يمانيون:
2025-06-01@22:30:04 GMT

هل سقط حزب الله؟

تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT

هل سقط حزب الله؟

طارق فخري

نُقل أخيراً أن السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون، أجرت مجموعة من اللقاءات مع قوى سياسية لبنانية بغية التفكير في مرحلة ما بعد حزب الله، والتخطيط للمرحلة السياسية الجديدة التي سيكون الحزب مغيباً عنها.
تُعبر مقاربة السفيرة عن الرؤية الأميركية إلى أن حزب الله بات ضعيفاً على أثر اغتيال أمينه العام، وتتالي الضربات الموجعة على بنيته العسكرية والأمنية، كما تنطلق من القناعة بنجاعة إستراتيجية الاستنزاف الإسرائيلية التي طُبقت في غزة، وتطبق الآن في لبنان.

تقوم هذه الإستراتيجية على تبديل الأدوار بين الأطراف في الحرب اللاتماثلية؛ فعوضاً عن أن يستنزف الفاعل اللانظامي الأضعف قدرات الطرف النظامي الأقوى، عبر استهداف نقاط القوة بما تيسر له من السبل اللا تقليدية، يعمد الطرف الأقوى، وهو إسرائيل، إلى استنزاف العنصر البشري والقيادي من أجل خلق صدمات عنيفة تفقد الخصم توازنه وقدرته على المبادرة، وإحداث شلل في منظومة اتخاذ القرار، بالإضافة إلى استنزاف القدرات التسليحية المحدودة بالتزامن مع قطع خطوط الإمداد، وذلك وفقاً لمديات زمنية مطولة لم تكن في حسبان الفاعل اللانظامي، أي حزب الله وحماس. وهذا ما يفسر إطالة أمد الحرب في غزة، والتباطؤ في العملية البرية على الحدود الشمالية للكيان.
خوض المعركة بمنطق الاستنزاف الطويل، وتحمّل الأكلاف البشرية والاقتصادية والاجتماعية المحتملة، هو الحل الذي نظّر له عدد من مراكز الدراسات الأميركية والإسرائيلية للإجابة عن المعضلة الأبرز المرتبطة بمواجهة حلقات محور المقاومة في إطار الصراع اللاتماثلي القائم، فضلاً عن احتواء جبهة المقاومة عبر الاستفراد بأطرافها وصولاً إلى الرأس وهو إيران.
صحيح أن الجهد الحربي المكثف في قطاع غزة على مدار سنة لم يفضِ إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي خاضت إسرائيل الحرب من أجلها، إلا أن القراءة الأميركية الإسرائيلية لمآلات المشهد الميداني تفيد بنجاح الخطط في تهشيم جسم حماس بنسبة كبيرة، وهو الأمر الذي ستحاول الآلة العسكرية الإسرائيلية تكراره في لبنان. ترافق ذلك مساعٍ مباشرة وناعمة لإحداث شرخ بين المقاومة وعمقها الجماهيري، سواء عبر الإرهاب المتمثل باستهداف المدنيين وتدمير الممتلكات أو عبر تكثيف زخم من السيولة الإعلامية والمعلوماتية للضغط على العقل الجمعي وإضعاف المناعة النفسية لبيئة المقاومة.
بيد أنه، في المقابل، ورغم الضربات الموجعة التي تلقاها الحزب، فهناك مجموعة من المؤشرات التي تدعم فرضية تماسكه وقدرته على إعادة إنتاج منظومة القيادة والتحكم، وهي:
– الأداء الميداني الكفؤ والممنهج لتشكيلاته القتالية، ما يعني أن الحزب استطاع سريعاً ردم فجوة القيادة لديه، والتكيف مع تطورات المعركة. فإلى الآن ما زال الجيش الإسرائيلي يناور على الحافة الأمامية للحدود من دون أن يحقق أي توغل فعلي في العمق.
– من الواضح أن المقاومة استعادت زمام المبادرة في الميدان؛ فصواريخها باتت تتوزع على قوس ناري أكثر عمقاً وزخماً، ما تسبب في إلحاق الأذى في الأصول المادية العسكرية والمدنية، وأفقد المستوطنين أي ضمانة أمنية للمكوث في منطقة الشمال.
– الاستدراك الجزئي للثغرة الأمنية البنيوية، وخلق ديناميات تواصل وتنسيق أقل خطورة وانكشافاً، يدلل على ذلك الفشل في استهداف بعض قيادات المستوى العسكري إلى الآن، والتي يعدها الإسرائيلي مسؤولة عن إدارة الدفة العسكرية حالياً.

