في عيد الجيش.. البرهان يتحدث عن "أكبر مؤامرة بتاريخ السودان" ونظرته للحل السياسي
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
تحدث قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، في العيد التاسع والستين للقوات المسلحة السودانية عن مواجهة أكبر مؤامرة بتاريخ السودان، مشيرا إلى نظرته فيما يتعلق بالحل السياسي بالبلاد.
إقرأ المزيدوقال البرهان في كلمته إنه "لم نكن نتصور أن تمتد يد الغدر والخيانة من قيادة قوات الدعم السريع، ويستبد بها الطمع والتعطش للسلطة للحد الذي فرض علينا حكومة وجيشا وشعبا هذه الحرب التي نخوضها مضطرين، بعد أن سلكنا كل السبل لمنع وقوعها".
ولفت إلى أن السودان "يواجه أكبر مؤامرة في تاريخه الحديث، تستهدف كيان وهوية وتراث ومصير الشعب الذي ظل منذ صبيحة 15 أبريل الماضي يواجه أبشع فصول الإرهاب وجرائم الحرب على أيدي مليشيا المتمرد الخائن حميدتي وأعوانه، الذين قادوا أكبر ظاهرة قامت علي التضليل والكذب والخداع وتزييف الحقائق وشراء ذمم الناس في تاريخ هذا البلد".
وأكد البرهان أن قوات الدعم السريع "استغلت ثورة ديسمبر المجيدة في تمرير مشروع قائدها القائم على نشر الفوضى واختلاق الأزمات الأمنية والاقتصادية وإستثمار التجاذبات السياسية، للرجوع بالبلاد إلي عهود ما قبل الدولة الحديثة وليقيم على أنقاض البلاد وقواتها المسلحة مملكته الخاصة، تحت زيف شعارات إستعادة الديمقراطية والحكم المدني"، مشيرا إلى أن "هذه الشعارات عايش الشعب السوداني زيفها على مدى الشهور الماضية نهبا للممتلكات وقتلا وتنكيلا واغتصابا للحرائر، وارتكابا للجرائم".
ومتوجها إلى السودانيين والعالم، أكد البرهان أن "القوات المسلحة ستظل كعهدها، قوات محترفة تقف مع خيارات الشعب وحقه في دولة القانون والديمقراطية والمؤسسات، دولة الحرية والسلام والعدالة، بعد توافق نتفادي فيه كل تجاوزات وأخطاء ما قبل 15 أبريل 2023 لنصل إلي صيغة سياسية محكمة وعادلة ومقبولة لدى السودانيين، تصل بالبلاد إلى محطة الانتخابات التي يختار فيها من يحكمه بجدارة واستحقاق"، مشددا على أن "حينها ستجدون قواتكم المسلحة إلى جانبكم ثم لتمضي في أداء واجبها الوطني المقدس في حماية الأرض والعرض ومواصلة مسيرة التحديث والتطوير، جيشا واحدا موحدا خالي من أي تشوهات تهدد الأمن الوطني السوداني".
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان
إقرأ أيضاً:
حرب أفول الدولة
حرب أفول الدولة
خالد عمر يوسف
منذ اندلاع الشرارة الأولى لحرب الإجرام المكتمل هذه قبل عامين ونيف، كان واضحاً لكل ذي بصيرة أنها حربٌ لا مشروعية سياسية أو وطنية أو أخلاقية أو دينية لها، هي حربُ الاستحواذ على السلطة فوق جماجم الناس، وللتغطية على حقيقتها الإجرامية رافقها سباقٌ للسرديات سعياً لاكسابها مشروعية ما، ولكن كما جاء في قصة كتاب المطالعة الشهيرة المسماة “فرعون وقلة عقله”، -وهي قصة درسناها في زمان أفضل من هذا الزمان- تأبى هذه الحرب إلا أن تخرج عارية من كل خرقة قماش، كاشفة عورتها التي تسوء الناظرين، وهي عورة لم ينجح حارقو بخورها في اخفاءها رغم ما اخترعوه حولها من روايات.
