سودانايل:
2025-05-25@00:33:32 GMT

خطر الكليبتوقراطية المنتحلة سلطة المقدس

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

شرعت، منذ فترة، في التوقف من استخدام كلمة "الإسلاميين"، وكلمة "الإسلامويين"، وهي الكلمة التي يستخدمها البعض ليشيروا بها إلى أن هذا القبيل من السودانيين المنخرط في معترك السياسة، ليباعدوا بينهم وبين الإسلام. وفي المقابل، بدأت أشير إليهم بكلمة "الكيزان". فهي كلمة لا صلة لها بالإسلام من حيث تركيبة الحروف ومن حيث الدلالة الأخلاقية والمتشكل الحضاري الإسلامي الكلي المتوارث.

يضاف إلى ذلك أن كلمة "الكيزان" رغم محليتها، أضحت معروفةً خارج إطار الثقافة السياسية السودانية، ما ساعد أكثر في إمكانية استخدامها دون خشية من ألا تكون مفهومة. فقد شرعت بعض القنوات الفضائية العربية في ترديدها، بين حين وآخر.
باختصار، الابتعاد عن استخدام كلمة "الحركة الإسلامية"، و"الإسلاميين"، والإسلامويين"، أضحى في نظري ضروريًّا. فاستخدام كلمة "الكيزان" بدلالاتها التي اكتسبتها وسط السودانيين، خاصةً في فترة حكمهم منذ 1989، هي الكلمة التي تضع هذه الجماعة الدموية، الفاسدة، الضالة والمُضِلَّة، في الإطار الصحيح، الذي يناسب طبيعتها. وهي الطبيعة التي تُعرف في مجال العلوم السياسية بـ "الأوليغاركية"، و"الكليبتوقراطية". أي؛ طبيعة أنظمة الحكم التي تتسم باللصوصية والفساد والإفساد، والتسلط والطغيان والتجبر عبر استخدام السلاح، والقمع الأمني المفرط. وكذلك، عبر استخدام قوة المال، والإعلام الكاذب المُضِل.
الحركات السياسية التي تلتحف قداسة الدين، عبر انتحال سلطة المقدس الديني والتي تنتج، بناءً لذلك، خطابًا دينيًا، يصبح وسيلتها إلى احتكار السلطة، مستغلًّة في ذلك العاطفة الدينية وسط الجماهير العريضة، هي أخطر وأسوأ الحركات على الإطلاق. فنظام الحكم الكليبتوقراطي المدني، أسهل في الاقتلاع من النظام الكليبتوقراطي المتدثر بدثار الدين، المنتحل لسلطة المقدس. فالعقيدة الدينية الأولى التي يعتنقها من يستخدمون الدين مركبةً للوصول إلى الحكم، وهي أنهم إنما يمتثلون بذلك لأوامر السماء، تبقى مسيطرةً على هذا النوع من الأفراد، حتى بعد أن يولغوا في الفساد ويغرقوا فيه حتى أذنيهم. وحتى بعد أن يروى الفساد مجسَّدًا يسعى بينهم في الطرقات. فبسبب خداع الذات، ومكيانيزم الإنكار المعروفة في علم النفس، يبقون متشبثين بالسلطة، حتى بعد أن يعرفوا أن سلطتهم أضحت مرفوضةً من قبل أغلبية الذين يحكمونهم. فهم حين يدافعون عن سلطتهم، وباستماتة، رغم علمهم بأنها سلطة فاسدة فشلت في كل شيء، ينطلقون من شهوة الحكم العارمة الممسكة بخناقهم، ومن خداع الذات. أي، استبطانهم لعقيدتهم الأولى التي انضموا بها للتنظيم وهم في مرحلة الشباب الباكر حيث شرعوا في النظر إلى أنفسهم كمصلحين وأصحاب رسالة في الهداية خصهم الله بها دون غيرهم من بني البشر. لذلك يتصرفون وفي عقولهم الباطنة شعور بأنهم إنما يطيعون ما يريده الله، وأنهم يقدمون في ذلك عملاً خالصًا لوجه الله، مقصده أولاً وأخيراً إصلاح حال البلاد والعباد. لذلك يحار الناس في الكيزان، وفي تناقضاتهم التي تسير على قدمين. فمن جهة، ترى اللحية المرسلة، وزبيبة الصلاة السوداء على الجبهة، والمظهر الديني، ومن الجهة الأخرى ترى الشره وحب الدنيا والتهافت على حصد الأموال بكل سبل الفساد الممكنة. وكذلك في الركون إلى فقه التحلُّل اللاأخلاقي من أجل حماية الكوز ذاتَه اللِّصة من أن تصل إليها يد القانون. أكثر من ذلك ترى الاستهانة بدماء البشر، وعدم الاكتراث بعذاباتهم، بل والتلذذ بها.