المقاومة في لبنان تجاوزت الحالة التنظيمية أو الحزبية، وتحولت إلى مجتمع متجذر، يملك كل مقومات البقاء والاستمرار في مواجهة التحديات

-ثنائية الخطاب والميدان، أو تناسق الرؤية السياسية مع الأداء العسكري، الذي تجلى في خطاب نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، وما تلاه من ترجمة ميدانية مباشرة تؤكد تماسك الجسم القيادي للحزب.
-الشرعية الصلبة التي تسبغها الحاضنة الاجتماعية على الفعل المقاوم، حتى في خضم دفعها للأثمان الباهظة نتيجة لتمسكها بهذا الخيار، إن لناحية التضحية بالأنفس والمصالح الاقتصادية أو ما تتكبده من عناء النزوح واللااستقرار الاجتماعي. وذلك رغم استهدافها بشتى أنواع القوة، بغية التفكيك بينها وبين المقاومة.
حقق الجيش الإسرائيلي جملة من الإنجازات التكتيكية في كل من غزة ولبنان، بعضها لم يكن يتوقع أن ينجزها بهذه الفعالية والسرعة، خصوصاً على الجبهة اللبنانية، إلا أن ذلك لا يعد انتصاراً إذا لم يستتبع بدخول بري ناجح، قادر على تثبيت المعادلات وتكريسها في الجغرافيا وعلى أرض الواقع؛ فالتفوق الجوي لا يحسم معركة أو حرباً.
أسهم الزهو، الناجم عن النجاحات الإسرائيلية المتسارعة والمتتالية في توجيه الضربات التكتيكية إلى حزب الله، في تحفيز الرؤى الطموحة المختزنة في العقل الإسرائيلي وإحيائها، فانبرى نتنياهو للحديث عن إعادة تشكيل الخارطة السياسية للشرق الأوسط، وإضعاف محور المقاومة، مع أنه إلى الآن لم يستطع أن يحقق أياً من أهدافه المعلنة في غزة. إذاً، ما يقوم به نتنياهو فعلياً هو السعي نحو تحقيق مجموعة من الإنجازات التكتيكية الوازنة على مستوى جبهات المقاومة، ليعمد إلى تسويقها كانتصار للكيان في المنطقة، وتحولاً في معادلات القوة السائدة. ولذا، نجده ينتقل من جبهة إلى أخرى، مستفيداً من الفراغ والضعف السياسي في الإدارة الأميركية، ومستثمراً اللحظة الانتخابية في واشنطن عبر اللعب على تناقضاتها.
بيد أن المأزق الإستراتيجي الكبير الذي تعاني منه السياسة الإسرائيلية هو الافتقار إلى القدرة على تحويل فائض القوة إلى نفوذ إستراتيجي، أي ترجمة الإنجاز التكتيكي إلى أهداف سياسية إستراتيجية. هذا بالتحديد ما حذر منه عدد من الدراسات الأمنية والإستراتيجية وأخذ حيزاً واسعاً من النقاشات الداخلية الإسرائيلية، كما خلصت إليه مجموعة من مؤتمرات الأمن القومي الإسرائيلي وفي مقدمتها مؤتمر هرتسيليا في عام 2020.
خلاصة القول: من السابق لأوانه استباق نتائج المعركة الدائرة والبناء على سقوط حزب الله سياسياً أو عسكرياً، خصوصاً أن المقاومة في لبنان تجاوزت الحالة التنظيمية أو الحزبية، وتحولت إلى مجتمع متجذر، يملك كل مقومات البقاء والاستمرار في مواجهة التحديات، مدفوعاً بشحنة عاطفية وشعورية هائلة بعد اغتيال القائد الذي عبر به كل المحن والصعوبات على مدى ما يقارب الأربعين عاماً، ولذا إنه من الخطأ إجراء مقارنة بين اللحظة السياسية الراهنة وما حصل في اجتياح عام 1982، بل الأقرب إلى الصواب استجلاء المشتركات بين اليوم وحرب تموز 2006، عندما أراد المشروع الأميركي الإسرائيلي أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، فكانت النتيجة معاكسة تماماً، وتحوّل حزب الله إلى لاعب إقليمي بارز. فعلياً، ما زالت الحرب في بداياتها، وبين البداية حتى النهاية ميدان ورجال.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: مجموعة من فی لبنان حزب الله

