جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-14@18:47:42 GMT

نوفمبر يُذكرني (2)

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

نوفمبر يُذكرني (2)

 

عبدالله بن علي المجيني

 

 ​

دون سابق إنذار فاجأنا الأستاذ السوداني المُخلص أحمد بابكر- رحمه الله- فولج الفصل وبدأ يقرأ القائمة التي تأبطها كما يفعل عادة، والتي كان من بين طياتها اسم عزيزنا جراّح العيون البروفيسورعبدالله بن سعيد بن علي المجيني- وأخوكم مدبّج هذه السطور- ولا زلتُ أتذكر جيدا العبارة التي أعقب بها الأسماء وكأنما قد نُحتت في جلمود صخر حطه السيل من عَلِ:

- " هؤلاء غدا سيتشرفون بمُقابلة مولانا جلالة السُّلطان المُعظم -حفظه الله-!

أما أنا فمن هول المُفاجأة ووقع الصدمة فغرت فمي مشدوهًا لبرهة ولم أنبس ببنت شفة، ولم يعدني إلى خلدي إلا أصوات بعض زملاء الفصل- سامحهم الله تعالى- تهمس بنبرة مصطبغة بغيرة المراهقين وتنافس الأتراب التي أتفهمها جيداً واستمتع بذكراها وليتها تعود:

- " إيش مقابلة؟! سيكونون بعيدا جدا ومحظوظين لو شافوه من بعيد"!

كان ذلك ونحن في الصف الثاني الثانوي بمدرسة الصلت بن مالك بولاية المصنعة؛ حيث تمَّ اختيارنا لحضور المهرجان السنوي للفروسية، البروفيسور عبدالله مُكافأة لتميزه في العلمي وأخوكم في الأدبي، لا أستطيع أن أصف كيف قضيت تلك الليلة التي سبقت الحدث فقد مضى جلها في اجتهادي وعائلتي في التجهز لارتداء أفضل الملابس، وكأنما يجهزون عريساً لليلته أو كأنما الغد صباح العيد.

على أية حال، وصلنا العاديات بُعيد الظهر وبطبيعة الحال هالَنا منظر ما رأيناه أول مرة: فهي المرة الأولى التي نرى فيها رأي العين الأشخاص الذين لا يُمكننا رؤيتهم إلا في أجهزة التلفاز، من أفراد الأسرة المالكة الكريمة بعمائمهم المهيبة الزاهية وخناجرهم السعيدية المميزة، وهي أول مرة ترى فيها أعيننا الوزراء والقادة العسكريين وكبار المسؤولين بملابسهم البراقة وأزيائهم اللامعة، كما استمتعنا بمشاهدة الخيل المطهمة المزينة بالحلي الفضية، ولقد شدني شخصياً منظر الضيوف من السفراء والدبلوماسيين والأجانب، فبقيت فترة مراقباً لبدلاتهم وأربطة أعناقهم وطريقة حديثهم، وحتى كيفية تناولهم الطعام والشراب وتجاذبهم أطراف الحديث بذوق رفيع وأدب جَم وكأنما كنت أتعلم وأعد نفسي لأكون دبلوماسيا يوماً من الأيام ! لم أكن أدري! ولكن كل ما أوردته أعلاه لا يوازي في أهميته وتأثيره ما سأذكره أدناه.

كيف لا وما أعنيه هو تشرّف النظر والفؤاد والمهجة برؤية الطلة السامية للسلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله وطيب ثراه- لأوَّل مرة وعن كثب عكس ما توقعه بعض زملاء الثاني ثانوي أدبي عفا الله عنهم أجمعين، ويا لها من لحظات لا أستطيع شخصيا التعبير عنها، يكفي القول أن التطلع والاشتياق لرؤية جلالته رحمه الله تولّد لدينا منذ نعومة أظفارنا فقد أُرضعنا حبه وغُذينا بالولاء له، وسُقينا بالانتماء بكل فخر لوطننا العظيم الغالي سلطنة عُمان، ولدى تشريفه المنصة ساد لهيبته في الميدان صمت رهيب مهيب، وعُزف السلام السلطاني، وكانت تلك المرة الأولى التي شنّف فيها أذني سماعه من فرقة موسيقية مباشرة، يختلف عزفها تمامًا عن عزف أوكورديون زميلنا عبدالله الخمبشي الذي يطربنا به كل طابور صباح، وتمتعنا برؤية وجه جلالته المنير- دنيا وآخرة بإذن الله تعالى- الذي زينته لحية بدأت آنذاك تكتسي بالبياض لتزيد الوجه إشراقا وجمالا يعلوه الوقار وهو يرفع بين الفينة والأخرى المنظار لمشاهدة سباق الخيل أو يتحدث لمن كان عن يمينه أو يساره.

