جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@17:59:38 GMT

الحياة لمن عاشها بعقل

تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT

الحياة لمن عاشها بعقل

 

سلطان بن ناصر القاسمي

في زمن تتدفق فيه المعلومات من كل جانب، وتطغى فيه الرسائل العابرة على عقولنا بلا توقف، تُصبح الحكمة في التعامل مع هذه المعلومات سلاحًا ثمينًا. فمع انتشار مجموعات التواصل، خصوصًا عبر "الواتساب"، تنقل إلينا الأخبار والقصص، منها ما هو صحيح ومنها ما يهدف لإثارة الفضول أو حتى لبث الفتنة والتشكيك.

فكَمْ مرة تلقينا رسائل تتحدث عن شخص ما أو دولة مُعينة بصورة تستفز العواطف، فننقلها دون تفكير، ناسخين الأحكام بلا تحقق؟ والحقيقة أنَّ الحياة ليست في أن نتفاعل بشكل أعمى مع ما يمر بنا، بل في أن نختار بوعي أن نعيشها بعقل نقي ومتزن، يزن الأمور بميزان الحق ويبعد عن تشويش الأقاويل.

العقل، هذه المنحة الإلهية، هو ما يميز الإنسان ويمنحه القدرة على التمييز بين الخير والشر، بين الفضائل والرذائل. قال تعالى: "لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا" (الأعراف: 179)، مشيرًا إلى أنَّ عدم استخدام العقل هو ضياع للبصيرة. فالعقل هو الوسيلة التي تمكننا من أن نرى ما وراء الكلمات، وأن ندرك نوايا المحادثات، وأن نميز بين ما هو خير وما هو مفسدة. وإن كان هناك شيء يفسد تلك النعمة، فهو عندما ننساق خلف الرسائل دون تدقيق، وننسى أننا نمتلك القدرة على تحليل الأمور، وعلى إدراك ما هو حق وما هو باطل.

وفي سياق هذه المتغيرات، نجد أن هناك عوائق قد تحجبنا عن استخدام عقولنا بشكل واعٍ، ومنها العصبية. فكم من مرة نشهد من يغضب فيتخذ قرارات لا يرضى عنها لاحقًا؟ لحظة الغضب تشوش على العقل، وتجعل القرارات غير محسوبة. وأيضًا هناك المجاملة، التي قد تدفع البعض للانسياق مع رأي شخص لمجرد أنه في منصب أو مكانة، دون النظر إلى صحة أو خطأ ما يقول. وهنا يتجلى دور العقل في أن يقول لا للمجاملة إن تعارضت مع الحق.

وهناك أيضًا الخوف، فقد نجد الأبناء، أو بعض زملاء العمل، يوافقون على ما يُطرح دون تمحيص، لأنهم يخشون معارضة الرأي السائد. وهذا الخوف يلغي الفكر الحُر، ويمنع العقل من ممارسة دوره، بل يحجب الإنسان عن رؤية الحقائق بوضوح. ومع ذلك، نجد التبعية تأتي أيضًا من الاحترام الزائد لشخصية مؤثرة؛ حيث يتبع الناس آراءها دون مناقشة، فيخسرون فرصة استخدام عقولهم والاستفادة من التبصر. وهنا، التواضع في التقدير يجب ألا يحجبنا عن الحقائق، بل يجب أن نحكم العقل لنرى الأمور بموضوعية.

إن التمسك بالعقل هو السبيل لتجنب الوقوع في تلك الشراك، ولتطوير حياتنا بشكل أكثر إيجابية. فقدرة الإنسان على اتخاذ قرارات واعية ومنطقية تمنعه من الانجراف نحو المشاكل أو الجرائم التي يجرها التسرع والانقياد. وهنا تبرز قيمة التأمل، إذ يقول الله تعالى في سورة آل عمران: "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم؟"، إشارة إلى أن النظر العقلي والتأمل في الأحداث يجعلنا نتعلم من تجارب من سبقونا، ويدفعنا نحو مزيد من الرشد والتروي.

وهنا، يمكننا استذكار قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حادثة وضع الحجر الأسود، عندما اختلفت قبائل قريش حول من يحق له شرف رفعه في بناء الكعبة. حيث كان موقفه صادقًا، وقراره دقيقًا؛ إذ وضع الحجر في رداء وطلب من زعماء القبائل أن يحملوه معًا، ثم رفعه بنفسه. هنا نجد مثالا حيا لاستخدام العقل في حل النزاعات، فقد فضَّل النبي الحكمة واحتكم للعقل وللعدل، مما أكسبه مكانة وثقة لا يضاهيهما شيء.