آخر أكاذيب هذه الحرب أنها حرب بقاء الدولة، والحفاظ عليها من الانهيار. تحولت الدولة في عرف من يروجون لهذه الرواية لغاية في ذاتها دون تدبر في كونها أداة ابتكرها البشر لخدمة احتياجاتهم الأساسية. رغماً عن ذلك واذا افترضنا جدلاً أن الحفاظ على الدولة مقدم على حفظ أرواح وممتلكات وكرامة من يقطنها من بشر، هل حقيقة أن هذه الحرب تبقي الدولة وتحميها فعلياً؟
تذخر كتب العلوم السياسية والاجتماعية بأبحاث معمقة حول طبيعة الدولة وتعريفها، وهي مباحث تضيق هذا المساحة عن الإحاطة بها. لذا ولأغراض المقال فلنستند على أبسط تعريفاتها وعناصرها. يعرف ماكس فيبر الدولة بأنها “الكيان الذي يحتكر الاستخدام المشروع للعنف داخل إقليم معين”، كما إن المعاهدات الدولية التي انبنت عليها صيغ الدولة الحديثة، تنص على أنه من أهم العناصر الأساسية لقيام الدولة هي الشعب، والرقعة الجغرافية، والسلطة السياسية، وممارسة السيادة على أراضيها. في ذات السياق فإن العديد من المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية، قد وضعت تعريفات ومعايير لقياس هشاشة الدول، حيث يعرف البنك الدولي الدول الهشة بأنها “تلك التي تعاني من ضعف في القدرة على أداء وظائف الحكم الأساسية، وتتآكل فيها شرعية الدولة أو تصبح محل شك”، ووفقاً لمؤشر الدول الهشة الصادر عن مؤسسة Fund for Peace فإن “الدولة تعتبر في حالة فشل إذا عجزت عن تقديم السلع والخدمات السياسية الأساسية لمواطنيها. بما فيها فقدان السيطرة على أراضيها، والعجز عن توفير الأمن، وتراجع شرعية الحكومة، وانهيار الخدمات العامة، وصعود النخب المتنازعة أو التدخل الخارجي”.
بالعودة للحالة السودانية واستناداً على ما ورد أعلاه من تعريفات لطبيعة الدولة، ومعايير فشلها، فإنه من الواضح أن الحرب هي الطريق السريع لأفول الدولة وتحللها وليس الحفاظ عليها. فقد صنف مؤشر الدول الهشة السودان بأنه ثاني أكثر دول العالم هشاشة في العام 2024م، مستنداً على عجز الدولة عن توفير الأمن والخدمات أو احتكار السلطة داخل إقليمها. هذا التصنيف ليس تصنيفاً رغبوياً، فما يحدث كل يوم في بلادنا يقف شاهداً على ذلك، وبمراجعة عناصر الدولة نجد بوضوح أنها بفعل الحرب قد فقدت قدرتها في السيطرة على “العنف المشروع” وصار السلاح بيد كل مواطن، وتنقل الوسائط الاعلامية كل يوم حوادث القتل الفردي والجماعي في بقاع كانت تنعم بالأمن قبل اندلاع الحرب، بل أن السلطات التي تتنازع على السودان تشجع ذلك عوضاً عن كبحه، فها هو والي الخرطوم المعين من قبل سلطة بورتسودان يدعو المواطنين للعودة لديارهم “واعداً اياهم بالتسليح لحماية أحيائهم ومناطقهم”، فتوفير الأمن الذي يجب أن يكون مهمة الدولة تحول لشأن فردي بسبب تحلل الدولة وليس بفعل قوتها وبقاءها، والحرب التي حين بدأت كانت هنالك معضلة حول كيفية الوصول لجيش واحد مع وضعية الدعم