وبعد فترة طويلة من الزمن مرت علينا كأنها نسمة باردة في ليالي صيف ولاية المصنعة اللاهب انتهى الحفل وسمح لنا بالمغادرة، وعند خروجنا من الميدان إلى الحديقة واتخاذنا المسار المخصص للخروج لاحظنا الكثير من الناس مسرعين في هرج ومرج باتجاه إحدى البوابات، والتي كان جانباها شديدي الزحام لدرجة التدافع، فكل يتوقع خروج الموكب السامي من تلك البوابة ويتوق للسلام على جلالته أو الهتاف له عن قُرب، فعلمنا أنا وزميلي أنَّ حظنا في ذلك قليل لكثرة الناس، وبعدما عرفنا عن بوابة أخرى تبعد عن الأولى بمئات الأمتار قررنا الخروج من هناك، فلقد تحقق لنا هدفنا بحضور المهرجان والتمتع بالنظر إلى مُحيّا أبينا جلالة السلطان، ولكن هيهات لنعم الله علينا أن تنتهي؛ فأثناء اقترابنا من البوابة الأخرى مرَّت بنا سيارتا الحرس وبعدها السيارة التي يقودها جلالته- رحمة الله عليه- بنفسه، وكان سيرها وَئيدًا ثم توقفت تمامًا أمامنا بمتر ونصف المتر فقط- وليس كما توقع بعض نجباء الثاني ثانوي أدبي- أدامهم الله- انتظارًا لفتح البوابة ولكم أحبائي تخيل تلك اللحظات، حقيقة وكأنما أُخذنا على حين غرة، فلم ندر ما يتوجب علينا فعله، أو لم نستطع فعل أي شيء سوى النظر إلى جلالته مباشرة، فتسمّرت أرجلنا وكأنها رسخت في الأرض المسفلتة، وصمتنا كجرذي كنيسة، وعينانا ترنوان مركزتين على الوجه المشرق كطفلين تراءيا هلال العيد فظهر لهما فجأة، فتفرس عطَّر الله قبره وعَرَف بحدسه المعهود حالتنا فتبسم تبسم الأب العطوف ورفع يده الكريمة مُسلّما- تصوروا أيُّها الكرام عظمة السلطان بجلال هيبته يبدأ خادميه الصغيرين بالسلام- يا لها من روعة ويا لها من لحظات، وبشكل تلقائي وبردة فعل سريعة ألهمنا الله تعالى أن نرفع أيادينا جميعها ونرد التحية بانحناءة بسيطة، وبعدها فُتحت البوابة وانتهى المشهد الاستثنائي المثير، وأكملنا طريقنا ولكن بصمت غريب، واستقللنا الحافلة إلى المصنعة من غير كلام، فقد كان عقلانا مشغولين بإعادة تذكر تلك اللحظات، وكان ما يشغلنا حينها أن نعود لأهلنا لنسألهم ونتأكد منهم بأنَّ ما فعلناه كان لائقا وتصرفا صحيحا، لنبدأ بعدها بسرد أحداث ذلك اليوم العظيم. 

لا يخفى عليكم أيها الأحبة أن الله سبحانه وتعالى قد قدّر لي بحكم طبيعة العمل كما أنعم على الكثيرين أمثالكم من أبناء شعب عُمان الأبي بالتشرف بمُقابلة ومُصافحة جلالة مولانا- رحمه الله- في أكثر من مناسبة، ولكن يبقى لذكريات المرة الأولى طعماً مختلفاً ومميزاً، غفر الله لفقيدنا الغالي السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ورحمه وجازاه خير ما يجازي حاكماً عن رعيته، ووفق الله مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وسدد على الخير خطاه ورزقه دوام الصحة والسعادة والبطانة الصالحة، فكل عام وبلادنا سلطنة عُمان سلطاناً وشعباً بكل خير وأمن وأمان وتقدم وازدهار.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

