مع اقتراب موعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في 20 يناير المقبل، تزداد التساؤلات حول سياساته تجاه منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل دعمه الصريح لإسرائيل ورؤيته التي تعتمد على «سياسة الصفقات»، لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط محوراً رئيسياً في الاستراتيجية الأمريكية، ولهذا فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تثير اهتمام العالم بأسره، فما الذي يريده ترامب من المنطقة؟ هل يسعى لإعادة ترتيب الأوراق بما يخدم رؤيته الشخصية، أم أنه يعمل لمصلحة الولايات المتحدة؟
منذ بداية رئاسته الأولى، أظهر ترامب انحيازاً غير مسبوق لصالح إسرائيل، ما تجسد في قرارات تاريخية مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها في خطوة وصفها الكثيرون بأنها تحدٍ لحقوق الفلسطينيين والمجتمع الدولي، لم تكن هذه الخطوة مجرد تغير سياسي، بل كانت بمثابة إعلان صريح عن استراتيجية أمريكية تتجاهل تماماً حقوق الفلسطينيين وتضع دعم إسرائيل في المقدمة، هذه السياسات ترافقت مع عرض «صفقة القرن»، التي اعتبرت بمثابة حل شامل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث ركزت الصفقة على الجوانب الاقتصادية بشكل أكبر من الجوانب السياسية، ما أثار موجة غضب واسعة في العالم العربي والإسلامي، حيث اعتبرت العديد من الدول العربية والإسلامية أن هذه الصفقة تهدف إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي على حساب حقوق الفلسطينيين.
ترامب لم يقتصر دعمه لإسرائيل على الاعتراف بالقدس عاصمة لها، بل سعى إلى توسيع علاقات إسرائيل مع دول الخليج العربي، محاولاً استغلال هذه العلاقة لتعزيز الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وهو ما تجسد في اتفاقيات تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين، ولكن، بالرغم من محاولاته، فقد ظل غياب حل عادل للقضية الفلسطينية عائقاً أمام تحقيق استقرار حقيقي في المنطقة.
فيما يتعلق بإيران، فقد كانت العدو الأول في أجندة ترامب منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، فقد انسحب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، وقام بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران، بهدف شل اقتصادها وتقويض نفوذها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وكان ترامب يرى أن إيران تمثل التهديد الأكبر لاستقرار المنطقة وفقاً لرؤيته الخاصة، حيث سعى إلى تقويض دعم إيران للميليشيات المسلحة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ولكن، هذه السياسات لم تحقق النجاح الذي كان يطمح إليه ترامب، بل على العكس، دفعت إيران إلى تعزيز شراكاتها مع خصوم واشنطن التقليديين مثل روسيا والصين، مما ساهم في تعقيد المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
أما بالنسبة لسياسة ترامب التي تعتمد على “الصفقات”، فقد كانت تتمثل في رؤية مفادها أن الشرق الأوسط ليس فقط ساحة لتحقيق السلام، بل هو سوق ضخمة لعقد الصفقات الاقتصادية والعسكرية التي تعزز من مصالح الولايات المتحدة، ومن خلال هذه السياسة، سعى ترامب إلى تعظيم الفوائد الاقتصادية لبلاده عبر توقيع صفقات تسليح بمليارات الدولارات مع دول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات، مؤكداً في أكثر من مناسبة أن «أمريكا لن تحمي أحداً مجاناً» وهذه السياسة كانت تهدف إلى ضمان استمرار تدفق النفط واستقرار أسعار الطاقة، فضلاً عن تعزيز الهيمنة الأمريكية على المنطقة من خلال دعم الأنظمة الحليفة مقابل صفقات اقتصادية وعسكرية ضخمة.
وبينما كانت السياسة الخارجية لترامب تهدف إلى تعزيز المصلحة الأمريكية من خلال ضمان استقرار أسواق الطاقة وتعظيم الفوائد الاقتصادية لبلاده، فإنها كانت تثير العديد من التوترات في المنطقة، ففي الوقت الذي استفادت فيه بعض الدول مثل إسرائيل ودول الخليج من هذه السياسات، كانت الدول الأخرى، مثل إيران وسوريا، تدفع ثمناً باهظاً لهذه السياسات، مما يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة.
