كيف سيتعامل ترامب مع النزاع في السودان؟
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
مع اشتداد حدة الصراع المسلح في السودان، وفوز دونالد ترامب انتخابات الرئاسة الأميركية، تثار تساؤلات عما إذا كانت إدارة الرئيس الجمهوري المقبلة ستولي ملف الحرب في السودان اهتماما أكبر مقارنة بإدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
رجح الزميل في برنامج أفريقيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، مايكل والش، في مقابلة مع برنامج "بين نيلين" على قناة "الحرة" أن انخراط إدارة ترامب المقبلة في قضايا متعددة تتعلق بالأزمات الإقليمية، وخاصة في مناطق النزاع مثل غزة ولبنان والسودان.
بين نيلين
وقال السفير السوداني في واشنطن، محمد عبدالله إدريس، إن بلاده كانت دائما منفتحة على التعاون مع الولايات المتحدة. وأشار إلى أن الكونغرس الأميركي خلال إدارة بايدن أبدى اهتماما ملحوظا بالشأن السوداني، لكن المبعوث الأميركي الخاص للسودان "لم يقم بزيارة السودان رغم زيارته العديد من الدول في المنطقة خلال فترة عمله التي امتدت لثمانية أشهر".
أدت الحرب التي بدأت في أبريل 2023 إلى مقتل أكثر من 24 ألف شخص وأُجبر أكثر من 14 مليون آخرين، أي نحو 30 في المئة من السودانيين على ترك منازلهم، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
"العصا والجزرة"
ويرى المستشار السابق في حكومة عبد الله حمدوك، فايز السليك، أن إدارة بايدن، لم تقدم الكثير للسودان، بل اتبعت سياسة "إطفاء الحرائق" في التعامل مع الأزمات السودانية، ورغم أنها عينت عدة مبعوثين خاصين، لكن لم يكن هناك تأثير حقيقي أو نتائج ملموسة لخطواتها.
ويعتقد السليك أن إدارة ترامب ستكون أكثر حسما في تعاملها مع السودان، إذ كانت قد قدمت سابقا قانون "حماية الانتقال الديمقراطي"، الذي تضمن عددا من الحوافز، في سياسة يمكن وصفها بسياسة "العصا والجزرة".
"دور للحلفاء"
وقال الخبير في الشأن السوداني والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أليكس دي وال، إن سياسة ترامب واضحة في تجاهل المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وتحويل السياسة الأميركية في المنطقة إلى تحالفات مع دول معينة مثل السعودية، مصر، والإمارات لتدير هي ملفات مثل ملف السودان.
ويتوقع دي وال أن تظل الدول الكبرى في الشرق الأوسط تلعب دورا محوريا في المنطقة، ومن المرجح أن تشهد زيادة في نفوذها في ظل تطورات السياسة الأميركية في المستقبل.
وأشار والش أن نهج إدارة ترامب في ولايته الأولى اعتمد على ثلاثة محاور رئيسية: تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا، وضمان فعالية المساعدات الأميركية من خلال تقليص الإنفاق غير الفعّال، ومكافحة التشدد والتطرف.
وأوضح والش أن إدارة ترامب، ستسعى لإعادة الانخراط في الأزمة السودانية، وأنها ستعمل على متابعة ما تم إنجازه في إطار اتفاقيات أبراهام والمبادرات الخاصة بتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل.
الحرة / خاص - واشنطن
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إدارة ترامب
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء السوداني الجديد في مهمة صعبة.. كيف يواجه أصدقاء البرهان؟
الخرطوم- كان للجزيرة نت سبق الحديث إلى رئيس الوزراء السوداني الجديد الدكتور كامل إدريس قبيل دقائق من إعلان اسمه رسميا رئيسا للوزراء، إذ أكد موقفه الثابت والمتجدد بخدمة بلاده طوعا دون أي مقابل مادي، وأنه سيسكن في بيته الخاص. وتعهد إدريس بتقديم إبراء ذمة علني، يعلن فيه عن أملاكه وممتلكاته، كما سيلزم كل فريق وزرائه بملء بيانات إقرار ذمة تتم مراجعتها بعد مغادرته المنصب، وفقا لقوله.