???? الجهة التي سيقع عليها الدور بعد السودان سوف تبدأ الحرب فيها بالمسيرات

والعاقبة عندكم في المسيرات
في اغنية للفنان صلاح مصطفي ما يحكي حالنا اليوم إذ جاء (كنا في غمرة هنانا وفي دروب الريد مشينا /فجأة اتبدل مصيرنا وجارت الايام علينا) كل الذين رحلوا عن الدنيا في السودان قبل ١٥ /بريل ٢٠٢٣ لو قدر لأحدهم أن ينهض من قبره ورأى ما نحن فيه اليوم فلن يصدق ما يراه.. فقد كنا مثل بقية خلق الله نعيش حياتنا بالطول والعرض وننسرب منها بكل هدؤ واحدا تلو الآخر ليحل محلنا من يأتي بعدنا… نعم كنا نشاهد الكوارث والموت بالجملة في بعض أنحاء العالم لابل وفي بعض أطرافنا ولكن في معظمنا ما كنا نوقن أن هنا موتا مجانيا غير موت الله والرسول العادي نعم كنا نعلم أن هناك (ميتة وخراب ديار) ولكن ما كنا نظن انها ستقع علينا وما كنا نظن أن هناك نهبا وسلبا وسحلا واغتصابا قبل خروج الروح.. ما كنا نظن أن من سلم من تلك النسخة من الموت المجاني سوف تأتي المسيرات وتنقض على مصادر الحياة لنموت موتا بطيئا… في ظني أن الذين حكموا على السودان بالإعدام قد ندموا على نسختهم الأولى لأنها أكثر كلفة فنسخة المسيرات أقل تكلفة أكثر تسلية

إذن الجهة التي سيقع عليها الدور بعد السودان سوف تبدأ الحرب فيها بالمسيرات ولن تحتاج أن تبدأ بالتحشيد والسلب والنهب والاغتصاب.. تطلق المسيرة وانت جالس في مكتب مكيف وأمامك كاسك وربما إلى جانبك صديقتك فما أجملها من حرب.. فأنتم في كل المنطقة وفي كل الإقليم يامن تعيشون الان في غمرة هناكم وتمشون في دروب الريد كما نحن قبل ١٥ أبريل ٢٠٢٣ ولا تدرون كما كنا (بما كان الزمن ضامر)

لن تضعوا مضادات أرضية امام العمارات السوامق ولا مضادات أمام مصادر الطاقة سوف تنهال عليكم المسيرات من جهات ليس في حسبانكم الان… فاي جهة مهما كانت حقيرة لها نوايا شريرة وحقد أعمى وتمتلك مالا في أي صقع من أصقاع الدنيا يمكن أن تمتلك مسيرات لأن التقانة اليوم على قفا من يشيل.. لقد انتهى احتكار التقانة تماما . بعبارة أوضح امتلاك المسيرات لايحتاج إلى دول ولا يحتاج إلى مؤسسات.. والطرف الثالث في أي حرب دوما موجود وقد لايحتاج إطلاق المسيرات إلى حرب…. يقول علم النقائض كل شي في الدنيا يحمل بذور فنائه في داخله فلا توجد قوة مطلقة

لا يوجد إنسان سوي في الدنيا يعجبه الخراب فالعمران والحياة الرغدة والرفاهية تتمناها لنفسك ولغيرك ولكن يا أهل الإقليم كل الإقليم لا بل العالم وكل مدن الدنيا التي (تنوم وتصحى على مخدات الطرب) ما حدث للسودان قد مهد الطريق لحزب الخراب لكي يستفحل ويبطش بالجميع ويا عقلاء الإقليم كل الإقليم إذا لم تتحركوا الان نعم الان فقط سوف تقولون أكلنا يوم اكل الثور الكحيان.. الله يشهد اننا لانحسدكم ولن نتمنى زوال نعمتكم ونعلم انكم لن تسمعوا صوتنا الخافت ولكنها كلمة حاكت في صدرنا فاخرجناها…

كسرة؛…
اغنية صلاح مصطفى المشار إليها في بداية المقال يقول مطلعها (مرة صابر فوق ازايا مرة شائل جرحي وابكي /يا حبيبي الدنيا حالها يوم تفرح ويوم تبكي ..) ولولا اني قادي تقانة لا انزلتها هنا فاسمعوها بصوت صلاح نفسه وليس بصوت نادر خضر فنادر صاحب صوت نادر وقد أجاد أداء كل أغنيات صلاح مصطفى الا هذة

عبد اللطيف البوني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • جلالة الملك يستقبل عدداً من السفراء الأجانب المعينين بالمملكة
  • الأوقاف: الزلازل من جنود الله وآياته التي تقرع بها القلوب
  • مغردون يرحبون بصواريخ الحوثي التي ضربت إسرائيل
  • الخدمة العسكرية/التسلح/الإكتفاء الدفاعي/جلالة الملك يرسم معالم تعزيز قوة ومناعة الجيش المغربي
  • ???? الجهة التي سيقع عليها الدور بعد السودان سوف تبدأ الحرب فيها بالمسيرات
  • مقطع نادر للرئيس اليمني ابراهيم الحمدي وهو يستقبل الأمير سلطان في مطار صنعاء
  • جلالة الملك يعين عدد من السفراء وإحداث مجموعات صحية ترابية جهوية
  • جلالة الملك يترأس مجلساً للوزراء ويعين ولاةً وعمال جدد
  • مفتي الجمهورية: الأزهر مصدر رائد في صناعة المجدّدين والمصلحين
  • ثُمَّ شَقَّتْ هَدأةَ الليلِ رُصَاصة !!