إقرأ أيضاً:

بيان المسيرات اليمنية “لا أمن للكيان”.. قراءة في الأبعاد والدلالات السياسية والدينية والاستراتيجية

يمانيون / تحليل خاص

في مشهد شعبي غير اعتيادي، خرج اليمنيون بمسيرات مليونية عارمة، تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والانتهاكات المتواصلة بحق المسجد الأقصى، تحت شعار صريح: “لا أمن للكيان.. وغزة والأقصى تحت العدوان”. وقد حمل البيان الصادر عن هذه المسيرات مضامين استراتيجية عميقة تتجاوز التنديد اللفظي، إلى خطاب تعبوي وتحريضي ذي أبعاد إقليمية واضحة ، هذا التحليل يسلط الضوء على أبرز الأبعاد والدلالات السياسية والدينية والاجتماعية والعسكرية التي تضمّنها البيان، ويستقرئ رسائله  في ظل احتدام المواجهة في غزة، وتنامي الوعي الشعبي المقاوم في عدد من الساحات العربية.

 البعد الديني –  المقدسات محرك شعبي جامع :
البيان يبدأ بصيغة إيمانية صريحة: “نجدد عهدنا ووفاءنا وولاءنا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله…”

هذه العبارة ليست مجرد افتتاحية تقليدية، بل تعكس مركزية البعد الديني كرافعة سياسية وتعبوية. إذ يتم الربط مباشرة بين الإساءة للنبي محمد صلوات الله عليه وآله ، والانتهاكات التي تطال المسجد الأقصى، في محاولة لإعادة تمركز القضية الفلسطينية في وجدان المسلمين بوصفها قضية عقائدية غير قابلة للمساومة.
من خلال هذه الصياغة، يُراد كسر طوق التجاهل الذي فرضته بعض الأنظمة عبر التطبيع، والتأكيد على أن الأمة الإسلامية تملك قاسمًا دينيًا مشتركًا يتفجر عند المساس بمقدساتها.

 البعد السياسي – المواجهة مع المشروع الصهيوني والتحالف الغربي
البيان لا يكتفي بوصف العدوان الإسرائيلي على غزة باعتباره عملاً عدائيًا، بل يوسع المشهد ليضعه في سياق صراع دولي، من خلال وصف الدعم الغربي للعدو الإسرائيلي بأنه يأتي من “أمريكا والغرب الكافر وصهاينة العالم”.
هذا الخطاب يُعيد تفعيل مفردات “المواجهة الحضارية”، ويصور الصراع القائم بأنه ليس مجرد نزاع سياسي، بل صراع على القيم والهوية والوجود. كما أنه يبعث برسالة ضمنية إلى الأنظمة العربية التي تقيم علاقات مع العدو الإسرائيلي، بأن الموقف الشعبي المقاوم هو في وادٍ آخر، وهو ماضٍ في التصعيد.
إضافة إلى ذلك، فإن التأكيد على أن “فكرة تراجعنا عن موقفنا المساند لغزة هي من أفشل الأفكار” يُعدّ رسالة سياسية قوية بأن التحركات الشعبية في اليمن ليست ظرفية، بل تنطلق من موقف استراتيجي ثابت في مناهضة الاحتلال والوقوف مع المقاومة الفلسطينية.

 البعد التعبوي والاجتماعي – المسيرات كأداة ضغط ونفير شامل
يستعمل البيان مفردات قوية للدعوة إلى التعبئة الجماهيرية: “لن نكتفي أمام إساءة اليهود المتكررة ببيانات الإدانة، بل نرد بالنفير والخروج المليوني…”
في هذا الإطار، المسيرات ليست فقط استجابة عاطفية، بل تحولت إلى فعل سياسي منظم، يُستعمل كوسيلة ضغط داخلي وخارجي، ورسالة مفادها أن الشارع لا يزال حاضرًا وفاعلًا في معادلة الصراع، رغم كل الضغوط الاقتصادية والحصار.
كما يدعو البيان شعوب الأمة الأخرى للتحرك، في محاولة لتوسيع دائرة المقاومة الشعبية، والتأكيد على أن نضال غزة ليس نضالًا محصورًا بفصيل أو شعب، بل هو نضال أممي إسلامي جامع.

 البعد العسكري – رسائل نارية ومواقف غير تقليدية
البيان لم يخلُ من رسائل مباشرة موجهة إلى الميدان العسكري: “نقول لمجاهدينا في القوات المسلحة: لا تسمحوا للعدو الصهيوني أن يشعر بشيء من الأمان طالما وغزة تحت الإبادة…”
هذه العبارة تُعبّر عن تحول لافت، حيث يتم الربط بين التحركات الشعبية والخطاب العسكري المباشر، في إعلان ضمني أن اليمن، كجزء من محور المقاومة، يحتفظ بحقه في الرد العسكري إذا استدعت الحاجة، وأن “الأمن” الإسرائيلي أصبح مرهونًا بوقف العدوان على غزة.
البيان يضع “العدو الصهيوني” في حالة استنفار، ليس فقط داخل حدود فلسطين، بل على مستوى الجغرافيا الإقليمية، ويعيد التأكيد أن أي استهداف للبنية المدنية في غزة سيُقابل بمواقف عملية، وليس بمواقف إدانة تقليدية.

 البعد الإنساني والتضامني – دعم معنوي صلب للمقاومة 
يُختتم البيان برسالة إلى غزة وفلسطين: “اصبروا وصابروا فأنتم تجاهدون في سبيل الله ولن يضيع الله صبركم… ونحن معكم.”
في هذه الصيغة المزدوجة، يندمج الخطاب الإيماني بالسياسي. فهو من جهة يُطمئن أهل غزة بأن صبرهم في سبيل الله لن يذهب هدرًا، ومن جهة أخرى يؤكد لهم أنهم ليسوا وحدهم، وأن الظهير الشعبي في اليمن وكل ساحات المقاومة موجود وحاضر.

بهذه العبارات، يتجاوز البيان منطق التضامن الرمزي، إلى تعهد ميداني ومعنوي بالدعم والصمود، وهو ما يمنح فصائل المقاومة دفعة معنوية كبرى وسط حصار خانق وعدوان مستمر.

ختاماً : اليمن يُعيد التموضع في قلب معادلة الصراع
البيان الصادر عن المسيرات اليمنية لا يمكن قراءته بوصفه فقط موقفًا تضامنيًا تقليديًا، بل هو إعلان عن تموضع استراتيجي جديد، يحمل عدة رسائل إلى الكيان الإسرائيلي ’’لا أمان ما دام العدوان قائمًا’’ وإلى الأنظمة العربية ’’ لا تطبيع يغطي على جرائم الاحتلال’’  ، وإلى شعوب الأمة ’’ التحرك الشعبي ممكن وفاعل، والنفير الجماهيري واجب’’ وإلى غزة والمقاومة ’’ لستم وحدكم، والأمة لا تزال حية’’.
من هنا، فإن المسيرات المليونية، التي خرجت من بلد يعاني ويلات الحرب والحصار، تُعيد التأكيد أن القضية الفلسطينية لا تموت ما دام هناك من يعتبرها بوصلته الأخلاقية والعقائدية والسياسية.

مقالات مشابهة

  • من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
  • الحوثيون : سنسقط طائرات الاحتلال الإسرائيلي التي تقصف بلادنا 
  • جنوب لبنان تحت النار الإسرائيلية مجدداً: قتيل وجريح في غارات مستمرّة
  • خبراء: مقترح ويتكوف الجديد يقترب بنسبة 95% من الشروط الإسرائيلية
  • دون أن تتبنى المقاومة العملية.. العدو الإسرائيلي يعلن رصد إطلاق 3 صواريخ من غزة 
  • صحيفة تتحدث عن وهم انهيار حزب الله اللبناني.. تكتيكات مختلفة
  • المقاومة تواصل عملياتها النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي في غزة
  • عاجل|أنصار الله تتوعد الطائرات الإسرائيلية: قدراتنا الدفاعية ستصنع المفاجآت
  • حزب الله.. الرقم الإسلامي الصعب
  • بيان المسيرات اليمنية “لا أمن للكيان”.. قراءة في الأبعاد والدلالات السياسية والدينية والاستراتيجية