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يظل السؤال مطروحاً: هل سيتبنى نهجاً مغايراً أم أنه سيستمر في سياساته السابقة التي ركزت على دعم إسرائيل ومحاصرة إيران؟ الشرق الأوسط بالنسبة له ليس مجرد منطقة جغرافية، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق أهدافه الاقتصادية وتعزيز مكانته كزعيم قادر على فرض هيمنته على العالم، ورغم ذلك، فإن سياساته أثارت الكثير من التوترات في المنطقة، حيث عمقت الانقسامات وأضعفت فرص تحقيق الاستقرار، خاصة في ظل غياب حل عادل للقضية الفلسطينية والتوترات المستمرة في العلاقات الأمريكية مع إيران.
في النهاية، وبينما يرى ترامب أن رؤية أمريكا للمنطقة يجب أن تتسم بالمصلحة الاقتصادية أولاً وقبل كل شيء، فإن الواقع يشير إلى أن سياساته قد تكون قد أسهمت في تفاقم الأزمات وتعدد التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة، وبناءً على ذلك، ستظل دول المنطقة أمام تحدي كبير للحفاظ على مصالحها الوطنية وتحقيق توازن دقيق في علاقاتها الدولية، في وقت تتزايد فيه الضغوط الناتجة عن السياسات الأمريكية في ظل وجود إدارة ترامب، فهل ستتمكن الدول العربية من استغلال اللحظة لحماية أمنها القومي وتحقيق مصالح شعوبها، أم أن المنطقة ستظل رهينة لسياسات البيت الأبيض وأجندات ترامب التي قد تظل تطغى على جهود السلام والاستقرار؟
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فلسطين مقالات ترامب غزة صفقة القرن الشرق الأوسط هذه السیاسات فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
اتساع الفجوة الاقتصادية بين الأميركيين يهدد آمال ترامب بالانتخابات النصفية
ينطلق دونالد ترامب في جولة انتخابية لترويج أجندته الاقتصادية، في حين يلقي الأميركيون باللوم عليه بشكل متزايد في ما تظهره البيانات من تراجع القدرة على تحمل تكاليف المعيشة.
وحسب فايننشال تايمز، تشير الأرقام الأخيرة إلى اقتصاد "متقلب" بوضوح، إذ يوسّع ضعف سوق العمل وارتفاع الأسعار المستمر الفجوة بين أصحاب الدخول الأعلى والأدنى.
يظهر تحليل أجراه بنك الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا لبيانات مكتب إحصاءات العمل أنه بعد سنوات من النمو المتجاوز للمعدلات السائدة، تراجعت أجور أصحاب الدخول الأدنى في أميركا بشكل حاد مقارنة بأجور أصحاب الدخول الأعلى، وذلك يمحو كثيرا من التقدم المحرز خلال العقد الماضي في سد الفجوة.
ويقول الاقتصاديون إن هذا الاتجاه يسلط الضوء على أن أصحاب الدخول المنخفضة أكثر عرضة للضعف الأخير في سوق العمل الأميركي.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن الزميلة البارزة في مجلس العلاقات الخارجية ريبيكا باترسون قولها: "على الرغم من انخفاض معدل التضخم عما كان عليه بعد الجائحة، فإنه من الضروري رفع الأجور، الأمر الذي يستدعي وجود سوق عمل قوي.. يعتمد النمو الأميركي في توليد الثروة بشكل كبير حاليا على الذكاء الاصطناعي وما يرتبط به من استثمارات رأسمالية".
وأضافت أن "اعتماد أكبر اقتصاد في العالم على بضع عشرات من الشركات لا يبدو إدارة فعّالة للمخاطر الاقتصادية".
ومن المقرر أن يلقي الرئيس الأميركي اليوم الثلاثاء كلمة في ولاية بنسلفانيا -وهي ولاية حاسمة فاز بها عام 2024- حيث من المتوقع أن يردّ على الانتقادات الموجهة إليه بأن سياساته الاقتصادية لم تقدّم ما يكفي لمساعدة الأميركيين العاديين.
وكانت إدارة ترامب للاقتصاد أقوى حججه في السابق، لكن الفجوة المتسعة بين مرتفعي ومنخفضي الأجور تهدد الآن آفاق الجمهوريين في انتخابات منتصف المدة، وهو ما يتضح في نتائج الشركات الفصلية، واستطلاعات الرأي، وتقارير الوظائف.
إعلانوارتفع معدل البطالة بين العمال من أصل إسباني -الذين تأرجح دعمهم لترامب بشكل كبير في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- إلى أعلى مستوى له خلال العام عند 5.5% في سبتمبر/أيلول مقارنة مع 4.4% لإجمالي الأميركيين.
فجوة متسعةيسلّط أحدث استطلاع رأي أجرته جامعة ميشيغان الضوء على هذه الفجوة، ونقلت فايننشال تايمز عن مديرة مؤشر ثقة المستهلك بالجامعة جوان هسو قولها إنه منذ مايو/أيار تراجعت ثقة من لا يملكون أسهما بشكل عام، ولم تكن قراءتهم أفضل مما كانت عليه في "ذروة التضخم بعد الجائحة في منتصف عام 2022".
كان العكس صحيحا لمن يملكون أسهما، إذ "شهدوا ارتفاعا ملحوظا بشكل خاص لدى المشاركين الذين يمتلكون أعلى 20% من الأسهم"، على حد قولها.
وتعزز استطلاعات الرأي الأخيرة الصادرة عن مجلس المؤتمرات الشعور بأن الأسر الفقيرة تزداد تشاؤما بشأن الاقتصاد. فقد انخفض مؤشر ثقة المستهلك بشكل حاد في نوفمبر/تشرين الثاني، وعلى أساس المتوسط المتحرك لـ6 أشهر ظل المستهلكون الذين يقل دخلهم عن 15 ألف دولار الأقل تفاؤلا بين جميع فئات الدخل.
وكما كافح الرئيس السابق جو بايدن لإقناع الناخبين الأميركيين بأنهم أفضل حالا ماليا بوجوده في البيت الأبيض، يبدو أن ترامب يواجه تحديا مماثلا، وفق الصحيفة.
مساعي خفض الأسعارفي الوقت نفسه، سعت الإدارة إلى إظهار أنها تعمل على خفض الأسعار، إذ خفضت الرسوم الجمركية على العديد من الواردات الزراعية الشهر الماضي في محاولة لخفض فواتير البقالة، وهو ما كان مصدر قلق رئيسيا بين الناخبين الأميركيين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني طرح ترامب "أرباحا" ممولة من الرسوم الجمركية لا تقل عن ألفي دولار للفرد، ولا تشمل ذوي الدخل المرتفع، واقترح إعادة توجيه دعم الرعاية الصحية من شركات التأمين إلى حسابات التوفير للأميركيين.
ويتسرب هذا الضغط على ميزانيات الأسر الآن إلى الشركات الأميركية، خاصة في القطاعات التي تتعامل مباشرة مع المستهلكين.
وتقول الصحيفة إن الاستياء العام من أسلوب تعامل الحكومة مع الاقتصاد بلغ مستويات قياسية، مما يبرز المخاطر السياسية التي يواجهها الجمهوريون في محاولتهم الحفاظ على سيطرتهم على مجلسي الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
ومن المرجح أن يركز حزب الرئيس في حملته الانتخابية جزئيا على إنجازه التشريعي الأبرز: مشروع قانونه "الكبير والجميل" الذي أقر في يوليو/تموز، ولكن من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في عام 2026.
وفي حين يبقي مشروع القانون على التخفيضات الضريبية التي كشف عنها خلال الولاية الأولى للرئيس في البيت الأبيض، فإنه يفرض أيضا تخفيضات على برنامجي "ميديكيد" و"قسائم الطعام".
وذكر مكتب الميزانية بالكونغرس أن مشروع القانون من المرجح أن يخفّض موارد الأسر في أدنى عشر توزيع الدخل بمقدار 1600 دولار سنويا، مقارنة بزيادة قدرها نحو 12 ألف دولار لشريحة الـ10% الأعلى دخلا.
مع ذلك، تزعم إدارة ترامب أن القانون سيساعد ملايين العمال ذوي الأجور المنخفضة في قطاع الخدمات من خلال إعفاء الإكراميات من الضرائب، وأن الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية ستخلق وظائف ذات رواتب أفضل للطبقة العاملة من خلال تشجيع الشركات على إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة أيضا.
إعلان