ما حكم سداد ورثة الكفيل الدَّين المؤجل على الميت؟.. «الإفتاء» توضح
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
أوضحت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي، حكم سداد ورثة الكفيل الدَّين المؤجل على الميت بالكفالة بمجرد وفاته.
وقالت دار الإفتاء، إن كفالة الدَّين لا تنقضي بموت الكفيل، بل ينتقل التزامه بأداء الدَّين المكفول إلى تركته، وتنتقل مطالَبَةُ الدائن به إلى ورثة الكفيل في موعد السداد لا قَبْل ذلك.
وأوضحت «الإفتاء»، أن وَرَثة الرجل المذكور (الكفيل) لا يجب عليهم سدادُ ذلك الالتزام فَورَ وفاة أبيهم، بل يثبت للدائن حقُّ مطالبتهم به مِن تركةِ أبيهم المتوفى عند حلول أجَلِ الدَّين إذا لم يسدِّده له عمُّهم (المَدِين)، ثم يعودون على عمِّهم بما سَدَّدُوه.
حثت الشريعة الإسلامية على التعاون والتآزر، فقال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، و"البِرُّ: اسمٌ جامعٌ للطاعات وأعمالِ الخير المقرِّبة إلى الله تعالى"، كما قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (5/ 213، ط. دار إحياء التراث العربي).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ.. الحديث» متفقٌ عليه.
والضمان أو الكفالة -وما يلحق بهما مِن مرادِفات كالحَمَالة، والزَّعَامة، والقَبَالة، ونحوها مما يُنبئ عن العُهدة في العُرف والعادة- وجهٌ مِن أوجُه التعاون والمعروف الذي فيه مساعدة الناس وقضاء حوائجهم، كما في "البحر الرائق" للإمام زين الدين ابْن نُجَيْم الحنفي (6/ 226، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"إرشاد السالك" للإمام شهاب الدين ابن عَسْكَرٍ المالكي (ص: 96، ط. مصطفى البابي الحلبي)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زَكَرِيَّا الأَنْصَارِي الشافعي (2/ 235، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المرْدَاوِي الحنبلي (13/ 7، ط. هجر).
والمراد بالضمان: "ضَمُّ ذمَّةِ الضَّامِن إلى ذمَّةِ المضمونِ عنه في التزام الحقِّ، فيثبُت في ذمتهما جميعًا، ولصاحب الحقِّ مطالبةُ مَن شاء منهما"، كما قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (4/ 399، ط. مكتبة القاهرة).
وعقد الضمان أو الكفالة مِن عقود التبرعات الجائزة ابتداءً والملزِمَةِ شرعًا انتهاءً لمن يصحُّ منه تلك التصرفات المالية، لقول الله تعالى حكايةً لقول المنادي على إخوة سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف: 72].
قال الإمام ابن جُزَيٍّ الغِرْنَاطِي في "التسهيل لعلوم التنزيل" (1/ 392، ط. دار الأرقم): [﴿زَعِيمٌ﴾ أي: ضامنٌ لحِمْلِ البعير لمن ردَّ الصُّوَاع، وهذا مِن كلام المُنادي] اهـ.
وعن أبي أُمَامَة البَاهِلِي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ.. الحديث» أخرجه الإمامان: أبو داود والترمذي في "السنن".
و"الغارم": هو "مَن لزِمه غرامةٌ، يعني: مَن ضمن دينَ أحدٍ لزمه أداءُ ذلك الدين"، كما قال العلَّامة الحُسين المُظْهِرِي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 489، ط. دار النوادر).
كما نقل غير واحدٍ مِن الأئمة والعلماء الإجماع على مشروعيتها، قال الإمام ابن المنذر في "الإشراف" (6/ 233، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع أهل العلم على أنَّ الرجل إذا ضمِنَ عن الرَّجلِ مالًا معلومًا بأمرِه لرجُلٍ، أن الضمان لازمٌ له، وله أن يأخذه بما ضمِن عنه] اهـ.
ومن أحكام الكفالة بالمال: أنَّها لا تنفسخ بموت الكفيل أو الضامن، بل يثبت حقُّ الكفالةِ بعد موتهِ في مال تركته إن كان له تركةٌ تفي بهذا الحق، لأنَّ ماله يصلح للوفاء بمثل هذا الالتزام.
قال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم في "البحر الرائق" (6/ 230): [الكفيل بالمال إذا مات لا تَبطُل، لأنَّ حكمها بعد موتِه ممكنٌ] اهـ.
فإذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين -كما هي مسألتنا- فالمختار للفتوى أن الالتزام بالضمان يبقى في تركته وينتقل إلى ورثتِهِ، لكن دون أن يَحل أجل الدَّين، بل يبقى الدَّين مؤخَّرًا إلى أجَلِه، لأنَّه كما يبقى مؤجَّلًا في حقِّ المكفول عنه فإنه يؤجَّل في حقِّ الكفيل أيضًا، والتأجيل حقٌّ من حقوق الكفيل فلا يَبطُل بموته كسائر حقوقه، ولا أثر لموته على الكفالةِ، إذ تعلَّق الضمان بمالهِ، وهو صالحٌ للوفاء، وهو ما ذهب إليه الحنابلة في المشهور، والإمام زُفَرُ مِن الحنفية، ونصَّ عليه شيخ الشافعية القاضي يوسف ابن كَجٍّ الدِّينَوَرِي.
قال الإمام برهان الدين ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (4/ 244، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن مات المضمونُ عنه، أو الضامنُ، فهل يَحِلُّ الدَّين؟ على روايتين) أشهَرُهُما: لا يَحِلُّ، لأن التأجيلَ حقٌّ من حقوق الميت، فلم يَبطُل بموته كسائر حقوقه بشرطه. قاله في "الوجيز"] اهـ.
وقال الإمام كمال الدين ابن الهُمَام الحنفي في "فتح القدير" (7/ 170، ط. الحلبي): [وعن زُفَرَ: لا يَحِلُّ بموت الكفيل، لأنه مؤجَّلٌ على الكفيل أيضًا] اهـ.
وقال الإمام الرَّافِعِي الشافعي في "العزيز شرح الوجيز" (5/ 172، ط. دار الكتب العلمية): [ولو مات الضامن.. نقل القاضي ابن كَجٍّ وجهًا آخَر أنَّه لا يَحِلُّ على الضَّامِن كما لا يَحِلُّ على الأصيلِ] اهـ.
وعدم انقضاء الكفالة أو عدم حلول أجَلِ الدَّين المؤجَّل المكفول بموت الكفيل قَبْلَ أجَل السداد هو المقرَّرُ قضاءً، حيث جاء في الطعن رقم (1508 لسَنَة 50 قضائية)، بجلسة: 2/3/1987م، ما نصُّه: [التزام الكفيل لا يَنقَضِي بموتِهِ، وإنما يبقى هذا الالتزام في تركتِه، وينتقل إلى ورثَتهِ] اهـ.
وهو ما قرره كذلك مِن قَبْلُ شُرَّاحُ القانون المدني المصري.
قال العلامة عبد الرَزَّاق السَّنْهُورِي في "حاشيته على الوسيط في شرح القانون المدني" (10/ 235، ط. دار إحياء التراث العربي): [أمَّا موتُ الكفيلِ فلا تنقضي به الكفالةُ، بل يبقى التزامُ الكفيل في تركته. وفي التقنينات التي يَرِثُ فيها الورثةُ دَين مورِّثهم، ينتقل التزام الكفيل إلى ورثتهِ] اهـ. فأفاد أن الالتزام ينتقل كما هو دون حلول أجَل الالتزامات المؤجَّلة.
اقرأ أيضاًدار الإفتاء توضح أجر المرأة التي تعمل لأجل الإنفاق على ذاتها أو أسرتها عند الله
هل تجب إعادة صلاة المأمومين؟.. «الإفتاء» توضح حكم الصلاة عند إمامة المحدث للناس ناسيًا
هل إزالة الشعر الزائد من الحواجب حرام؟.. الإفتاء توضح «فيديو»
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: دار الإفتاء دار الإفتاء المصرية قال الإمام الدین ابن لا ی ح ل
إقرأ أيضاً:
هل تجوز الزكاة لقريبتي إذا كان زوجها لا يوفر احتياجات البيت؟.. الإفتاء توضح الفئات المستحقة
أجاب الشيخ إبراهيم عبد السلام، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، عن سؤال سائلة تقول "قريبتي متزوجة ولكن زوجها لا يستطيع توفير كافة احتياجات البيت، فهل تجوز تقديم لها الزكاة لأنها دائمًا محتاجة؟".
هل تجوز الزكاة لقريبتي إذا كان زوجها لا يوفر احتياجات البيت؟وأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن الزكاة شُرعت لسد حاجة الفقير والمسكين، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾، مبينًا أن مصارف الزكاة محصورة في الأصناف الثمانية المذكورين في الآية الكريمة، ولا يجوز إخراجها لغيرهم.
