لجريدة عمان:
2025-06-24@21:53:00 GMT

«كورالاين» وأزرارُ العين!

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

قلّما نجد اشتغالات سردية ملائمة للصغار ولليافعين على وجه الدقة، تكشف بحذر شديد عن الجذور المتشابكة لنمط العلاقات المعقدة التي نعيشها اليوم، لاسيما تلك التفاصيل شديدة الرهافة والحساسية التي تعيد نسج العلاقة المرتبكة بين الآباء والأبناء. الأبناء الذين لا يتمتعون بعناية كافية ويعانون من فقدان حصّتهم الطبيعية من إصغاء الأهالي الغارقين في انشغالات لا نهائية لتأمين سبل العيش.

فهذه النوعية من السرديات تعيد تثمين جوهر الروابط في وقت بات «التشظي» من سمات عصرنا المضطرب.

انشغل بعضنا -ونحن صغار- برغبة محمومة وفاتنة يحرضها الخيال تارة وانشغال آبائنا وأمهاتنا عنّا تارة أخرى.. رغبة وإن بقيت متوارية فإن الأدب بمجساته الواعية تمكن من القبض عليها، فجعلنا ننظر إلى المكان غير المأهول من أفكارنا.. فعندما يعيث النكران بحياتنا فسادا، يأتي الأدب ليكسر الحالة المثالية والقداسة التي نحبس أنفسنا خلف زجاجها.. وأعني هنا رغبتنا في استبدال آبائنا وأمهاتنا، رغبتنا في امتلاك حياة أخرى بعيدا عن أولئك الذين ولدنا من أصلابهم وترائبهم. إذ لسبب ما نرفضهم، لاسيما لو كانت الحياة تالفة، لا يغذيها تبادل الأحاديث، فينشغل خيال الطفل المستفيض بالوقوع في فخ المقارنات.. شكل غرف بيوت الغير، طعامهم بين المجمد والطازج، الحبّ الفاتر والمتواري أو المشع والمرئي! ماذا أيضا عن الأحضان والتطريز واللعب والرسم بألوان الماء وقراءة قصّة ما قبل النوم!

لا أدري حقا كيف تلقف خيال الكاتب الإنجليزي نيل غايمان هذه الفكرة وجسدها في روايته «كورالاين». لقد شاهدت الفيلم المأخوذ عن الرواية والذي رشح لجائزة الأوسكار عدّة مرّات برفقة أبنائي، وتسنى لي مؤخرا قراءة الرواية، ترجمة هشام فهمي، صدر عن منشورات تكوين.

بدا لي وكأنّ غايمان يقول العادي بطريقة غير عادية، وفي الحقيقة انتابني شعور مماثل لما كتب على ظهر الغلاف: «لم يحدث منذ أن سقطت «أليس» في جحر الأرنب أن قاد تصرف بسيط كفتح الباب إلى رحلة مخيفة وشديدة الغرابة كهذه».

فمن خلف باب موارب تمكنت «كورالاين» من العثور على والدين جديدين، وهباها الحياة المتمناة بادئ الأمر، ولكن كان لكل ذلك ثمن شديد الغرابة، «خيط قطني أسود وإبرة فضية طويلة وجوارهما زِران أسودان كبيران». كان ينبغي أن تصير شيئا آخر لا يشبهها، وعندما أدركت الفخ أرادت استعادة حياتها الآفلة. توهمنا مثلها انعدام الأساس الكافي لبناء علاقة سوية بوالديها، لكنها تذكرت والدها عندما داست على عش دبابير في فرع شجرة متعفن، فأمرها بصعود التل ريثما يتلقى اللدغات نيابة عنها، وفي المغطس قامت «كورالاين» بعدِها، فكانت ٣٩ لدغة. لقد تعلمتْ أنّ الحبّ يأتي في أشكال لا نهائية غاية في الجمال والفرادة، وآنذاك تمتعت بذخيرة جيدة من الشجاعة.

لا يمكنك أن تقرأ الرواية أو أن تشاهد الفيلم دون أن ترتعش أو أن يقشعر بدنك، في مكان يمكن للقط أن يتكلم فيه وللوجه أن ينفتح كغلاف كتاب وللجسد العجوز أن يرتعش بحيوية الشباب.. لكن لماذا اختار غايمان الأعين، لتغدو أزرارا. خطر في ذهني عدّة تفسيرات لذلك، منها أنّ الأعين صلتنا الحميمية مع الأبناء والعالم. هي المرايا العاكسة الأشد صدقا التي ترينا حركة عواطفنا. أمّا الأزرار فهي بمثابة الجمود البلاستيكي الذي يحمل دلالة الموت والانطفاء المطلق. في الحقيقة لم يكن والدا «كورالاين» يرفعان رأسيهما من فوق تلال أعمالهما المتراكمة ولم يكونا ينظران إليها، كانت تفتقد أعينهما كثيرا.. فكانت مدخلا للشر والعتمة.بقدر ما ترفع الرواية اللثام عن سذاجة طفولتنا الراغبة في استبدال كل ما لا يتوافق مع عنفوان تمردنا، تقدم أيضا نقدا لاذعا للمجتمعات التي تتقوض فيها القيمة الأصيلة للروابط التي تثري حياة الأبناء! فالوهن الذي يصيب العلاقة - عندما لا يكترث الوالدان بطفل محمل بالفضول والرغبة في الاكتشاف- يدفع الأسئلة الجامحة للنمو كالفطر السام في حديقة مزهرة.

