أثار الهجوم الهزلي الذي شنّه العدو الصهيوني على إيران سلسلة من ردود الأفعال الملفتة سياسياً، والهازئة من حجم الردّ وطبيعته على المستوى الشعبي داخل الشارع الصهيوني، وفي العالم، وقد وصل الأمر بأحد المعلّقين في ردّ حول احتمال قيام حرس الثورة بالردّ على العملية الصهيونية، بأن ما حدث ليس ضمن اختصاصات حرس الثورة الإيراني، لكنه قد يكون ضمن اختصاصات شرطة السير.
حتى لو صدّقنا الرواية الصهيونية (الكاذبة) حول أحداث العدوان على إيران، فإنها تبقى هزيلة جداً مقارنة بحجم عملية الوعد الصادق التي أوقفت العالم كلّه على رؤوس أصابعه. طبيعة الرد تشير إلى أن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة قد أدرك أن التهديدات الإيرانية برد مزلزل ليست للاستهلاك الإعلامي، ولكنها تعبير حقيقي عن الموقف السياسي والعسكري للجمهورية الإسلامية. لذلك جاء الهجوم برعاية الولايات المتحدة، ليكون مجرّد أداة إعلامية تساعد نتنياهو داخلياً في المرحلة المقبلة.
قبل العدوان الصهيوني، سادت أجواء في المنطقة تشير إلى جهد حثيث تبذله الولايات المتحدة، والوسطاء لانتشال “إسرائيل” من الأزمة التي وقعت بها.
من قطر كان وزير الخارجية الأمريكية يصرّح بأن الحرب في المنطقة قد حقّقت أهدافها، وأن الوقت قد حان لتوقّفها، وفي العاصمة القطرية نفسها كان الوسيط المصري يقدّم مبادرة لقيادة المقاومة بوقف إطلاق نار مؤقت؛ لمدة يومين، مقابل إطلاق سراح أربع رهائن، وهو العرض الذي رفضته المقاومة. وكانت القاهرة مسرحاً لحوار بين قيادات من حركة حماس ومسؤولين أمنيين مصريين رفيعي المستوى.
في لبنان تراجع التحالف الغربي عن المطالبة بانسحاب المقاومة إلى شمال الليطاني، واكتفى بوقف إطلاق نار يسمح بعودة مستوطني شمال فلسطين إلى مستوطناتهم، في محاولة أخرى لمنح نتنياهو هامشاً للمناورة الداخلية. حتى مؤتمر باريس الذي يظهر عنوانه المعلن “سيادة لبنان” فإنه يمثّل خضوعاً لشروط العدو، فالسيادة المطلوبة مبنية على شروط قراري مجلس الأمن 1559 و1701. فشل المؤتمر في تحقيق أيّ اختراق سياسي واكتفى بوعود بمساعدات إنسانية للبنان بلغت مليار دولار. لا يمكن في السياق نفسه التغاضي عن الأخبار التي سرّبتها بعض القنوات الصهيونية حول اقتراب انتهاء العملية العسكرية الصهيونية في جنوب لبنان.
بعد العدوان، جاءت ردود الفعل، في معظمها، مدينة للعدوان وتميّزت في هذا السياق الإدانة التي صدرت عن دول الخليج، بشكل منفرد أو الإدانة التي عبّر عنها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي على لسان أمينه العام جاسم محمد البديوي. كذلك جاءت الإدانة التركية على لسان الرئيس رجب طيب إردوغان، مما يشير إلى ضوء أخضر أمريكي منحته الولايات المتحدة لهذه الدول لاتخاذ مواقف تخفّف من حدّة التوتر في منطقة الخليج.
ترافق الحديث عن التسوية المقبلة، بتصعيد همجي صهيوني تجاه غزة ولبنان، فكانت مجزرة مخيم جباليا، واستهداف المؤسسات المدنية اللبنانية كالمستشفيات، ومراكز الدفاع المدني، والقنوات الإعلامية بما في ذلك جريمة استهداف مركز تجمّع الصحافيين في بلدة حاصبيا التي أدت إلى استشهاد ثلاثة إعلاميين. ترافق التصعيد العسكري، بتصعيد الحصار الإنساني الذي يكاد يصل حدّ المجاعة في مناطق من قطاع غزّة وبشكل خاص مناطق الشمال، وكذلك الغياب شبه الكامل للمنظمات “الإنسانية” عن تقديم المساعدات للاجئين اللبنانيين الذين تجاوز عددهم 1.3 مليون نازح. الهدف الإسرائيلي الواضح، هو توظيف الضغط العسكري والإنساني لدفع المقاومة إلى تقديم تنازلات مهمة في أيّ محادثات أو مبادرات قادمة.
الحديث عن تسوية، لا يعني أن هذه التسوية على الأبواب، فأكثر التوقّعات تفاؤلاً تشير إلى أن أي جهد للوصول إلى تسوية حقيقية لن يبدأ إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لا يتعلّق الأمر بمن يفوز فقط، فحجم الأزمة في المنطقة يتجاوز شخصية الرئيس المقبل. الحديث عن مراهنة نتنياهو على فوز دونالد ترامب للحصول على الدعم للاستمرار في المجزرة، ينزع عن الحرب طبيعتها الاستعمارية، بمعنى أنها حرب يقودها الغرب الرأسمالي لتصفية المقاومة التي تعترض سبيل مشاريعه في المنطقة. الأزمة التي خلقتها للمقاومة لا تتعلق بالكيان إلا بصفته أداة للمشروع الاستعماري الغربي، لكنها في عمقها أزمة للنظام الرأسمالي برمّته، لعجزه عن تحقيق أي هدف من أهدافه وخاصة القضاء على المقاومة وفرض مشاريعه على المنطقة.