وبنظرةٍ أعمق، نجد أن العقل هو المنارة التي تقودنا للمعرفة، وتلهمنا الإبداع، وترشدنا للابتعاد عن الجهل. ومن خلاله نصل إلى الفهم العميق للعالم من حولنا، وتتشكل رؤيتنا نحو الأفضل. انظر إلى العلماء، إلى المبدعين، إلى كل من أدرك بحكمته ما يمكن أن ينجزه لنفسه وللآخرين. هؤلاء لم ينقادوا لمعلومات سطحية أو لأفكار متداولة دون تحليل. بل عمدوا إلى استخدام العقل واتباع سبل العلم للوصول إلى تلك الإنجازات.

وفي النهاية، الحياة هي لمن يُعمل العقل في تفاصيلها، لا لمن ينساق خلف الإشاعات أو ينقل الأخبار دون تأمل. هي لمن يميز بين الأمور، ويتريث قبل الحكم، ويبتعد عن المؤثرات الخارجية، ويقرر أن يعيشها بعمق وتفكر. فالله سبحانه منحنا العقل كأداة للتأمل، فبواسطته نصل إلى الإيمان الأعمق وندرك أن الأفعال يجب أن تنبع من تفكير نقي وإرادة صادقة.

فلنُعمِل عقولنا ونتأكد من صحة كل ما يصلنا. هذا التحري لا يحمي فقط عقولنا من التضليل، بل يُسهم في خلق بيئة من الثقة والاحترام، ويمنع انتشار الإشاعات التي قد تضرّ بالآخرين وتزعزع استقرار المجتمع. تذكروا أن كل كلمة نضعها هي مسؤولية، فكونوا مرآة للعقلانية والوعي، واجعلوا من أفعالكم وأقوالكم مصدرًا للثقة والنفع للجميع.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ياسمين عبد العزيز: العمرة غيرت تفكيري واكتشفت أن الحياة "ولا حاجة"

كشفت الفنانة ياسمين عبد العزيز عن تحول جذري في حياتها ونظرتها للوجود بعد أدائها العمرة وتجربتها الصحية الأخيرة. 

وأكدت ياسمين في لقائها ببرنامج "معكم منى الشاذلي" على قناة سي بي سي، أن حبها للكعبة والرسول صلى الله عليه وسلم دفعها للتقرب أكثر من الله، مشيرة إلى أن هذا القرب ازداد بشكل كبير بعد فترة مرضها الصعبة.
وأوضحت أن تفكيرها "كله اتغير"، حيث أصبحت ترى الحياة "بطريقة مختلفة تماماً". 

وشددت على أن الحياة "ولا حاجة"، متسائلة عن سبب الخلافات والصراعات بين الناس، خاصة وأن العمر قصير جداً وسيمر سريعاً، ما يجعل إيذاء الآخرين أمراً غير مفهوم ولا طائل منه. 

وأنهت حديثها المؤثر بالإشارة إلى أن خمسة أشخاص مقربين منها وافتهم المنية في نفس العام، مما عمق لديها هذا الإحساس بضرورة إعادة تقييم الأولويات.
اقرأ المزيد..

ياسمين عبدالعزيز توجه رسالة نارية على الهواء: "ليه مبتفكروش في ربنا.. هتترد لك" بعد انفصالها عن العوضي.. ياسمين عبدالعزيز: تحيا السنجلة لا للجدعنة ولا للوسط للفني أشرف زكي يكشف الحالة الصحية لعبلة كامل خلاف حاد بين ياسمين عبد العزيز ومنى الشاذلي على الهواء.. ما القصة (فيديو) عادل نعمان: فكر ابن رشد انتصر في أوروبا.. والتخلف الفكري عندنا بسبب ابن تيمية المفكر عادل نعمان: عذاب القبر ليس من المعلوم من الدين بالضرورة ميدو: صلاح أسطورة الشرق الأوسط.. وحان وقت مغادرته ليفربول

مقالات مشابهة

  • انتبهوا يا أولياء الأمور.. !!
  • ايهما أخطر الوراثة أو نمط الحياة غير الصحي كمسبب لجلطات القلب؟.. خالد النمر يوضح
  •  خبيرة اقتصادية: 70% من قراراتنا الشرائية تعتمد على العاطفة وليس العقل
  • الحلقة العاشرة من برنامج «دولة التلاوة».. بث مباشر على قناة الحياة
  • نهم السؤال وظمأ الذات
  • العربية لغة الحياة
  • بناه السلطان لخياطه الموثوق.. مبنى فريد في إسطنبول يعود إلى الحياة بعد إهماله لعقود
  • تسوية قانونية تعيد الحياة للمركب التجاري السوبر المغلق منذ عقود بسلا
  • ياسمين عبد العزيز: العمرة غيرت تفكيري واكتشفت أن الحياة "ولا حاجة"
  • رحلة العمر