منذ إعلان فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية أثير جدل واسع بشأن السياسات الجديدة التي سيتبناها البيت الأبيض تجاه الكثير من الملفات الساخنة يتصدرها آفاق الحرب التي يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة وجنوب لبنان ومدى قدرة الإدارة الجديدة على إدارة تسويات من شأنها أن تمهد الطريق لإحياء مفاوضات “حل الدولتين”.

الثورة/ تحليل / أبو بكر عبدالله

 

قياسا بالسياسة الخارجية التي انتهجها الرئيس الديموقراطي المنتهية ولايته جو بايدن، لا يبدو أن تغييرا جذريا سيطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية خلال الولاية الثانية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي أعلن عن سياسة أكثر انكفاءً على الداخل الأمريكي، باستثناء بعض الملفات الساخنة المرتبطة بالمصالح الأمريكية وأمن دولة الكيان الإسرائيلي ومستقبل العلاقات مع روسيا والصين وإيران.

حتى اليوم لايزال شعار “أمريكا أولاً” الذي رفعه ترامب خلال فترة رئاسته الأولى (2017 – 2021) هو المتصدر بسياسته البرغماتية التي تعود هذه المرة للتركيز على ملفات داخلية مثل الهجرة غير الشرعية، وإعادة هيكلة السلطات، وشطب التوجهات التي أسسها سلفه بايدن لمجتمع الميم، والأهم من ذلك تحقيق نجاحات اقتصادية تعزز مصالح الولايات المتحدة وتقلل من التزاماتها الخارجية، وتقلص انخراط واشنطن في النزاعات العالمية.

على أن دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط لا يعنيها الكثير من ملفات السياسة الداخلية الأمريكية فهي تجد نفسها اليوم معنية بمراقبة الترتيبات التي تجريها إدارة ترامب في سياساتها الخارجية خلال سنوات ولايته الجديدة التي تأتي في خضم حرب محتدمة في قطاع غزة وجنوب لبنان، وانسداد شبه كامل في مسار التسويات الرامية لوقف الحرب ومنع توسعها إلى حرب إقليمية.

يشار في ذلك إلى حالة الترقب المستمرة للشخصيات التي قرر ترامب اختيارها لإدارته القادمة والتي لا يُنظر اليها على أنها مجرد قرارات إدارية، بل رسائل سياسية تكشف توجهات السياسات الخارجية التي ينوي اتباعها، والنهج الذي يمكن أن يتبناه تجاه ما يعتمل من أزمات وحروب في منطقة ملتهبة.

وعلى سبيل المثال شملت قائمة مساعدي ترامب 5 أسماء معروفة بمواقفها المتشددة، الأول مايك هاكابي الذي عينه ترامب سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، والثاني رجل الأعمال اليهودي ستيف ويتكوف المعين مبعوثاً أمريكا للشرق الأوسط، وإليز ستيفانيك المعينة رئيسا للبعثة الأمريكية في الأمم المتحدة، واليميني المتشدد ستيف بانون المعين كمستشار استراتيجي وأخيرا مارك روبيو المقرر تعيينه وزير للخارجية، وجميعهم لديهم سجل حافل بالانحياز للمصالح الأمريكية والمواقف المتشددة الداعمة للكيان.

مؤشرات سلبية

يمكن اعتبار ملف الحرب الدائرة اليوم في قطاع غزة من أكثر الملفات المعقدة التي سيواجهها ترامب بالنظر إلى مواقفه غير المرحب بها تجاه القضية الفلسطينية والتي بدأت العام 2017 بقراره اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وإغلاقه مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن عام 2018، وتبنيه عام 2020 “صفقة القرن” التي رفضها الفلسطينيون جملة وتفصيلا.

هذه الخلفية لا يبدو أنها ستكون كل شيء فترامب سيعود إلى البيت الأبيض حاملا مشاريع كارثية بالنسبة للفلسطينيين بعد إعلانه مؤخرا عن تبني مشروع يقضي بتوسيع مساحة دولة الكيان الإسرائيلي يبدأ “من الضفة الغربية باعتبارها أراضي إسرائيلية”.

