دبلوماسيون فرنسيون: الأميركيون فعلوا في النيجر عكس ما توقعناه
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
تفاقم خلال الأيام الماضية الخلاف الأميركي-الفرنسي حول تطورات النيجر لكنه بقي صامتاً واستفاد من اللهجة الدبلوماسية للمواقف الرسمية ومن بينها تصريحات صدرت عن ناطقة باسم الخارجية الفرنسية قالت فيها إن بلادها "تنسق بشكل وثيق مع الشريك الأميركي الذي يتقاسم معنا هدف إعادة النظام الدستوري إلى النيجر".
هذا الكلام الذي جاء رداً على سؤال حول ما إذا كانت مواقف البلدين متباينة إزاء ما يجري في النيجر، يحجب استياءً فرنسياً كبيراً من الموقف الأميركي، وهو موقف يعتبره كثيرون في قصر الاليزيه ووزارة الخارجية الفرنسية في أساس تعثّر جهود باريس لإعادة محمد بازوم إلى السلطة، مشيرين إلى أنه أربك الجهود الأفريقية وأعطى، برأي فرنسا، المجلس العسكري في النيجر غطاءً سمح له برفض كل المبادرات.
ويذهب دبلوماسيون في الرئاسة والخارجية إلى حدّ القول: "مَن كانت الولايات المتحدة حليفته لا يحتاج إلى عدوّ"، ويضيفون: "لا يمكننا فهم الموقف الأميركي مما يحصل في النيجر. أن تجلس مساعدة بلينكن، فيكتوريا نولاند، على الطاولة مع الانقلابيين في نيامي دون التنسيق مع فرنسا يعني أن الأميركيين يفعلون تماماً عكس ما توقعناه منهم. فجأةً تراجعوا عن ضرورة إعادة بازوم إلى السلطة وأصبحوا يتحدثون فقط عن الإفراج عنه وعن ظروف اعتقاله السيّئة".
طعنات أميركية متلاحقةكما يشير المسؤولون الفرنسيون إلى أن نولاند، طلبت أن تلتقي بازوم إذا زارت نيامي، وخلال الزيارة لم يُسمح لها بذلك، ثم طلبت لقاء عبد الرحمن تياني زعيم مَن تصفهم فرنسا بـ"الانقلابيين"، ولم يوافق الأخير على اللقاء، ورغم كل ذلك قال بلينكن بعد انتهاء زيارة نولاند إلى نيامي إنه "لا يوجد حل عسكري مقبول". "كل ذلك شجّع الذي أطاحوا برئيس النيجر المنتخب ديمقراطياً على رفض كل الحلول الدبلوماسية"، يضيف المسؤولون أنفسهم.
كلّ هذه المواقف الأميركية، معطوفةً على إعلان الولايات المتحدة أن سفيرتها الجديدة لدى النيجر كاثلين فيتزجيبون ستصل إلى نيامي قريباً، دفعت مسؤولاً عسكرياً فرنسياً بارزاً إلى وصفها بـ"الطعنات الأميركية المتلاحقة" في ظهر فرنسا.
ورغم أن للولايات المتحدة قاعدة عسكرية شمال النيجر تضمّ حوالى ألف ومئة جندي وتقوم بمراقبة الأجواء من خلال مُسيّرات في إطار عمليات مكافحة الإرهاب، ورغم مطالبة المجلس العسكري بانسحاب كلّ القوات الأجنبية من البلاد، تبقى فرنسا أول هدف للّهجة الحادّة التي يستخدمها الشارع المؤيّد للمجلس، وفي هذا المجال قال همة أمادو رئيس وزراء النيجر الأسبق في حديث ل"العربية نت" من باريس التي يتواجد فيها حالياً "إن الأميركيين يدافعون عن مصالحهم بعدوانية أقلّ فيما يتعلق بالنيجر، فمقاربتهم تبدو لي أكثر انسجاما مع منطق العلاقات بين الدول، إذ لا يريدون فرض الديمقراطية بالقوة".