في هذا التقرير تكشف الجزيرة نت عن تفاصيل التوافقات بين قادة مجلس السيادة السوداني والمرشح لمنصب رئيس الوزراء، كما يقف التقرير على أبرز التحديات التي تواجه القادم الجديد، ورأي القوى السياسية المؤيدة والمعارضة في هذا الاختيار.
مهمة مزدوجةولد كامل إدريس لأسرة من الطبقة الوسطى في مدينة أم درمان في العام 1954، وعاش حياته الأولى في حي الملازمين الشعبي بأم درمان حيث معقل طائفة الأنصار. اختار إدريس أن يجمع بين دراسة الفلسفة في جامعة القاهرة بالخرطوم، والتبحر في دراسة القانون بجامعة الخرطوم، وقد نجح في المهمة المزدوجة بامتياز، وواصل مشواره الأكاديمي وحصل على درجة الماجستير من جامعة أوهايو الأميركية، ثم الدكتوراه من إحدى الجامعات السويسرية.
إعلانعقب ذلك التحق بوزارة الخارجية السودانية، ومن بعثة السودان في نيويورك التحق بالأمم المتحدة حتى تمّ انتخابه مديرا عاما لمنظمة الملكية الفكرية التي عمل فيها لأكثر من دورة، وبعد التقاعد تفرّغ لإلقاء المحاضرات العامة، وأسس مركزا للتحكيم في لندن حيث يعيش رفقة أسرته.
لمع نجم كامل إدريس حين قاد مبادرة للتوسط في الأزمة السودانية في منتصف تسعينيات القرن الماضي حيث جمع في جنيف بين عراب حكومة الإنقاذ الشيخ حسن الترابي وأبرز معارضي الحكومة رئيس الوزراء المنقلب عليه وقتئذ الصادق المهدي.
ورغم أنه لم يكتب للمبادرة النجاح، فإن إدريس واصل جهده في محاولة جمع الشمل السوداني، ونجح في قيادة وساطة في العام 2014 أنهت اعتقال الصادق المهدي ورئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض إبراهيم الشيخ، اللذين اعتقلا وقتها بسبب انتقادهما قوات الدعم السريع.
دخل إدريس حلبة المنافسة على رئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2010 التي تلت توقيع اتفاق السلام الشامل 2005، وهي منافسة انتهت برد البضاعة إلى أهلها، حيث استمر بعدها عمر البشير في القصر الرئاسي لنحو عشر سنوات أخرى حتى قالت الجماهير كلمتها في أبريل/نيسان 2019 منهية ثلاثة عقود من حكمه.
وقبيل تقلده المنصب الجديد، أعدّ إدريس خطة لإدارة البلاد سماها "خطة مارشال لإعادة إعمار السودان"، وقبلها ألف كتاب "السودان في 2025″، لكن حينما حان التاريخ كان بلد إدريس يئن من وطأة الحرب.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها العسكريون من أعضاء مجلس السيادة عن دور لكامل إدريس في هذه المرحلة، لكن الشيطان كان يكمن في التفاصيل، إذ كان إدريس يطالب بمنحه مساحة واسعة وصلاحيات حقيقية حتى لا تنتهي مهمته بانتحار سياسي.
ووفقا لمصدر مقرب من كامل إدريس تحدث للجزيرة نت طالبا حجب هويته، كانت هذه المفاوضات جادة ومفصلة، وحددت بوضوح المساحة التي يتحرك فيها رئيس الوزراء الجديد، حيث تركت له مهمة اختيار الطاقم الوزاري، وتم رفع تدخل الجنرالات في العمل التنفيذي بإنهاء مهامهم الإشرافية على الوزارات والمؤسسات العامة. كما حددت المباحثات الرؤية الكلية لكل القضايا العامة من علاقات دبلوماسية إلى هموم الاقتصاد وما يتصل بملف الحرب في السودان.
من معركة الكرامة إلى سلام الكرامةوعن التحديات التي تواجه الرجل، قال مصدر إعلامي مقرب من رئيس الوزراء الجديد وطلب حجب هويته، إن أول التحديات تكمن في رؤية إدريس لملف الحرب في السودان. فرئيس الوزراء الجديد يرى ضرورة إنهاء الحرب بشكل مشرف للجيش السوداني حتى تعود البلاد إلى هموم البناء وتحدياته.
