موقع 24:
2025-06-25@04:14:18 GMT

عودة هوكستين... وعودة الدولة

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

عودة هوكستين... وعودة الدولة

وظيفةُ البيتِ أنْ يحميَكَ مع أطفَالِكَ. وأنْ يَردَّ الأمطارَ والعَواصفَ والمخاوفَ. وأنْ يحتضنَ أحلامَهم ويحرس ضحكاتِهم وذكرياتهم. وأن يذهبوا إلى المدرسة ويعودوا إليه. وأن يخفيَ تواضعَ العيش والوجبات.

إنّه وطنك في الوطن. لكنّك بالغت في الطمأنينة. عادتِ الحرب وهي دائماً تعود. وسقفُ البيت هشٌّ كسقف الوطن.

ويطلّ أفيخاي أدرعي ويوجّه إليك إنذاراً صريحاً؛ تغادر أو يطحنك الركام. تتحوّل نازحاً أو جثة. وأدرعي المتكئ على التَّرسانة الرهيبة ينفّذ تهديداته. لا تتأخر آلةُ القتل الإسرائيلية في الوصول. ذكاء اصطناعي وقذائف أمريكية. ولا يبقَى أمامك إلا مراكزُ الإيواء لانتظار عودة آموس هوكستين. هذه قصتنا منذ عقود. الطائرةُ إسرائيلية والمبعوثُ أمريكي، فإلى أين المفر؟
من حسن الحظ أنّ جروحَ العقدين الماضيين لم تقتلع من نفوس اللبنانيين بقايا مشاعر التضامن الوطني والإنساني، على رغم التدهور الواضح في العلاقات بين الجزر اللبنانية. غالبية الجزر لا تخفي معارضتها لـ«وحدة الساحات». وترى أنَّ السلاح «يجب أن يكونَ بيد القوى الشرعية وحدها ومثله قرار الحرب والسلم». وأنَّ «جبهة الإسناد لم تنقذ غزة وقادت لبنان إلى الوضع الحاضر». وأن «نوايا إسرائيل العدوانية لا تخفى على أحد، لكن علينا عدم توفير الذرائع». وأن «وحدة الساحات أكبر من قدرة لبنان على الاحتمال والأمر نفسُه بالنسبة إلى الدور الإقليمي لـ(حزب الله)».
يعرفُ اللبناني العادي ما يعرفه الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي، ومفاده أنَّ الرقمَ الوحيد الذي يمكن الاتصال به هو رقم هوكستين الذي رفضنَا نصائحه قبل شهور. لا أوهام في هذه المسألة. هوكستين ليس مندوبَ جمعيةٍ خيرية أو هيئة إغاثة. إنَّه موفد الإدارة الأمريكية التي سارعت إلى التَّصدي لمفاعيل «طوفان الأقصى» ودانت منذ اليوم الأول «جبهة الإسناد». ويعرف أنَّ أمريكا تشارك إسرائيل في هدف تفكيك «وحدة الساحات» وفي إخراج جبهةِ جنوب لبنان من النزاع العسكري مع إسرائيل. يعرف اللبناني ذلك، لكن لا خيار أمامه غير معبر هوكستين.
في موازاة ذلك وسَّعت إسرائيل حربَها التدميرية. هدفُها واضح. تدفيع بيئةِ «حزب الله» ثمناً رهيباً ردّاً على احتضانها الحزب و«وحدة الساحات» و«جبهة الإسناد». تريد إسرائيل إغراقَ هذه البيئة في الركام وقلق النزوح وتوتراته. وإغراق هذا المكوّنِ يعني بالضرورة إغراقَ لبنان برمّته. لا قدرة لمكوّن لبناني على الاستقالة ممَّا يلحق بمكوّن آخر. مصائرُ اللبنانيين متشابكة مهما تباعدت مفرداتُ قواميسهم. دفعت إسرائيل أكثرَ من مليون لبناني إلى النزوح. دمَّرت المدن والقرى وكأنَّها تريد تدميرَ البيئة برمتها. وثمة من يعتقد أنَّ الخطة الإسرائيلية ترمي إلى إعادةِ إشعال النار داخل البيت اللبناني نفسه، ودفع اللبنانيين إلى التقاتل في «اليوم التالي» تحت ركامِ بلادهم.
