أنس ومحمد.. وحيدان يواجهان مرارة الحياة بعد أن سلبتهم "الإبادة" عائلتهما
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
غزة - خاص صفا
هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، سياسة اتبعتها "إسرائيل" لتتغول في حرب الإبادة التي تشنها ضد أهالي قطاع غزة، وتتركهم في ظروف مأساوية متعمّدة خاصة عند نجاة طفل وحيد أو أحد الأفراد نتيجة مجزرة قضت على العائلة بأكملها.
حزن وألم يعيشه أنس منذ أن فقد عائلته في ساعة متأخرة من ليلة الثالث عشر من أكتوبر 2023، حينما استهدف الاحتلال منزلهم بكل وحشية في مدينة غزة، ولم يتبقّ إلا هو وأخيه الصغير محمد على قيد الحياة دون معيل.
"محمد" الطفل الذي لم يتجاوز عمره التسع سنوات، يعيش حالياً تحت وطأة الصدمة، بعد فقد والديه وإخوته وباقي عائلته في لحظة واحدة.
ويقول أنس جعرور البالغ من العمر 18 عامًا لوكالة "صفا"، "منذ بداية الحرب استهدف الاحتلال منزلنا، واستشهد ما يقارب الـ30 شهيدًا من عائلتي، من ضمنهم أسرتي المكونة من أبي وأمي و4 من أخوتي، بالإضافة إلى أعمامي ونسائهم وأطفالهم، فكانت مجزرة بكل معنى الكلمة ولم يتبق سوى أنا وأخي الصغير محمد".
حياة صعبة عاشها أنس الذي أصبح ولي رعاية لأخيه الصغير بعد فقدان عائلتهما، يعبر قائلًا: "الحياة ليست مثل السابق كما أنني أصبحت أحمل مسؤولية كبيرة، فأنا الآن أقدم دور الأب والأم والأخ والأخت لأخي الصغير الذي أهتم بكل تفاصيله".
أنس ومحمد يعانيان ألم الفراق الذي أثر على نفسيتهما بشكل كبير وغيّر مجرى حياتهما، يضيف: "منذ استشهاد عائلتي وحتى هذا اليوم نشعر بأن كل شيء نفعله في الحياة صعب جدًا، فأنا وأخي غير معتادين على فعل هذه الأمور وحدنا دون وجود عائلتنا".
كانت حياتهما سعيدة بلمة العائلة المليئة بالدفء ومشاركة كافة التفاصيل معًا، لكن تلك الذكريات الآن باتت تؤلمهما لأنها لن تعود ثانيةً، نظرًا لفقدانهما عائلتهما.
ويتابع لـ"صفا": "أخي عندما يتذكر عائلتي يتعب ويفزع أثناء نومه كثيرًا، وأحيانًا يسير وهو نائم، وهذا الأمر جديدًا عليه، إذ أنه لم يكن هكذا في السابق".
رغم صعوبة الحياة على أنس نفسيًا ومعنويًا واقتصاديًا، إلا أنه دائمًا ما يحاول بذل الجهد كي يتناسى أخيه الصغير الأمر، يوضح: "عندما نتحضر للنوم أنا وأخي ليلًا، يقوم بمراجعة كل الذكريات معي فنبكي معًا، وسرعان ما أقوم بالطبطبة والتهوين عليه، حتى أجعله يتناسى بقدر الإمكان".
وحول الحالة المادية، يشير أنس إلى أنها صعبة جدًا فهو لوحده دون أي معيل أو كبير يوجهه، منوهًا إلى ثقل الأيام التي تمر عليه خاصة داخل الخيام.
ويعبر عن شعوره بالحزن لعدم قدرته تلبية احتياجات أخيه، قائلاً: "هناك أمور كثيرة يطلبها مني أخي محمد لا أستطيع تلبيتها وتوفيرها، مثل: الملابس والألعاب، وعندما أكون غير قادر على توفيرها له أتألم من داخلي".
ويتمنى أنس أن يقف شلال الدم وتنتهي الحرب، مضيفًا: "نحن لا نحتمل فقدان أكثر من ذلك، حيث كان لنا بصيص أمل أنا وأخي بأن اثنين من أعمامي سيتولون رعايتنا ولكنهما استشهدا في مجزرة "مدرسة التابعين" بمدينة غزة، وانقطع عندها الأمل كافة، ولم يتبق لنا أحد".
عائلات كثيرة تشارك أنس ومحمد نفس المصير، مع تصاعد حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضد أهالي قطاع غزة منذ 7 أكتوبر العام الماضي، وأسفرت عن استشهاد 43391 مواطنًا، وإصابة 102347 آخرين، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإنقاذ الوصول إليهم.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: حرب غزة عدوان اسرائيلي فقدان مجازر جرائم حرب
إقرأ أيضاً:
محمد صابر عرب.. المؤرخ الذي حمل الثقافة كذاكرة وطن
في رحيل بعض الرجال، لا ينطفئ شخصٌ بقدر ما تُطفأ شعلة من شعل الذاكرة العامة، هكذا بدا خبر وفاة الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، والمؤرخ الكبير، وكأن التاريخ نفسه فقد واحدًا من حرّاسه الأمناء، لم يكن عرب سياسيًا عابرًا في مقعد الوزارة، ولا مثقف مناسبات، بل كان رجل معرفة عميقة، تشكّلت رؤيته عبر الأرشيف، والوثيقة، وسجالات التاريخ، فحمل الثقافة بوصفها فعل وعي، لا أداة دعاية، وذاكرة أمة لا ديكور سلطة.
مؤرخ من طراز خاص
وُلد الدكتور محمد صابر إبراهيم عرب عام 1945، وتخرّج في جامعة الأزهر، حيث ارتبط اسمه مبكرًا بقسم التاريخ والحضارة، وبدأ مسيرته الأكاديمية معيدًا عام 1974، ليتدرج علميًا حتى أصبح أستاذًا لتاريخ العرب الحديث عام 1994، وهو الموقع الذي ظل يشغله حتى رحيله.
تميّز عرب بانحياز واضح للمنهج التاريخي الصارم، القائم على الوثيقة والتحليل، بعيدًا عن السرد الإنشائي أو التوظيف الأيديولوجي للتاريخ، وقد انعكس ذلك في إشرافه ومناقشته لمئات الرسائل العلمية في مصر والعالم العربي، وفي حضوره الدائم كمرجع علمي رصين داخل الجامعات والمؤسسات البحثية.
دار الوثائق.. معركة الذاكرة
يمثل توليه رئاسة دار الوثائق القومية ثم الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (1999–2011) محطة محورية في سيرته، ففي هذه السنوات، خاض واحدة من أهم معارك الحفاظ على الذاكرة الوطنية، عبر تطوير الدار، وإنشاء قواعد بيانات رقمية، وتأسيس مركز لترميم الوثائق، وبناء مقر جديد حديث لدار الوثائق بعين الصيرة.
لم يتعامل عرب مع الوثيقة باعتبارها ورقًا صامتًا، بل باعتبارها شاهدًا حيًا على التاريخ، ومصدرًا لا غنى عنه لفهم الدولة والمجتمع، ومن هنا، لعب دورًا محوريًا في الدفاع عن الأرشيف الوطني من الإهمال أو العبث، وشارك في مشروعات دولية كبرى مثل «ذاكرة العالم» تحت مظلة اليونسكو.
وزير الثقافة في زمن الاضطراب
تولى الدكتور محمد صابر عرب حقيبة وزارة الثقافة من مايو 2012 حتى يونيو 2014، في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ الدولة المصرية الحديث. جاء إلى المنصب محمّلًا بخبرة أكاديمية وإدارية ثقيلة، وفي مواجهة مشهد ثقافي منقسم، وضغوط سياسية حادة.
لم يكن وزيرًا صداميًا، ولا خطابيًا، لكنه تمسّك بفكرة مركزية: حماية استقلال الثقافة. رفض تحويل المؤسسات الثقافية إلى أدوات استقطاب أو دعاية، ودافع عن دورها التنويري، رغم ما واجهه من انتقادات وهجمات. كان حضوره هادئًا، لكن مواقفه كانت واضحة، تنطلق من إيمان راسخ بأن الثقافة لا تُدار بعقلية الغلبة.
إنتاج علمي غزير ومتنوّع
خلّف محمد صابر عرب تراثًا علميًا ضخمًا، تجاوز ثلاثين كتابًا، شكّلت مراجع أساسية في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، من بينها: الحركة الوطنية في مصر 1908–1914، حادث 4 فبراير 1942، العرب في الحرب العالمية الأولى، الدولة في الفكر الإباضي، الدين والدولة في الفكر الإباضي، بين التاريخ والسياسة.
كما قدّم دراسات عميقة عن الفكر الإصلاحي، خاصة في كتاباته حول محمد عبده وطه حسين، فضلًا عن إسهاماته المهمة في تاريخ الخليج العربي، والعلاقات العربية–العربية، والتاريخ العُماني.
لم يكن إنتاجه مجرد رصد للوقائع، بل محاولة دائمة لفهم العلاقة الشائكة بين التاريخ والسياسة، والسلطة والفكر، وهو ما عبّر عنه بوضوح في عنوان أحد كتبه: بين التاريخ والسياسة.
حضور عربي ودولي
شارك الراحل في عشرات المؤتمرات الدولية والعربية، ومثّل مصر في محافل ثقافية عالمية، من باريس إلى المكسيك، ومن دمشق إلى سيول. وترأس وفودًا رسمية في مناسبات ثقافية كبرى، وأسهم في حوارات الحضارات، وملفات التراث، والتوثيق، والتحول الرقمي للذاكرة العربية.
تكريم يليق بالسيرة
حصل الدكتور محمد صابر عرب على جائزة الدولة التقديرية عام 2012، واختير شخصية العام الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2017، كما نال درع الكمال الثقافي من الحكومة الجزائرية، وغيرها من الجوائز التي عكست تقديرًا عربيًا واسعًا لدوره العلمي والثقافي.
وداعًا لحارس الذاكرة
برحيل محمد صابر عرب، تخسر الثقافة المصرية مؤرخًا نادرًا، جمع بين الأكاديمية والإدارة، وبين المعرفة والمسؤولية، دون أن يتورط في استعراض أو ادعاء. كان يؤمن بأن الثقافة طوق نجاة، كما سمّى أحد كتبه، وبأن الأمم التي تفقد ذاكرتها، تفقد مستقبلها.