الاتفاق الإيراني الأمريكي ومحدودية تأثير إسرائيل

مهاجمة إسرائيل الاتفاق الإيراني الأمريكي تشي بالأساس بعجزها وقلة حيلتها ومحدودية تأثيرها على مسار العلاقة الأمريكية الإيرانية.

لعب التوتر في العلاقات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن أيضا دورا في عدم مراعاة واشنطن مواقف تل أبيب من البرنامج النووي الإيراني.

لن يتراجع نتنياهو عن موقفه من الاتفاق الإيراني الأمريكي، فهو يراهن على صعود ترامب مجددا أو مرشح جمهوري آخر إلى سدة الحكم في واشنطن.

سارعت إسرائيل لشيطنة الاتفاق الإيراني الأمريكي وشمل تبادلا للأسرى، والإفراج عن ودائع إيرانية بـ10 مليارات دولار، والتزام إيران بتجميد أنشطة تخصيب اليورانيوم.

يعتقد نتنياهو أن عودة الجمهوريين للبيت الأبيض قد تسمح بتبني أمريكا مواقف من النووي الإيراني تتماهى مع مواقفه، وإن كان رهانه على ترامب أفضى لنتائج عكسية.

الاتفاق لا يدلل فقط على رفض واشنطن موقف تل أبيب المُطالب بتكثيف العقوبات الاقتصادية على إيران والتلويح بخيار عسكري بل يشي بتسليم إدارة بايدن بوصول إيران لمكانة دولة على حافة قدرات نووية.

* * *

سارعت إسرائيل إلى شيطنة الاتفاق الإيراني الأمريكي، الذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية، والذي شمل تبادلا للأسرى بين الجانبين، والإفراج عن ودائع إيرانية بقيمة 10 مليارات دولار، والتزام طهران بتجميد أنشطة تخصيب اليورانيوم في منشآتها النووية.

فقد عدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان صادر عن ديوانه، الاتفاق بمثابة تشجيع للإرهاب في المنطقة، ومهاجمة نتنياهو للاتفاق تعكس إحباطا من فشل إستراتيجيته في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، وعجزه عن التأثير على موقف إدارة الرئيس جون بايدن.

فالاتفاق لا يدلل فقط على رفض واشنطن موقف تل أبيب المُطالب بتكثيف العقوبات الاقتصادية على طهران والتلويح بخيار عسكري يمكن الوثوق به لإجبارها، على الأقل، بالالتزام بما جاء في الاتفاق النووي الأصلي الذي وقع عام 2015، بل إن الاتفاق يشي بتسليم إدارة بايدن بوصول إيران إلى مكانة دولة على حافة قدرات نووية.

فرغم أن إيران قد التزمت بوقف تخصيب اليورانيوم، إلا أن الاتفاق، في المقابل، يسمح لها بالاحتفاظ بكميات اليورانيوم التي تم تخصيبها بنسبة 20% و60%.

التقديرات السائدة في إسرائيل تتوقع أن يكون هذا الاتفاق مقدمة لاتفاق نووي شامل بين الطرفين، تحديدا في حال أسفرت الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة عن فوز بايدن. ولكن نتنياهو وبقية مكونات نخبة الحكم في تل أبيب يعون أنه لا يوجد لدى إسرائيل بدائل أخرى أفضل يمكن الاعتماد عليها في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.

فقد تبين أن إستراتيجية نتنياهو لمواجهة النووي الإيراني أفضت تحديدا إلى اندفاع طهران نحو تطوير برنامجها الذريع ووصولها إلى مكانة دولة على حافة قدرات نووية. فإيران لم تتجاوز بنود اتفاق 2015 وتنتج آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتطورة المستخدمة في تخصيب اليورانيوم وتقدم على تخصيب اليورانيوم بنسبة وصلت إلى 60%، إلا بعد أن قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي تحت ضغط وتأثير نتنياهو.

ويرى الكثير من قيادات جيش الاحتلال والموساد، وهو الجهاز المكلف بمواجهة البرنامج النووي الإيراني، أن نتنياهو ارتكب خطأ إستراتيجيا جسيما عندما دفع ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، على اعتبار أن هذا التطور أضفى شرعية على إقدام إيران على تجاوز التزاماتها في الاتفاق.

ومما يفاقم الأمور تعقيدا حقيقة أنه تبين بالدليل القاطع أن حرب الظلال التي شنها الموساد، بتعليمات من نتنياهو، ضد البرنامج النووي الإيراني، والتي شملت تفجير مرافق نووية، وتصفية علماء وخبراء ذرة إيرانيين، وشن هجمات سيبرانية لشل البنى التحتية التي يعتمد عليها برنامج طهران النووي، قد فشلت في تحقيق الرهانات عليها. وترى قيادات وازنة في جيش الاستخبارات الإسرائيلية أن حرب الظلال أسهمت فقط في تأجيج دافعية إيران لمواصلة تطوير برنامجها النووي.

ومن هنا، فإن نتنياهو، رغم مسارعته لشيطنة الاتفاق الجديد، فهو يدرك في قرارة نفسه أنه لا يوجد لدى إسرائيل بدائل أخرى يمكن الاستناد إليها في التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني، الذي سبق أن أعلن أن مواجهته تقع على رأس أوليات حكومته.

وقد لعب التوتر في العلاقات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن أيضا دورا في عدم مراعاة واشنطن مواقف تل أبيب من البرنامج النووي الإيراني. فقد وجهت إدارة بايدن انتقادات علنية لعدم تحرك حكومة نتنياهو لوقف جرائم المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين في أرجاء الضفة الغربية، والتي استهدفت أيضا مواطنين فلسطينيين يحملون الجنسية الأمريكية.

فضلا عن انزعاج واشنطن من المواقف والسياسات التي تتبناها حكومة نتنياهو من الصراع مع الشعب الفلسطيني والتي أسدلت الستار على أية إمكانية لتحقيق حل الدولتين، تحت تأثير قوى اليمين الديني الخلاصي، التي تمثلها بشكل خاص حركة "القوة اليهودية" التي يتزعمها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وحركة "الصهيونية الدينية" التي يقودها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

لكن ما تقدم لا يعني أن نتنياهو سيتراجع عن موقفه من الاتفاق الإيراني الأمريكي، حيث إنه يراهن على صعود ترامب مجددا أو مرشح جمهوري آخر إلى سدة الحكم في واشنطن، على اعتبار أن هذا التطور قد يسمح بتبني الولايات المتحدة مواقف من النووي الإيراني تتماهى مع مواقفه، وإن كان قد تبين أن رهانه على ترامب قد أفضى إلى نتائج عكسية.

قصارى القول، فمهاجمة إسرائيل الاتفاق الإيراني الأمريكي تشي بالأساس بعجزها وقلة حيلتها ومحدودية تأثيرها على مسار العلاقة الأمريكية الإيرانية.

*د. صالح النعامي كاتب وباحث في الشأن الإسرائيلي

المصدر | الشرق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا إيران إسرائيل الاتفاق الإيراني الأمريكي النووي الإيراني تبادل الأسرى نتنياهو الاتفاق الإیرانی الأمریکی تخصیب الیورانیوم حکومة نتنیاهو إدارة بایدن من الاتفاق تل أبیب

إقرأ أيضاً:

إيران تردّ على لبنان.. إسرائيل توقف ضربة بعد وساطة أمريكية!

أعلن الجيش الإسرائيلي السبت عن تعليق غارة كان يعتزم تنفيذها على ما اعتبره بنية تحتية لحزب الله في قرية يانوح جنوب لبنان، وذلك بعد طلب الجيش اللبناني تفتيش المنزل المستهدف.

وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن التجميد جاء لإفساح المجال للجيش اللبناني للوصول إلى الموقع ومعالجة ما وصفه بخرق الاتفاق، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي يواصل مراقبة الهدف ولن يسمح لحزب الله بإعادة التموضع أو التسلح.

وأكد مصدر أمني لبناني أن الجيش اللبناني تمكن من دخول المنزل المستهدف وتفتيشه بالتنسيق مع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار التي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وقوة اليونيفيل، بعد أن أخلى السكان المنزل خشية تعرضه لغارة.

وقالت المتحدثة باسم اليونيفيل كانديس آرديل إن القوة الأممية رافقت الجيش اللبناني دعماً لعملية التفتيش، مشيرة إلى أن أي عمل من هذا النوع من قبل إسرائيل يعد انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.

وأبلغت إسرائيل لبنان عبر وسطاء أمريكيين بأن التعاون بين حزب الله والجيش اللبناني غير مقبول، بعد تلقيها معلومات عن تنسيق محتمل بين الطرفين، فيما تتواصل تل أبيب في نقل تحذيرات مشددة إلى بيروت عبر واشنطن بشأن نشاطات حزب الله.