ينتظر لبنانُ هوكستين في وقتٍ ينتظر العالم بأسره انتقالَ المقاليد في البيت الأبيض إلى يد دونالد ترمب بعد شهرين. مصير مهمة المبعوث الأمريكي لا ينفصل عن الحديث الدائر عمَّا سيكون عليه وضعُ إيران في عهد ترمب الثاني. وإذا صح ما نُشر حديثاً عن أن ترمب سيستهل عهده بإعادة تضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني يصعب توقع أن تسهل طهران عملية إنهاء قدرة الحزب على إطلاق الرسائل مع القذائف من جنوب لبنان. وليس ثمة شكٌّ في أنَّ موافقة الحزب على تطبيق القرار 1701 وبصورة جدية تحتاج إلى موافقة إيرانية. وقد تكون المسألة أكثر تعقيداً. إدارة ترمب لا تبدو مستعدة للتفاوض مع إيران حول الملف النووي فقط كما فعلت إدارة باراك أوباما. واضح أنها تريد مفاوضات تشمل أيضاً قضية «الأذرع الإيرانية».
يحتاج لبنان إلى وقفٍ سريع لإطلاق النَّار لقطعِ الطريق على خطر الانهيار الكامل. لا يستطيع احتمال عواقبِ تبادل جديد للضربات بين إيرانَ وإسرائيل خصوصاً مع تلويح حكومة بنيامين نتنياهو بتوسيع بنك الأهداف على الأرض الإيرانية ليشمل قطاعات بالغة الحساسية. لا بد إذن من هوكستين الذي يملك حتى الساعة مفتاحاً وحيداً هو التطبيق الجدي للقرار 1701.
تطبيق القرار 1701 شديد الأهمية لكنَّه لا يكفي لإنقاذ لبنان. سمع المسؤولون اللبنانيون من أكثر من طرف دولي أنَّ إعادة الإعمار في لبنان تشترط قيام دولة لبنانية طبيعية. وأنَّ العالم لن يقدم مساعدات ستتبخّر مفاعيلها في حرب مقبلة. وهذا يعني أنَّ اللبنانيين يجدون أنفسَهم أمام ضرورة اتخاذ قرارات جريئة بل مؤلمة. أول قرار هو التسليم بعودة القرار إلى يد الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وهذا يعني بوضوح الرجوع من زمن الساحة إلى زمن الدولة. وأن يرجع اللبنانيون إلى اتفاق الطائف وانتظام عمل المؤسسات. يستطيع هوكستين وقفَ النَّار في جنوب لبنان لكنَّ ترميمَ البيت اللبناني يستلزم العودة إلى لقاء اللبنانيين في المؤسسات وتخطي مرارات المرحلة السابقة. وفي هذا السياق فإنَّ «حزب الله» الذي أصيب في قيادته وبيئته مدعو إلى اتخاذ «قرارات مؤلمة».
الفترة التي تفصلنا عن تسلُّمِ ترمب مهامَّه شديدةُ الخطورة. والوحشية الإسرائيلية بلا حدود أو روادع. لا بدَّ من هوكستين. ولا بدَّ من «قرارات مؤلمة». اتخاذ القرارات المؤلمة اليوم أفضل من اتخاذها بعد الانهيار الكامل. عودة هوكستين لا تكفي. لا بدَّ أيضاً من عودة الدولة. وحدها الدولة تستطيع تضميدَ جروح المكوّن المستهدف حالياً وتضميد مخاوف كل المكوّنات.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله وحدة الساحات