يضاف إلى ذلك ما يصفها الإعلام العبري بـ ” وعود ترامب ” بإلغاء جميع القيود والتأخيرات على نقل الأسلحة والمعدات القتالية إلى إسرائيل، ومنح خطط نتنياهو تفويضا مطلقا للتوغل في منطقة بلاد الشام ضمن خطة ” ممر داوود” التي تبدأ من الجولان المحتل وصولا إلى مناطق سيطرة الأكراد في حدود سوريا والعراق.

الأدهى من ذلك وعوده المعلنة بإعطاء حكومة الاحتلال الوقت لإكمال تدمير القطاع وتهجير الفلسطينيين، وتكثيف المشروع الاستيطاني والتعجيل بانهيار السلطة الوطنية الفلسطينية وتجريدها من أي دور سياسي أو أمنى بل وضرب الرمزية السياسية لوجودها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.

هذه المواقف والمشاريع تجعل من الحديث عن سيناريو محتمل تقوده إدارة ترامب لتسوية سياسية قريبة للحرب في قطاع غزة أمرا مستبعدا، كما تقلل فرص التعاطي الأمريكي العادل مع ” حل الدولتين”.

الملف اللبناني

بالنظر إلى تعقيدات الملف الفلسطيني، تذهب كثير من التقديرات إلى أن لبنان قد يكون المسرح الأول للتسويات التي سيقودها ترامب في حال أفلح في الضغط على حكومة اليمنيين الإسرائيلية للقبول بالتسويات المطروحة المؤيدة دوليا والمرتكزة على أساس تطبيق القرار 1701 بما فيها البند الثاني القائم على القرار 1559، والداعي إلى نزع سلاح كافة التنظيمات العسكرية من جنوب لبنان.

وعلى أن احتمالات نجاح إدارة ترامب في تحقيق تسوية سياسية شاملة للازمة بين إسرائيل ولبنان تبدو غير ممكنة إلا أن نجاحه في تحقيق تسوية محدودة قائمة على تطبيق القرار الأممي 1701 تبدو ممكنة خصوصا وأن ترامب الذي حاول إظهار نفسه كسياسي بأربع في صناعة الصفقات لن يتردد في أن يقود دورا في إنجاز تسوية ما بين إسرائيل ولبنان، على خلفية الفشل الذريع الذي منيت به الإدارة الديموقراطية برئاسة جو بايدن في تحقيق أي تسويات في هذا الملف خلال الشهور الماضية.

وبعيدا عن تعقيدات التسوية الشاملة، فإن المرجح أن تدعم إدارة ترامب الترتيبات الجارية اليوم بشأن تطبيق القرار الأممي 1701 في ظل التقارير التي تتحدث عن تفاعل حكومة الكيان إيجابيا مع المقترحات الأمريكية لوقف النار في ظل الوعود التي منحت الحكومة الإسرائيلية بمنحها الحق في التصرف عسكريا لمواجهة أي خروقات للاتفاق.

وقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في العام 2006، استهدف بالمقام الأول تحقيق وقف إطلاق نار طويل الأمد في جنوب لبنان، وتعزيز قوة “اليونيفيل” وزيادة عددها ودورها في مراقبة الخط الأزرق ودعوة الحكومة اللبنانية إلى نشر قواتها المسلحة في جنوب لبنان بالتزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية.

كما تضمن بندا ينص على منع أي وجود مسلح لحزب الله جنوب نهر الليطاني وفرض حظر على تسليح أي جهة في لبنان باستثناء الجيش اللبناني، مع تأكيده على سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي تم احتلالها خلال الحرب ودعوة المجتمع الدولي لدعم لبنان اقتصاديا وإنسانيا.

استنادا إلى هذه الحيثيات يمكن أن تلعب إدارة ترامب دورا في إنجاز مشروع الاتفاق المطروح على طاولة أطراف، الذي سيعمل على تلبية مطالب لبنان بوقف الحرب وضمان الدعم الاقتصادي ودعم بناء القدرات الاقتصادية في جميع انحاء لبنان، كما سيضمن أمن إسرائيل واستقرار حدودها الشمالية وعودة النازحين، وتحسين حياة المدنيين على جانبي الخط الأزرق بعد التنفيذ الكامل للقرار، بما في ذلك نشر الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”.

