نشرت مجلة "لوبوان" اليمينية الفرنسية افتتاحية، في عددها الأخير، أقرب إلى تصفية حسابات و"تفكير رغبوي" على خلفية قضية بوعلام صنصال، الكاتب الجزائري المسجون في الجزائر (الذي حصل قبل أشهر على الجنسية الفرنسية)، وكذلك قضية كمال داود الكاتب الجزائري (الذي منحه ماكرون بقرار رئاسي الجنسية الفرنسية في 2020)، وهو كاتب عمود أسبوعي في المجلة نفسها.
الافتتاحية جاءت بعنوان "درس سوري للجزائر" وبتوقيع محرر الشؤون الخارجية في المجلة لوك دي باروشي، الذي زعم أن النظامين الجزائري والسوري المنهار كانا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا. وذهب للتساؤل: هل يمكن أن يواجه نظام الجزائر نفس مصير نظام دمشق؟
زعم الكاتب أن "الجزائر هي واحدة من الدول القليلة التي تأسفت على الإطاحة بـ "جزار دمشق" (بشار الأسد). وأن سقوط الطاغية السوري يضعف موقفها الاستراتيجي ويغرقها أكثر في المأزق الجيوسياسي. وأنها كحليفة وفية لديكتاتورية الأسد الأب (حافظ) ثم الابن (بشار)، وقد أصبحت (الجزائر) الآن محرومة من شريك كان قريبًا وثمينًا بالنسبة لها". وذكر الكاتب أن الجزائر "أكدت في 3 ديسمبر، مرة أخرى عبر بيان رسمي "تضامنها الثابت" مع "الدولة الشقيقة"، بينما كانت القوات المتمردة الإسلامية تتقدم نحو دمشق."
لم ينتظر الجزائريون الغيورون والمحبون لبلدهم مجلة "لوبوان" الفرنسية ومعناها بالعربية "النقطة"، ليضعوا "النقاط على الحروف"، ويدعون النظام الجزائري لتعلم الدروس واستخلاص العبر مما حدث في سوريا وسقوط نظام الأسد، وهروبه رأسه بشار.وادعى الكاتب أن "الطيور على أشكالها تقع: تمامًا مثل النظام السوري السابق، يغوص نظام الجزائر في جذوره في الأيديولوجية القومية العربية لجمال عبد الناصر، الاشتراكية والمعادية للغرب. وقد كان كلا البلدين تحت السيطرة الفرنسية، سوريا في فترة الانتداب (1920 ـ 1946) والجزائر خلال فترة الاستعمار (1830 ـ 1962)، لكن هذا لم يكن ما قربهما أكثر. فابتداءً من استيلاء حافظ الأسد على السلطة في دمشق عام 1970 وحتى 8 ديسمبر 2024، تشارك النظامان بشكل أساسي في نفس التنظيم العسكري ـ السياسي القائم على الجيش وأجهزة المخابرات، نفس الأسلوب المفترس، نفس القمع لجميع الأصوات المعارضة ـ على غرار الكاتب الفرنسي ـ الجزائري بوعلام صنصال، الذي سُجن منذ 16 نوفمبر بأمر من السلطة الجزائرية ـ ونفس الحليف والمورد الرئيسي للأسلحة، الاتحاد السوفييتي ثم روسيا، والذي انضمت إليه إيران بعد الثورة الإسلامية".
ومضى الكاتب ليقول إن: "الجزائر ودمشق أظهرتا أيضًا باستمرار نفس الهوس المعادي لإسرائيل بشراسة. ومنذ أواخر السبعينيات، كان البلدان أعمدة "جبهة الرفض" التي أدانت السلام بين مصر وإسرائيل باسم "التضامن" مع الشعب الفلسطيني. وفي 7 أكتوبر 2023، رفضا إدانة حماس بسبب مجازرها، التي برروها باسم حق الفلسطينيين في محاربة "الاحتلال الصهيوني".
ويضيف الكاتب "مع ذلك، فإن التعاطف مع الفلسطينيين متغير. فمنذ انتفاضة عام 2011 في سوريا، راهنت الجزائر بلا هوادة على نظام دمشق، الذي عذب معارضيه بشكل فظيع، وقصف مواطنيه بالأسلحة الكيميائية، وارتكب العديد من المجازر، بما في ذلك ضد اللاجئين الفلسطينيين في حي اليرموك جنوب دمشق. وهذه الأفعال لم تمنع الجزائر من التصويت داخل الجامعة العربية ضد طرد سوريا ثم النضال من أجل إعادة إدماجها، حتى حصلت على مبتغاها في عام 2023".
