دلائل قاطعة على التدخل الصهيوني في استهداف الجغرافية السورية
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
محمد نادر العمري
لم يكن عبثيًا مطلقًا؛ لا من حيث التوقيت ولا الأهداف ولا القوى الفاعلة، أن تشهد جبهة الشمال الغربي من الجغرافية السورية ولا سيما المنطقة الخاضعة لاتفاقية أستانا والمتمثلة بتلك المشمولة ضمن منطقة “خفض التصعيد الرابعة”، بتوقيت سياسي يحمل الكثير من الدلالات والأهداف المتداخلة لمجموعة من القوى الفاعلة والمؤثرة سلبيًا في مسار الحرب على سورية.
هذا؛ ولا سيما في ظل عدم تحقيق أي من أهداف هذه الدول، خلال الأعوام السابقة، من تحقيق إنجاز عسكري وسياسي يعزز من احتمالية تنفيذ مشاريعهم، سواء على مستوى المنظومة الإقليمية عمومًا، أم داخل سورية التي كان يراد لها سقوط نظامها المقاوم واستبداله بآخر حليف للغرب وللكيان الصهيوني. فقد اضطلع هذا الكيان بدور واضح وجلي بما شهده شمال غرب سورية منذ فجر الـ27 من الشهر الماضي، إلى جانب قوى إقليمية، وفي مقدمتها تركيا الباحثة عن تكريس مشاريعها المتعددة، مستغلة مرحلة تسلم وتسليم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية “مرحلة البطة العرجاء”، لتكريس واقع ميداني جديد من شأنه دعم مشروعها القديم الجديد في إقامة ما يسمى “المنطقة.
وذلك أن الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب يفضل العلاقة مع تركيا على العلاقة مع ما يسمى قوات سورية الديمقراطية “قسد”، وخاصة أن هذا المشروع الذي أعاد الرئيس التركي رجب أردوغان طرحه من جديد بعد فوز ترامب جاء بعد رفض سوري لإعادة العلاقات مع النظام التركي في ظل عدم إقدام الأخير على اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز الثقة وترجمة الرغبة لخطوات جادة مع سورية في مقدمتها سحب قواتها من سورية ووقف دعم التنظيمات الإرهابية وغيرها من الخطوات.
بالعودة للدور الصهيوني وحكومة العدو العنصرية في المشاركة ودعم التنظيمات الإرهابية في العدوان الذي تشهده سورية، ولا سيما مدينة حلب وحماة، سنورد العديد من الأدلة الواقعية على هذا الانخراط إلى جانب عدد من الدول ضمن غرفة العمليات مهمتها إدارة العدوان على سورية، وأهم هذه الأدلة تتمثل في:
أولًا- ليس من المصادفة، من حيث التوقيت السياسي، أن تنطلق شرارة العدوان الذي شنته التنظيمات الإرهابية على حلب وريفها مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ. وهو ما ذكره صراحة وعلنيًا سكوت ريتر ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق وأحد مفتشي أسلحة الدمار الشامل في العراق، عندما كتب في صحيفة “واشنطن بوست” أن: “الهجوم على حلب هو نتيجة لخطة استراتيجية بين “الإسرائيليين” والأتراك ودول أخرى، في مقدمتها أوكرانيا وفرنسا، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف قطع طرق الإمداد إلى المقاومة اللبنانية “حزب الله”.
ثانيًا- تصريح رئيس الحكومة الصهيوني بنيامين نتنياهو، بعد اجتماعه مع المجلس الوزاري المصغر وفي أثناء إعلان موافقة الكيان على وقف إطلاق النار في لبنان، عندما وجه تهديدًا لسورية وللرئيس بشار الأسد عندما اتهمه بـ”إنه يلعب بالنار”. وذلك بعد خمسة تهديدات وتلويحات بتدخل عسكري من مسؤولين صهاينة حاليين وسابقين، كان آخرها ما لوح به وزير الخارجة جدعون ساعر من تغيير النظام السوري في حال استمراره بدعم المقاومة اللبنانية وعدم شروع الرئيس الأسد بإغلاق الحدود أمام نقل السلاح لحزب الله”.