الحديث عن إنجاز أهداف الحرب «إسرائيلياً»، ليس سوى عملية استدارة بعيداً عن الأهداف الحقيقية التي طرحت في بداية الحرب. «إسرائيلياً» يقوم نتنياهو بتصدير عمليات اغتيال قادة المقاومة على أنها الهدف الرئيسي الذي استطاع «جيش» العدو تحقيقه، يضاف إليها خطاب الضحية والتضحيات التي تقدّم في سبيل بقائها في مواجهة الحرب الوجودية التي تشنّ عليها. غربياً هناك محاولات لنقل الحرب من الزاوية السياسية والعسكرية إلى الزاوية الإنسانية، حيث يؤدّي الغرب، وبشكل خاص أوروبا، دور الملاك الإنساني وهو ما حاولت تصديره قمة باريس التي غابت عنها الولايات المتحدة، صاحبة مشروع الميناء العائم مقابل غزّة، بعد أن ثبت ضلوعها الكامل في العمليات العسكرية الصهيونية.
التسوية مقبلة بغض النظر عن اسم الرئيس الفائز في الولايات المتحدة، لكن الطريق نحو هذه التسوية مرتبطة بمجموع التحرّكات والأحداث السياسية في المنطقة، وبشكل خاص في ميدان المعركة. في مستوطنة غاليلوت، شمال «تل أبيب»، قام فلسطيني من الأراضي المحتلة عام 1948 بعملية أدّت إلى مقتل ستة صهاينة، في رسالة تقول بأن المقاومة موجودة في كلّ مكان داخل فلسطين وخارجها، وأنّ أيّ تسوية لا تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، سيكون مصيرها الفشل.
كاتب سياسي أردني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ترامب: الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين لا إيذاءها
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد، إن الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين، لا إيذاءها.
جاء ذلك في تدوينة لترامب على منصة "تروث سوشيال" الأمريكية.
وأكد ترامب، أنه "لا داعي للقلق بشأن الصين، وأن كل شيء سيكون على ما يرام".
وأضاف: "مرّ الرئيس الصيني شي جين بينغ، بفترة عصيبة. إنه لا يريد أن تقع بلاده في كساد، وأنا أيضا لا أريد ذلك".
ترامب أردف: "الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين، لا إيذاءها".
والخميس، أعلنت وزارة التجارة الصينية عن فرض قيود جديدة على صادرات العناصر الأرضية (المعادن) النادرة، أو نقل معدات أو معلومات تتعلق بإنتاجها أو معالجتها وذلك لـ"دواع تتعلق بالأمن القومي".
وتنص القيود الجديدة على حصول المصدرين للمعادن النادرة على ترخيص تصدير من الوزارة.
والجمعة، أعلن ترامب، أن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية إضافية بنسبة 100 بالمئة على الصين، بالإضافة إلى الرسوم الحالية (30%)، اعتبارا من 1 نوفمبر المقبل، كما ستطبق ضوابط تصدير على جميع البرمجيات الحساسة.
وقال ترامب، إن الصين أرسلت رسالة "عدائية للغاية"، تشير إلى أنها ستفرض اعتبارا من الأول من نوفمبر، ضوابط تصدير واسعة النطاق على جميع المنتجات التي تُنتجها تقريبا، بل وحتى على بعض المنتجات التي لا تُصنع لديها، واصفا هذا الموقف بأنه "عدواني جدا" في مجال التجارة.
استعدادات لاحتمال تبكير موعد الإفراج عن الأسرى
كثّفت إسرائيل خلال الساعات الماضية استعداداتها لتنفيذ صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، وسط مؤشرات على احتمال تبكير موعد الإفراج عن الأسرى، بعد صدور أوامر عاجلة بتحريك الوحدات الخاصة ونقل عدد من المعتقلين إلى مراكز الإفراج.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش وضع وحدات خاصة في حالة تأهب داخل قطاع غزة تحسبا لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في أي لحظة، بعد ورود تقديرات أمنية بإمكانية تسريع تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق قبل يوم غد الاثنين.
وفي موازاة ذلك، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إدارة السجون الإسرائيلية تلقت أوامر مباشرة بالبدء في إجراءات الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، موضحة أن السلطات باشرت نقل المعتقلين من خمسة سجون إلى مرافق خاصة استعدادا لبدء التنفيذ.
وينص الاتفاق على الإفراج عن 250 أسيرا محكوما بالمؤبد، إضافة إلى 1700 أسير من قطاع غزة اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقالت مصادر حقوقية إن سلطات الاحتلال جمعت عددا من الأسرى المقرر الإفراج عنهم في سجن النقب وسجن عوفر، تمهيدا للإفراج عنهم خلال الساعات المقبلة.
وأقدمت قوات الاحتلال على الاعتداء على الأسرى ومعاملتهم معاملة مهينة أثناء تجميعهم في سجن النقب، إذ ظهروا مقيدين ومعصوبي الأعين وأجبروا على خفض رؤوسهم، بينما يحيط بهم عناصر من قوات الاحتلال، وفق ما وثقته لقطات فيديو.
ووصف مكتب إعلام الأسرى المشاهد بأنها “توثيق جديد لسياسة الإذلال الممنهج”، مشيرا إلى أن ما جرى يثير القلق بشأن التزام إسرائيل بالمعايير الإنسانية خلال تنفيذ الصفقة.