من جهته قال النائب الفرنسي من المعارضة الاشتراكية جيرار لوسول لـ"العربية نت" إن الفرنسيين يخشون أن تتجاوزهم واشنطن، فيما يخشى الأميركيون أن تتجاوزهم ميليشيات فاغنر الروسية لذلك يتحدثون عن الدبلوماسية، ولكن يجب أن يصاحب الدبلوماسية التهديد بالتدخل العسكري كي تكون فاعلة وتعيد النظام الدستوري".
ويقول مراقبون في باريس للتطوّرات المتعلّقة بالنيجر إن الوقت أفضل حليف للذين أطاحوا بمحمد بازوم، فهؤلاء يعرفون أن حرباً فرنسية مباشرة عليهم ستكون ضرباً من الجنون، أما الحرب غير المباشرة عبر دول أفريقية فإن هذه الدول نفسها لا تريدها، وحتى لو أرادتها فهي لن تربح فيها إلا بثمن باهظ جداً، وفي كلّ الأحوال تدرك فرنسا جيداً أنها في طريقها إلى خسارة آخر معاقلها في منطقة الساحل الأفريقي وهي خسارة لن يكون أصعب منها سوى الاعتراف بحصولها، وهو اعتراف قد لا يحصل لفظياً بل سيترجمه عملياً اضطرار باريس إلى سحب ألف وخمسمئة من جنودها ما زالوا يتمركزون في النيجر، وما زالت فرنسا تقول إنها لن تسحبهم لأنهم موجودون بناءً على الاتفاقيات الموقعة مع السلطات الشرعية في النيجر والتي لا تعترف فرنسا بسواها، والمقصود هنا الرئيس بازوم وحكومته.
مادة إعلانية تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News النيجرالمصدر: العربية
كلمات دلالية: النيجر فی النیجر
إقرأ أيضاً:
أين أوروبا من نزاعات الشرق الأوسط في زمن القرار الأميركي؟
تواصل الولايات المتحدة قيادة مسار الأحداث، سواء عبر الضربات العسكرية أو التفاهمات السياسية، ما يكرّس واقعًا استراتيجياً تُمسك فيه واشنطن بكافة خيوط اللعبة. اعلان
في خضمّ الصراعات المتتالية التي تهزّ الشرق الأوسط، من الحرب المدمّرة في غزة إلى المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، يبرز سؤال جوهري: أين أوروبا من كل هذا؟ فعلى الرغم من النداءات المتكررة لدور أوروبي مستقل وفاعل في القضايا الدولية، تكشف الأحداث الأخيرة عن غياب شبه تام، أو في أفضل الأحوال، حضور رمزي بلا تأثير يُذكر. وبينما تواصل الولايات المتحدة فرض نفسها بقوة، تبدو القارة العجوز متخبطة بين التصريحات الدبلوماسية والتحالفات الاستراتيجية.
غزة ودعوات التهدئةتستمر الحرب في قطاع غزة، بظل أوضاع إنسانية متدهورة وأزمة سياسية معقدة. وفي كل مرة، يبدو الصوت الأوروبي خجولا في ظل الجلبة التي يحدثها الصدى القادم من الضفة الأخرى للأطلسي وحالة الانقسام داخل الجسد الأوروبي الواحد ما ينتج عنه إصدار بيانات تعرب عن "قلق عميق" و"دعوات للتهدئة".
الاتحاد الأوروبي، ورغم كونه من أكبر الداعمين الماليين للسلطة الفلسطينية، عجز عن ترجمة هذا التمويل إلى نفوذ سياسي حقيقي على الأرض. كما لم يتمكن من لعب دور وساطة جادّ، حيث تمسك واشنطن بخيوط اللعبة وحرية المبادرة.