إعلانلكن الباحث بأكاديمية الأمن العليا اللواء دكتور معتصم الحسن يرى، في حديثه للجزيرة نت، أن ملف الحرب خارج مهام رئيس الوزراء الجديد الذي لن يسعى لمنافسة العسكريين في مهامهم، بل ستنحصر مهامه في العلاقات الخارجية والقضايا الاقتصادية الملحة جدا.
ويذهب في الاتجاه ذاته الكاتب الصحفي عثمان ميرغني في حديثه للجزيرة نت، إذ يقول إن رئيس الوزراء غير مفوض بالملف العسكري خاصة في ظل وضع الحرب الحالي ووجود القائد العام للجيش على رأس الدولة. ويضيف ميرغني أنه ليس من مصلحة كامل إدريس الاقتراب من الملف العسكري، خاصة في ظل التقدم العسكري للجيش الذي حقق كثيرا من الانتصارات، وهذا يمثل التحدي الأول.
أما التحدي الثاني، وفقا لعثمان ميرغني المحلل السياسي والصحافي المعروف، فيكمن في إفساح المجال لرئيس الوزراء لكي يتمكن من إنزاله رؤيته إلى حيز الواقع.
غير أن صحفيا ومحللا سياسيا آخر طلب حجب هويته يرى أن إدريس باعتباره شخصا معقولا ويمتاز بخبرة في إدارة الخلافات، فإنه يمكنه تجاوز مطب إدارة الصراع مع جنرالات الجيش الطامحين والطامعين في لعب دور سياسي.
ووفقما يوضح ميرغني للجزيرة نت، فإن التحديات التي تواجه القادم الجديد لا تكمن في تحدي طموحات العسكر، بل في أصدقاء البرهان والقوى السياسية، ويقول إن هؤلاء يمثلون عائقا وتحديا حقيقيا أمام كامل إدريس، فبعضهم يتطلع إلى منصب رئيس الوزراء ذاته، كما أنهم يجيدون وضع العراقيل لتقليل حظوظ غيرهم في النجاح.
ويضيف الصحفي والمحلل السياسي محمد حامد جمعة فئة ثالثة من أنصار الحكومة الحالية ربما تحاول أن "تمارس الابتزاز في وجه رئيس الوزراء الجديد"، الذي لم يعلن عن موقف واضح من مجريات الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين.
تسوية سريةوكان كامل إدريس قد بدأ حياته دبلوماسيا وكسب تجربة ثرة في فضاء الأمم المتحدة جعلته يميل لعقد التسويات، كما أنه نجح في وقت سابق في إبرام تسوية سرية في ملف السودان مع المحكمة الجنائية الدولية إبان ولاية المدعي العام الأسبق لويس أوكامبو، لكن مراكز القوة في حكومة الإنقاذ رفضت الصفقة، مما أدى لتعقيدات في الملف أدت لأن يكون رأس الدولة نفسه على قائمة المطلوبين للعدالة، وفقما قال مصدر مقرب من رئيس الوزراء الجديد.
إعلانمن هذه الخلفية والقدرة على الاختراق ترتفع آمال بعض المراقبين والمحللين للشأن السياسي في السودان، حيث يقول محمد حامد جمعة للجزيرة نت إنه يتوقع نجاح إدريس في الملف الخارجي باعتباره قد اختبر الميادين الخارجية خاصة في الملف الأفريقي، إذ إن هنالك مؤشرات تفيد برغبة الاتحاد الأفريقي في تجسير الهوة مع الخرطوم وطالب بحكومة مدنية في السودان.
ويضيف جمعة أن خلفية رئيس الوزراء الدبلوماسية تساعد في تقديم وجه جديد للسودان لأن العمل الدبلوماسي هو الميدان المفضل لخبرات كامل إدريس ويستطيع أن يحقق فيه اختراقا كبيرا في ظل رغبة المجتمع الدولي والإقليمي في انخراط السودان في مسار السلام.