لكن التقديرات تذهب إلى احتمال أن تعمل إدارة ترامب على تعديل لقرار الأممي من خلال إضافة بنود تجعل هذا القرار أساسا لحل دائم وشامل، من طريق إعطاء حكومة الكيان حرية أكبر للتعامل مع التهديدات العسكرية ومنحها الحق في الدفاع عن نفسها، مقابل منح لبنان حوافز اقتصادية على شاكلة السماح لها باستغلال موارد الغاز الطبيعي في مياهها على البحر المتوسط، وهي التعديلات التي يتوقع أن يرفضها حزب الله الذي يطالب بتنفيذ القرار الأممي دون أي إضافات.

وثمة أوراق ضغط يمكن أن تمارسها إدارة ترامب على الحكومة اللبنانية لتمرير مشروع ومنها ورقة قطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية عن لبنان، كما يمكنها أن تستخدم الحرب الإسرائيلية الحالية ذريعة لمطالبة الحكومة اللبنانية القبول بأي صيغة معدلة للقرار الأممي وتحمل مسؤولية أي إخفاقات في هذه الترتيبات.

العلاقات مع إيران

يصعب الحسم أن إدارة ترامب ستدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، وقد أكد ترامب في غير مرة أنه لن لم يأت إلى البيت الأبيض ليشعل حروبا بل لوقف الحروب المشتعلة بما يقلل من الالتزامات الخارجية للولايات المتحدة، وهذا يعني أن الأهداف المطروحة اليوم على طاولة ترامب، لن تزيد عن تحجيم قدرة إيران وعدم تمكينها من امتلاك السلاح النووي أولا وثانيا تحجيم قدرتها ومنعها من التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

والمرجح أن إدارة ترامب ستستمر في فرض المزيد من الإجراءات والعقوبات الهادفة إلى عزل إيران وإضعاف اقتصادها على المدى القريب، تمهيدا لصفقة جديدة تلبي مطالب الإدارة في الاتفاق النووي.

ومعروف أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي مع إيران في ولايته الأولى وهو يريد استبداله باتفاق أكثر استدامة وأكثر شمولية بما يشمل البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي.

وفقا لذلك لن يكون ترامب بعيدا عن اتخاذ سياسة أكثر صرامة تجاه إيران، ربما بمحاولة إعادة فرض المزيد من العقوبات أو تقوية التحالفات الإقليمية للضغط عليها، بما في ذلك سياسة الحد الأقصى من الضغوط دون الذهاب إلى مواجهة مباشرة معها.

وبعيدا عن السيناريوهات التي ترسم مسارا للمواجهة العسكرية بين إسرائيل وأمريكا من جهة وإيران وحلفائها في محور المقاومة من جهة ثانية، ثمة مؤشرات عدة تُرجح حصول تغيير في بوصلة السياسة الإيرانية،

تغيرات قادمة

معروف أن ترامب وخلال فترة رئاسته السابقة انتهج سياسات مثيرة للجدل في الشرق الأوسط خصوصاً ما يتعلق بالدعم المطلق لإسرائيل وملف “اتفاقيات أبراهام” التي أفضت إلى تطبيع للعلاقات بين إسرائيل ودول مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، دون الاهتمام بالوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.

هذه السياسة لا يبدو أنها ستتغير كثيرا في فترة ولايته الثانية بفارق أن ترامب سيتعاطى معها في ظل حرب وحشية يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة ومحاولات حكومة نتنياهو الهيمنة على أجزاء من اراضي الضفة والقدس في ظل مواقف دولية غير مسبوقة مؤيدة للدولة الفلسطينية المستقلة على أساس “حل الدولتين” وانتقادات دولية شعبية ورسمية حيال المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيل في قطاع غزة منذ أكثر من عام.