وبيّن أمين الفتوى في دار الإفتاء أن المرأة المتزوجة إذا كانت هي وأسرتها في مستوى الفقر أو المسكنة، بحيث لا يتوفر عندها ما يكفي الحاجات الضرورية للبيت، فيجوز إعطاؤها من الزكاة، فالفقير هو من لا يجد قوت يومه، والمسكين هو من يملك دخلًا لا يكفيه، مثل أن يحتاج إلى خمسة آلاف جنيه شهريًا بينما دخله ثلاثة آلاف فقط، وهذا يدخل في حكم المسكين المستحق للزكاة.
الفئات المستحقة لأموال الزكاةوأكد أمين الفتوى في دار الإفتاء أن الزكاة تُعطى لتغطية الحاجات الضرورية فقط، مثل الطعام والشراب والملبس الضروري والعلاج والسكن وما تحتاجه الأسرة للعيش الكريم، أما الأمور غير الضرورية مثل اشتراكات النوادي، أو المصاريف الترفيهية، أو الأقساط المدرسية المرتفعة في مدارس خاصة، فهذه لا تُغطَّى من مال الزكاة، ويمكن تغطيتها من الصدقات التطوعية وليس من الزكاة الواجبة.
وتابع أمين الفتوى في دار الإفتاء، أن الأصل في الزكاة أن تُصرف لسد العجز الأساسي في حياة الفقير والمسكين، فإذا كانت قريبتك لا تجد ما يكفيها من الضروريات، فيجوز إعطاؤها من الزكاة، وإلا فيُكتفى بإعطائها من الصدقات العادية.
هل يجب دفع الزكاة عن السنوات الماضية؟وفي سياق آخر، وضّح الدكتور علي فخر، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، حكم الشرع في إجابته عن سؤال سيدة تقول إن لديها ذهبًا بلغ النصاب، وفي بعض الأوقات تقوم بتخزينه دون إخراج الزكاة، وتتساءل: هل عليها ذنب؟ وهل يجب إخراج الزكاة عن كل السنوات الماضية أم عن السنة الحالية فقط؟.
وأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأحد، أن بعض الفقهاء قالوا إن حلي النساء لا زكاة فيه مطلقًا، مهما بلغت كميته، لأنه يُعد من متاع المرأة وزينتها، بينما الذهب المتمثل في جنيهات أو سبائك أو ذهب مكسور لا يُعد حليًا، وبالتالي يجب أن يُوزن ويُزكّى باعتباره ذهبًا للادخار.
وأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء أن فريقًا آخر من الفقهاء قيّد الأمر، فرأى أن ما كان من الحلي مناسبًا لمستوى المرأة الاجتماعي والمادي فلا زكاة عليه، مثل 100 أو 150 جرامًا وفقًا للعرف السائد، أما ما زاد على ذلك فيُخضع لحساب زكاة الذهب إذا بلغ 85 جرامًا.
وبخصوص السنوات الماضية، أوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء أن بعض الفقهاء أجازوا الأخذ برأي عدم وجوب الزكاة على الحلي، خاصة إذا كانت السنوات كثيرة وصعب إخراج الزكاة عنها، ولا مانع من العمل بهذا الرأي.
أما فيما هو قادم، فنصح بأن تنظر إلى عرف عائلتها ومثيلاتها في مقدار ما يملكن من الذهب، وما زاد على الحد المعتاد تُحسب زكاته ابتداءً من هذا العام دون حرج.
فضل الزكاة وإخراجها في وقتها1- إكمال إسلام الإنسان، وذلك لأنّها ركن أساسيّ من أركان الإسلام.
2- طاعة الله عزّ وجلّ وتنفيذ أوامره، وذلك رغبةً وطمعًا في ثوابه.
3- تقوية العلاقات وتثبيت المحبّة بين الغني والفقير.
4- تذكرة النّفس وتطهيرها، والابتعاد عن البخل والشحّ.
5- تربية المسلم على الجود بماله، والعطف على المحتاجين، والكرم.
6- وقاية النّفس من الشحّ، قال تعالى: «ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
7- زيادة الخير والبركة من الله عزّ وجلّ في الأموال.
8- سبب من أسباب دخول الجنّة.
9- تؤدّي الزكاة إلى أن يكون المجتمع متماسكًا، يرحم قويّه ضعيفه.
10 - تنجي من حرّ يوم القيامة.