ويتفق عثمان ميرغني مع وجهة النظر هذه ولكن بحذر، ويحدد العقدة التي قد تواجه إدريس في هذا الشأن قائلا إن "التحدي الحقيقي الذي يواجه كامل إدريس يتمثل في الدبلوماسية الرئاسية التي يقودها رئيس مجلس السيادة وتعمل بعيدا عن سياسة خارجية متوافق عليها".
ويضيف ميرغني أن هذا الازدواج جعل وزراء الخارجية في العامين الماضيين يغادرون مناصبهم سريعا لعدم قدرتهم على أداء أعمالهم في ظل هيمنة مجلس السيادة على العلاقات الخارجية.
المعارضة في وضع صامتقابلت المعارضة السياسية المقيمة بالخارج خبر تعيين إدريس رئيسا للحكومة بصمت غير متوقع، ربما لأن القرار جاء مفاجئا أو لأن المعارضة تريد أن يبرز إدريس ما بيمينه أولا. وهنا يقول الكاتب الصحفي عثمان ميرغني للجزيرة نت "كامل إدريس لديه قدرات رائعة في التواصل مع الآخر عموما، لكنه قد يواجه مشكلة غياب القواسم التي يمكن البناء عليها في التواصل مع القوى السياسية السودانية التي تجيد تحريك عارضات المرمى".
القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي محمد ضياء يرى أن خطوة تعيين رئيس وزراء جديد جاءت في إطار تقاسم السلطة بين البرهان وإدريس من أجل إضعاف نفوذ شركاء البرهان العسكريين، حيث يعاني الشركاء من خلافات حادة. ويضيف ضياء للجزيرة نت أن الخطوة جاءت في إطار تهيئة الملعب لتسويات دولية تحت إشراف البرهان تفضي إلى مرحلة ما بعد الحرب.
إعلانولهذا يرى المحلل السياسي محمد حامد جمعة أن رئيس الوزراء الجديد يحتاج إلى مطبخ سياسي فعال يضبط علاقة إدريس بالقوى السياسية المعارضة التي ارتكبت أخطاء سياسية في موقفها من الحرب الدائرة، وأن يراعي هذا المطبخ الموقف الرسمي والشعبي من المعارضة في ظل المناخ العاطفي الحاد بسبب ظلال الخرب وإصرار المعارضة على فرض تصوراتها".
ماذا في جعبة الإسلاميين؟يقول مصدر مقرب من رئيس الوزراء الجديد إن بعض النافذين في الحركة الإسلامية في السودان لم يتحمسوا لاختيار كامل إدريس وكانوا ينتظرون أن يصادف الاختيار رجلا منهم، وهذا -بحسب المصدر- يفسر حالة الهياج من بعض الكتاب الصحفيين المحسوبين على الإسلاميين في السودان التي كانت واضحة خلال إعلان خبر اختيار إدريس.
ولاحقا أصدر رئيس المؤتمر الوطني المفوض أحمد هارون بيانا رحب فيه بتعيين إدريس، ووصف الاختيار بالمهمة الصعبة التي تتطلب تكاتف الصف الوطني، ونعت رئيس الوزراء الجديد بأنه سوداني يقف الموقف الصحيح من التحدي الوطني، وبأنه كفاءة وطنية مستقلة.
أما قوات الدعم السريع فالتزمت الصمت، لكن الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع قال في تغريدة على حسابه بمنصة إكس بعد تعيين إدريس رئيسا للوزراء، إن الأيام القادمة حُبلى بالتطورات وقد تشهد انقلاب البرهان على حلافائه الإسلاميين استجابة لضغوط إقليمية ودولية تطالب بإبعاد الإسلاميين من المشهد العسكري والسياسي بالسودان.
على النحو ذاته مضى رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي، الذي قال في تغريدة إنه "لا قيمة لأي تعيينات سياسية في ظل الحرب وانعدام الشرعية السياسية".
يواجه كامل إدريس المعروف برجل التسويات مهمة شاقة مثل الفلاحة فوق حقل من الألغام، لكنّ السودانيين التواقين لقائد ينتشلهم من براثن الحرب ومخالب الفقر ينتظرونه بآمال كبيرة، وقد عبّر عن ذلك طبيب سوداني متخصص في جراحة الفك قائلا للجزيرة إن "كامل إدريس يمثل الفرصة الأخيرة لبلدنا".
إعلان