على الصعيد السياسى لا شك أن قادة الدول الأعضاء المشاركين فى قمة «البريكس» الموسع فى روسيا ينظرون إلى الأوضاع الإقليمية بالشرق الأوسط بقلق ملحوظ تخوفاً من احتمالات التصعيد العسكرى. ستكون القمة فرصة يتحدث فيها الرئيس السيسى عن الطرح المصرى فى هذا الصدد على ضوء الجهود الدبلوماسية المصرية للتوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن فى قطاع غزة، تلك الجهود التى بدأت منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى على «غزة»، وكذلك الاتصالات المصرية المتعلقة بوقف إطلاق النار فى جنوب لبنان، والانسحاب الإسرائيلى فى كلتا الحالتين.

وإذا كانت الأوضاع والمواجهات العسكرية بالشرق الأوسط ستكون محل اهتمام خاص فى مناقشات قمة «البريكس» الموسع بروسيا، فإن الحرب الأوكرانية ستكون هى الأخرى لها الصدارة فى مداولات القمة، وستتركز حول السبل الكفيلة بإنهاء الحرب، والتوصل إلى تسوية سياسية تضمن مصالح كل من روسيا وأوكرانيا. والموقف المصرى فى هذا الصدد كان واضحاً منذ اليوم الأول على اشتعالها بالدعوة إلى وقف إطلاق النار والدخول فى مفاوضات للاتفاق على حل سياسى.

وتأمل مصر أن تفتح هذه القمة آفاق تعاون وثيق بين الدول الأعضاء فى تجمُّع «البريكس» تعود بالمنفعة المتبادلة على الدول الأعضاء، وأن تنطلق من القمة دعوة للأمن والاستقرار والسلام فى العالم، وتعلن اتفاقها التام مع موقف الرئيس بوتين خلال تصريحات أدلى بها مؤخراً لمراسلى عدة وكالات أنباء، من بينها وكالة أنباء الشرق الأوسط، أكد خلالها أن «البريكس» ليس منظمة تكتلية، وأنه تجمُّع ذو طابع عالمى، وسينعكس بصورة إيجابية على الاقتصاد العالمى. وهذا هو ما تتطلع إليه مصر.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: بريكس 2024 التنمية الدول الأعضاء فى هذا

إقرأ أيضاً:

رأي.. حبيب الملا يكتب: هل حكومة عبدالفتاح البرهان في السودان شرعية فى نظر القانون الدولي؟

هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، ‏الشريك المدير، مكتب حبيب الملا ومشاركوه. الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

تُمزق السودان حرب أهلية أغرقت البلاد فى أسوأ أزمة إنسانية يشهدها البلد منذ استقلاله وظهور الدولة السودانية بشكلها الحالي. فالقوتان المتنافستان، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تورطتا في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويبدو أن العقبة الرئيسية أمام التسوية السلمية في ادعاء القوات المسلحة السودانية أنها الحكومة الشرعية في البلاد رافضة الدعوات لوقف الاقتتال. لذلك يبدو ضروريا النظر في طبيعة حكومة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في ضوء القانون الدولي.

الشرعية من منظور القانون الدولي تُشير عادة إلى حكومة تحظى باعتراف الدول والمنظمات الدولية، وتمارس فعلياً السيطرة على الدولة والأرض وتلتزم بالقواعد الأساسية لسيادة القانون. كما تعني الشرعية أن الحكومة جاءت ضمن مسار دستوري، أو على الأقل تتوافق مع المبادئ المقبولة دولياً ( مثل عدم تغييب مؤسسات الدولة، احترام الحقوق، الانتخابات، إلخ). فمن محددات الشرعية ما إذا كانت السلطة قد استولت على الحكم بطريقة دستورية أو بانقلاب.

وحتى الحكومة المعترف بها يلزمها احترام القانون الدولي؛ فوجود انتهاكات واسعة يقلّل من الاعتبارات التي تُعزّز شرعيتها في نظر المجتمع الدولي.

ولا يتضمن القانون الدولي معياراً واحداً وثابتا لتحديد الشرعية ولكن يمكن الاستناد إلى معايير مقبولة إلى حد كبير. كما إن الأمر غالباً يعتمد على اعتراف الدول والمنظمات الدولية. وفي الحالة السودانية يُعتبر البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، وقد قام بانقلاب في أكتوبر 2021، حيث أسقط حكومة انتقالية مدنية. والحكومة التي يقودها حاليا يغلب عليها الطابع العسكري بشكل واسع مع ضعف واضح لتشكّل مدني مستقل.

ومن ناحية الواقع العملي، فإن البرهان وجماعته يمارسون سلطة فعلية على أجزاء من السودان، ويعتبرون من الأطراف التي تناط بها وظائف الحكم السياسية والعسكرية. فوجود حكومة فعّالة (بمعنى فرض سيطرتها على الإقليم وإدارة شؤون الدولة وتمثيلها دولياً))يعطيها حجّة واقعية لتمثيل الدولة (de facto). لكن من وجهة نظر القانون الدولي المعاصر وما يُمارس في الواقع، هناك ضعف في استخدام هذا المنهج كدليل على شرعية الحكومة.  فالاعتراف الدولي(Recognition)   هو فعل سياسي وقانوني. فليس كل حكومة تتحكم في الدولة تكون معترف بها تلقائياً من الدول أو المنظمات الدولية. ويصدق ذلك خاصة في حالات النزاع الداخلي أو الحكم غير المستقر، مثل النزاعات المسلحة، الانتقالات غير الدستورية، انقسام الدولة.

كما أنه من ناحية الشرعية الدولية فالأمر لا يزال موضع خلاف. فليس هناك إجماع دولي على أن حكومة البرهان هي الحكومة الشرعية الوحيدة، وتوجد انتقادات  لطبيعة تولّي السلطة من قِبَل تلك الحكومة. ويعاني المشهد الداخلي قصورا كبيرا في مشاركة مدنية حقيقية، مع وجود اعتراضات واسعة من القوى المدنية، واعتراف بأن المسار الدستوري والانتقال الديمقراطي الذى كان متفقاً عليه قد تعطّل.

 لذلك، لا يمكن القول إن حكومة البرهان شرعية من منظور القانون الدولي، لكنها تمتلك عنصر الحكم الفعلي، ما يجعلها سلطة أمر واقع.

نستعرض بعد ذلك مدى الاعتراف الأممي بهذه الحكومة باعتبار الاعتراف إحدى معايير الشرعية وفق القانون الدولي.

والواقع انه لا توجد أي دولة أو منظمة دولية أصدرت اعترافاً رسمياً ومباشراً بحكومة البرهان باعتبارها الحكومة الشرعية للسودان. إنما تتعامل الدول مع السلطة القائمة لأغراض إنسانية أو أمنية فقط، وهذا يسمى تعاملا وظيفيا(Functional Contact)  ولا يُعد اعترافاً بالحكومة.

 موقف الأمم المتحدة: الأمم المتحدة أدانت منذ البداية التغيير غير الدستوري الذي قام به البرهان، وأكدت أن السلطة الانتقالية التي نشأت بعد الانقلاب ليست ممثلة للشرعية الدستورية.

ولم تصدر الأمم المتحدة أي قرار بشرعية حكومة البرهان. بل إنه في 25 أكتوبر2021  أصدرت الأمم المتحدة بيانًا عبر المتحدث باسم الأمين العام أدان من خلاله الانقلاب العسكري في الخرطوم. وهذا يعني من الناحية السياسية أن أعلى أجهزة الأمم المتحدة لا تعترف بشرعية الانقلاب وتعتبره انحرافاً عن الانتقال الديمقراطي المتفق عليه.

يبقى مقعد السودان في الأمم المتحدة بيد ممثلي حكومة البرهان لسبب قانوني وإجرائي. فلجنة اعتماد المندوبين لا تسحب المقعد تلقائياً مهما كانت الحكومة غير شرعية. وبالتالي تُبقي المنظمة على المندوب القائم من باب الإجراء الإداري وليس من باب الاعتراف السياسي. كما أن رأس الدولة، البرهان، كان أصلاً جزءاً من السلطة الانتقالية قبل الانقلاب، وبالتالي استمر اعتماد الممثل الدبلوماسي السوداني في معظم المنصات.

موقف الاتحاد الإفريقي: بعد انقلاب أكتوبر 2021، أصدر مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي قرارا بتعليق مشاركة السودان في جميع أنشطة الاتحاد الإفريقي بسبب الاستيلاء غير الدستوري على السلطة من قبل العسكريين، وفرَض التجميد الكامل للعضوية وهو الإجراء الذي يتخذه الاتحاد فقط عندما يعتبر أن الحكومة غير شرعية. كما لم تُمنح حكومة البرهان أي تمثيل سياسي جديد في الاتحاد الإفريقي أو فى أي منظمة دولية أخرى ويتم التعامل معها على أساس السلطة القائمة بحكم الأمر الواقع وذلك للأغراض الإنسانية والأمنية. كما أن تقارير المتابعة الصادرة في 2022 و 2025 تؤكد أن تعليق عضوية السودان ما زال قائماً في أجهزة الاتحاد الإفريقي، بحيث لا يُسمح له بالمشاركة الكاملة في مداولات مجلس السلم والأمن. فمن منظور الاتحاد الإفريقي فإن حكومة البرهان لا تُعامَل كحكومة شرعية وإنما يضطر الاتحاد للتعامل معها واقعياً لأغراض وقف إطلاق النار أو المساعدات. الموقف الأوروبي والأمريكي: اعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رسمياً أنهم لا يعترفون بشرعية الحكومة التي جاءت بعد انقلاب 2021، وأن التعامل معها هو تقني وإنساني فقط.

وعليه فحكومة البرهان لا تُعتبر حكومة شرعية دولياً لأنها لم تحصل على الاعتراف الدولي الصريح، ولأن المجتمع الدولي يتعامل معها كسلطة أمر واقع فقط، بينما يُصنف وصولها للسلطة بأنه غير دستوري وغير مشروع.

ويبقى الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة الإنسانية وإيجاد حل دائم لسودان آمن ومستقر هو التوصل إلى تسوية سلمية تقود في نهاية المطاف إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً.

السوداننشر الاثنين، 08 ديسمبر / كانون الأول 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • أشرف صبحي يوجه الشكر للقيادة السياسية لدعم ترشحه لرئاسة CIGEPS باليونسكو
  • عقب انتخابه لرئاستها.. وزير الشباب يوجه رسالة للجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية
  • السفير التركي يثمن جهود السعودية في دعم العمل الإنساني الدولي
  • دول الاتحاد الأوروبي توافق على تشدد كبير في سياسة الهجرة
  • أعصاء مجلس الألكسو يزورون المتحف المصري الكبير.. صور
  • عاجل- رئيس الوزراء: مصر ملتزمة بدعم الأمن الغذائي العربي والأفريقي وتعزيز التعاون الإقليمي
  • رأي.. حبيب الملا يكتب: هل حكومة عبدالفتاح البرهان في السودان شرعية فى نظر القانون الدولي؟
  • وفود الألكسو تزور المتحف المصري الكبير وتثني على عبقرية التصميم وإبداع المحتوى
  • عاجل- رئيس الوزراء يشارك في المؤتمر السنوي لممثلي المكاتب الإقليمية والقطرية لمنظمة الفاو
  • السفير حازم ممدوح: تقدير كبير لدور المصريين في بعثة حفظ السلام بجنوب السودان