ومن المتوقع أن يصل المبعوث الأمريكي توم باراك إلى إسرائيل الاثنين للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في محاولة لمنع التصعيد مع لبنان والتوصل لتفاهمات مع سوريا، في وقت تتلقى فيه الدولة اللبنانية ضغوطاً من الكونغرس الأمريكي لتشديد مراقبة شروط وقف إطلاق النار.

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل منذ نوفمبر 2024، تواصل تل أبيب تنفيذ عمليات تستهدف البنية التحتية لحزب الله، معتبرة أن الجماعة تعيد التسلح، فيما تعمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا على مراقبة الوضع لمنع أي تصعيد عسكري في جنوب لبنان.

إيران تؤكد استمرارية علاقاتها مع لبنان وترد على تصريحات يوسف رجّي

ردّت وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد، على تصريحات وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي الأخيرة، التي اتهم فيها إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وعلى التقارير الإعلامية حول عرقلة بيروت لاعتماد السفير الإيراني الجديد لديها.

وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن العلاقات الدبلوماسية بين طهران وبيروت راسخة وتاريخية ومستمرة حتى الآن، مشيراً إلى أن إيران ما تزال تمتلك سفيراً معتمداً في لبنان، بينما بدأ السفير اللبناني الجديد مهامه في طهران مؤخراً.

وأوضح بقائي أن الإجراءات الرسمية لتعيين السفير الإيراني الجديد في بيروت انطلقت منذ فترة، وتم تقديم الطلبات اللازمة وفق المسارات المعتادة، معبراً عن أمله في أن تكتمل العملية بسلاسة ويبدأ السفير الجديد عمله قريباً.

وشدد المتحدث الإيراني على أن بلاده تتجنب عمدًا أي مواقف أو تصريحات قد تشتت لبنان عن أولوياته الأساسية في الحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه، أو تبعد الدولة والمجتمع اللبناني عن مواجهة الجرائم المستمرة التي يرتكبها الكيان الصهيوني.

وأشار إلى أن إيران تحثّ أصدقاءها في لبنان على تعزيز الحوار والتفاهم بين كل مكونات المجتمع اللبناني لمواجهة التهديد الحقيقي الوحيد لسيادة لبنان وكرامته، والمتمثل في السياسات التوسعية والهيمنية للكيان الصهيوني.

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أعلن أنه سيزور بيروت قريباً، مشيراً إلى سعي طهران لفتح فصل جديد في العلاقات الثنائية مع لبنان، وأعرب عن استغرابه من موقف وزير الخارجية اللبناني الذي لم يرحّب بتجاوب إيران مع الدعوة الموجهة إليه، مؤكداً أن الدول التي تجمعها علاقات أخوية ودبلوماسية كاملة لا تحتاج إلى مكان محايد لعقد لقاءات وزرائها.

من جانبه، أكّد وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي أن الحوار مع إيران يبقى ممكناً، لكنه جدد اقتراح عقد لقاء في دولة ثالثة محايدة يتم الاتفاق عليها مسبقاً، مؤكداً استعداد لبنان لفتح صفحة جديدة من العلاقات البنّاءة مع إيران، شرط أن تقوم على الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة واستقلالها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

مقالات مشابهة

  • محلل بالحزب الجمهوري: استراتيجية الأمن القومي الأمريكي بلا تأثير فعلي
  • مساع منذ 10 أعوام.. هكذا يطوّع نتنياهو الصحافة في إسرائيل
  • إيران تردّ على لبنان.. إسرائيل توقف ضربة بعد وساطة أمريكية!
  • نائب سابق:لاسيادة للعراق في ظل الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني
  • إسرائيل تعلن اغتيال قيادي بالقسام في غزة وحماس تتهمها بتقويض الاتفاق
  • أمين عام حزب الله: سلاح المقاومة لن يُنزع تحقيقاً لهدف “إسرائيل” ولو اجتمعت الدنيا
  • رفض مصري قطري لـسلوك إسرائيل تجاه وقف إطلاق النار بغزة.. الاتفاق متعثر
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • باراك يتحدث عن علاقة إسرائيل بجيرانها ويرجح قرب الاتفاق مع سوريا
  • مستشار ماكرون يحذر إسرائيل.. لبنان يحدد شروطاً لزيارة وزير الخارجية الإيراني!