هذا الانحراف الفادح عن مبادئ ما يزعمه تنظيم الكيزان لنفسه من طهارة مُدَّعاة، هو ما عبر عنه الدكتور حسن الترابي، عراب هذه الحركة المدمرة، حين قال في شهادته للعصر، في قناة الجزيرة، إن انزلاق نظامه الذي أسسه في مستنقع الفساد الآسن، قد جرى تحت سمعه وبصره وعجزه. فقد سيطرت شهوة السلطة وحب المال على تلاميذه المتنفذين، فأبعدوه عن قيادتهم، ووضعوه على الرف، بعد أن سجنوه وأهانوه. فإبعاد عَرَّاب الحركة، رغم أنه نفسه لم يكن خارجًا تمامًا عن دائرة فسادها وإفسادها، إلا أنه يعني، فيما يعني، وبالضروة، اضمحلال العقيدة الدينية الأولى التي تأسست عليها الحركة؛ صدقًا كان اعتناقها، أم كذبا، في البدايات الأولى.
هذا المزيج من شهوة السلطة وبهرجها وحب المال والزهو بالثروة ونعيمها، إلى جانب العقيدة الدينية الأولى المُعتَنَقَة منذ فترة الشباب، هو المزيج الخطر والمدمر الذي جعل الكيزان لا يبالون بإشعال حرب 15 أبريل 2023، لكي يعودوا إلى السلطة. فقد قادوا الأمور، خطوة وراء خطوة، لينتهوا إلى حقيقة ألا سبيل لعودتهم إلى السلطة، رغمًا عن أنف الشعب السوداني الذي رفض حكمهم، إلا عن طريق الحرب. فقد كانت هذه الحرب هي آخر طلقة في خزانتهم للعودة إلى السلطة. لذلك، سوف تطول هذه الحرب، وستتعقد، بأكثر مما هي معقدة اليوم، وستتسع بأكثر مما هي متسعة. والسبب، أن المتحكِّمين في مجرياتها، حتى هذه اللحظة، هم الكيزان، الواقعين منذ شبابهم الباكر في قبضة تشوهاتٍ نفسيةٍ استثنائية. من يستمع إلى العميد طارق كجاب وهو لا ينفك يبث على مدار الساعة (كلام الطير في الباقير)، وإلى الناجي مصطفى، الذي قتل عشرين ألفًا من الجنود في هجمة واحدة، ومن يرى تسعة من صحفييهم ضيوفًا على الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لمدة أسبوع، يعرف المناخ النفسي المخيف الذي تعيش فيه هذه الجماعة المنفصلة عن الواقع، المحرومة، منذ نشأتها، من نور العقل ومن أقباس الحكمة.
إن فك قبضة يد الكيزان من خناق الأمة السودانية سيكون أصعب من فك قبضة النازية عن رقبة أوروبا في أربعينات القرن الماض. فغالبًا ما تسيل دماء أكثر من التي سالت. وسوف يحدث دمارٌ أكثر من الذي حدث. وسوف تطول غربة الناس عن مدنهم وقراهم وبيوتهم، بأكثر مما طالت حتى الآن. والسبب، وراء كل ذلك، هو هذا الخليط الغريب من استبطان هذه النِّحلة الدنيوية المتلفِّعة بثوب المقدس، لدورٍ رساليٍّ متوهم يعشش في العقل الباطن. يضاف إلى ذلك، وَلَعُ هذه النِّحْلةِ المَرْضِيّ بالثروة، والجاه والنعيم العريض، وكل ما يجلبه احتكار السلطة والثروة للمرء. يضاف إلى ذلك، استبطان تزكيتهم لذواتهم، وسيطرة فكرة الجهاد عليهم بحيث أصبحوا يرون كل من عداهم مجرد كفرةٍ فجرةٍ، لا بأس من إماتتهم. وكما نرى الآن، فهم يحتفظون بأولادهم آمنين بعيدين عن خطر الحرب؛ في مصر وتركيا ودول الخليج وماليزيا وبقية أقطار العالم، في حين يدفعون بأبناء البسطاء ليكونوا وقودًا لحربهم اللعينة هذه التي أشعلوها من أجل العودة إلى السلطة.
رغم هذه الصورة القاتمة التي رسمتها لمستقبل هذه الحرب الجارية، في الفقرة السابقة، إلا أنني شديد الثقة أن قبضة هذه النحلة الضالة المضلة ستنفك عن رقبة الشعب السوداني؛ طالت فترة معاناتنا أم قصرت. وكل طولٍ لهذه الأوضاع المأساوية لن يكون إلا بسببٍ من قصورنا نحن في فهم هذا الوضع المعقد، ومن ثم، في وضع أنفسنا في الموقف الصحيح تجاه ما يجري. لكن، سوف تنجلي هذه الغمة. وسوف تشرق شمس الحرية والسلام والعدالة فوق صحارينا وغاباتنا وسهولنا وجبالنا، وفوق مدننا وقرانا وفرقاننا. قال تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه، سبحانه وتعالى عما يشركون".
نقلا عن مجلة "أفق جديد"

 

elnourh@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إلى السلطة بعد أن

إقرأ أيضاً:

تحالف صمود يستنكر تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي

تحالف صمود اعتبر أن تصريح رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي يرسل رسالة واضحة للطرف الذي يريد شرعنته بأن يستمر في الحرب.