إقرأ أيضاً:

الضربة الأمريكية لإيران.. فشل الردع وعودة مُحتملة للدبلوماسية

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

في خطوة تُعدّ الأخطر منذ سنوات، وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة عسكرية مُباشرة ضد منشآت إيرانية حساسة، في تصعيد غير مسبوق يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر الإقليمي والدولي.

الضربة جاءت عقب سلسلة من الهجمات التي شنّتها إيران- بشكل مباشر أو عبر حلفائها- ضد الكيان الصهيوني، وأثبتت فيها طهران قدرتها على تجاوز خطوط الردع التقليدية، وإيصال رسائل قوة على أكثر من جبهة.

الضربات التي تلقاها الكيان الصهيوني مؤخرًا؛ سواء من غزة أو لبنان أو اليمن، أربكت حساباته، وكشفت محدودية قدرته على تحجيم النفوذ الإيراني أو إضعاف بنيته النووية. ومع تكرار هذه الضربات، شعرت واشنطن بأن الرهان على الردع الإسرائيلي وحده لم يعد كافيًا. وجاءت الضربة الأمريكية إذًا كرسالة مباشرة، تقول فيها واشنطن إنها لن تسمح بترسيخ معادلة جديدة للقوة في المنطقة خارج إرادتها.

لكن هذه الضربة لم تكن مجرد دعم لحليف مأزوم، بل خطوة استباقية لإعادة رسم خطوط اللعبة من جديد، ولتوجيه ضربة نوعية قد تطال أجزاء من البرنامج النووي الإيراني نفسه

ومن أبرز تداعيات هذا التصعيد احتمالية لجوء إيران إلى استخدام أحد أهم أوراقها: مضيق هرمز. هذا الممر الحيوي، الذي تمر عبره نحو ثلث صادرات النفط المنقولة بحرًا في العالم، يُعد شريان الطاقة العالمي، وأي تهديد له- حتى لو كان محدودًا- من شأنه أن يُحدث هزة عنيفة في أسواق النفط العالمية.

ارتفاع أسعار النفط، واضطراب سلاسل الإمداد، وزيادة تكلفة الشحن والتأمين، ستكون أولى النتائج، مع ما يُرافقها من ضغط اقتصادي عالمي، وخاصة على الدول الصناعية الكبرى المستوردة للطاقة.

وفي ظل هذا التوتر، تتابع دول مجلس التعاون الخليجي المشهد بحذر بالغ؛ حيث إن موقعها الجغرافي القريب من بؤرة الصراع يجعلها عرضة لأي تداعيات أمنية أو اقتصادية. ورغم حرصها على عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة، فإنَّ أي تصعيد في الملاحة أو استهداف للبنية التحتية الإقليمية قد يفرض عليها تحديات جسيمة، تتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية مصالحها وبين عدم الانخراط في المواجهة الكبرى.

في المقابل، يدور حديث داخل الأوساط السياسية الغربية عن ضرورة فتح مسار موازٍ للدبلوماسية. الضربة قد تكون أيضًا رسالة ضغط هدفها دفع إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي، بعد تعثّر المحادثات السابقة وخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018.

والإدارة الأمريكية على ما يبدو تتبنى خيارًا مزدوجًا يجمع بين الضغط العسكري المحدود، والعرض السياسي المشروط، وهو أسلوب استخدمته واشنطن مرارًا في ملفات دولية معقدة، سعيًا لتحقيق أهداف استراتيجية دون الانزلاق إلى حرب شاملة. لكن نجاح هذا المسار يعتمد على استعداد طهران للتفاوض من موقع لا تراه خضوعًا، وعلى مدى التفاهم بين القوى الكبرى (أوروبا، روسيا، الصين) بشأن شكل الحل وتوازناته.

وختامًا.. إن المشهد الحالي لا يُنبئ بانفراجة قريبة؛ بل يشير إلى دخول المنطقة طورًا جديدًا من الصراع المركب، حيث تتداخل فيه أدوات الحرب التقليدية مع رسائل الدبلوماسية المشروطة. ولذلك يمكن القول إن الضربة الأمريكية ليست نهاية مرحلة؛ بل ربما بداية لمرحلة أخطر، تتطلب يقظة دولية حقيقية، وإرادة سياسية تمنع انزلاق المنطقة إلى صدام شامل قد لا يملك أحد القدرة على احتوائه إذا انفجر.

مقالات مشابهة

  • الجناح العسكري لـحزب الله يؤخرحصرية السلاح بيد الدولة
  • هدنة ترامب هشة من دون اتفاق سياسي ورهان على عودة ايران إلى المفاوضات
  • عاجل | ترمب يؤكد: إسرائيل لن تهاجم إيران ووقف إطلاق النار ساري المفعول
  • عاجل ترمب: لست راضيا على إسرائيل وقدرات إيران النووية انتهت
  • البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار مع إيران بشرط
  • قطر تستأنف حركة الطيران مع عودة الأجواء إلى وضعها الطبيعي
  • الضربة الأمريكية لإيران.. فشل الردع وعودة مُحتملة للدبلوماسية
  • مرجع كنسي مطمئن: القرار بيد الدولة
  • عودة داعش
  • احذروا الاتصالات المشبوهة.. قوى الأمن: موجة احتيال جديدة تستهدف اللبنانيين