واصل الكاتب يقول: "استخدمت الجزائر بدورها ذريعة الحفاظ على الاستقرار لقمع الحراك المؤيد للديمقراطية الذي نزل فيه ملايين الجزائريين إلى الشوارع، بدءًا من فبراير 2019، للمطالبة بإقالة الرئيس بوتفليقة. للأسف، خليفته، الرئيس تبون، هو أكثر من مجرد رهينة راضية للنخبة العسكرية التي يقودها رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول سعيد شنقريحة، البالغ من العمر 79 عامًا. والضباط الكبار، الذين يسيطرون على اقتصاد البلاد ومواردها النفطية والغازية، والذين ارتجفوا خلال الحراك، وهم يعتزمون تجنب أي خيبات مستقبلية من خلال خنق أي معارضة في مهدها".
المجلة الفرنسية، التي سبق أن أفردت حوارا خاصا لتبون في 2021، أبرزه الإعلام الجزائري حينها، قبل أن يتحول لمهاجمتها ووصفها باليمينية المتطرفة المتحاملة والمنحازة للمغرب، مضى كاتبها ليقول: "إن فقدان الحليف السوري هو أكثر مرارة للجزائر لأن سقوط الأسد قد عزز العدو ـ الشقيق المغربي. بينما المملكة الشريفية تحافظ على علاقات ودية مع القوتين اللتين تستفيدان أكثر من الثورة السورية، وهما تركيا وإسرائيل".
رغم أن تركيا لديها علاقات جيدة مع الجزائر، ومصالحها الاقتصادية أكبر في الجزائر من المغرب، وقد أزاحت فرنسا لتصبح أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، منذ نهاية 2018 باستثمارات بلغت زهاء 4.5 مليار دولار، كما تحصي البلاد تواجد أكثر من 800 شركة تركية في قطاعات عدة.
واللافت أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون دافع بقوة عن التطور اللافت للعلاقات بين الجزائر وتركيا (على حساب فرنسا)، في مقابلة مع مجلة “لوبوان” نفسها في مايو 2021.
والمثير أن من أجرى المقابلة مع تبون في قصر الرئاسة الجزائرية، كان كمال داود نفسه (مع مراسل المجلة في الجزائر)، والذي طرح على الرئيس الجزائري سؤالا بدا "اتهاميا لتركيا وتغلغلها في الجزائر"، ولم يكن ذلك مفاجئا للمتابعين، على اعتبار أن داود نفسه عرف بمقالاته التهجمية على ما يصفها "تركيا التوسعية العثمانية"، وعلى رئيسها "الإسلامي أردوغان" شخصيا. كما عرفت المجلة الفرنسية نفسها بتهجماتها المتكررة على الرئيس التركي.
وفي رده على سؤال كمال داود و"لوبوان"، حينها قال تبون "إن بلاده تتمتع بعلاقات ممتازة مع الأتراك "الذين استثمروا قرابة 5 مليارات دولار دون أي مطالب سياسية مقابل ذلك”. وأضاف: "أولئك الذين أزعجتهم (يقصد فرنسا) هذه العلاقة (بين الجزائر وتركيا) عليهم فقط أن يأتوا ويستثمروا عندنا".
وإن كان في العلاقة بين الجزائر وتركيا على خلفية هجوم المعارضة السورية وتقدمها أمام انهيار قوات نظام الأسد والميلشيات الإيرانية الداعمة له، بدا للمراقبين، أنه كان هناك ضوء أخضر لأذرع إعلامية جزائرية خاصة لمهاجمة دور تركيا في دعم المعارضة السورية، مما أثار فعلا عدة تساؤلات حينها، وتأكيدات أنه ما كانت هذه الأذرع الإعلامية، التي تدافع عن النظام السوري، تماهيا مع الموقف الرسمي الجزائري حينها، أن تقوم بذلك بدون موافقة من أصحاب القرار. بل إن هذه الأذرع الإعلامية واصلت في مهمة التشويه والتخويف من الوضع الجديد في سوريا بعد سقوط الأسد!
أما بالنسبة لإسرائيل فإن الرد الجزائري على "لوبوان" قد لا يحتاج شرحا كبيرا على اعتبار أن المجلة الفرنسية معروفة بدعمها لإسرائيل ودفاعها وتبريرها لما تقوم به في غزة. والاتهامات الجزائرية الموجهة للمغرب بالاستقواء بإسرائيل لاستهداف استقرار الجزائر.
وفي ما بدت "تصفية حسابات واضحة" من المجلة نفسها، "تقول ما تقول عن توجهها"، واصل كاتب "لوبوان" ليكتب في مقاله: "وقد حقق (المغرب) للتو سلسلة من الانتصارات الدبلوماسية في النزاع الذي يواجهه مع الجزائر بشأن السيادة على الصحراء الغربية. فقد حشد الولايات المتحدة (2020)، وإسبانيا (2022) ثم فرنسا (2024) إلى جانبه".