هذه المفارقات أثارت جدلا عالميا بشأن ما إن كانت إدارة ترامب ستستمر في سياساتها الدعمة لإسرائيل وما إن كانت ستنحاز إلى حكومة الكيان في المشاريع التي تتبناها علانية بإعادة تشكيل الخارطة السياسية للشرق الأوسط والتي تحذر كثير من الأطراف الإقليمية والدولية أنها ستقود إلى حالة فوضى واسعة يصعب السيطرة عليها مستقبلا.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: إدارة ترامب بین إسرائیل فی قطاع غزة جنوب لبنان ترامب فی أن ترامب

إقرأ أيضاً:

من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟

غزة- أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم السبت اغتيال رائد سعد القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، باستهداف سيارة مدنية على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة.

وزعم الاحتلال أن اغتيال سعد جاء ردا على خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، بتفجير عبوة ناسفة في وقت سابق بقوة من الجيش الإسرائيلي داخل غزة، لكن القناة الـ 12 العبرية قالت إنه "تم استغلال الظروف المواتية لاغتياله دون أي علاقة بأي انتهاك للتهدئة".

وأطلق الجيش الإسرائيلي على عملية اغتيال سعد اسم "وجبة سريعة"، حيث سنحت له الفرصة لاغتيال الرجل الثاني حاليا في الجناح العسكري لحركة حماس، بعد القيادي عز الدين الحداد الذي يقود كتائب القسام.

وباغتيال رائد سعد تكون إسرائيل قد نجحت في الوصول إليه بعد أكثر من 35 عاما من المطاردة، تعرض خلالها للكثير من محاولات الاغتيال.

مسيرة قيادية

ولد رائد حسين سعد في الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1972 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس، وبدأ الاحتلال يطارده في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987.وعتقلته قوات الاحتلال أكثر من مرة.

حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية أثناء وجوده في السجن عام 1993، حيث كان نشطا حينها في الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وحصل سعد على شهادة الماجستير في الشريعة من الجامعة نفسها عام 2008.

وبحسب المعلومات الخاصة التي حصلت عليها الجزيرة نت، التحق سعد بالعمل العسكري مبكرا، وعمل مع قدامى المطاردين من كتائب القسام أمثال سعد العرابيد، ويعتبر من أواخر جيل المطاردين في مرحلة انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000.

وتولى سعد منصب لواء غزة الشمالي في  كتائب القسام عام 2007، وكان ممن أشرفوا على تأسيس وتأهيل القوة البحرية للكتائب في غزة.

إعلان

وفي عام 2015 ترأس ركن العمليات، وكان عضوا ضمن مجلس عسكري مصغر مكون من قيادة كتائب القسام في قطاع غزة، إلى جانب القياديين محمد الضيف ومروان عيسى، وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 2012 و 2021.

كيف تناول الإعلام الإسرائيلي عملية اغتيال رائد سعد في غزة؟.. التفاصيل مع مراسلة #الجزيرة فاطمة خمايسي#الأخبار pic.twitter.com/gLL2nMKLsc

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 13, 2025

تقول إسرائيل إن سعد كان مسؤولًا عن الخطط العملياتية للحرب، حيث أشرف على خطوتين استراتيجيتين شكّلتا أساس الاستعداد التنفيذي لعملية طوفان الأقصى: الأولى إنشاء كتائب النخبة، والثانية إعداد خطة "سور أريحا"، الهادفة إلى حسم المعركة ضد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي.

وزعم الاحتلال -خلال الحرب الأخيرة على غزة- اعتقاله أثناء اقتحام مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار 2024، ونشر صورته حينها ضمن مجموعة ممن تم اعتقالهم، قبل أن يعترف بأنها وردت بالخطأ مما يشير إلى ضعف المعلومات الاستخبارية المتوفرة عنه لدى الاحتلال الإسرائيلي.

وتعرض سعد أيضا خلال الحرب لعدة محاولات اغتيال، كان أبرزها في شهر مايو/ أيار عام 2024، بقصف منطقة سكنية بمخيم الشاطئ، وعرض الجيش الإسرائيلي مكافأة مالية قيمتها 800 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للوصول إليه بعد فشل اغتياله.

ونقلت إذاعة الجيش أن إسرائيل بحثت عن رائد سعد لفترة طويلة جدا، وسعت إلى اغتياله مرتان في الأسبوعين الماضيين، لكن الفرصة لم تكتمل، وبمجرد أن تم التعرف عليه مساء السبت وهو يستقل مركبة برفقة حراسه الشخصيين، نفذت الغارة على الفور.

واقع أمني جديد

وأمام اغتيال إسرائيل الشخصية العسكرية الأبرز في المقاومة الفلسطينية منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعتقد الباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة أن "الاحتلال لا يتعامل مع التهدئة في قطاع غزة بوصفها حالة توقف عن الحرب، بل كمرحلة عملياتية مختلفة تُدار فيها المعركة بأدوات أقل ضجيجا وأكثر دقة".

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الاغتيالات والاستهدافات الانتقائية التي نُفذت مؤخرا تكشف بوضوح أن الحرب لم تنتهِ، بل أُعيد تدويرها ضمن نمط جديد يقوم على الضرب المتقطع، وإدارة الصراع بدل حسمه.

ولفت إلى أن الاحتلال يحرص على اختلاق مبررات ميدانية لتسويق عدوانه باعتباره ردا دفاعيا، "غير أن هذا الخطاب لا يخرج عن كونه محاولة مكشوفة لإعادة تعريف مفهوم الخرق نفسه، بحيث يصبح أي حادث أمني أو اشتباك محدود أو اختلاق أحداث غير موجودة -في عمق سيطرته داخل الخط الأصفر- ذريعة كافية لتنفيذ عملية اغتيال".

ويرى أبو زبيدة أن الاحتلال يسعى لفرض معادلة جديدة قوامها "أن التهدئة لا تعني الأمان"، وأنه يحتفظ بحق الضرب متى شاء، ويسعى من خلال هذا السلوك إلى فرض قواعد اشتباك أحادية الجانب، تمنحه حرية العمل الجوي والاستخباراتي داخل القطاع دون التزامات سياسية أو قانونية.

وأشار إلى أن الضربات المحدودة لا تهدف فقط إلى إيقاع خسائر مباشرة، بل إلى الحفاظ على زمام المبادرة، ومنع المقاومة من الانتقال من مرحلة الصمود إلى مرحلة التعافي وإعادة التنظيم، وإبقاء البنية التنظيمية للمقاومة في حالة استنزاف دائم.

إعلان

وفي البعد الأمني لفت أبو زبيدة إلى أن كثافة العمل الاستخباراتي تشير إلى أن الاحتلال يستغل فترة الهدوء لتحديث بنك أهدافه استعدادًا لجولات قادمة، وهو ما يفسر عدم تسريح وحدات سلاح الجو والطيران المسيّر، واستمرار عمل شعبة الاستخبارات العسكرية بكامل طاقتها.

ويعتقد الباحث في الشأن الأمني أن "السيناريو الأخطر يكمن في تطبيع هذا النمط من الاستباحة، بحيث تتحول الضربات الخاطفة إلى حالة دائمة، تُنفّذ على مدار الوقت، وإن كانت أقل كثافة من الحرب الشاملة، وهذا يعني عمليًا تكريس واقع أمني جديد في قطاع غزة، تُنتهك فيه التهدئة بشكل مستمر، ويُفتح الباب أمام نزيف دم متواصل بلا سقف زمني أو ضمانات حقيقية".

مقالات مشابهة

  • استياء سوري من عدم حل المسائل العالقة ولبنان يطالب لترسيم الحدود
  • السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا: ما الذي تغير؟
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • مبعوث ترامب يزور إسرائيل لبحث المرحلة الثانية من خطة إنهاء الحرب في غزة
  • من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
  • بالفيديو: داتا النظام تعود.. ماذا يجري بين سوريا ولبنان؟
  • سيناريوهات البيك أب والتسلّل البرّي.. ما الذي يتدرّب عليه الطيّارون الإسرائيليون اليوم؟
  • غارات عنيفة من الجنوب إلى البقاع ولبنان سيطالب الميكانيزم بالانسحاب الاسرائيلي من النقاط المحتلة اولا
  • ما الذي تخطط له العدل الإسرائيلية بشأن العفو الرئاسي عن نتنياهو؟