كمبالا: التغيير

استنكر التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، تصريحات أدلى بها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف على هامش القمة العربية في بغداد، واعتبر أنه أظهر فيها تأييداً لأحد أطراف الحرب.

ورحب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بقرار حكومة السودان التي يسيطر عليها الجيش بتعيين رئيس وزراء مدني هو د. كامل إدريس، واعتبرها خطوة نحو الحكم الشامل.

واستنكر تحالف صمود في بيان صحفي الأربعاء، البيان الذي أصدره محمود علي يوسف “مرحباً بخطوة تعيين رئيس وزراء لسلطة بورتسودان غير الشرعية”، ووصفها بأنها مخالفة صريحة لنظم الاتحاد الأفريقي التي لا تعترف بشرعية أي حكومة في السودان منذ انقلاب 25 اكتوبر 2021، والذي يمثل تغييراً غير دستوري ترفضه نظم الاتحاد الأفريقي وتقف ضده بصرامة.

وقال التحالف إن خطورة وجهة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي تكمن في أنه يرسل رسالة واضحة للطرف الذي يريد شرعنته بأن يستمر في الحرب ليحقق عبرها ما لم يستطع تحقيقه بالانقلاب الذي خرج الشعب السوداني بالملايين ضده ورفض منحه أي شرعية حينما نفذه طرفا الحرب مجتمعين.

وأضاف: “واليوم وعقب هذه الحرب المدمرة لا يستقيم أن تمنح الشرعية لأي سلطة يشكلها أي من الطرفين في جزء من السودان، فهذا الاتجاه سيطيل من أمد الحرب وسيقود لتقسيم البلاد وتشظيها في نهاية المطاف”.

ووصف التحالف الحديث عن أن هذه الخطوة تصب في اتجاه التحول المدني بأنها مغالطة لا تنهض على ساقين، وقال إن الوثيقة الدستورية مزقها انقلاب 25 أكتوبر وحولتها تعديلات “سلطة بورتسودان” لوثيقة تمركز السلطة في يد العسكر، وأي شخص يأتي وفق نصوصها سيكون بلا حول ولا قوة ولن يخرج دوره من محاولة شرعنة سلطة لا شرعية لها.

ونبه إلى أن الشعب السوداني يعيش أوضاعاً كارثية جراء استمرار الحرب حيث تصنف مأساته بأنها الأكثر كارثية عالمياً، وعليه فإن الواجب المقدم على ما سواه الآن هو الضغط على أطراف النزاع لوقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية وابتدار عملية سلام تخاطب جذور الأزمة وتضع حلولاً مستدامة للأزمة السودانية وتمكن الشعب السوداني من تحديد خياراته بنفسه، وليس تشجيع أي من أطراف الحرب للمضي قدماً في الخيارات العسكرية أو فرض سلطة أمر واقع لا مشروعية لها.

الوسومالتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الجيش السودان انقلاب 25 اكتوبر 2021 رئيس الوزراء سلطة بورتسودان كامل إدريس كمبالا محمود علي يوسف مفوضية الاتحاد الأفريقي

مقالات مشابهة

  • الكيزان جماعة غريبة الأطوار تسعى بخطاب الكراهية
  • سلطة الطيران المدني تنفي تقارير عن عودة مطار الخرطوم الدولي لاستقبال طائرات الشحن
  • سلطة الدوريتوس خطوة بخطوة
  • الإمارات: العقوبات الأميركية على الجيش السوداني تضع النقاط على الحروف
  • يمكن أن يتواجد الكيزان في كل أسرة، هل الجنجويد موجودين في كل أسرة؟
  • تأكيد لبنان- فلسطيني على سلطة الدولة على المخيمات واجتماع للجنة المشتركة حول السلاح
  • محاولات يائسة لـ«سلطة بورتسودان» لتضليل المنابر الدولية
  • سلطة دبي للخدمات المالية تُطلق برنامج خريجي الإمارات
  • المياه : ضبط اعتداءات وابار مخالفة في وادي السير ومادبا
  • تحالف صمود يستنكر تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي