لجريدة عمان:
2025-06-23@07:16:19 GMT

ثقافة بث الأمل المفقودة

تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT

بمجرد أن تضع الخطوة الأولى في طريقك المؤدي إلى المستشفى، ينقبض صدرك ويرتفع لديك هرمون الكورتيزول، فأنت لست خارجًا في نزهة، والمكان الذي تقصده ليس صالة سينما أو ملعب كرة قدم أو سبلة أفراح.

تنفتح البوابة الإلكترونية الكبيرة أمامك، وفي الممر الطويل المؤدي إلى الأجنحة تُبصر من بعيد الزوار القادمين من ولايات وقد تجمعوا بالقرب من نوافير المياه بانتظار حلول الساعة الرابعة عصرًا، موعد بدء الزيارة.

ما إن تدلف إلى الجناح الذي يرقد فيه مريضك حتى تنفذ إلى أنفك رائحة المكان المكتظ بالزوار والمُركَبات الكيميائية للأدوية، وهنُ الأجساد التي تستلقي على الأسِرة التي يحجب بعضها عن بعض قماش الستائر القصير.

لن تحتاج إلى جهد كبير حتى تعثر على سرير المريض الذي جئت إليه، لأن وقع ضحكات زواره المتعالية الذين اصطفوا على طول الممر تصل إليك من بعيد.. تُسلِّم على المتحلقين به شخصًا شخصًا وكأنك في «سبلة عزاء».

تُضطر إلى أخذ «العلوم والأخبار» من فم الشخص الذي اتفقوا عليه بعد اختلاف ممل ورتيب، ثم تبحث لك عن مساحة تتمكن من الوقوف فيها لتتكلم مع المريض دون إرغامه طبعًا على إعادة أسطوانة قصة مرضه وأسبابه والعلاجات التي تعِب من روايتها كلما زاره شخص جديد.

ولأنك تعي أن هدف زيارتك هو تزويد الشخص الذي يعز عليك بجرعات الأمل مداواةً لنفسيته المُرهقة، تمتنع قاصدًا عن سرد أو اجترار أي حديث حول الأسقام والأمراض أو تجارب مررت بها أو نقلها لك آخرون، مدركًا أن ذلك مدعاة لتثبيط معنوياته وإحباطه.

تفعل ذلك لليقين الذي لديك بأن كثيرين ممن يزورون مرضاهم تعوزهم ثقافة بث روح التفاؤل التي هم بحاجة إليها، وإيمانًا منك بدور هذا الجانب المهم في تسريع التعافي وقدرة الطاقة الإيجابية على التخفيف من الآلام والمعاناة والشعور باليأس.

ولأنك على يقين بأن الكلمة كالرصاصة لا يمكن التحكم بمقدار الضرر الذي قد تُحدثه عندما تخرج من فوهة البندقية، تتوخى الحذر من نطق أي كلمة مدمرة قد تفلت من لسانك دون أن تتمكن من قياس وقعها وتأثيرها على الشخص الذي أمامك.. تحرص على فحص عباراتك ووزنها قبل إصدارها؛ فالكلمة الطيبة صدقة، وما يخرج عن الألسنة دون تقدير مدعاة لإلحاق الأذى.

النقطة الأخيرة:

يقول لقمان الحكيم: «إن من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من وخز الإبر، وأمر من الصبر، وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع، فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها».

عُمر العبري كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود و حكومة الأمل

كشف رئيس الوزراء د. كامل إدريس، من مدينة بورتسودان اول أمس ، عن ملامح الحكومة الجديدة “حكومة الأمل المدنية”، واضعًا بذلك أسس مشروع وطني يتجاوز المحاصصات السياسية، ويؤسس لحكم يرتكز على الكفاءة والنزاهة. هذا الإعلان يمثل خطوة جريئة طالما انتظرها الشعب السوداني، لإعادة تعريف دور الدولة ومؤسساتها، مستلهما نماذج واقعية صمدت في وجه عواصف السياسة وصراعات النفوذ.

حدد رئيس الوزراء خمسة أسباب رئيسية لأزمة السودان، أبرزها: الفساد، ضعف الإدارة، غياب العدالة، انعدام الشفافية، وانهيار منظومة القيم. أمام هذا التحدي ، لا يكفي تشكيل حكومة “تكنوقراط” فحسب، بل يتطلب الأمر قراءة متأنية للتجارب التي أثبتت جدواها رغم التحديات، وهنا تبرز وحدة تنفيذ السدود كمؤسسة هندسية، تنموية مستقلة قاومت كل أشكال هيمنة النفوذ، ونجحت بشهادة الخبراء والمراقبين في تقديم حلول عملية وواقعية للدولة حين اشدت عليها الحصار.

ظهرت وحدة تنفيذ السدود في العام 1999ضمن توجه استراتيجي للدولة لسد فجوة الكهرباء وبناء مشروعات تنموية كبرى. لكنها سرعان ما تحولت إلى نموذج مؤسسي مستقل تمتع بإدارة مهنية، وخبرة تراكمية، وأداء إداري رشيق تجاوز البيروقراطيات. وعلى مدى أكثر من عقدين، نفّذت الوحدة مشروعات استراتيجية غيرت وجه السودان، على رأسها سد مروي، وتعلية الرصيرص، وسدي أعالي عطبرة وستيت، إضافة إلى مساهمات فعالة في عدد من المشروعات التنموية المصاحبة من طرق وجسور ومستشفيات ومشروعات زراعية بجانب مشروعات حصاد المياه.

ورغم أن هذه الإنجازات كانت كفيلة بمنحها الاستقرار المؤسسي، إلا أن الصراعات الإدارية والتجاذبات السياسية وضعتها مرارًا في مواجهة مع الوزارات التي تناوبت على إدارتها، حيث ظل ينظر إلى الوحدة كـ”جسم غريب” خارج السيطرة التقليدية.

ما تعرّضت له وحدة السدود لا يمكن فهمه إلا ضمن سياق الصراع بين نماذج الإدارة : نموذج قائم على التاريخ والتراتبية والبيروقراطية، وآخر جديد يدعو الي إعلاء الكفاءة، والقيادة المهنية ، والتحرر من هيمنة الأجندات. وهو الصراع ذاته الذي أعاق تطور العديد من مؤسسات الدولة، لكنه كان أكثر وضوحًا في حالة الوحدة ، بسبب تموضعها التقني والسيادي في آنٍ معًا، ما جعلها محل تنافس بين الوزارات المتعاقبة أو ربما تربص.

في الوقت الذي كانت فيه الوحدة تحقق إشادة الممولين الدوليين والإقليميين، ويثني عليها شركاء التنمية من الصناديق العربية والدول الكبرى، كانت تُحاصر داخليًا بسياسات الإقصاء، وإعادة الهيكلة، والتبعية الإدارية المتأرجحة، التي أهدرت ما يقارب 50% من كوادرها بحجة الإصلاح الإداري.

أظهرت الحرب الأخيرة أن مشروعات السدود لم تكن مجرد بنى تحتية، بل ركائز استراتيجية حافظت على استمرارية الدولة في لحظة انهيار محتملة. توليد الكهرباء من السدود مثّل شريانًا حيويًا بعد خروج التوليد الحراري، فيما ساهمت الطرق والجسور والمرافق الحيوية كجسر المتمة شندي وجسر دنقلا السليم ، ومروي كريمة ومستشفى مروي ومطار الشوك في توفير إسناد لوجستي وصحي وأمني بالغ الأهمية. هذه المشروعات، التي طالها التشويه السياسي في أعقاب الثورة، برهنت عمليًا أن الإنجاز التنموي لا يُقاس بسياقه السياسي بل بقدرته على الصمود حين تتعطل الدولة وتنهار مراكز الخدمات، وتبقى المؤسسات التي بُنيت بكفاءة تؤدي دورها بما يكسب الحياة الاستمرارية .

كل هذه المعطيات تجعل من وحدة السدود نموذجًا مصغرًا للحكومة التي دعا إليها إدريس. حكومة تقوم على المهنية وكفاءة التنفيذ والجودة ، بعيدة عن الترضيات، وتعمل بمعايير المحاسبة والشفافية التي تطمئن الشركاء المحلين والدوليين.

في ظل الحاجة الماسة إلى مؤسسات ذات طبيعة تنفيذية مرنة، تواكب طموحات الحكومة الجديدة وتنهض بعبء المشروعات التنموية التي تمثل عصب مشروعات “الأمل”، مثل مياه القضارف، ومشروع أعالي عطبرة الزراعي، و كنانة والرهد، إلى جانب استكمال دراسات السدود الجديدة، والمضي قدمًا في مشروع الدولة الاستراتيجي المعروف بصفرية العطش، عبر برامج حصاد المياه والآبار التي تستهدف استقرار الريف السوداني ضمن أهداف الألفية التنموية 2030.

ومن هنا، يصبح من الطبيعي أن تعاد قراءة وضعية الوحدة من حيث التبعية الإدارية، لضمان سرعة القرار وجودة التنفيذ. وقد أثبتت التجربة أن التبعيات الوزارية المتقلبة كانت سببًا مباشرًا في إضعاف بنيتها، وإهدار خبراتها، والتأثير سلبًا على تمويل مشروعاتها. ولذلك، فإن تبعيتها في المرحلة القادمة في سياق الهيكلة ينبغي أن تكون ضمن الاشراف المباشر لرئيس الوزراء أو للمجلس السيادي، بما يضمن لها الغطاء السياسي والإداري اللازم لتأدية مهامها كذراع تنفيذي للدولة في أكثر الملفات حساسية وأهمية.

إن لحظة البناء الحقيقي للدولة لا تبدأ من تغيير الوجوه، بل من إعادة الاعتبار للمؤسسات القادرة على العمل ، والتي أثبتت بالفعل أنها تمتلك القدرة على تحويل الخطط إلى واقع . وحدة السدود، برصيدها المهني، وخبرتها الفنية، وتاريخها التنموي، تستحق أن تكون في قلب هذا التحول، الذي ينتظره الشعب السوداني بعد سنوات الحرب المخزية .

هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة لا يمكن لحكومة الأمل أن تترسخ دون إصلاح مؤسسي يعيد الاعتبار للكفاءة كمرجعية وحيدة في بناء الدولة. وتجربة وحدة تنفيذ السدود، بما راكمته من إنجازات في أصعب لحظات الحصار الاقتصادي، تقدم نموذجًا حقيقيًا لما يمكن أن يكون عليه الأداء حين تتحرر المؤسسات من عبء البيروقراطية الإدارية وتُمنح الثقة والصلاحية. فليس المطلوب إعادة إنتاج الماضي، بل استلهام ما أثبته الواقع من تجارب ناجحة : أن التنمية لا تُصنع بالشعارات، بل بمؤسسات حيث يبدأ تحول الدولة من وهم الأمل إلى فعله.
دمتم بخير وعافية.

إبراهيم شقلاوي
السبت 21/ يونيو 2025 م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الحبس والغرامة .. عقوبات مشددة تواجه سيدتين شهرتا بأخرى على مواقع التواصل
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود و حكومة الأمل
  • وسام الذهبي: الهلال هو الأمل الوحيد للأندية العربية
  • بعد بحث دام 13 يوما .. الأمن يعلن العثور على جثمان الشاب “عيسى الطعمات” / فيديو
  • و يتعظوا ..!!
  • موجة الانفجار.. الخطر الصامت في الحرب الإسرائيلية الإيرانية
  • ثقافة بلا روح.. وكتابة بلا قداسة!
  • الجهد البدني أم الذهني؟!.. أيهما يحرق سعرات حرارية أكثر؟
  • وزارة كامل بين الأمل والتحديات
  • من الألم إلى الأمل.. مصر تخطو بثبات نحو القضاء على ختان الإناث