قبل سقوط حكمه .. إيران: الأسد اشتكى لـ عراقجي من تخطيط تركيا للإطاحة به
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
قال مسؤولان إيرانيان لـ رويترز الأسبوع الجاري، إن الرئيس السوري بشار الأسد اشتكى لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في الأيام الأخيرة التي سبقت الإطاحة به من أن تركيا تدعم بنشاط مقاتلي المعارضة السنة في هجومهم للإطاحة به.
وانتهت خمسة عقود من حكم عائلة الأسد الأحد الماضي عندما فر إلى موسكو حيث منحته الحكومة حق اللجوء.
ودعمت إيران الأسد في الحرب الأهلية الطويلة في سوريا وكان يُنظر إلى الإطاحة به على نطاق واسع على أنها ضربة كبيرة لـ 'محور المقاومة' الذي تقوده إيران، وهو تحالف سياسي وعسكري يعارض النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في الشرق الأوسط.
ومع استيلاء قوات المعارضة التابعة لهيئة تحرير الشام، المتحالفة سابقًا مع تنظيم القاعدة، على مدن كبرى وتقدمها نحو العاصمة، التقى الأسد بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في دمشق يوم 2 ديسمبر.
وفي الاجتماع، أعرب الأسد عن غضبه مما وصفه بجهود تركيا المكثفة للإطاحة به، وفقا لمسؤول إيراني كبير.
وقال المسؤول إن عراقجي أكد للأسد استمرار دعم إيران ووعد بإثارة القضية مع أنقرة.
وفي اليوم التالي، التقى عراقجي بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان للتعبير عن مخاوف طهران العميقة بشأن دعم أنقرة لتقدم المتمردين.
وقال مسؤول إيراني ثان 'كان الاجتماع متوترا. وأعربت إيران عن عدم رضاها عن انحياز تركيا للأجندات الأمريكية والإسرائيلية ونقلت مخاوف الأسد' في إشارة إلى دعم أنقرة للمتمردين وتعاونها مع المصالح الغربية والإسرائيلية في استهداف حلفاء إيران في المنطقة. .
وأضاف المسؤول إن فيدان ألقى باللوم على الأسد في الأزمة، مؤكدا أن فشله في الانخراط في محادثات سلام حقيقية وسنوات حكمه القمعية كانت الأسباب الجذرية للصراع.
وتابع مصدر بوزارة الخارجية التركية مطلع على محادثات فيدان إن تلك ليست تصريحات فيدان بالضبط، وأضاف أن عراقجي لم يحمل أو ينقل أي رسائل من الأسد إلى تركيا دون الخوض في تفاصيل.
وقال فيدان للصحفيين في الدوحة اليوم الأحد، إن نظام الأسد 'كان لديه وقت ثمين' لمعالجة المشاكل القائمة في سوريا، لكنه لم يفعل ذلك، وبدلاً من ذلك سمح 'بالتدهور البطيء والانهيار للنظام'.
وأضاف المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يوم الأربعاء إن الإطاحة بالأسد كانت نتيجة لخطة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتابع إن أحد جيران سوريا كان له دور أيضاً، ولا يزال يقوم بذلك. ولم يذكر اسم الدولة لكن يبدو أنه كان يشير إلى تركيا.
وكانت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، والتي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي في شمال سوريا بعد عدة توغلات عبر الحدود ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية، داعمًا رئيسيًا لجماعات المعارضة التي تهدف إلى الإطاحة بالأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.
وتسبب سقوط الأسد في تجريد إيران وحليفتها جماعة حزب الله اللبنانية من حليف حيوي.
وقد سمحت علاقات طهران بدمشق لإيران ببسط نفوذها عبر ممر بري من حدودها الغربية عبر العراق وصولاً إلى لبنان لجلب إمدادات الأسلحة إلى حزب الله.
وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم الأسد خلال الحرب ونشرت حرسها الثوري في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة.
ولعب حزب الله أيضاً دوراً رئيسياً، حيث أرسل مقاتلين لدعمه، لكنه اضطر إلى إعادتهم إلى لبنان خلال العام الماضي للقتال في حرب مؤلمة مع إسرائيل - وهي عملية إعادة الانتشار التي أضعفت خطوط الحكومة السورية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تركيا وزير الخارجية التركي وزير الخارجية الإيراني الحرب الأهلية عراقجي هيئة تحرير الشام الرئيس السوري بشار الأسد هاكان فيدان الأسد عائلة الأسد المزيد
إقرأ أيضاً:
خروج إيران من حرب غزة يفضي إلى اغتيال هنية وقادة حزب الله.. ماذا بعد؟
على الرغم من خطب الحماس والمبالغة التي يطلقها بعض قادة الجمهورية الإسلامية، فان مراكز القرار الفعلية في طهران، تعتمد سياسات براغماتية موزونة بعيدة عموما عن أفعال التهور والمزايدة. سياسات مبنية على حسابات دقيقة في فترة الازمات العاصفة.
وقفنا على العقلانية السياسية الإيرانية، غداة اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في 3 يناير ـ كانون الثاني عام 2020.
لم ترد إيران على عملية الاغتيال الأمريكية المهينة بطريقة متهورة. تجنبت "الرد المزلزل" على ابواب الحملة الانتخابية الامريكية التي ستبدأ بعد شهر(فبراير شباط 2020) والتي كان دونالد ترامب يأمل بتجديد ولايته من خلالها ، متظاهرا بانه الرئيس القوي الذي قتل قائد داعش أبو بكر البغدادي في أكتوبر ـ تشرين الأول عام 2019، وقاسم سليماني القائد العسكري لمحور الممانعة وحليفه أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، وذلك ردا على الضربات القاسية التي تلقتها البواخر المدنية والحربية في مضيق هرمز وقصف السفارة الأمريكية في بغداد في 31 كانون الأول ـ ديسمبر 2019.
اندلعت حرب غزة في ظل قيادة المحافظين في إيران ورئيسهم المتشدد إبراهيم رئيسي الذي اتخذ موقفا من عملية "طوفان الأقصى" عالي النبرة " زلزال ضرب اسرائيل. كسرت هيمنة الكيان الصهيوني والحقت به هزيمة عسكرية واستخباراتية غير مسبوقة". وفي تصريح اخر "غيرت "طوفان الأقصى" كل المعادلات في المنطقة ووسعت حدود المقاومة إلى العالم باسره"..اقتصر الرد الإيراني على إطلاق عشرات الصواريخ على قاعدتين أمريكيتين بعد إعلام الأمريكيين مسبقا (عين الأسد في الأنبار وأربيل في كردستان) نجم عنها إصابة 100 جندي امريكي بارتجاجات دماغية، بحسب وزارة الدفاع الامريكية. وكان قد سبقها قرار اتخذه مجلس الشعب العراقي بسحب القوات الامريكية من العراق في أقرب وقت، والغت إيران بعد أيام من الرد العسكري كل القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم.
هذا الاختبار يتيح قياس ردود الفعل الإيرانية خلال حرب غزة المستمرة، ومدى تأثيرها على مجريات الحرب. سنستخدم أداة القياس هذه لمتابعة تطورات الموقف الإيراني من الحرب في مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى من 7 أكتوبر حتى مقتل رئيسي.
اندلعت حرب غزة في ظل قيادة المحافظين في إيران ورئيسهم المتشدد إبراهيم رئيسي الذي اتخذ موقفا من عملية "طوفان الأقصى" عالي النبرة " زلزال ضرب اسرائيل. كسرت هيمنة الكيان الصهيوني والحقت به هزيمة عسكرية واستخباراتية غير مسبوقة". وفي تصريح اخر "غيرت "طوفان الأقصى" كل المعادلات في المنطقة ووسعت حدود المقاومة إلى العالم باسره".
وقال رئيسي بُعَيْدَ العملية: ".. تعبر عن فشل استراتيجي إسرائيلي عسكري واستخباراتي" وأضاف ".. الغرب الداعم لإسرائيل شريك في جرائمها" وكان رئيسي قد ذكر عشية "الطوفان " في مقابلة مع شبكة سي ان أن أن".. التطبيع (السعودي) مع اسرائيل طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية لكن هذه الخطوة لن ترى النجاح "..
سيستخدم السيد حسن نصر الله العبارة نفسها في 2 أكتوبر ـ تشرين الأول 2023 قبل خمسة أيام من هجوم 7 أكتوبر كما مر معنا من قبل..
هل يوحي هذا الكلام بأن "الجمهورية الإسلامية" ستكون طرفا مباشرا في الحرب إذا اقتضى الأمر، في وقت ما وفي الظرف المناسب؟ ربما يصح هذا الافتراض في المرحلة الأولى من الحرب، حتى سقوط مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 19 أيار ـ مايو عام 2024. بعد هذا التاريخ سيتغير الموقف تماما، وستنتقل إيران من التعليق على الحرب بلغة عالية النبرة الى استخدام لغة شديدة الواقعية كما سنلاحظ في السياق. لنبدأ بالمرحة الأولى.
الراجح عندي أن الموقف الإيراني من الحرب تدرج خلال الشهور الستة الأولى من الرهان على الانتصار الكبير إلى تجنب المشاركة فيها وذلك للأسباب التالية:
1 ـ كانت طهران تعتقد أن الحرب ستنتهي بسرعة نسبية، جراء تدخل إقليمي أو دولي معطوفا على تعب إسرائيلي وتحركات شعبية لمصلحة فلسطين، أو تدخل من المؤسسات الدولية. وكان هذا الاعتقاد مبنيا على إيقاع الحروب العربية الإسرائيلية السابقة، فقد دامت حرب العام 1948 تسعة أشهر وكانت أطول حرب بين العرب والدولة اليهودية، تلتها حرب السويس عام 1956 وقد دامت تسعة أيام، ثم حرب حزيران ـ يونيو عام 1967 وقد دامت ستة أيام، تلتها حرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 التي استغرقت 3 أسابيع، ودامت حرب إسرائيل على لبنان عام 1982 ثلاثة أشهر. وحرب العام 2006 على لبنان أيضا 33 يوما.
يتضح من حسابات الصراع بين العرب وإسرائيل أن الحروب ما كانت طويلة وأنها كانت تحسم بسرعة، لأن إسرائيل لا تتحمل نتائج الحروب الطويلة.
2 ـ فوجئت طهران خلال الأشهر الأولى، بتجميد الغرب للقانون الدولي وتعطيل كل المؤسسات الدولية لمصلحة إسرائيل، وبالتالي صعوبة الحراك الدبلوماسي دفاعا عن غزة وإدانة إسرائيل واضعافها.
كان واضحا أن الغرب يريد إعطاء نتنياهو الفرص التي يريدها لإنهاء الحرب بانتصار إسرائيلي مطلق. لذا نلاحظ ان الرئيس السابق جو بايدن كان يردد مرارا خلال الأشهر الستة الأولى: الحرب تتوقف فورا إذا ما قررت حماس القاء أسلحتها. هذا يعني ان الحرب بنظر القوة الأعظم في العالم تنتهي فقط بانتصار إسرائيلي وهزيمة قاطعة لحماس على الأقل، وعندما نقول بنظر أمريكا فهذا يشمل حلفاءها الغربيين أيضا بمن فيهم فرنسا التي اقترح رئيسها في بداية الحرب تشكيل تحالف دولي لقتال حماس على غرار التحالف الذي أدى إلى الانتصار على داعش وأصدرت مذكرة قضائية بمحاكمة كل مواطن يعتبر "حماس" حركة مقاومة.
كانت طهران تعتقد أن الحرب ستنتهي بسرعة نسبية، جراء تدخل إقليمي أو دولي معطوفا على تعب إسرائيلي وتحركات شعبية لمصلحة فلسطين، أو تدخل من المؤسسات الدولية. وكان هذا الاعتقاد مبنيا على إيقاع الحروب العربية الإسرائيلية السابقة3 ـ لم تحسب إيران ولا أطراف المحور أن حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف هي حكومة حرب ولم تُقَدِّر ْكما ينبغي معنى اعتداءاتها المتكررة وغير المسبوقة على المسجد الأقصى، السبب المباشر لهذه الحرب. ويزيد في عدوانيتها وتطرفها حصولها على أمان نيابي في برلمان يسيطر عليه المتشددون.
4 ـ لم يتضح أن محور المقاومة قد وضع خططا جدية للتعاطي مع الحرب، على الرغم من الأحاديث المرسلة بكثافة، عن التنسيق بين اطرافه وعن خطط باجتياح الجليل وانتفاضة في الضفة الغربية ومناطق العام1948، تحمل إسرائيل على القتال على جبهات بالجملة، فيتشتت جيشها وتفتقر الى هامش واسع للمناورة.
لم تقع انتفاضة في الضفة الغربية، ولم تتحرك مناطق العام 1948 في سياق انتفاضة كبيرة. واعتمدت السلطة الفلسطينية موقفا واضحا إزاء حماس مفاده أن ما يدور في غزة هو حرب حماس وليست حرب الشعب الفلسطيني.
وعندما تدخلت الصين لإصلاح الحال بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية ورعت اتفاق بكين في 23 تموز ـ يوليو عام 2024 لم يلتزم أي من الطرفين بما ورد وكأن الاتفاق لم يكن.
5 ـ تحركت الدول العربية لدعم غزة تحت سقف السلطة الفلسطينية، وإذا كان الشارع العربي قد شهد حراكا واسعا، هنا وهناك دعما لغزة، فإن حركته لم تشكل ضغطا قويا على بلدان الجامعة العربية التي ظلت تتحدث عن التحرك دوليا لوقف الحرب، في وقت كانت فيه المؤسسات الدولية معطلة، والقانون الدولي مكبل بإملاءات امريكية وبالتالي كل حديث في حينه عن الضغط على المجتمع الدولي لوقف الحرب هو اشبه بصب الماء في منخل.
6 ـ ما ينطبق على بلدان الجامعة العربية ينطبق على دول المؤتمر الإسلامي التي تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وتتحرك تحت سقفها السياسي.
7 ـ في السياق كانت إيران قد تلقت خلال هذه الشهور، تحذيرات واضحة من الولايات المتحدة والدول الغربية، بوجوب عدم التدخل في هذه الحرب وعدم توسيع إطارها. وإذا كان صحيحا أنها لم تذعن، فإنها بالمقابل أدركت أن حرب غزة مرشحة للبقاء إلى أجل غير محدد تحت هذا السقف وفي ظل هذه الشروط، على الرغم من حركة التعاطف الشعبية العارمة في الدول الغربية دفاعا عن مأساة غزة التي تجاوزت كل ما سبقها في الشرق الأوسط.
8 ـ بالمقابل كانت إسرائيل بحاجة ماسة لتوسيع إطار الحرب واستدراج إيران لخوضها فتكون فرصة لإخراج الحرب من ثنائية الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية إلى حرب محاور تؤدي إلى هزيمة الجمهورية الإسلامية ومحورها والتخلص إلى الأبد من مشروعها النووي.
التزمت إيران خلال الشهور الستة الأولى أقصى درجات الحذر، والتزمت أطراف محورها (حزب الله، الحشد الشعبي، وانصار الله) بسقف عمليات اسناد عسكرية مشروطة بوقف الحرب على غزة ودعمها ولا تنطوي على اية مطالب خاصة.
حاولت إسرائيل أن تستدرج المحور الى حرب أوسع، وردود فعل ينجم عنها قتل عدد كبير من المدنيين الإسرائيليين أو اجتياح الجليل، الأمر الذي يستدعي تدخل واشنطن وحلفائها لنجدة الدولة العبرية. محاولة الاستدراج الأولى تمت في 2 يناير ـ كانون الثاني عام 2024 عبر اغتيال صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس في ضاحية بيروت الجنوبية.
هذا الاستهداف بررته إسرائيل بالقول إنها في حالة حرب مع حماس التي تطلق صواريخ من لبنان وأن من حقها استهداف قادة الحركة أينما وجدوا بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لكن الاستهداف يضع معادلة الضاحية ـ تل أبيب التي رسمها حزب الله موضع اختبار. لم يرد الحزب بقصف تل أبيب واكتفى بالرد على قاعدة عسكرية إسرائيلية استراتيجية. وبدا أن معادلات الحزب في مواجهة إسرائيل ليست مقدسة وبالتالي يمكن عدم الالتزام بها، هذا إلى جانب استهداف العشرات من أعضاء الحزب ومقاتليه في جنوب لبنان والبقاع.
في هذا الوقت كانت الدولة العبرية تقصف بشكل دوري مواقع تابعة للحرس الثوري في سوريا، من دون ان تصدر ردود فعل سورية متناسبة، ومن دون ان تصدر عن المحور ردود فعل دفاعية عن سوريا، وبدا من خلال هذه العمليات الاستفزازية أن إسرائيل تمسك بزمام المبادرة وبات على أطراف المحور الخضوع لاختبارات متتالية مع كل ضربة.
الاختبار الأهم والأخطر وقع في 13 أبريل ـ نيسان عام 2024 عندما ضربت إسرائيل مبنى ملحقا بالقنصلية الإيرانية في دمشق أدى الى قتل محمد رضا زاهدي أحد القادة الكبار في فيلق القدس وعدد اخر من قادة الحرس.
كانت إسرائيل بحاجة ماسة لتوسيع إطار الحرب واستدراج إيران لخوضها فتكون فرصة لإخراج الحرب من ثنائية الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية إلى حرب محاور تؤدي إلى هزيمة الجمهورية الإسلامية ومحورها والتخلص إلى الأبد من مشروعها النووي.ما كان بوسع إيران ممارسة الصبر الاستراتيجي تجاه إهانة من هذا المستوى وقد عبر عن ذلك رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي بقوله ".. سينال الكيان ومن يدعمه عقوبة حتمية على جرائمهم الوحشية".
لم يتأخر الرد الإيراني طويلا فقد تم عبر حملة مسيرات وصواريخ باليستية مع تحديد ساعة الرد في 19 أبريل ـ نيسان 2024. كان الرد بعيدا جدا عن "العقاب الحتمي" لكنه أظهر في الوقت نفسه حجم ونوع القدرة الإيرانية الرادعة. وكشف في الجهة المقابلة عن تكتل غربي وعربي قادر وراغب في حماية إسرائيل من الهجمات الإيرانية المقبلة.
استنادا إلى هذا الاختبار ستقرر إيران الخروج من الصراع، تجنبا لحرب تستدرج اليها وتطيح بنظامها وربما بوحدة أراضيها، ناهيك عن أن شطرا كبيرا من الرأي العام الإيراني لا يؤيد حربا تدافع فيها ايران عن فلسطين وتدفع ثمنا باهظا ، في حين تقف الدول العربية والإسلامية في مكان بعيد عنها، الدول نفسها التي وقفت الى جانب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية المدمرة.
المرحلة الثانية
من انتخاب بزشكيان إلى القرار الدولي 1701
في ذروة التوتر بين إيران وإسرائيل على أثر ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق وقع حادث غريب الاطوار في مقاطعة إيران الآذرية على حدود دولة أذربيجان، بعد زيارة قام بها إبراهيم رئيسي الى هذا البلد الحليف لإسرائيل.
انتشرت تكهنات واسعة حول العملية من بينها ان الطائرة اسقطها الموساد الإسرائيلي عبر جهاز "بايجر" كالذي انفجر من بعد في مئات المقاتلين من حزب الله، ونسبت العملية الى مكتب الموساد في باكو العاصمة الآذرية.
نفت إيران هذه التكهنات وأكدت في تقرير رسمي حول الحادث صدر في أول سبتمبر ـ أيلول عام 2024 أن مروحية رئيسي سقطت جراء ظروف مناخية صعبة، وأن لا أثر لمتفجرات أو رصاص في هيكلها، ولا آثار غريبة في محادثات طاقمها مع برج المراقبة في المنطقة.
كائنا ما كان السبب في مقتل رئيسي، فان خليفته سينقل السياسة الخارجية الإيرانية تجاه غزة إلى مكان مختلف تماما، بل سينظم خروج إيران من موقعها، في أو على حافة الحرب إلى مكان خلفي ابعد بكثير.
الملفت في الانتخابات المبكرة التي تلت مقتل رئيسي استبعاد مرشحين متشددين من التيار المحافظ وبخاصة محمود احمدي نجاد الذي كان يدعو لـ "زوال إسرائيل" ما يعني أن مجلس صيانة الدستور الذي يأذن بالترشيح ويصادق على المرشحين، فتح الباب واسعا أمام المعتدلين الذين يشبهون محمد جواد ظريف والذين يريدون ابعاد إيران مسافات طويلة عن حرب غزة.
مع انتخاب بزشكيان في ـ تموز ـ يوليو 2024 رئيسا للجمهورية الإسلامية في خضم حرب غزة، التقطت إسرائيل الرسالة واغتنمت الفرصة لتشديد الضربات على محور الممانعة، وعلى إيران نفسها، معتبرة أن التغيير الذي شهدته الجمهورية الاسلامية ينطوي على شعور بالهزيمة ورغبة بالخروج من الحرب، أو تجنبها.
لم تسمح إسرائيل للرئيس الإيراني المنتخب بالتقاط أنفاسه، فقد بادرت في 30 تموز ـ يوليو إلى اغتيال قائد حزب الله العسكري فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، واغتالت في اليوم التالي إسماعيل هنية رئيس حركة حماس في طهران. توعدتْ إيران بالرد على هذه العملية، لكن الرئيس الإيراني المنتخب تابع تصريحاته التراجعية ومن ضمنها تقديم عرض ب" وضع أسلحة ايران وإسرائيل جانبا وايكال امن المنطقة لقوة محايدة".
على الرغم من نفي هذا التصريح من بعد، فان تصريحات أخرى ادلى بها بزشكيان كانت تذهب في الاتجاه نفسه، وبخاصة تلك التي أطلقها في نيويورك خلال مقابلة هي الأولى من نوعها مع وسيلة اعلام أمريكية (سي. ان. ان 24. 9. 2024) "...لا نريد ان نكون سببا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. نريد ان نعيش بسلام ولا نريد الحرب. إسرائيل هي التي تسعى الى خلق هذا الصراع الشامل".
وأضاف بما يشبه إعلان سحب حزب الله من الحرب ".. حزب الله لن يقف بمفرده في مواجهة إسرائيل التي تدعمها وتدافع عنها وتزودها بالإمدادات دول غربية وأوروبية فضلا عن الولايات المتحدة الامريكية". جاءت هذه التصريحات بعد اغتيال وجرح مئات الأعضاء في حزب الله بواسطة " البايجر" المتفجر في 17 أيلول ـ سبتمبر والقائد العسكري للحزب، وهيئة أركان فرقة الرضوان في 20 أيلول سبتمبر 2024 .
سيتم اغتيال السيد حسن نصرالله بعد ثلاثة أيام من هذا التصريح في 27 أيلول ـ سبتمبر. وستغتال إسرائيل في 29 أيلول ـ سبتمبر الشيخ نبيل قاووق قائد الأمن الوقائي في الحزب.
معلوم أن إسرائيل زعمت قبل الحرب وخلالها، أنها كانت تعرف تنقلات نصر الله وتعرف مقراته، ولربما كانت تخشى أن يؤدي اغتياله إلى اشتراك إيراني مباشر في الحرب، ولربما اختارت توقيت الاغتيال بعد إعلان بزشكيان في نيويورك ما يشبه الخروج من الحرب.
سترد إيران على اغتيال هنية ونصر الله بهجوم صاروخي غير مسبوق على الدولة العبرية. أطلقت 180 صاروخا من عيارات مختلفة طالت مواقع أساسية، من دون أن تتمكن أجهزة الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية والحليفة من اعتراض القسم الأكبر منها. في هذا الوقت بدا أن إيران على وشك الانخراط المباشر في الحرب وأن الكلمة العليا في البلاد صارت للحرس الثوري والتيار المحافظ.
ما كان بوسع إيران أن تسكت على الرد الإسرائيلي المتغطرس على عرضها بالخروج من الحرب هي وحزب الله والتفاوض مع واشنطن على صيغة الخروج، علما أن العرض تم بعد اغتيال إسماعيل هنية قائد حماس في طهران، وقائد حزب الله العسكري فؤاد شكر، ثم قيادة أركان الحزب. لقد فهمت إسرائيل من العرض الإيراني أن الجمهورية الإسلامية تريد اخراج المحور من الحرب بعد الضربات التي تلقاها، وان على تل ابيب ان تطلق رصاصة الرحمة على أطرافه في غزة ولبنان.
ما كان بوسع إيران أن تسكت على الرد الإسرائيلي المتغطرس على عرضها بالخروج من الحرب هي وحزب الله والتفاوض مع واشنطن على صيغة الخروج، علما أن العرض تم بعد اغتيال إسماعيل هنية قائد حماس في طهران، وقائد حزب الله العسكري فؤاد شكر، ثم قيادة أركان الحزب.لن تتوقف إسرائيل عن توجيه الضربات القاسية لحزب الله رغم الهجوم الإيراني الصاعق، فقد اغتالت في 3اكتوبر ـ تشرين الأول الشيخ هاشم صفي الدين الخليفة شبه المعين للسيد حسن نصرالله.
سيقاتل حزب الله في الأسابيع التالية قتال الانسحاب من الحرب ان جاز التعبير، وسينفذ اعمالا بطولية ما كانت كافية لان تغير مسار الحرب ولا في نتائجها. كانت تكفي فقط للحصول على وقف لإطلاق النار من خلال القرار 1701 لكن إسرائيل لن تتوقف عن ملاحقة أعضاء الحزب في جنوب لبنان والبقاع وبيروت حتى لحظة كتابة هذه السطور في أوائل أيار ـ مايو.
لقد أدى خروج إيران من حافة الحرب في غزة إلى فتح مفاوضات جديدة مع الإدارة الأمريكية حول ملفها النووي، بعد استعراض قوتها وبخاصة في الضربة الأخيرة ( أكتوبر 2024) التي أدت الى تجميد الحياة في كل انحاء إسرائيل خلال ليلة طويلة من دون أن تتمكن وسائل الدفاع الإسرائيلية والغربية من إسقاطها او الحد من زخمها. كانت تلك رسالة مهمة للولايات المتحدة الامريكية التي ما عادت راغبة في خوض حروب جديدة في الشرق الأوسط، ولو خاطرت، لن يكون بوسعها تحقيق الحلم الإسرائيلي بتدمير إيران كما دمرت العراق وأفغانستان من قبل.