وقد ذهب الكاتب للزعم أن "كل هذه الصفعات للجزائر تتواصل، فيما سوريا، من جهتها، لطالما دعمت الحركة الاستقلالية المؤيدة من قبل الجزائر في الصحراء الغربية "جبهة البوليساريو". ووفقًا للصحافة المغربية، فإن مقاتلي الجبهة قد حاربوا حتى المعارضة في سوريا إلى جانب قوات الأسد وحزب الله اللبناني".
وتعتبر الأوساط الجزائرية، حتى التي تعارض السلطة، أن هذه "دعاية كاذبة تتكرر منذ مدة في الإعلام المغربي، وأنه لا أساس لها من الصحة، وقد تم إعادة تدويرها مع سقوط نظام الأسد بكثير من الأخبار الكاذبة، بينها الادعاء حتى أن هناك جنودا جزائريين قاتلوا مع نظام الأسد، وترويج أنه تم اعتقال جنرال جزائري مزعوم باسم مفبرك لا يمت بصلة بالجزائر"!
واعتبر كاتب "لوبوان" أن "فرار طاغية دمشق إلى موسكو لم يزد فقط من عزل الجزائر دبلوماسياً. بل ذكر الجزائر أيضًا أن الديكتاتوريات ليست أبدية، وأنه يأتي دائمًا وقت ينهار فيه الطغيان. كما أظهر أن دعم روسيا وإيران ليس بأي حال من الأحوال ضمانًا قويًا للأمان".
وزعم في الأخير أنه "مع ذلك، من المحتمل أن النظام الجزائري، المتمسك بيقينياته، لن يستخلص أي درس من ذلك".
ساعات بعد سقوط نظام الأسد وهروبه، عادت وزارة الخارجية الجزائرية، في ما بدا تداركا للموقف وبلغة مغايرة عبر بيان، تدعو فيه إلى الحوار بين أبناء الشعب السوري، بكافة أطيافه ومكوناته، وتغليب المصالح العليا لسوريا والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد والتوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري بعيدا عن التدخلات الأجنبية".تأتي افتتاحية "لوبوان" وسط توتر كبير بين الجزائر وفرنسا أخذ بعدا تصعيديا كبيرا باتهام السلطات الجزائرية المخابرات الفرنسية بـ"تجنيد إرهابيين وحتى عرض تزيدهم بالأسلحة في الجزائر لضرب استقرارها"! وكان أحد أوجه هذا التصعيد أيضا قضية الكاتب الجزائري ـ الفرنسي كمال داود، الذي يكتب عمودا في المجلة اليمينية، والذي دافعت عنه الأخيرة عما اعتبرته "مؤامرة من النظام الجزائري ضده" على خلفية رواية "حوريات"، التي فاز بها بـ"غونكور" أكبر جائزة أدبية فرنسية. وكذلك قضية الكاتب الجزائري ـ الفرنسي الآخر بوعلام صنصال المسجون في الجزائر، والذي انبرت المجلة للدفاع عنه أيضا بشراسة، وقد تناول كمال داود في عموده ـ في العدد الأخير نفسه للمجلة ـ قضية "أخاه بوعلام صنصال"، كما يصفه، كما صدرت افتتاحية أخرى دفاعا عنه وعن كمال داود، وباستعارة من كلماته، بقلم مدير المجلة إيتيان غيرنال.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مالك مجلة "لوبوان" هو الملياردير الفرنسي فرانسوا بينو، الذي كان التحق بجيش الاحتلال الفرنسي في الجزائر، وخدم فيه بين 1956 و1958.
وتروج المجلة لطروحات اليمين الفرنسي العنصري المتطرف، بـ"هوس" خاص في موضوع الاستعمار الفرنسي للجزائر تحديدا ومحاولة تبيضه!
ولهذا تبدو افتتاحية محررها للشؤون الدولية عن الدرس السوري للجزائر، أبعد من أن تكون عن حرص، إنما تحركها أجندة وتصفية حسابات. فالمجلة التي أصبحت وبسبب داود وصنصال، تهاجم "النظام الجزائري الديكتاتوري" القامع للحريات، بينما لم تكن تبالي بقمع وسجن ومتابعة صحافيين، وناشطين، لسنوات من رئاسية تبون. وفي الحوار الذي أجرته مع تبون، ووصفته بـ"الحوار الكبير والانفراد، لم يطرح كمال داود فيه سؤالا عن قمع الحريات في الجزائر.
والمجلة التي تتحدث الآن عن "الحراك الشعبي السلمي الديمقراطي المقموع" في الجزائر، بدت بالعكس متواطئة في "دفنه" مع النظام الجزائري، مثلما أبرزت على صدر صفحتها الأولى مقالا لكمال داود، يدفنه فيه في نفس فترة الحوار مع تبون! واستمر داود نفسه في التهجم على الحراك الجزائري في المجلة نفسها أو في وسائل إعلام أخرى.
لم ينتظر الجزائريون الغيورون والمحبون لبلدهم مجلة "لوبوان" الفرنسية ومعناها بالعربية "النقطة"، ليضعوا "النقاط على الحروف"، ويدعون النظام الجزائري لتعلم الدروس واستخلاص العبر مما حدث في سوريا وسقوط نظام الأسد، وهروبه رأسه بشار.
وكان كثير من الجزائريين انتقدوا موقف السلطات الجزائرية من تطورات الوضع في سوريا، ودعم النظام الشنيع الذي جثم على صدور السوريين لأربع وخمسين سنة، حتى آخر لحظة.
فقبل خمسة أيام من سقوطه وهروبه، أعلنت السلطات الجزائرية عن دعم نظام بشار الأسد، وذلك خلال مكالمة هاتفية أجراها وزير الخارجية، أحمد عطاف، مع نظيره في النظام السوري المطاح به، لمواجهة ما أسماها عطاف "التهديدات الإرهابية التي تتربص بسيادتها ووحدتها وحرمة أراضيها، وكذا أمنها واستقرارها".
من جانبه تحدث ممثل الجزائر في الأمم المتحدة عن "ضرورة التنسيق من أجل مكافحة الإرهاب". وحذر مما أسماه خطر "عودة الإرهاب في سوريا".
جاء ذلك بعد يوم من موقف بدا متوازنا لسفير الجزائر في سوريا كمال بوشامة، الذي تحدث لقناة جزائرية بعد سقوط حلب، عن وجود آلاف المواطنين الجزائريين في سوريا، وتمنى "الهدنة والرجوع إلى العقل في هذا البلد الذي أظهر منذ قرون ثقافته وحضارته العريقة بشعبه الراقي والمتحضر".
لكن ساعات بعد سقوط نظام الأسد وهروبه، عادت وزارة الخارجية الجزائرية، في ما بدا تداركا للموقف وبلغة مغايرة عبر بيان، تدعو فيه إلى الحوار بين أبناء الشعب السوري، بكافة أطيافه ومكوناته، وتغليب المصالح العليا لسوريا والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد والتوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري بعيدا عن التدخلات الأجنبية".
وهي دعوة ونصيحة جيدة ليت النظام الجزائري ينصح نفسه بها، ويعمل بها في وطنه ومع شعبه!
*كاتب جزائري مقيم في لندن
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجزائري سوريا علاقات سوريا الجزائر علاقات رأي مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الجزائری الکاتب الجزائری سقوط نظام الأسد الشعب السوری بوعلام صنصال نظام الجزائر بین الجزائر الجزائر فی فی الجزائر فی المجلة کمال داود فی سوریا بعد سقوط
إقرأ أيضاً:
كيف كان تأثير الحرب والعقوبات على اقتصاد سوريا؟ 7 نقاط تشرح ذلك
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سوريا والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ورفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها سيمهد ذلك الطريق أمام الآخرين لأخذ المنحى نفسه.
وفيما يلي ملخص للوضع الحالي للاقتصاد السوري، وكيف أعادت الحرب على مدى 14 عاما، التي انتهت بسقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشكيل التجارة والمالية الحكومية.
1- ما وضع الاقتصاد السوري؟ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبا ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة. تُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022، ويرجح البنك الدولي أنه حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024. أُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018، إذ يعيش أكثر من 90% من سكانها البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة. 2- ماذا حدث للعملة السورية؟ تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سوريا في عام 2019 عندما انزلق لبنان المجاور إلى أزمة، نظرا للعلاقات الاقتصادية والمالية الواسعة التي تربط البلدين. طرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة. بعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية. اختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما. بلغ سعر الصرف أمس الأربعاء 11 الفا و65 ليرة للدولار الواحد، مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار نحو 22 ألف ليرة وقت سقوط الأسد العام الماضي، و47 ليرة في مارس/آذار 2011 عندما اندلعت الحرب. إعلان 3- كم تبلغ الديون المستحقة على سوريا؟ قالت الحكومة إن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، معظمها في شكل قروض ثنائية، لكن هذه الديون قد تكون أعلى بكثير نظرا لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار. يقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب "بغيضة"، وهي ديون تحملتها البلاد من دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه الكثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة. يظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب أيضا تحديد الجهات السورية الملزمة مثل الحكومة أو البنك المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية، إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.أدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري، وتضاءلت إمكانية الحصول على البذور والأسمدة، إذ:
تراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي 4 ملايين طن سنويا قبل الحرب. استوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا، وتوقفت التدفقات مؤقتا عندما تغير النظام الحاكم، لكنها استؤنفت الشهر الماضي. أبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح من دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات. إعلان