ثالثًا- نشر المتحدث الرسمي باللغة العربية لما يسمى جيش الكيان منشورًا على صفحته الشخصية بعد ساعات من بدء العدوان الإرهابي لهذه التنظيمات؛ قال فيها: “أحسنتم يا مجاهدي الحرية، أنتم يا أحرار الشام والجيش الحر أصدقاؤنا في محاربة التمدد الإيراني …، سنكون يدًا واحدة ضد النظام الدكتاتوري في سورية وتحالفه… نحن معكم وسندعمكم بكل ما أوتينا من قوة”.
رابعًا- التسريبات الأمنية التي كشفت عنها “القناة 12 العبرية”، بعد بدء هذا العدوان، عن وجود احتمالات كبيرة لتدخل “الجيش الإسرائيلي” بسورية، في ظل استغلال الأوضاع الراهنة، وتشكيل ما عرف بوحدة التدخل السريع “البري” داخل جيش هذا الكيان تتمركز في الجولان المحتل بقرار من الحكومة الصهيونية الماضي 4 كانون الأول 2024م، تكون مهمتها التدخل في سورية فقط خلال دقائق عندما يتطلب منها ذلك، يوم الثلاثاء، برئاسة العميد يائير بلاي.
خامسًا- التصريحات المتعددة لمن يعرف بالمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وأحد مستشاري الحكومة الصهيونية السابق مرخاي كيدار، على وسائل إعلام عبرية متنوعة، مفادها أن من أسماهم بالمعارضة السورية نقلوا إلى “تل أبيب” نيتهم بفتح سفارة “إسرائيلية” في دمشق وبيروت، بعد إسقاط النظام، مضيفًا أن قادة هذه الفصائل طالبت الكيان بقائمة مفصلة بالعدة العسكرية مبديًا استعدادهم للتوصل لاتفاق سلام مع الكيان، وهذه المعلومات وفقًا لكيدار حصل عليها من خلال اتصاله المستمر مع قادة هذه التنظيمات التي لا ترى في الكيان عدوًا لها.
سادسًا- التهديدات “الإسرائيلية” باستهداف إحدى الطائرات الإيرانية في حال هبوطها في دمشق، ونقل الولايات المتحدة الأمريكية رسالة تحذيرية للعراق مفادها أي مشاركة عراقية للقوات الحكومية أو المقاومة إلى جانب سورية قد تقابل باعتداءات أميركية- “إسرائيلية” المشتركة.
هذه المؤشرات وغيرها الكثير، بما في ذلك الاعتداءات المتكررة على معامل الدفاع في حلب ونقاط تجمع للجيش السوري على حدود الجبهات هناك واستنزاف المقدرات السورية الجوي والدفاعية، على مدى السنين السابقة، وخاصة خلال العام الحالي، والتي تجاوزت أكثر من 160 اعتداء واغتيال شخصيات قيادية ومؤثرة من المستشارين الإيرانيين وحزب الله، كانت مهمتهم دعم الجيش السوري في محاربة الإرهاب الذي بات اليوم ضمن محددات السياسية للعديد من الدول، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية أداة لتحقيق مصالحهم..
يبقى السؤال هل تقدم واشنطن على نشر الفوضى من خلال إطلاق عناصر “داعش” من سجون “قسد”، فيسقط اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وتذهب المنطقة للمواجهة الشاملة كما يريد من يحكم الكيان المغتصب….؟
كل الاحتمالات واردة، وخاصة إن ما حصل ويحصل في سورية هو جزء من الصراع الذي تشهده المنطقة، والذي اعلنه نتنياهو صراحة في 27 أيلول الماضي داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما رفع خارطة دول النقمة متوعدًا إياها بمواجهة حتمية.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا: ما الذي تغير؟
لم تُفرِد استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الصادرة منذ أيام لأفريقيا سوى أكثر بقليل من نصف صفحة جاءت في آخر التقرير(ص29)، مما يُشير إلى أنها آخر الأولويات: الأولى كانت أمريكا اللاتينية والكاريبي (أو ما سمته الوثيقة بالنصف الغربي من الكرة الأرضية)، والثانية الصين والمحيط الهادي، والثالثة أوروبا وروسيا، والرابعة الشرق الأوسط… مع ذلك فإن التبدل الكبير الذي حدث في طبيعة هذه الاستراتيجية يُحتِّم على الدول الإفريقية كثيرا من الانتباه لتعديل سياساتها المختلفة وأن تكون أكثر استعدادا للقادم من التطورات.
ولعل أهم تبدل في طبيعة النظر إلى أفريقيا من خلال هذه الوثيقة ما يلي:
أولا: هناك تغير في المنظور الأمريكي للقارة، إذ لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية ترى حاجة لأن تَنشر بها قيم الليبرالية والديمقراطية وحقوق الانسان وكل ما تعلق بالحكم الراشد ولا كونها في حاجة إلى مساعدات، بل أصبحت تراها مجالا لتحقيق المنفعة بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها. جاء في نص الوثيقة ما يلي: “لطالما ركّزت السياسة الأمريكية في أفريقيا، ولفترة طويلة جدًا، على تقديم المساعدات، ثم لاحقًا على نشر الأيديولوجيا الليبرالية.
وبدلًا من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى إلى الشراكة مع دول مختارة من أجل التخفيف من حدّة النزاعات، وتعزيز علاقات تجارية ذات منفعة متبادلة، والانتقال من نموذج قائم على المساعدات الخارجية إلى نموذج قائم على الاستثمار والنمو، يكون قادرًا على تسخير الموارد الطبيعية الوفيرة في أفريقيا وإمكاناتها الاقتصادية الكامنة“.
تم تحديد المنفعة في مجالات مُحدَّدة هي الطاقة والمعادن النادرة
ثانيا: تم تحديد المنفعة في مجالات مُحدَّدة هي الطاقة والمعادن النادرة، حيث ذكرت الوثيقة:
“يعد قطاع الطاقة وتطوير المعادن الحرجة مجالًا فوريًا للاستثمار الأمريكي في أفريقيا، لما يوفره من آفاق لعائد جيد على الاستثمار”، وحددت أكثر مجال للطاقة في “تطوير تقنيات الطاقة النووية، وغاز البترول المسال، والغاز الطبيعي المسال… {الذي} يمكن أن يحقق أرباحًا للشركات الأمريكية ويساعدنا في المنافسة على المعادن الحرجة وغيرها من الموارد” كما جاء بالنص.
ثالثا: لم تعد الولايات المتحدة تريد أن تتعاون مع أفريقيا كمؤسسات مثل الاتحاد الإفريقي أو المؤسسات الجهوية، بل كدول منتقاة سمَّتها الوثيقة “الشراكة مع دول مختارة”، وهذا يعني أنها لن تتعامل مع جميع الدول ولن تضع في الاعتبار المسائل المتعلقة بطبيعة الأنظمة السياسية أو شؤنها الداخلية.
رابعا: لم تعد الولايات المتحدة تريد الانتظار طويلا لتحقيق أهدافها.. فهي تتجنب كما جاء في الوثيقة “أي وجود أو التزامات… طويلة الأمد“، وهذا يعني أنها ستتصرف بحزم مع منافسيها وتريد نتائج فورية.
خامسا: ستسعى الولايات المتحدة إلى حل النزاعات القائمة وتذكر (جمهورية الكونغو الديمقراطية – رواندا، السودان) كما ستعمل علي تجنب ظهور نزاعات جديدة، وتذكر (إثيوبيا –إريتريا – الصومال) بمعنى أنها تريد سلاما يتماشى مع إمكانية تحقيق مصالحها الاقتصادية، وفي هذا الجانب بقدر ما تحذر من “الإرهاب الإسلاموي” كما تسميه لا تريد أن تجعل من محاربته سياسة بالنسبة لها كما كان في السابق.
هذه الخصائص في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية تجاه أفريقيا تجعل القارة أمام مراجعات أساسية لا بد منها لسياساتها البَيْنية وكذلك مع شركائها الخارجيين، وبقدر ما يبدو فيها من ضغوطات فإنها تحمل في ذات الوقت فرصا لدول القارة لتوازن سياستها الخارجية ما بين الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية الأخرى، الصين روسيا الإتحاد الأوروبي… وهو أمر لم يكن مطروحا من قبل بهذه الصيغة وبهذا الوضوح.
الشروق الجزائرية