السريع الذي نشأ دخل مؤسسات الدولة كجيش موازي، قادت البلاد لتفاقم المعضلة وتناسل الجماعات المسلحة والمليشيات التي تولد مع كل صباح، حتى صار امراً عادياً أن يتدرب الآلاف من الأشخاص خارج السودان في دول أجنبية، دون أن يرمش جفن دعاة الحفاظ على الدولة. إلى جانب ذلك فقد تآكلت بقية مقومات الدولة في السودان، فالشعب قد دفع إلى اللجوء والنزوح في أكبر كارثة تشهدها الكرة الأرضية حالياً، والسلطة السياسية متنازع عليها بين سلطتي أمر واقع تقاسمتا الرقعة الجغرافية في البلاد، وشرع الطرفان في تشكيل حكومات فيهما وسط افتقار للشرعية الكاملة داخلياً وخارجياً، أما السيادة فقد صارت نهباً لتدخلات خارجية تتزايد كل يوم، لتهدد مستقبل استعادتها لاحقاً لا حاضرنا الأليم هذا فحسب. الحقيقة التي لايمكن الهرب منها هي أن الحرب قسمت السودان وتقود لتحلل الدولة فيه وليس العكس.
يطابق البعض أيضاً في مغالطة واضحة بين القوات المسلحة والدولة نفسها، بل يعطي البعض القوات المسلحة حق امتلاك التعريف الحصري للدولة ولمن هم فيها ومن هم خارجها، وهو خلل مريع يرتكبه البعض بقصد ويقع فيه البعض الآخر سهواً. الحقيقة هي أن القوات المسلحة جزء من مؤسسات الدولة وليست الدولة ذاتها، ومن يتتبع مسار الحرب يجد أن هذا الجزء تحديداً قد أضرت به الحرب ولم تقوي بنيانه، فقد شرعت قيادة الجيش في تسليح جماعات مسلحة عديدة لا تخضع لإمرتها وفق التراتبية العسكرية المعلومة، بل صار الأمر أقرب للحلف السياسي بين جماعات مسلحة لا يخضع فيها أحد لأحد، تقوم فيه العلاقة على المساومات والعطايا المتبادلة بينها، فحيناً يتآلف هذا الحلف وحيناً يختلف فتضج الوسائط بأنباء تبايناته، وكل جماعة مسلحة هي فاعل سياسي مستقل بذاته، إذا نال العطايا أظهر الولاء والطاعة، واذا منعوه حمل سلاحه وهدد به وأرغى وأزبد. عليه فإن الطريق للحفاظ على القوات المسلحة نفسها كأحد مؤسسات الدولة لا يمر عبر الحرب بل العكس تماماً، فإن السلام والحل المنصف العادل الذي يضع قضية الجيش الواحد المهني القومي كأولوية لا مساومة فيها هو الطريق للحفاظ على هذه المؤسسة المهمة من مؤسسات الدولة.
اننا نؤمن بأهمية وجود دولة مستقلة ذات سيادة في السودان، لا تنهار ولا تفشل وتقوم بكل واجباتها الأساسية تجاه مواطنيها وفق عقد اجتماعي عادل وشامل ومنصف. ونؤكد على أن وجود جيش واحد مهني وقومي ضمن مؤسسات الدولة وتحت سلطة قيادتها المدنية الشرعية هو أحد أركان بناء دولة متينة وحديثة. الطريق لبلوغ هذه الغايات هو السلام ووقف هذه الحرب الإجرامية اليوم قبل الغد، أما دعاة الحرب ونافخو كيرها، فهم هادمو معبد الدولة بمعاول صدئة قوامها الأكاذيب .. أكاذيب ستذهب جفاءً كما ذهبت تلك التي سبقتها، ويبقى في خاتمة المطاف ما ينفع الناس.
الوسومالسودان القوات المسلحة حرب السودان خالد عمر يوسف سلطة بورتسودان فرعون