حاولت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا الضغط لوقف إطلاق النار، لكن هذه الجهود بقيت ضمن إطار الاتصالات الهامشية، في وقت كانت الولايات المتحدة ترسم خطوط التهدئة بالتنسيق مع القاهرة والدوحة وتل أبيب.
الملف الإيراني: المفاوضات التي لم تُثمرمنذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، خسر الأوروبيون قدرتهم على التأثير الفعلي في الملف الإيراني. ورغم الجهود التي بذلتها الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) لإحياء الاتفاق، لم تسفر محادثاتهم مع طهران عن أي نتائج ملموسة.
وخلال اللقاءات الأخيرة مع المسؤولين الإيرانيين، والتي جاءت في ظل التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل، بدت أوروبا في موقع المتلقي لا المبادر. لم تتمكن من كبح التصعيد ولا من دفع طهران لتقديم تنازلات، في حين كانت واشنطن تقود الضربات الجوية وترسم خريطة الردود والردود المضادة.
أحد الدبلوماسيين الأوروبيين السابقين، في حديث لمجلة "Foreign Policy"، وصف الموقف الأوروبي بـ"الرمزي"، قائلاً: "نحن موجودون على الطاولة، لكن من دون أدوات ضغط أو قدرة على التأثير".
Relatedفي ظل الخروقات الأمنية.. هل يُمكن لإيران تصنيع قنبلة نووية في السر؟نتنياهو يشكر ترامب: معًا سنجعل الشرق الأوسط عظيمًا من جديد.. هل اقتربت "صفقة غزة"؟ ترامب ينفي تقارير عن مساعدة إيران في برنامج نووي سلميالبُعد البنيوي للأزمة الأوروبيةيكمن جزء من المشكلة في البنية السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي، الذي لا يملك جيشًا موحدًا ولا سياسة خارجية واحدة. تتضارب المصالح بين دوله الأعضاء، فبينما تميل دول مثل فرنسا للانخراط السياسي في الشرق الأوسط، تفضل دول أخرى الحذر وعدم الانجرار إلى مناطق التوتر.
كما أن الاعتماد الأوروبي العميق على المظلة الأميركية، من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يجعل من الصعب تبني مواقف مغايرة لواشنطن، خصوصًا في قضايا تمس الأمن الإقليمي والاستراتيجية النووية.
أمريكا: "الكل بالكل" في المنطقةفي مقابل الشلل الأوروبي، تبدو الولايات المتحدة حاضرة في كل تفاصيل الشرق الأوسط. فهي من ترسم حدود التدخل العسكري، وتفاوض في الخفاء وتعلن في العلن.
من قصف المنشآت النووية الإيرانية، إلى ترتيب الهدن في غزة، مرورًا بإدارة علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب، لا تكاد تخلو قضية في المنطقة من البصمة الأميركية.
ولعل أبرز تجلٍ لهذا التفرّد كان في الهجمات الأخيرة التي نفذتها واشنطن ضد مواقع نووية إيرانية، دون أن يُسجَّل اعتراض أوروبي يُذكر، بل غالبًا ما تُترك المهمة لوزارة الخارجية الأميركية لتوضيح أو تبرير هذه العمليات.
نحو دور أوروبي أكثر واقعية؟يرى مراقبون أن على أوروبا أن تعيد تعريف أولوياتها الإقليمية، وتبحث عن أدوات أكثر فاعلية من مجرد الإدانة أو المساعدات الإنسانية. البعض يطرح فكرة تفعيل سياسة "الاستقلال الاستراتيجي" التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لكن هذا الطرح، رغم أهميته، لا يزال يواجه مقاومة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه.
في ظل هذه التحديات، قد يبقى الدور الأوروبي في الشرق الأوسط مجرد ظلّ لما ترسمه واشنطن، ما لم تبادر القارة العجوز إلى إعادة هيكلة أدواتها الدبلوماسية والعسكرية، وصياغة سياسة خارجية أكثر توحدًا وصلابة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة