سودانايل:
2025-05-11@22:39:17 GMT

مناقشة حول جملة تغبيش الوعي

تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبدالحميد

لا تكاد تُعبّر جملةٌ في أي جدل سياسي عن مستوى مُغالي في التطرف، والذاتية، والإعتداد بالرأي أكثر من إطلاق جملة (تغبيش الوعي). فهذه الجملة عند استخدامها بشكل واعي أو غير واعي تؤكد على أن قائلها يقوم بعملية(إطلاق نار تحذيري) للآخر من التوغل في مناطق وعيه.
إن مُطلِق هذه الجملة يحاول تأكيد أن ما عدا رأيه ما هو إلا محاولة "لتغبيش الوعي" .

.. وهو في نهاية المطاف شكل من أشكال الإرهاب الفكري يستخدمه عادة المتطرفون في آرائهم الذين لا ينظرون لغير فكرهم إلا على أنه توجه نحو "تغبيش الوعي".. وهذا إتجاه يجب مناقشته قبل إطلاق حكم الفساد عليه.
إن الوعي بشكل عام هو حالة عقلية تنتج عن الذات بحقيقة أن كون الفرد يعيش في واقع يأخذ عنه تصورات يأمل ويطمح في أن تكون متمثلة له وللجميع.. وتختلف درجات هذه الحالة العقلية وكيفية التعبير عنها من شخص لآخر، غير أنه من الصعب القول جملة واحدة أن شخصا معينا مغيب عن الوعي، طالما كان ذلك الشخص متفاعل في علاقات اجتماعية متفاوتة بين المادي والروحي والقيمي والنفسي والاخلاقي مع بيئته... وما يفرق حقيقة في أمر الوعي هو المشرب الذي إستُمِدت منه المعرفة (وهذا مبحث آخر يبحث في مضمار علم المعرفة - الإبستمولوجي) ... لذلك فإن كل فرد في المجتمع عاقل وقادر على التفاعل هو واعٍ بدرجة ما لأنه ممتلك لدرجة ما من المعرفة، غير أنه لابد من التأكيد على حقيقة أن هذا الوعي في حد ذاته دينامي متحرك وليس ثابتا، فقد يمكن أن يتلقى الشخص مستويات أرفع أو أكثر تعقيدا من المعرفة بالظواهر التي تحيط به.. إن كانت نظماً سياسية، أو علاقات إنتاج مادي، أو تعلقاً بقيم دينية أو أخلاقية أو روحية.. وقد يحتاج لتبني أي منها هضم مرجعياتها الفكرية وما قد تقود له انحيازاتها الايدولوجية بإستعدادت نفسية خاصة. وربما تخضع تلك القناعات في لحظة ما للتغير أو التبدل في سياقات إجتماعية وتاريخية وبيئية وحتى عُمرية مختلفة.
مهما يكن من أمر، فالمدافع عن وجهة نظر النظم السياسية الفاشية على سبيل المثال، لا يمكن أن يُقال أنه غير واعي، فالواقع إنه إنسان مختلف مع شخص آخر يُعلي من قيمة النظم الديمقراطية.. فإذا ما عمد الفاشستي لبث دعاية لفكره لا يمكن أن يقال أنه "يغبش الوعي"، لأنه يبث قناعاته المتعارضة مع غيره المختلف معه، وكذلك الأمر بالنسبة للمعتقد في الأفكار الدينية وهو يبث فكره، لا يمكن أن يقال إنه "يغبش الوعي" مِن قِبل مَن يقول بأن الوعي تحدده علاقات الفرد ضمن حالة وجوده المادي... فالحقيقة التي لامراء فيها أن الفضاء العام يستحمل كل الأطروحات القائمة على كل حالة وعي بما يمكنها من أن يُبشَّر بها بكل حرية وديمقراطية.
إن حجر الزاوية في هذه المناقشة يرتكز على المجهودات المبذولة لخلق بيئة تتوافر على إشتراطات خلق الوعي الكلي من تعليم ومعارف وابتكارات وثقافة وآداب وفنون وتكنولوجيات تجعل من الفرد قادر على تطوير وعيه بالإختيار الحر، أما إن لم تكن البيئة تتوافر على قواعد الوعي تلك، فستبقى قدرة الإنسان على الوعي في أضعف حدودها كما تجعله نهباً لإبتزاز القوى المدعية للوعي كما هو الحال تماماً في السودان، لذلك تتكرر بين مختلف القوى السياسية تهمة (تغبيش الوعي) كأنهم قد انجزوا تلك البيئة المواتية للوعي وأن الآخرين لا يلعبون إلا دور المخرب لذلك المنجز. وقد يلاحظ المتابع أن الأمر في جوهره مستند على درجة كبيرة على حالة من الكسل الذهني وعدم الفاعلية والركون لإطلاق مثل هذه الجملة (تغبيش الوعي) إذ يمكن النظر للواقع في وسطٍ ما منحاز كبيئة لواحدة من مستويات الوعي الخاص، كالوعي الديني مثلاً وهو الأكثر سيادة في واقع المجتمعات ما قبل الصناعية أو التي لم تدخل في علاقات إنتاج معقدة.. هذا الواقع يفرض على مَن يتبنى قيم غير المستدنة للمرجعيات الدينية (العَلمانيّة) أن يبذل جهداً مضاعفاً ليقنع الآخرين بأن واقعهم لا تحدده النصوص أو المسلمات الدينية فحسب، وهذا في حد ذاته عملية صراعية عميقة تتطلب قدراً عالٍ من الشجاعة الفكرية وتملك أدوات خطاب تتناسب ومستوى وعي الناس في ذلك المجتمع.. أما أن يشيح صاحب هذا التوجه بوجهه عن المجتمع ويدغمه بصفة التخلف وأن الآخرين يمارسون (تغبيش الوعي) ، فذلك ضرب من الهروب وتعبير عن القنوط وتمسك بحالة تطرف لا تسمن ولا تغني من جوع.. والأمر نفسه في المقابل ينطبق على حامل الفكر الديني في مجتمعات لا تحفل بالدين أو تدير ظهرها للمرجعيات الدينية.. فلا يمكن أن يتم دمغها بالكفر والإلحاد ومخاصمتها وشن الحرب عليها بعمليات إنتحارية أو إرهابية أو إنقلابية لمجرد أن وعيهم لا يتسق مع وعيه.
في خاتمة هذه المناقشة يجدر إعادة التأكيد على إن إطلاق جملة (تغبيش الوعي) في المساجلات والحوارات السياسية المستخدمة بإفراط في المسرح السياسي السوداني تُعبر عن موقف ذاتي يعتقد مطلقها أنه مركز حركة الوعي. ويفترض أن وعيه وحده الصحيح وأن ما دونه أو غيره ما هو إلا محاولة لتغبيش وعي الجماهير، مما يمكن أن يتسبب في تسميم الفضاء العام بهذا التوجه الفاسد، فالعمل في الفضاء العام مفترض أنه متاح للجميع ليبث مَنْ يشاء ما يشاء مِن أشكال الوعي التي يريد ليكون الإختيار والخيار حراً.
د.محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

مناقشة الجوانب المتصلة باستكمال مشروع نظام معلومات السلطة المحلية

الثورة نت/..

ناقش اجتماع اليوم برئاسة نائب وزير الإدارة والتنمية المحلية والريفية ناصر المحضار، مع ممثلي شركة “يمن سوفت”، الجوانب المتصلة باستكمال مشروع نظام معلومات السلطة المحلية.

وفي الاجتماع الذي حضره الوكيل المساعد لقطاع المعلومات والإحصاء أحمد الشوتري، ومديرا العمليات بالشركة عبدالله زبارة، وفرع صنعاء إبراهيم الحيوتي، أكد نائب الوزير أهمية المضي في مشروع نظام معلومات السلطة المحلية وتنفيذ كافة الأنظمة المعلوماتية والتدريب عليها، لأهميتها في إنجاز الربط الشبكي بين الوزارة والجهات المركزية وأجهزة السلطة المحلية بأمانة العاصمة والمحافظات والمديريات.

وأشار إلى أن استكمال المشروع والربط الشبكي وأتمتة مهام وأعمال الوزارة، سيسهم في سرعة تبادل المعلومات والبيانات بين الوزارة والجهات ذات العلاقة، لتوظيفها في خطط وبرامج التنمية المحلية والريفية.

ولفت المحضار إلى أهمية الانتقال من بيئة العمل اليدوي إلى العمل الآلي والأتمتة لتسهيل تقديم الخدمات وسرعة رفع التقارير والتعاميم.

واستعرض الاجتماع ما تم إنجازه من الأنظمة المعلوماتية المتصلة بنظام معلومات السلطة المحلية والجهود المبذولة لتنفيذها والتدريب عليها خلال الفترة الماضية.

وجرى التأكيد على ضرورة إنجاز وتسليم الأنظمة المعلوماتية المتبقية ليتم الانتهاء من المشروع وإغلاقه، وكذا تعزيز التنسيق بين الوزارة والشركة، بما يكفل الخروج بمعالجات مشتركة وحلول عملية لتنفيذ بقية المهام والأعمال.

حضر الاجتماع مدير الإحصاء والتحليل بقطاع المعلومات عبدالسلام الصعدي، وعدد من المختصين بالوزارة والشركة.

مقالات مشابهة

  • صنعاء..مناقشة مستوى تنفيذ أنشطة الدورات الصيفية بالمحافظة
  • مناقشة الجوانب المتصلة باستكمال مشروع نظام معلومات السلطة المحلية
  • كيف يمكن إنقاذ مستقبل السودان في ظل هذه الأوضاع الكارثية؟
  • الأونروا: إطالة أمد حصار غزة يزيد الضرر الذي لا يمكن إصلاحه
  • دور المؤسسات في تنمية الوعي السياسي لدى الشباب.. ندوة بمجمع إعلام قنا
  • الري: تعزيز البحث العلمي وتبادل المعرفة فى تحلية المياه بالطاقة الشمسية
  • هل يمكن أن تغيب حقيقة كهذه على شخص عنده أدنى قدر من الوعي؟
  • بدون دجاجة.. هل يمكن أن يحل البيض النباتي محل الحيواني؟
  • محللة سياسية تفقد الوعي وتسقط على الهواء مباشرة .. فيديو
  • محام: تقسيم سوريا ليس حلاً ولا يمكن تطبيقه