قد يبدو الخيال العارم في قصّة «استبدال الوالدين» وكأنّه يفرغ الحياة من واقعيتها، إلا أنّه في حقيقته يحفر عميقا في دهاليز النفس الغامضة التي تجابه حياة مجردة من المعنى، فعندما يغفل الكبار صميم حزن الصغار ومخاوفهم، يبدو الأمر وكأنّ أحدهم يقتلع أعينهم الأصلية، يضللهم.. لكن «كورالاين» اختارت أن تحشد عزيمتها الداخلية لاستعادة راهنها بكل مثالبه، اختارت رفع الغشاوة الماكرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فيضانات صرف صحي تشل الحياة في عدن

شهدت العاصمة المؤقتة عدن خلال الساعات الماضية أزمة صحية وبيئية حادة، بعد أن غمرت مياه الصرف الصحي عدداً من الشوارع والأحياء في مختلف مديريات المدينة، متسببة في شلل شبه تام لحركة السير والحياة اليومية، وسط استياء واسع النطاق من قِبل الأهالي.

ووفقًا لمصادر محلية فإن طفح المجاري اجتاح مناطق متفرقة في مديريات خور مكسر، المعلا، الشيخ عثمان، والمنصورة، وامتد إلى الأحياء الداخلية، ما جعل التنقل شبه مستحيل، خصوصًا مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار روائح كريهة وحشرات ناقلة للأمراض.

وأرجعت المصادر هذا الانفجار الكارثي إلى تعطل محطات الضخ بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، إلى جانب تهالك البنية التحتية وانعدام أعمال الصيانة الوقائية من قبل الجهات المعنية. ويأتي ذلك رغم التصريحات المتكررة من مسؤولين محليين حول مشاريع مزعومة لتحسين الصرف الصحي، ما أثار سخرية وغضب الأهالي الذين اعتبروا ما يحدث فضيحة إدارية واستهتارًا بصحة وحياة المواطنين.

تحذيرات من كارثة صحية

يحذر مختصون في البيئة والصحة العامة من أن استمرار الوضع على هذا النحو قد يؤدي إلى تفشي أمراض وبائية خطيرة، مع تزايد درجات الحرارة والرطوبة، وغياب أي إجراءات ملموسة للسيطرة على الموقف.

مناشدات عاجلة

وجّه الأهالي نداءات استغاثة إلى السلطات المحلية، وعلى رأسها مؤسسة المياه والصرف الصحي ومحافظة عدن، مطالبين بضرورة التحرك العاجل لإصلاح محطات الضخ، وتوفير مولدات كهربائية بديلة، ومحاسبة الجهات المتقاعسة التي تسببت في تفاقم الكارثة.

ويؤكد المواطنون أن الأزمة الحالية ليست مجرد خلل عابر، بل مؤشر خطير على الانهيار الكامل للبنية التحتية في المدينة، وسط غياب للرقابة والمساءلة، ما يتطلب تدخلاً حكوميًا سريعًا وشاملًا لإنقاذ عدن من مستنقع الإهمال والتردي المتسارع.

مقالات مشابهة

  • فيضانات صرف صحي تشل الحياة في عدن
  • صاحب الـ "هاتريك".. سبب استبدال وسام أبو علي في مباراة الأهلي وبورتو
  • مستشار أسري: تدخل الأم يزرع الكراهية و15% من عنف الإخوة بسبب الوالدين.. فيديو
  • ما خطورة الضغط على الأبناء لاختيار تخصصات جامعية محددة؟.. مختصة توضح
  • كأس العالم للأندية.. جوارديولا يوضح سبب استبدال إتشفيري أمام العين
  • الاطلاع على تنفيذ مشروع الصرف الصحي بمدينة البيضاء
  • التشادي روزي جدي: الروایة العربية طریقة للاحتجاج ضد استعمار أفريقيا
  • عاجل- الحكومة تبدأ استبدال اللمبات التقليدية بـ "ليد" وترشيد الكهرباء بالعاصمة الإدارية
  • دعاء لصلاح الأبناء .. أعظم ما تدعو به لأولادك ردده في كل وقت بيقين
  • هل يجوز إعطاء الأبناء من زكاة المال؟ .. الإفتاء توضح الضوابط الشرعية